Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينتظر تونس "سيناريو كارثي" مع تعثر الحصول على قرض دولي؟

يتوقع مختصون تراجع مخزون البلاد من العملة الأجنبية والحكومة قد تلجأ إلى تقليص الاستيراد

تنتظر الحكومة التونسية من صندوق النقد الدولي قرضاً مالياً بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح (أ ف ب)

ملخص

شهد معدل #التضخم في #تونس في فبراير 2023، ارتفاعاً غير مسبوق، بنسبة 10.4 في المئة، في ظل استمرار تذبذب وفرة #السلع_الأساسية محلياً وارتفاع أسعارها عالمياً

مع مرور الوقت يزداد الوضع المالي لتونس سوءاً مع توقع بمزيد من التعثر للوضع الراهن المتردي، إثر الصعوبات التي تواجهها الشركات الحكومية في الخروج إلى الأسواق العالمية لتأمين تزويد البلاد بالمواد الأولية وفي مقدمتها المحروقات والمواد الغذائية الأساسية.

وقد يزداد الوضع سوءاً في ظل الظرف المناخي الصعب الذي تمر به البلاد من انحباس للأمطار ما سيؤثر في محصول البلاد من القمح وقد يضطرها الى رفع فاتورة توريد الحبوب.

وتنتظر الحكومة التونسية من صندوق النقد الدولي "الإفراج" عن قرض مالي بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح على أربع سنوات، لتتمكن من الخروج إلى الأسواق المالية وتعبئة الموارد لموازنة هذا العام وكذلك سد فجوة موازنة 2022 التي لم يتم إغلاقها إلى الآن.
وعلى رغم حصول اتفاق الخبراء في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بين تونس وصندوق النقد الدولي وإرجاء الاتفاق النهائي والرسمي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الا أن المكتب التنفيذي للصندوق سحب مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله في الشهر ذاته، وأجَل الموافقة النهائية، ما شكَل صدمة للحكومة التونسية والمتخصصين في الشأن الاقتصادي في البلاد.

وبررت الحكومة التونسية عبر تصريحات إعلامية لعدد من وزرائها، هذا التأجيل بمنح الصندوق السلطات التونسية مزيداً من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاحات وفي مقدمتها الموافقة الحكومية على "قانون الشركات الحكومية" الذي يحظى بمعارضة شديدة من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية القوية والفاعلة في البلاد.

إجراءات تقشفية

وكانت تونس توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات الحكومية.

وتونس بحاجة ماسة إلى المساعدة الدولية منذ شهور، في وقت تعاني أزمةً في المالية العامة أثارت مخاوف من احتمال تخلفها عن سداد الديون وأسهمت في نقص العديد من السلع الغذائية.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة عمقتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير (شباط) 2022.

وفي فبراير 2023، شهد معدل التضخم في تونس ارتفاعاً غير مسبوق، بنسبة 10.4 في المئة في ظل استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محلياً وارتفاع أسعارها عالمياً، بحسب المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

هامش تحرك ضئيل

ويجمع المتخصصون في الاقتصاد في تونس على أن الحكومة ابتدعت مسألة غريبة في إعداد الموازنة تتمثل في إقامة فرضية جديدة لتوازن الموازنة، تتمثل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وبالتوازي مع فرضيات النمو وسعر صرف الدينار مقابل الدولار ومعدل اقتناء برميل نفط البرنت الخام، تم في موازنتي 2022 و2023 إضافة فرضية للمرة الأولى، تتمثل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كفرضية حقيقية من أجل تعبئة الموارد المالية خاصة بالعملة الأجنبية.

وأثار ذلك اندهاش المتخصصين في تونس من فرضية اصطناعية وغير موضوعية كهذه، متسائلين عن احتمال عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد ما سيجعل هامش تحرك الحكومة ضئيلاً ويكاد يكون منعدماً بخاصة من حيث استحالة الخروج إلى الأسواق المالية الدولية، وحتى وإن خرجت الحكومة التونسية فإن نسبة الفائدة في القروض الأجنبية ستكون باهظة جداً لتصل إلى مستوى 15 في المئة.

لتطويق المسألة لم تجد الحكومة حلاً سوى الاقتراض من القطاع المصرفي التونسي بالعملة المحلية وبالعملة الأجنبية ما جعل القطاع المصرفي منهكاً نسبياً وأسهم في تراجع عدد القروض الممنوحة إلى المواطنين والشركات.

وجعل تأثير هذه الوضعية المالية، تونس تجد صعوبات كبيرة في غلق موازنة 2022 بثغرة مقدرة في حدود 3 مليارات دولار مع صعوبات كبيرة في تعبئة الموارد المالية الضرورية لمواصلة تمويل موازنة 2023. ويرى عدد من المتخصصين في الشأنين الاقتصادي والمالي في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" أن تونس مقبلة على سيناريوهات كارثية في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وأن هامش تحركها سيكون محدوداً جداً وأن حصارها المالي قد يتضاعف.

اجتماعات الربيع الفرصة الأخيرة

وأكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، آرام بلحاج، أن "على تونس حسن توظيف انعقاد اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المنتظرة في أبريل (نيسان) المقبل من اجل إعادة برمجة ملفها على طاولة مسؤولي الصندوق". وشدد على أن "هذه الاجتماعات ستكون بمثابة الفرصة الأخيرة لتونس من أجل بلوغ اتفاق نهائي بشأن حصولها على القرض"، الذي قال إنه "فارق جداً لتونس في معركتها المالية الصعبة والحرجة".
واعتبر بلحاج أن "تونس عانت نوعاً من الحصار المالي بسبب تدهور وضعيتها المالية وتصنيفها السيئ من طرف وكالات التصنيف الدولية ما جعلها تلجأ إلى الاقتراض الداخلي ما أرهق بشكل لافت القطاع المصرفي المحلي.
ولفت في هذا الصدد إلى أن تونس اقترضت بقيمة 10 مليارات دينار (3.2 مليار دولار) بالعملة المحلية ولم تقترض بالعملة الأجنبية من البنوك سوى 7.5 مليار دولار مقابل برمجة اقتراض 14 مليار دولار، ما يعني وفق رأي المتحدث أنها عجزت عن تعبئة الموارد المالية الضرورية بسبب وضعيتها المالية المتدهورة وتصنيفها السيادي المتردي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سيناريوهات قاتمة

وتحدث آرام بلحاج عن سيناريوهات قاتمة في انتظار تونس في حال عدم حصولها على القرض المنتظر من صندوق النقد الدولي، منها، فرض ضغط على كميات العملة الأجنبية بمزيد من تآكلها، مرجحاً تدحرجها إلى مستوى أقل من 90 يوماً (حالياً 94 يوم توريد) إلى جانب فرض ضغط أكبر على البنوك المحلية لإقراض الدولة وكذلك فرض ضغوط متجددة على البنك المركزي التونسي من أجل السماح له بتمويل موازنة الدولة.
ولم يستبعد المتحدث أن "تتعقد الأمور المالية أكثر وتقوم الحكومة بسَنّ قانون مالية تكميلي أو تعديلي قد يتضمن ضرائب جديدة وإجراءات غير شعبية، بالتالي الدخول في نفق مظلم وسيناريو مالي خطير".
ويعتقد المتحدث أن صندوق النقد الدولي ينتظر في المرحلة الراهنة ثلاث مسائل، وصفها بالجوهرية وعلى تونس القيام بها، الأولى تتمثل في نشر قانون الشركات الحكومية في الجريدة الرسمية للبلاد بعد توقيعه من الرئيس قيس سعيد. والمسألة الثانية هي انتظار وعود التمويلات الخارجية من السعودية وقطر واليابان، أما الثالثة فهي تقديم رزنامة الإصلاحات الاقتصادية المُتفق بشأنها بطريقة مدققة ومُفصَلة.

ضائقة مالية

من جهته، قال الباحث المالي بسام النيفر إن "تونس مطالبة في عام 2023 بسداد 8945 مليون دينار (2885.4 مليون دولار) كقروض مُقسَمة إلى 6672 مليون دينار (2152.2 مليون دولار) كأصل دين خارجي وبفائدة موظفة بقيمة 2273 مليون دينار (733.2 مليون دولار).
ومن المؤمل الحصول على قروض بقيمة 14.8 مليار دينار لخلاص الديون السابقة ولتغطية الواردات من المواد الأولية والمحروقات أساساً.
ولتعبئة هذه الموارد المالية تعول تونس، وفق النيفر، على الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1369 مليون دينار (441.6 مليون دولار) ومن البنك الدولي على قرض بقيمة 1220 مليون دينار (393.3 مليون دولار) ومن البنك الأفريقي للتنمية على 336 مليون دينار (108.3 مليون دولار) والوكالة الفرنسية للتنمية 698 مليون دينار (225 مليون دولار) والاتحاد الأوروبي 959 مليون دينار (309.3 مليون دولار) وصندوق النقد العربي 119 مليون دينار (38.3 مليون دولار) و1587 مليون دينار (512 مليون دولار) من الملكة العربية السعودية.
ورجح الباحث المالي أن "تونس قد تحصل على جزء صغير من هذه التمويلات لخلاص ديونها"، ملاحظاً أن الحكومة "تحرص دوماً على خلاص ديونها وتعتبرها أولوية قصوى حتى لا تهتز سمعتها في الأوساط المالية العالمية وكي لا تتخلف عن سداد قروضها". وبإمكان تونس، وفق بسام النيفر، أن تحصل على تمويلات من الجزائر وإيطاليا وفرنسا لكنها تمويلات تمثل جزءاً صغيراً مما تحتاجه، بالتالي تظل المالية العامة تحت الضغط.

فقدان ما بين 10 و15 يوم توريد

من جانب آخر، توقع النيفر في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والمانحين الدوليين الذين يدورون في فلكه، خسارة تونس ما بين 10 و15 يوماً من مخزون أيام الاستيراد.
ومن المنتظر أيضاً أن تقلص تونس من وارداتها من النفط والمواد الأساسية. وأكد النيفر أنه خلال يونيو (حزيران) المقبل وفي حال عدم الحصول على القرض فإن وكالات التصنيف ستعيد تصنيف تونس في مرتبة أسوأ من المرتبة الحالية وسيتم إملاء شروط مجحفة من المزودين العالمين لخلاص عمليات التوريد.
ومن ضمن الحلول التي يقترحها النيفر للتقليل من وطأة السيناريو المخيف، "تحقيق تونس لموسم سياحي ناجح، بخاصة من حيث تأمين عائدات كبيرة إلى جانب تواصل تحويلات التونسيين المغتربين بنفس مستويات السنوات الماضية".
وشدد على حد أدنى من التعاون المالي لإعطاء جرعة بقيمة ما بين 5 و6 مليارات دينار (بين 1.6 و1.9 مليار دولار) للتحكم في ميزان الدفوعات وخلاص جزء من الديون. وخلص أيضاً إلى التأكيد على أن "من نتائج تأخر اتفاق صندوق النقد الدولي، أنه سيكون له تأثير في التضخم في ظل التوجه نحو نسق أسرع في رفع الدعم عن المحروقات في تونس".