Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة المبعوث الدولي في ليبيا... تسوية أم مزيد من التعقيد؟

بينما رحبت حكومة الدبيبة بالمبادرة فإن عدداً من أعضاء مجلس النواب الليبي وصفتها بالمغالطة

تضمنت مبادرة عبد الله باتيلي عديداً من النقاط التي تشمل كثيراً من جوانب التعامل مع المعضلة الليبية (أ ف ب)

ملخص

كرّست مبادرة #عبد الله_باتيلي الانقسام الداخلي والخارجي في شأن #الصراع_الليبي وتجاهلت أهم عناصر الأزمة

يقوم مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، بجولة في ليبيا، لترويج المبادرة التي طرحها في إفادة خلال جلسة لمجلس الأمن منذ نحو أسبوعين، وهي مبادرة ما زالت تتفاعل في الداخل والخارج الليبي، وتثير ردود فعل متباينة ومتواصلة.

وللوهلة الأولى تتمثل أهميتها في كونها أول تحرك في المياه الراكدة منذ بعض الوقت، وهذا أمر قد يبدو طيباً من دون شك، لكن المفارقة، في ما أظن، أنه بسبب مضمون وملابسات هذه المبادرة أنها تضيف مزيداً من التعقيد.

تفاصيل المبادرة

تضمنت إفادة عبد الله باتيلي عديداً من النقاط التي تشمل كثيراً من جوانب التعامل مع المعضلة الليبية، فقد أكد ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال عام 2023، وإنشاء لجنة رفيعة المستوى لتنظيم الانتخابات وجمع ممثلين عن القوى السياسية وزعماء القبائل والأطراف الأمنية الفاعلة، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني وبعض الشخصيات النسائية والشبابية.

كما دعا المبعوث الدولي إلى إنشاء آلية بقيادة ليبية تجمع أصحاب المصلحة على أولويات الإنفاق وضمان إدارة عائدات النفط والغاز بطريقة شفافة وعادلة، وفي إطار ذلك إعادة توحيد البنك المركزي الليبي وإصلاحه، للمحافظة على المساءلة وتعزيز التنمية في ليبيا، مشيداً بعمل اللجنة العسكرية خمسة زائد خمسة، كما تضمنت كلمته شكوى من استمرار السلاح غير الشرعي في أيدي أطراف كثيرة من دون طرح أي مقترحات في هذا الصدد.

ردود الفعل

أدت المبادرة أو المقترحات التي طرحها باتيلي إلى انقسام خارجي وداخلي ليبي في شأنها، ففي وقت رحبت بها حكومة الدبيبة التي استهل المبعوث لقاءاته معها في العاصمة الليبية أخيراً، فإنه من ناحية أخرى تصاعد تحفظ عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح، ووصفتها بالمغالطة تعليقاً على إشارة المبعوث الأممي عن إخفاق المجلسين في إقرار القاعدة الدستورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت تعليقات مصادر المجلس إلى أنه تجاهل القوى التي عطلت اجتماع مجلس الدولة في هذا الشأن، وتجاهله الفساد وإهدار المال العام الليبي والقوى التي أفشلت إجراء الانتخابات في عام 2021. وارتفعت وتيرة التصعيد من رئيس المجلس نفسه عقيلة صالح، الذي رفض ما سماه نهج المبعوث الأممي، وأنه ليس بحاكم للبلاد، ورفض إنشاء ما سماه أجساماً سياسية جديدة، ودافع عن شرعية مجلس النواب.

ومن موقف المعارضة أيضاً انتقدت حكومة باشاغا هذا الطرح، مشيرة إلى أن محاولة تجاوز المؤسسات الرسمية لا تساعد في الوصول إلى حلول ناجحة، وقد حرص باشاغا خلال مقابلته باتيلي أخيراً على تأكيد ما سماه بالملكية الليبية لحل أزمة بلاده، وعلى أن تتركز الجهود الدولية على تسهيل التقارب بين مجلسي النواب والدولة لتحقيق التوافقات التشريعية.

وتسببت المبادرة أيضاً في تعميق الخلافات والانقسام داخل مجلس الدولة، فقد أيدها 68 عضواً، بينما اعترض 54، والجدير بالملاحظة أن رئيس المجلس خالد المشري أعلن بعد إطلاق مبادرة باتيلي أن المجلس اجتمع ووافق على التعديلات الدستورية، وهو ما شكك فيه البعض من حيث اكتمال النصاب القانوني لهذا الاجتماع. واستكمالاً للتباينات الداخلية أعلن سيف الإسلام القذافي ترحيبه بهذه المبادرة.

مهم أيضاً ملاحظة أن باتيلي التقى المشير خليفة حفتر، الذي لم يعلن معارضته للمبادرة، لكنه أكد في بيانه الصادر عن اللقاء أن الاجتماع أكد أهمية دعم مجلسي النواب والدولة لاستكمال القاعدة الدستورية للترشح.

وقد جاء ذلك بعد أن كان باتيلي قد طرح خلال عقد مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي في العاصمة الليبية طرابلس جاء فيه أن مجلس النواب انتهت صلاحياته، ويجب تجديده، وأن هذه مسألة أخلاقية سياسية، ليشعل مزيداً من النيران، وكأن المبعوث الدولي إما يحاول التراجع عن تصريحاته في طرابلس، وإما يترك مساحة للغموض في هذه المرحلة.

أما ردود الفعل الخارجية فواضح أن هناك تأييداً غربياً لهذه المبادرة، كما يتحرك السفير الأميركي نورلاند لدفع هذه الجهود، إذ زار الجزائر أخيراً، وصرح بأنه ربما يزور مصر وتونس لاحقاً، وذلك في مواجهة تحفظات روسية قوية ضد التسرع في عقد الانتخابات، وكذا تحفظات مصرية وإماراتية.

حلحلة للصراع أم مزيد من التعقيد

من الواضح أن المبادرة أدت أولاً إلى تكريس الانقسام الداخلي والخارجي في شأن الصراع في ليبيا، بمعنى أنه باستثناء موقف سيف الإسلام القذافي عكست المواقف الخطوط القائمة نفسها بالفعل، فالأطراف المؤيدة لحكومة الدبيبة ولفصائل الإسلام السياسي أيدتها، ومعها الأطراف الدولية نفسها التي تؤيد هذا الفصيل بشكل أو آخر، فنذكر هنا بأن جانباً كبيراً من التأييد الغربي للدبيبة مصدره التحفظ على الدعم الروسي للجنرال حفتر، فضلاً عن تأييد تقليدي لجهود المبعوثين الأمميين الذين يتماشون عادة مع القوى الغربية.

وتضيف مواقف باتيلي الأخيرة بالتشكيك في مجلس النواب خطوة أخرى كبيرة في اتجاه التعقيد، فمن دون شك انتهت ولاية المجلس، وكان يجب عقد انتخابات جديدة، لكن من دون شك أيضاً في أن كون المجلس منتخباً يجعله وفق التقاليد والأعراف الدستورية، ما يجعله الكيان الوحيد الذى يحق له التجديد لنفسه لحين عقد الانتخابات.

وتمثل تصريحات باتيلي خطورة كبيرة كونها تمثل انحيازاً شديداً من المبعوث الأممي لجبهة في المشهد الليبي، وأن هذا الانحياز يعود إلى أن المجلس يتحفظ على تحركات وطروحات المبعوث، وفي الحقيقة، أن هذا التصريح بالتالي يشكّل خطوة كبيرة في عرقلة حركة هذا المبعوث الدولي مستقبلاً، وسنعود إلى هذه النقطة مرة أخرى.

تشكل المبادرة أيضاً استمرارية لنهج التحرك الأممي منذ اندلاع الصراع في ليبيا يقوم على تجاهل أهم عناصر الأزمة، فالمعضلة ابتداءً هي وجود السلاح غير الشرعي في خارج سلطة الدولة واعتماد أطراف الصراع على ميليشيات مسلحة محلية وأجنبية، مما أدى إلى عجز أي حكومة عن ممارسة عملها، وإلى العجز عن عقد الانتخابات، وبما يهدد بما يتكرر كل مرة تعقد فيها انتخابات منذ إطاحة القذافي، وهما مرتان حتى الآن، من رفض هذه القوى المسلحة أي نتيجة لا تأتى بها لمقاعد الحكم، فضلاً عن تعطيل عقد الانتخابات ذاتها مثلما حدث منذ عامين، وأطلقت عليها اللجنة الانتخابية تأجيلاً بسبب (القوة القاهرة).

وفي الواقع، إن سجل آخر انتخابات عام 2014، الذي جاء بمجلس النواب الحالي يؤكد هذه المعضلة، فلا يوجد أي دليل حتى الآن على أنها ستعقد بشفافية، وأن نتائجها ستقبل، ولا هو معروف ما الآلية التي ستطبقها الحكومة المنتخبة، إذا مكنت من استلام الحكم، لنزع سلاح هذه الميليشيات، ولكيفية إخراج المقاتلين الأجانب على جانبي الصراع، ومن ثم عندما تجاهلت مبادرة باتيلي تفاصيل هذا البعد هي بالتالي تطرح تسوية مستحيلة، ولا تقوى على التنفيذ، ما ينزع عن هذه المبادرة أي جدية وفرصة حقيقية للخروج بليبيا من النفق المظلم.

ويضاف إلى هذا الإشكال الأكبر السابق إشكال جديد الآن هو أن هذه المبادرة وما تلاها من تصريحات سابقة الذكر في شأن مجلس النواب تضع المبعوث الدولي، ومن ثم الأمم المتحدة ذاتها في صف تيار وجبهة واحدة في هذا الصراع، وهو ما يعد أكثر التصرفات بعداً من الحكمة في تاريخ جهود الوساطة والتسوية السلمية للنزاعات، فبهذا الشكل أصبح الوسيط المفترض أنه طرف محايد في الصراع أو حذر في الأقل، إلى وقوع في شرك الطرف المباشر المعادي، ما يؤكد المعضلة التي سبق لنا طرحها منذ أعوام حول المسار الدائري للأزمة الليبية.

لكن مع الأسف هذه المبادرة هي التي ستؤدي هذه المرة إلى مزيد من التعقيد والتردي، وتؤكد أكثر مجدداً الحاجة إلى ضرورة مراجعة نهج المنظمة الدولية، وكيفية أداء دورها في تحقيق السلم والأمن الدوليين .

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل