Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الموضة الأخلاقية" تنتصر للحيوانات والبيئة

من بداية تسعينيات القرن الماضي نجحت منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان في ترسيخ بدائل صناعية لا تقل جودة

بقيت بعض دور الأزياء متمسكة بالجلود الطبيعية لاعتبار أنه لا يمكن أن تستبدل بتلك الصناعية (أ ف ب) ‎‎

ملخص

دفاعاً عن ‎‎#حقوق_الحيوان تعتمد مئات العلامات التجارية على جلود صناعية ‎وأصبح مبدأ #الاستدامة شعاراً لها

"الحيوانات ليست ملكنا لنأكلها أو نلبسها أو نقوم بتجارب عليها أو نستخدمها لترفيهنا أو ‎نضايقها بأي شكل من الأشكال"، هو شعار منظمة "بيتا" (منظمة الأشخاص الذين ‎يطالبون بمعاملة أخلاقية للحيوانات) التي تعد أكبر مجموعة لحماية حقوق الحيوانات ‎في العالم، لعبت دوراً مهماً في مواجهة استخدام الجلود الطبيعية في عالم الموضة عبر ‎إقامة حملات واسعة في هذا الإطار، لكن نشأت في العقود الماضية حركات عديدة أيضاً ‎في مواجهة دور الأزياء والعلامات التي تستخدم جلد الحيوان والفراء في منتجاتها، حتى ‎تخلت تباعاً عن الجلود الطبيعية واستبدلتها بتلك الصناعية، فبعد أن كانت الجلود ‎الطبيعية من رموز الأناقة والرقي التي لا بديل لها في عالم الموضة، تزايد عدد العلامات ‎التجارية التي أعلنت عن استبدال الجلود الطبيعية باختيارات صناعية صديقة للبيئة ‎وللحيوان. فأي مسار اتخذته هذه القضية التي أثارت جدلاً في عالم الموضة طوال عقود؟

رمز الأناقة والثراء في التاريخ

شكل استخدام الجلود الطبيعية موضوعاً ساخناً مثيراً للجدل في صناعة الموضة طوال ‎السنوات الماضية، ففي العقود الماضية، ساد اعتقاد بأنه لا بديل منها لما تضفيه من أناقة ‎راقية في مجال الأزياء، على رغم المنحى الأخلاقي الذي شكل تحدياً، خصوصاً مع ‎ظهور الحركات المناهضة لاستخدام الجلود الطبيعية في الصناعة في تسعينيات القرن ‎الماضي.

وفي العصور القديمة، رمزت جلود الحيوانات إلى الثراء في ثقافات معينة، واعتمد ‎الملوك والحكام الفراء كمؤشر للقوة والسلطة، خصوصاً في أوروبا حيث ارتدى الملوك ‎المعاطف المصنوعة من فراء "المنك" أو "السمور". بقي في عالم الموضة رمزاً للرفاهية بعد أن ‎أصبح في متناول الناس، ومع انتشار تجارة الفراء المربحة في بلاد عديدة في خمسينيات ‎القرن الماضي، ظهرت الجلود الحيوانية والفراء في الأفلام السينمائية، فأطلت نجمات ‎السينما بمعاطف من فراء الحيوانات، خصوصاً معاطف من جلد الفهود كأحد مظاهر ‎السلطة والمال، كما ابتكر مصممو الأزياء مزيداً من الطبعات، واكتسبت جلود الفهد ‎والحمار الوحشي انتشاراً واسعاً. وأصبحت المرأة العصرية ‎تميل أكثر بعد إلى الجلود الطبيعية وطبعاتها.‎

نحو "الموضة الأخلاقية"‎

من بداية تسعينيات القرن الماضي، نجحت المنظمة المدافعة عن حقوق الحيوان ‎‎"بيتا" وغيرها من الحركات المناهضة لاستخدام جلد الحيوان في إقناع مئات العلامات ‎التجارية بالعدول عن استخدام الفرو أو أي مواد يمكن أن تستدعي قتل الحيوان. ‎

في عام 2020، أعلنت دار "رالف لورين" وقف استعمال صوف "الموهير" في تصاميمها ‎لعدم توافر "طرق أخلاقية ورحيمة" للحصول على هذا الصوف الذي يتطلب قتل الماعز، ‎إلا أن المصممة "ستيلا مكارتني" كانت من أوائل المصممين الذين أعلنوا عدم ‎استعمال جلود الحيوانات الطبيعية في التصميم، مع إطلاق علامتها خلال عام 2001، ‎تمسكت بقرارها هذا مع مرور السنوات، والتزمت عدم قتل أي حيوان باسم الموضة، ولم ‎تكتف بالامتناع عن استخدام الفرو والجلد الطبيعي، بل حرصت على عدم استعمال مواد ‎تدخل فيها مكونات حيوانية، على رغم  الاعتقاد السائد آنذاك بأنه لا يمكن ‎الاستغناء عن هذه الجلود التي لا تكتمل الأناقة من دونها. وفي عام 2010 أطلقت "ستيلا ‎مكارتني" حقيبة مصنوعة من الجلد النباتي وسرعان ما أصبحت من الأكسسوارات الأكثر ‎مبيعاً لديها.

 

شيئاً فشيئاً، اكتسبت "الموضة الأخلاقية" شعبية واسعة في عالم الموضة، وأصبح هذا ‎المفهوم سائداً وتحول إلى موضة قائمة بذاتها مع تزايد الاهتمام بالبيئة، وامتناع دور أزياء ‎عديدة عن استخدام الجلود الطبيعية، ومع الدعوة إلى الاتجاه "النباتي" الصديق للبيئة، في ‎مرحلة ما، تزايدت الحملات الرافضة لاستخدام الفراء في صناعة الموضة من باب الرفق ‎بالحيوان، وبذلت جمعيات عديدة جهوداً كبرى في هذا المجال، منها جمعية الرفق ‎بالحيوان والتحالف الخالي من الفراء، ما دفع دور أزياء عديدة مثل" غوتشي" و "دولتشي ‎غابانا" و "بربري" و"كوتش" و"شانيل" و"تومي هيلفيغر" و"أرماني" و"رالف لورين" ‎و"فرساتشي" و"فورلا" و"بلنسياغا" و"مايكل كورس" و"ستيلا مكارتني" وغيرها إلى ‎الإعلان عن تخليها عن استخدام الجلود الطبيعية تباعاً، في المقابل، على رغم إمكان ‎الحصول على الفراء من مصادر تراعي الأخلاق وتحفظ حقوق الحيوان، تمسكت دور أزياء ‎أخرى بالفراء الطبيعي الفاخر الذي اشتهرت به في مجموعاتها، مثل "فندي"، و"لويس ‎فويتون"، و"ميو ميو"، و"ماكس مارا"، و"ديور"، و"كارولينا هيريرا"، علماً أن العلامات ‎التي تمسكت باستخدام جلد الحيوان واجهت حملة انتقادات واسعة دعتها إلى الانضمام ‎إلى لائحة دور الأزياء التي سلكت طريق "الموضة الأخلاقية".‎

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأحدث الخطوات في هذا المجال، إعلان علامتي "نايكي" و"بوما" التوقف عن استخدام ‎جلد الكنغر في صناعة الأحذية الرياضية من العام الحالي، لوضع حد لهذه الممارسة المثيرة ‎للجلد التي أثارت غضب المستهلكين والناشطين في مجال حقوق الحيوان، خصوصاً مع ‎المذابح الجماعية للكنغر في أستراليا لأغراض التجارة، فأعلنت "نايكي" عن استخدام مادة ‎صناعية خاصة كبديل لجلد الكنغر، في صناعة مجموعة أحذية كرة القدم التي تطلقها خلال ‎الصيف المقبل، بذلك، أعلنت الشركتان أنهما أنهتا الشراكة مع مورد جلد الكنغر الوحيد ‎في عام 2021، ما يشكل انتصاراً إضافياً للناشطين في مجال حقوق الحيوان والبيئة، ولعبت ‎حملة "الكنغر ليس حذاء" التي انطلقت في عام 2020، دوراً حيوياً في التقدم بتشريع ‎يحظر استيراد الكنغر وبيع منتجاته، إلا أن ولاية كاليفورنيا الأميركية حظرت من ‎عام 1971، بيع واستيراد منتجات مصنوعة من الكنغر إليها.‎

تطور في صناعة البدائل

مع تطور صناعة الموضة والتقنيات المتوافرة فيها، أصبح من الأسهل صناعة منتجات ‎وتصاميم ببدائل صناعية، لا تتطلب قتل حيوانات للحصول على جلودها أو فرائها أو ‎أنيابها، ولا تقل فخامة وأناقة، هذا ما يناقض الاعتقاد السائد سابقاً بأن الموضة الراقية ‎والأنيقة لا تكتمل بغياب الجلود الطبيعية، استطاعت أشهر العلامات أن تتخطى هذا ‎التحدي بعد تطوير تقنيات عديدة أمنت البدائل الصناعية التي لا تقل أناقة، فلبت رغبات ‎المستهلك، ومع الوقت تزايد الإقبال على البدائل المزيفة للجلود الطبيعية بعد تقبل ‎المستهلك لها.‎

 

وشيئاً فشيئاً، بدأت دور الأزياء تطرح مجموعات صديقة للبيئة من إكسسوارات وأزياء، ‎مثل "لويس فويتون" فقدمت في عام 2021، مجموعة حقائب مصنوعة بنسبة 90 في ‎المئة منها من مواد صديقة للبيئة ومنها ما هو مصنوع من مادة "إكونيل" المصنعة من ‎ألياف النايلون القابلة للتدوير وخيوط "البوليستر" المعاد تدويرها، ففي مقابل الجدل ‎الحاصل حول استخدام الجلود الطبيعية المعادي لحقوق الحيوان، برز تحد آخر مع ‎استخدام البدائل الصناعية التي تعتمد في معظمها على البلاستيك وتسبب أضراراً كبرى ‎على البيئة، فهناك بدائل جلدية مصنوعة من البلاستيك وتعد نباتية لأنها لا تستخدم ‎جلد الحيوان، إلا أنها تتطلب استخدام مادتين مستخرجتين من الوقود الأحفوري وهي ‎غير قابلة للتحلل. لذلك اتجهت العلامات إلى البدائل الصديقة للبيئة على سبيل المثال، ‎خلال عام 2021، طرحت دار"هيرمس" حقيبة مصنوعة من مادة مستخرجة من الفطر، ‎ولجأت أيضاً "ستيلا مكارتني" إلى هذه التقنية لتقديم أزياء صديقة للبيئة، مستعينة بخامة ‎مصنوعة من جذور الفطر تتميز بقدرة على اتخاذ ألوان وأشكال مختلفة، في إطار التعاون ‎بين العلم والموضة لإيجاد بدائل عن الجلود الحيوانية، وكان باحثون قد توصلوا خلال عام ‎‎2020 إلى أن الجلد المصنع من مكونات الفطر قد يكون البديل الأفضل للجلود ‎الحيوانية، وهو أكثر استدامة وأقل كلفة من الجلود الصناعية المتوافرة، وأثبتت نتائج ‎الدراسة أن إنتاج الجلود من الفطريات يستخدم مواد كيماوية أقل خطراً من الجلود ‎الطبيعية والمصنعة، إضافة إلى أنه يشبه الجلد من حيث المتانة والمرونة، يضاف إلى ذلك ‎أنه قابل للتحلل بالكامل عندما لا يدمج مع مواد أخرى، بحيث يمكن التخلص منه بأمان ‎من دون إلحاق ضرر بالبيئة، أما الجلد التقليدي المصنوع من جلد البقر، فيثير جدلاً بيئياً ‎وأخلاقياً، خصوصاً أن معالجته تتطلب استخدام مواد كيماوية خطرة على البيئة حتى ‎يصبح قابلاً للاستخدام.‎

اليوم، هناك اتجاه أكبر نحو مبدأ الاستدامة وطرح تصاميم صديقة للبيئة في عالم ‎الموضة، ثمة اتجاه عالمي يعكس أفكار الجيل الجديد ويكمل الخط الذي تتبعه دور ‎الأزياء حالياً، بحسب مصمم الأزياء وخبير الموضة جو شليطا، فمع ازدياد الوعي حول ‎أهمية الحفاظ على البيئة وموارد الكوكب، كان تطبيق هذا المبدأ ضرورياً في عالم الموضة.

 ‎‎"سمح التطور الصناعي البارز بتصنيع فراء بمستويات عالية من الجودة وهو مطابق للفراء ‎الطبيعي، كما أن زيادة الوعي لدى المستهلك حول أهمية الحفاظ على البيئة، دفع العلامات ‎الكبرى إلى مواكبة التطور الحاصل، فأخذت بالاعتبار متطلبات المستهلكين، حتى أن ‎الالتزام بمبدأ الاستدامة وتقديم منتجات صديقة للبيئة وللحيوان، تحول اليوم إلى شعار ‎لدور الأزياء الكبرى، فاعتمدت عليه في رسم هوية تميزها".‎

لم تتخل بعض دور الأزياء الفاخرة التي اشتهرت بالجلود الطبيعية ذات المستوى العالي ‎الجودة عنها فعلى سبيل المثال، بقيت دار "فندي" متمسكة بالفراء الفاخر الطبيعي لديها ‎معتبرةً أنه لا يمكن الحصول عليه مهما بلغ التطور الصناعي في هذا المجال، لأن البديل ‎الصناعي لا يمكن أن يضاهي ذاك الطبيعي، وفي الوقت الذي تتمسك بذاك الطبيعي المؤمن ‎بطرق "أخلاقية"، تسعى إلى إنتاج فراء أقرب إلى الطبيعي، مصنوع من "الكيراتين"، وإن كان ‎ذلك لا يعني كما أعلنت الدار أنها قد تتوقف عن استخدام الفراء الطبيعي.‎

بشكل عام، سمح التطور المهم في صناعة الجلود البديلة، بتصنيع جلود فاخرة يصعب ‎تمييزها عن تلك الطبيعية ولا تقل جودة عنها، وفق شليطا، بعد أن كان ذلك مستبعداً في ‎العقد الماضي، هذا ما يستدعي التمسك أكثر بعد بمبدأ الاستدامة.‎

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة