Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة بوتين – شي مقدمة لكثير مما يصبو إليه بلداهما

زعيما الصين وروسيا يبحثان قضية الحوار مع أوكرانيا ويقفان في الجانب الصحيح من التاريخ

ملخص

استهل شي برنامج الزيارة بلقاء انفرادي مع نظيره الروسي #فلاديمير_بوتين لما يقرب من أربع ساعات ونصف وكان ذلك وحده كافياً لتأكيد تطرقهما إلى موضوع #أوكرانيا

لم تشهد العاصمة الروسية موسكو، ربما لسنوات طوال، مثل ما لقي الزعيم الصيني شي جينبينغ والوفد المرافق له خلال زيارته الأخيرة، من حفاوة وترحيب واهتمام تجاوزت كل ما سبقها من فعاليات مماثلة، وكان الرئيس الصيني وصل إلى موسكو في توقيت عميق المغزى، بالغ الدلالة، مواكب لما تعمدت أوساط غربية تداوله من "شكوك" تجاه احتمالات القيام بها، في ظل ما يكتنف كثيراً من الأوضاع الدولية والإقليمية الراهنة من غموض شديد.

ذلك ما قد يكون تفسيراً لكثير من معانيها وأبعادها، ومن منظور كونها الأولى بعد إعادة انتخاب الرئيس الصيني لفترة ولاية ثالثة، فضلاً عن موقعها على خريطة لقاءات الزعيمين، التي تزيد في مجملها على الـ40، إلى جانب أن ما اتسمت به من وضعية "زيارة دولة" يحمل بين طياته كثيراً من الإشارات الكاشفة، تأكيداً على مواقف بكين تجاه كل ما يحيط بروسيا وزعيمها فلاديمير بوتين من مهمات وصخب وضجيج.

استهل شي برنامج هذه الزيارة بلقاء انفرادي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين طال لما يقرب من أربع ساعات ونصف الساعة، وكان ذلك وحده كافياً لتأكيد تطرق حديث الزعيمين بوتين وشي إلى موضوع أوكرانيا الذي تتمحور حوله اهتمامات العالم للعام الثاني على التوالي، وإن لم يفصح أي من الجانبين عن ذلك. 

ولم تكن مثل هذه البداية سوى مقدمة لما أعقبها من تصريحات ولقاءات تعددت مستوياتها ومواقعها بكل ما يرتبط بها من معان ودلالات، وجاء البيان المشترك الذي وقعه الزعيمان في ختام الزيارة تحت عنوان "حول تعميق الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي والدخول في عصر جديد"، ليكون ليس فقط تفسيراً لكثير من مضامين وتوجهات ما جرى في موسكو من اتصالات وتحركات، بل وأيضاً تأكيداً جديداً على تقارب وجهات نظر البلدين التي تصل في بعض جوانبها حد التطابق تجاه أهم قضايا العصر، بحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانبين.

ثمة ما يشير إلى أن ما صدر من تصريحات، وما تضمنه البيان المشترك من نقاط، يمكن أن يكون أبلغ تأكيد على أن علاقات البلدين "تجاوزت كونها علاقات ثنائية، بما صارت تتسم به من أهمية كبيرة للنظام العالمي الحديث ومصير البشرية" على حد قول الزعيم الصيني، وكان شي جينبينغ أشار أيضاً إلى أن العنوان الخاص بالوثيقة الأولى التي وقعها الرئيسان يشير ضمناً إلى "أننا نتحدث عن حقيقة أن بلادنا تعمل على تعميق العمل المشترك في جميع المجالات تقريباً، كما نتحدث عن توسيع العمل في المجالات العلمية والطاقة، وحول الشراكة العسكرية، وبشكل عام حول مبادئ بناء السلام".

القراءة المتأنية لمفردات هذا البيان، وما استبقه الزعيمان بوتين وشي من تصريحات، تؤكد ضمناً مساحات الاتفاق في مواقفهما تجاه أهم القضايا الدولية والإقليمية من منظور "التاريخ"، الذي طالما يلجأ إليه الرئيس بوتين لدى طرح رؤيته لقضايا بلاده والمنطقة والعالم، وهو ما استشهد به هنري كيسينجر عميد الدبلوماسية الأميركية السابق في قوله المأثور حول "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ".

ولعل ما صدر من تصريحات في هذا الصدد عاد ليحدد ملامح المشهد السياسي، فقد أعاد الزعيم الصيني إلى الأذهان، في معرض الإشارة إلى ما طرحته بلاده من تصورات حول "التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، استرشاد بلاده "بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتزامها موقفاً موضوعياً ومحايداً يستند إلى جوهر القضية والحقيقة".

الجانب الصحيح من التاريخ

وفي ختام تعليقه على نتائج مباحثاته في موسكو، خلص الزعيم الصيني إلى القول "نحن دائماً مع السلام والحوار، ونقف بثبات في الجانب الصحيح من التاريخ"، ذلك تحديداً هو ما يجب التوقف عنده، والتمعن في ما بين سطوره لدى محاولة استيضاح مدى اتفاق الجانب الروسي مع عدد من البنود الـ12 التي تضمنتها المبادرة الصينية حول التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، والتي سارع إلى الإعلان عن أنها تتضمن كثيراً من النقاط الإيجابية التي يمكن الانطلاق منها نحو الحوار حول التسوية المنشودة.

غير أن الرئيس بوتين لم يتوقف هذه المرة عند التاريخ، بقدر ما حرص على تأكيد موقف بلاده من المتغيرات الأخيرة التي قال إنه ونظيره الصيني فوجئا لدى تطرقهما إلى بحث ما تتضمنه "المبادرة السلمية" من نقاط، قال إنها تبدو مناسبة للانطلاق منها نحو الحوار، بما أعلنته نائبة وزير الدفاع البريطانية حول عزم بلادها إمداد أوكرانيا، إلى جانب دبابات "تشالينجر-2"، بقذائف "ذات مكونات من اليورانيوم المنضب".

قال بوتين أيضاً إن "الغرب على ما يبدو قرر في الواقع الحرب ضد روسيا حتى آخر جندي أوكراني، وذلك فعلاً وليس قولاً". مضيفاً أن "روسيا وفي حال حدوث ذلك سترد بما يتناسب مع واقع أن الغرب يبدأ في استخدام الأسلحة ذات المكونات النووية"، بما يعيد إلى الأذهان ما سبق وصدر من تصريحات رسمية في شأن احتمالات استخدام روسيا للأسلحة النووية، رداً على محاولات الدوائر الغربية رفع مستوى المواجهة العسكرية، وانخراط عديد من بلدان الـ"ناتو" بشكل مباشر في المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا.

وفي هذا الصدد تصاعدت تعليقات في موسكو تقول إن التهديدات البريطانية لم تكن لتصدر بغير موافقة ضمنية من جانب الولايات المتحدة، وذلك في وقت مواكب لإصرارها على التصعيد العسكري وعدم الحوار مع موسكو في شأن التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي أعلن في تصريحاته للتلفزيون الروسي، عن أن ذلك يعيد إلى الأذهان ما سبق ولجأت إليه قوات الـ"ناتو" في قصفها ليوغوسلافيا عام 1999، وهي تصريحات سبق وأدلى بمثيلاتها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية ومسؤولون آخرون في العاصمة الروسية، على النحو الذي بدت معه أشبه بالتحذيرات المسبقة من مغبة استخدام مثل هذه القذائف، وما يمكن أن تسفر عنه من كوارث إنسانية، ليس فقط في المواقع التي تجري بين جنباتها المعارك القتالية، بل وداخل الأراضي الروسية المتاخمة للحدود الأوكرانية.

على أن ما توصل إليه الجانبان الروسي والصيني من اتفاقات بلغ عددها 14، إلى جانب الوثيقة الثانية التي وقع عليها الرئيسان بوتين وشي جينبينغ، تظل في إطار "ثمانية اتجاهات" حتى عام 2030. ولعل أهمها ما يتعلق بمجالات الطاقة بكل مكوناتها من نفط وغاز وطاقة نووية، إلى جانب بناء خط أنابيب نقل الغاز عبر الأراضي المنغولية، فضلاً عن التعاون في مجال بناء الطائرات وغزو الفضاء، وفي مجالات النقل والمواصلات سواء عبر أراضي القارة الآسيوية أو الطريق البحرى الشمالي، وما يمكن أن يتعلق به من تعاون واسع النطاق في منطقة القطب المتجمد الشمالي.

وكان الجانبان حرصا على إبراز ما تحقق من طفرة كبرى في التعاون الاقتصادي والتجاري، بما رفع حجم التبادل التجاري بينهما حتى 190 مليار دولار، ما يفتح الباب إلى تجاوز هذا الرقم قريباً إلى ما يزيد على 200 مليار دولار، اعتماداً على العملات المحلية للبلدين، وكان الزعيم الصيني أفرد كثيراً من وقته خلال زيارته إلى موسكو للقاء رئيس الحكومة الروسية في مقرها على ضفاف نهر موسكو، ولتأكيد أهمية هذا التوجه حرص شي على الإعلان صراحة عن دعوة خاصة لميخائيل ميشوستين رئيس الحكومة إلى زيارة بكين، وأعرب عن أمله في أن تتم في أسرع وقت ممكن، للقاء نظيره الصيني والاتفاق على تنفيذ ما جرى التوصل إليه من اتفاقات في موسكو، إلى جانب دعوته للرئيس بوتين، التي من المقرر القيام بها هذا العام.

ولعله من المهم أيضاً في هذا الصدد، التوقف عند ما يتعلق بالتعاون العسكري، والعسكري التقني، ومنه ما جرى النص في شأنه على أن الطرفين "سيقومان بانتظام بتسيير دوريات مشتركة في البحر والجو وتدريبات مشتركة، وتطوير التبادلات والتعاون، في إطار جميع آليات التفاعل الثنائية القائمة، وتعميق الثقة المتبادلة بين القوات المسلحة للبلدين". وفي ذلك كثير من الإشارات بالغة الدلالة حرصاً من الجانبين على عدم "استفزاز الأطراف ذات الصلة".

على أن ذلك لم يمنع الرئيس الصيني من التوقف عند حرص بلاده على تعاونها مع روسيا وشركائها في المنظمات الإقليمية والدولية ومنها، إلى جانب الأمم المتحدة، منظمات "بريكس" و"شنغهاي للتعاون" وغيرهما من المنظمات التي وقفت روسيا والصين عند بدايات تأسيسها مع بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهو ما نص عليه البيان المشترك الصادر عن زيارته لموسكو، بما في ذلك ما يشير ضمنا إلى التوجه المشترك صوب "تسريع عملية إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب والعولمة الاقتصادية وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية "، إلى جانب "ما يجمع الجانبين من رؤى مشتركة تجاه رفض قيام دولة واحدة بفرض قيمها على دول أخرى، وتأكيد أن لكل دولة الحق في أن تختار بشكل مستقل مسارها للتنمية في مجال حقوق الإنسان"، مع تأكيد "رفض تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للبلدين".

ذلك كله يظل في حاجة إلى كثير من المتابعة من جانب كل الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تقول مصادر روسية إنها تظل "الغائب الحاضر" في المنطقة، بما في ذلك ما يتعلق بالتسوية السلمية للأزمة الأوكرانية، وهو ما تؤكد عليه أيضاً المصادر الأوكرانية التي تقول بوجود الموافقة الضمنية من جانب كييف لقبول الوساطة الصينية، على غرار ما قامت به بكين من وساطة بين السعودية وإيران، مع "ضرورة مراعاة أن العلاقات بين السعودية وإيران لم يكن يعكر صفوها "مشكلة أراض متنازع حولها"، على حد قول تاراس تشيرنوفيل، المحلل السياسي الأوكراني.

على الهامش

ميخائيل ميشوستين رئيس الحكومة الروسية قفز خلال زيارة الضيف الصيني إلى صدارة المشهد السياسي، وخصه الرئيس شي جينبينغ بزيارة وجولة مباحثات خاصة في مقر الحكومة الروسية على ضفاف نهر موسكو، لمناقشة القضايا الاقتصادية، في ما أعلن عن "دعوة شخصية" له لزيارة الصين، وقال بضرورة أن تتم في أسرع وقت ممكن، للقاء نظيره الصيني هناك للاتفاق حول تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله.

دميترى ميدفيديف الرئيس الروسي السابق، عاد إلى الأضواء ليتصدر الصف الأول لأعضاء الجانب الروسي في المباحثات مع الضيف الصيني، وهو غير المصنف في قائمة الشخصيات الرسمية للدولة التي يتصدرها الرئيس بوتين، يعقبه ميشوستين رئيس الحكومة، ثم رئيسة مجلس الاتحاد، ثم رئيس مجلس الدوما. وكان الرئيس بوتين سبق وأوفده إلى بكين حاملاً رسالة شخصية إلى شي جينبينغ.

ميدفيديف يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي، وهو المنصب الذي استحدث خصيصاً له بعد إعفائه من رئاسة الحكومة بموجب اقتراح من بوتين للنص عليه رسمياً في التعديلات الأخيرة للدستور، وجرى الاستفتاء حولها عام 2020، وكان ميدفيديف دشن عودته إلى الأضواء مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بسلسلة من التصريحات الحادة التي تضعه اليوم في عداد "الصقور"، وهو الذي كان معروفاً لسنوات طوال بميوله الليبرالية.

سيرغي لافروف وزير الخارجية، شغل مكانه في الصف الأول أيضاً مجاوراً لميدفيديف واثنين من نواب رئيس الحكومة، في الوقت الذي جلس وزير الدفاع سيرغي شويغو في الصف الثاني من الأماكن المخصصة لأعضاء الوفد الروسي.

ظهر الرئيسان بوتين وشي جينبينغ في حلتين داكنتين متشابهتين، وبربطة عنق "حمراء" متشابهة أيضاً.

أغفلت المصادر الرسمية التعليق على تصريحات البيت الأبيض حول طلب الرئيس جو بايدن الحديث التليفوني مع الرئيس الصيني خلال زيارته لموسكو. واكتفى الجانب الروسي بتصريحات صحافية تنقل عن الجانب الصيني اعتذاره بأن وقت الرئيس شي جينبينغ لا يسمح.

إيجور سيتشين رئيس مؤسسة "روس نفط" (إحدى أكبر المؤسسات النفطية في العالم) المعروف بعلاقاته القديمة والوثيقة مع الرئيس بوتين، رد على سؤال حول ما يعرفه من كلمات صينية، بالقول "يو وان كثير". وكان اكتفى برد على سؤال مماثل في العام الماضي بقوله "يو وان"، التي أضاف إليها هذا العام كلمة "كثير بالروسية".

الرئيس الصيني تعمد اختيار أكبر فندق صيني جرى تشييده حديثاً شمال العاصمة في قلب مركز الأعمال الصيني مقراً لإقامته خلال زيارته لموسكو. والجناح الرئاسي في هذا الفندق يعد الأكبر مساحة في العاصمة لمثيله من الأجنحة الرئاسية في فنادق الخمس نجوم (373 متراً)، وسط حديقة "هوامين" الصينية التي أقيمت على غرار الحديقة الإمبراطورية في بكين، وكان الرئيس شي جينبينغ استخدم أيضاً لتنقلاته سيارة صينية "ليموزين" مدرعة، مزودة بكل أنواع الاتصالات، ويبلغ طولها ستة أمتار وتزن ما يقرب من ستة أطنان.

المزيد من تحلیل