Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفاوضات "الحرية والتغيير" و"الحركات المسلحة"... لبناء تحالف ثوري أم حكومة محاصصة؟

يتطلع الشعب السوداني إلى التوقيع على الإعلان الدستوري وتشكيل مجلسي السيادة والوزراء

ما يحدث من تفاوض ينظر إليه البعض بأنه انحراف عن مسار الثورة الشعبية وأهدافها (أ.ف.ب)

أثارت إطالة أمد المفاوضات الجارية بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، ممثلة في الحركات المسلحة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حفيظة قطاعات عريضة من الشعب السوداني الذي يتطلع إلى نتائج إيجابية وسريعة لهذه المفاوضات، تفضي إلى التوقيع على الإعلان الدستوري وتشكيل مجلسَيْ السيادة والوزراء وفق سلطة مدنية انتقالية لمدة ثلاث سنوات و3 أشهر تديرها كفاءات وطنية.

 لكن ما يحدث من تفاوض ينظر إليه البعض بأنه انحراف عن مسار الثورة الشعبية وأهدافها كونه يتجه نحو المحاصصة السياسية لتقاسم السلطة، بدلاً من الاتفاق حول رؤية تحقق مطلب السلطة المدنية الانتقالية. 

المنافسة الانتخابية

يؤكد مراقبون سياسيون لـ "اندبندنت عربية" أن أي اتفاق لا يسعى إلى بناء أسس واضحة للحكم خلال الفترة الانتقالية المقبلة بعيداً من الترضيات وتوزيع المناصب، لا قيمة له وسيجد الرفض من الشارع السوداني، لأنه من الصعب التنازل عن أهم مواصفات الحكومة المدنية التي توافق عليها الجميع بأن تُسند إلى خبرات وكفاءات، على أن تعمل القوى الحزبية لتجهيز نفسها للمنافسة الانتخابية النزيهة والشفافة ليختار الشعب السوداني من يحكمه.

ومن المعلوم أن الاتفاق السياسي الذي وُقع الأربعاء 17 يوليو (تموز)  بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، واجه اعتراضاً وانتقاداً من قبل مكونات قوى الحرية والتغيير، على الرغم من أنه إطار عام لهياكل السلطة الانتقالية في مستوياتها الثلاثة تحقق من خلالها مبدأ الغلبة المدنية في مجلس السيادة ومجلس وزراء، فضلاً عن جسم تشريعي مؤقت سيجري النقاش حوله لاحقاً.

 وشمل الاتفاق تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تحت إشراف الحكومة الانتقالية مع السماح لها بالاستعانة بدعم إقليمي لجهود التحقيق.

 هذا الاختلاف حول الإعلان السياسي دفع قوى الحرية والتغيير إلى طلب تأجيل التوقيع على الوثيقة الدستورية لأجل غير مسمى، إلى حين التوصل إلى اتفاق وتفاهمات مع الكتل المختلفة، من أهمها الحركات المسلحة. وتدور مفاوضات أديس أبابا بحضور الوسيط الأفريقي ورعاية الاتحاد الأفريقي حول قضايا مختلفة تتصدرها قضية السلام العادل الشامل ووقف الحرب بصورة تخاطب القضايا الجذرية التي تسببت فيها بداية، إلى جانب تقاسم السلطة.

8 بنود للتفاوض

الجبهة الثورية التي تضم حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، والحركة الشعبية لتحرير السودان فرع الشمال بقيادة مالك عقار، وضعت على طاولة المفاوضات مع وفد قوى الحرية والتغيير 8 بنود أساسية هي:

- التزام السلطة الانتقالية والجبهة الثورية بإبرام اتفاق سلام شامل وعادل ومستدام يخاطب جذور المشكلة السودانية وآثارها بما في ذلك قضايا التهميش والشعوب المتأثرة بالحرب في مدة أقصاها 6 أشهر من تشكيل السلطة المدنية.

- يجب أن لا يتعارض أو يعيق الاتفاق السياسي أو الإعلان الدستوري أو أي دستور انتقالي أو أي قانون أو مرسوم محادثات السلام أو مضمون أو مخرجات اتفاق السلام.

- تسود نصوص وأحكام اتفاقية السلام التي سيتم التوصل إليها لاحقاً بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية على كل ما يتعارض معها من نصوص وأحكام واردة في الاتفاق السياسي، الإعلان الدستوري، أو الدستور الانتقالي أو أي مرسوم وقانون آخر.

- يجب إعادة تشكيل وتكوين المؤسسات التي تنشأ بموجب الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري لتستوعب مخرجات اتفاق السلام الذي سيُبرم بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية.

- تُعاد هيكلة القطاع الأمني وفق شروط اتفاق السلام على أسس مستقرة ومهنية ومستقلة.

- تلتزم السلطة المدنية الانتقالية بالمعاهدات الدولية وأي معايير والتزامات دولية ذات صلة.

- تلتزم السلطة الانتقالية بأن لا تُجرى انتخابات عامة قبل تحقيق اتفاق سلام عادل وشامل ومستدام.

- تلتزم السلطة الانتقالية بعدم عقد مؤتمر دستوري قبل الوصول إلى سلام عادل وشامل ومستدام يعالج أسباب النزاعات وآثارها في السودان.

مهام الثورة

في هذا الأثناء، سارع حزب المؤتمر السوداني إلى إصدار بيان طرح خلاله موقفه من عدد من القضايا المحورية التي تشغل الشارع السوداني، من بينها مسألة المحاصصة والترشيحات الوزارية، موضحاً أنه تصاعدت أخيراً قضية ترشيح رئيس الحزب لمنصب رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، وهو ترشيح جاء نتيجة ثقة غالية أولتها لنا قطاعات عديدة من الشعب السوداني.

ولفت إلى أن حزب المؤتمر السوداني يقدر لكل من دفع بهذا الترشيح، لكنه في الوقت نفسه لن يدفع بأي من عضويته إلى أي موقع في مجلسَيْ السيادة والوزراء، داعياً إلى النأي عن أي شكل من أشكال المحاصصات الحزبية التي تحرّف الثورة عن مسارها وتحولّها الى محض تسابق على الكراسي.

فيما حضّ بيان قوى الحرية والتغيير على الإسراع في الفراغ من مهمة التوافق حول مرشحيها في هياكل السلطة الانتقالية من كفاءات وطنية قوية ذات مواقف بينة وواضحة تنجز مهام الثورة، مشدداً على أن حزبهم سيعمل بقوة على دعم كل ما يوحد تحالف قوى الحرية والتغيير وعلى حماية مؤسسات السلطة الانتقالية ومساندتها في تنفيذ مهامها والعبور بالبلاد إلى مرافئ انتخابات حرة ونزيهة عند نهاية الفترة الانتقالية، فيختار الشعب السوداني ممثليه.

مؤامرة واضحة

يؤكد عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني صالح محمود أن ما يجري من مفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والجهة الثورية لا يصب في صالح الثورة بل هو محاولة لإجهاضها، ويُعتبر قفزاً فوق المراحل ونتائجه ستكون مرفوضة لأنه من الواضح أن هناك تكالباً نحو المناصب.

 وأشار إلى الدور السلبي الذي يلعبه الوسيط الأفريقي المتمثل في تنصله من مسؤولياته الأولية التي كلفه بها الاتحاد الأفريقي وهي المساعدة في عملية نقل السلطة إلى حكومة مدنية وذلك من خلال إشرافه على المسائل الإجرائية، لكنه سرعان ما انغمس في موضوع مختلف تماماً عن مهمته بالعمل على إقناع الفرقاء لاقتسام السلطة وحرصه على أن يكون المجلس العسكري في السلطة.

 كما تجاهل مسألة المحاسبة في الاتفاق السياسي ومحاربة الفساد والانتهاكات، فضلاً عن تقديم الإعلان السياسي على المرسوم الدستوري الذي هو الأساس من ناحية مبادئ الحكم وطبيعته وأهدافه. وأوضح أن المبادرة الإثيوبية هي مؤامرة واضحة المعالم وأن أي اتفاق على ضوئها لا مستقبل له.

بريق المناصب

يوضح الكاتب والمحلل السياسي منتصر ماجد أن الحركة السياسية من دون استثناء انتهجت منهج البراغماتية لنيل مكاسب لم تصنعها وإن أسهمت فيها إسهاماً محدوداً في إشعالها، وتلعب الآن دوراً متعاظماً لإجهاض ما تحقق كعادتها المعروفة في الفشل والهرولة نحو بريق المناصب والمحاصصات من دون الالتفات إلى تأسيس المنظومة المؤسسية التي تقوم على بناء أخلاقي قانوني واجتماعي واقتصادي يضمن عقداً اجتماعياً له صيرورة.

 وعزا ذلك إلى ضعف البناء الأخلاقي للأحزاب الذي بدوره ينسف مبدئية الأهداف والتماهي مع نبض الشارع، إضافة إلى ذاكرة سميكة متناهية الضعف في استقراء التاريخ والاستفادة من تجاربها السابقة. ورأى أن ما يحدث في العاصمة أديس أبابا من مفاوضات بين وفود قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية والحركات المسلحة سلباً أو إيجاباً لا يعني الثوار وثورتهم بشيء، فهي محاصصات من لا يملك لمن لا يستحق، مؤكداً أن منصة الثورة خُطفت ووُزعت أهدافها كلحم الذبيحة بين الخاطفين الذين ظنوا أن الأمر دان لهم وأنهم شيدوا دولة على أسس متينة تضمن وجاهة السلطان، لكنه اتفاق هش لا يغني ولا يسمن من جوع.

المزيد من العالم العربي