Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هي وسائل للتواصل الاجتماعي فكيف تصبح سببا للانتحار؟

قبل الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي مرحلة معينة كشفت بيانات أمنية أن شخصاً حاول وضع حد لحياته كل 6 ساعات في لبنان

في حال الشك بسلوكيات انتحارية لدى شخص ما يجب مناقشته بوضوح وصراحة (اندبندنت عربية)

ملخص

يغيب الالتزام بالمعايير الأخلاقية في #وسائل_التواصل_الاجتماعي حول #الانتحار، فكيف تهدد هذه الظاهرة المجتمع؟

منذ بداية الأزمة، تكررت حوادث الانتحار في لبنان بوتيرة متسارعة، وفي نهاية عام 2022، أظهرت أرقام جمعية "IDRAAC" للأبحاث والرعاية الخاصة بالصحة النفسية في لبنان أن شخصاً من 50 في البلاد يحاول الانتحار، والأرقام في تزايد مقلق، ففي الأسابيع الأخيرة، زادت حالات الانتحار بشكل ملحوظ، وهذا ما يؤكده أطباء وخبراء في علم النفس لاحظوا ارتفاعاً في معدلات الاضطرابات النفسية بين اللبنانيين أيضاً، سواء في فئة الشباب أو بين من هم أكبر سناً، واللافت أن خطوة الإقدام على الانتحار تتخذ حالياً منحى آخر مع انتشار ظاهرة نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، إما عبر فيديوهات أو عبر نشر رسالة وداع يتم تداولها بكثرة. هي ظاهرة جديدة تدعو للقلق وكأن وسائل التواصل الاجتماعي التي تسيطر على حياتنا، تركت أثرها هنا أيضاً.

 بحسب المعايير العالمية للصحافة التي تغطي حوادث الانتحار، يجب عدم نشر تفاصيل تتعلق بمكان الانتحار وطريقة حصوله، أو الدخول في تفاصيل تتعلق بحياة المقدم على الانتحار وعائلته، مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد هناك التزام بهذه المعايير، على رغم ما يمكن أن تشكله الظاهرة من خطورة على المجتمع، وبشكل خاص على من يعانون اضطرابات نفسية أو يواجهون تحديات نفسية أياً كان نوعها، فكيف يسهم تداول هذا النوع من الأخبار والفيديوهات في انتشار الأفكار الانتحارية على نطاق أوسع في المجتمع، انطلاقاً من مبدأ التقليد في الانتحار؟

 

ارتفاع متزايد في معدلات الانتحار

على صعيد عالمي، تدل الأرقام على ارتفاع معدلات الانتحار في فترات الأزمات الاقتصادية، كما حصل في اليونان حيث سُجّل ارتفاع ملحوظ. وفق الطبيب النفسي في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس الدكتور رامي بو خليل، ما من دراسات تؤكد أن الأزمة الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع معدلات الانتحار، إلا أن الواقع والمنطق يؤكدان ذلك، ويلاحظ الأطباء ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الاضطرابات التي تسبق الانتحار، فخطوة الانتحار المعلنة تثير هلعاً في المجتمع، إنما في الواقع لا تأتي بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار لها، و"الارتفاع الملحوظ في معدلات الاضطرابات النفسية التي قد تقود إلى الانتحار بين المواطنين تدعو للقلق وتنذر بالأسوأ، فالأزمة من جهة وصعوبة الحصول على العلاج ودخول المستشفى من جهة ثانية، عوامل انعكست بشكل واضح على الصحة النفسية".

حول ظاهرة الانتحار على وسائل التواصل الاجتماعي

في الفترة الأخيرة، تكررت حالات انتحار نُشر فيها فيديو أو رسالة لمن يقدم على الخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي، بدت ظاهرة لافتة وغير معتادة، خصوصاً أن خطوة الانتحار تحاط عادةً بالتكتم من قبل من يقدم عليها، ومن المتعارف عليه أن أن يكتب من يقدم على الانتحار رسالة وداع، فإلى جانب علاقة الانتحار باليأس وفقدان الرغبة بالعيش يرتبط بالمحيط، لذلك يتوجه من يقدم على الانتحار برسالة إلى المحيطين كوسيلة تعبير أو لنقل رسالة معينة أو لإحداث تغيير.

أما حول أثر نشر خطوة الانتحار على المجتمع، فلا تزال المسألة مبهمة، فلم تؤكد الدراسات ذلك، إنما بحسب بو خليل، من المنطقي ألا يكون الأثر مباشراً على المجتمع عامةً، وإلا لما سمح بتصوير أفلام تتضمن مشاهد الانتحار. في الوقت نفسه، لا تُستبعد فكرة أن يكون هناك أثر في فئة معينة ممن هم أكثر هشاشة نفسياً وعرضة للأفكار الانتحارية، فالانتشار السهل لهذه الظاهرة قد يدعوهم إلى تبني الفكرة معتبرين أنهم يمكن أن يقدموا على الخطوة، فتبدو الخطوة أكثر سهولة عندما تعمم على وسائل التواصل الاجتماعي، "يصعب رصد الأثر من اليوم، لكن لا يمكن استبعاده، يلاحظ أن وسائل الإعلام الأجنبية لا تشجع تسليط الضوء على تفاصيل حالات الانتحار، أما في لبنان فيجب التحرك لمواجهة هذه الظاهرة ونشر الوعي حولها، علماً أن الانتحار هو نتيجة مسار يتضمن أنواعاً عدة من الاضطرابات النفسية قد تقود إلى هذه الخطوة كالاكتئاب والانفصام في الشخصية والإدمان".

يزيد احتمال الانتحار لدى من يعاني اضطراباً معروفاً أو في حال وجود سوابق في العائلة واستعداداً جينياً أو من كان يخضع لعلاج في السابق.

 في مثل هذه الحالات، على المحيطين التدخل قبل فوات الأوان لإنقاذ حياة المريض قبل فوات الأوان، مع الإشارة إلى أن الشخص الذي يقدم على الانتحار لا يقوم بالخطوة فجأة، بل تسبقها حالة اكتئاب خصوصاً في فترة الأزمة الإقتصادية حين تزيد الضغوط، ومن أعراض الاكتئاب الشعور بالذنب والعزلة وانعدام الرغبة بالقيام بأي نشاط، وقلة الأكل والنوم، والتعب الجسدي وسيطرة الأفكار السوداوية، وعدم القدرة على التركيز، والتفكير بإنهاء الحياة، ويبدو للشخص المعني أن الحلول لمشكلاته وهواجسه لا تتوافر، وتعد البطالة من العوامل التي قد تسهم في زيادة الضغوط، وقد يكون الرجل أكثر ميلاً إلى السلوكيات الانتحارية كونه يتكتم عن مشاعره، ويتحمل مزيداً من المسؤوليات في مجتمعاتنا، ويتمتع بعزة نفس عالية، ومن الطبيعي أن يكون وقع الأزمة والوضع المعيشي أشد وطأة عليه بعد.

يدعو بو خليل إلى تصحيح الأفكار الخاطئة في مجتمعاتنا حول الانتحار، وعلى رأسها فكرة عدم التجاوب مع من يعبر عن نية بالانتحار أو عن أفكار انتحارية. في الواقع، يجب أخذ هذه المؤشرات على محمل الجد، فمن يرغب بالانتحار يعبر عن نيته بعكس الاعتقاد السائد، ومن الضروري التدخل لحمايته، ومن المهم أن يعي من تبلغ هذه النية كيفية التدخل لتقديم المساعدة لأن ذلك في غاية الأهمية.

 

معدلات ترتفع قبل الأزمة

تؤكد المتخصصة في علم النفس العيادي في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة دينا عينا، الارتفاع الواضح في معدلات الأفكار الانتحارية والأشخاص الذين يقدمون على الانتحار، هذا الارتفاع مسجل في لبنان حتى قبل اشتداد الأزمة، إذ كشفت بيانات أمنية أن شخصاً يحاول الانتحار كل 6 ساعات في لبنان، وهناك شخص يفقد حياته كل يومين ونصف، أرقام كانت مقلقة بالفعل، ولكنها حدثت لفترات ولم تكن ظاهرة مستمرة، أما الأرقام الحالية فقد لا تكون دقيقة، إنما يبدو واضحاً وجود محاولات وضع حد للحياة من إحصاءات العيادات والمستشفيات، ومن الاتصالات على الخط الساخن مع جمعية "Embrace" ووزارة الصحة العامة، وتزيد صعوبة المسح الشامل أكثر بعد لأن موضوع الانتحار لا يزال من المحرمات في مجتمعنا.

أما الخطورة الكبرى حالياً، ففي ظاهرة الانتحار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب عينا، هي مسألة في غاية الخطورة يجب أخذها على محمل الجد، "نعرف جيداً أن الكلام عن الأفكار الانتحارية بطريقة هادفة وصحيحة إيجابي، ففي حال الشك بسلوكيات انتحارية لدى شخص ما، يجب مناقشته بوضوح وصراحة حول الموضوع وحول نواياه لفهم حالته ومساعدته، أما نشر الطريقة التي يقدم فيها شخص على الانتحار أو رسالة الوداع على نطاق واسع، فيعطي فكرة حول الطريقة التي يمكن أن يقدم فيها شخص على الانتحار فقد تسهم في تسهيل الخطوة حتى تبدو لفئة معينة ممن هم أصلاً في معاناة نفسية، وكأنها حل للمشكلة وما من حل غيره".

عند عرض الأمور بهذه الطريقة، يبدو وكأن الانتحار وسيلة مقبولة من كثر ويتعاطفون معها، هي مسألة في غاية الخطورة تنقل رسالة خاطئة لمن يعانون ضغوطات نفسية، فتوجههم نحو هذه الوسيلة كحل لمشكلاتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 في المقابل، دور المتخصصين في المعالجة النفسية حماية هؤلاء وينظرون إلى الانتحار كمشكلة تحتاج إلى حل، حتى إذا كان الهدف هو التوعية، هو نوع من الترويج لأفكار معينة ولو من غير قصد، قد لا تشكل هذه الظاهرة خطراً على الأشخاص الذين لا يعانون اضطرابات نفسية أو لا يواجهون صعوبات، بحسب عينا، لكن لها خطورة كبرى على من يعانون اكتئاباً أو يجدون الأفق أمامهم مسدود، يكون عندها اختيار الانتحار واضح أمامهم وما من مشكلة فيه، لذلك، من الضروري نشر الوعي لوقف انتشار رسائل الانتحار وتصوير الفيديوهات حول الانتحار والوسائل المعتمدة وتفاصيل أخرى.

في دراسة نشرت في عام 2019 في "British medical journal" وتناولت المشاهير الذين يقدمون على الانتحار وتُنشر تفاصيل حول ذلك، ظهرت زيادة نسبتها 13 في المئة في معدلات الانتحار بعد نشر أخبار عن انتحار أحد المشاهير، وعند نشر طريقة الانتحار، سجلت زيادة في معدلات الانتحار بالوسيلة نفسها بنسبة 30 في المئة، هي أرقام خطيرة تدل على أن طريقة عرض هذه المواضيع تسهم في زيادة الانتحار، حتى إذا كانت النية منها التخفيف منه.

فتعميم هذه الفكرة يخلق تحديات في المجتمع، علماً أن السلوكيات الانتحارية لا تؤثر في الشخص الذي يقدم على الانتحار فحسب، بل في العائلة والمحيطين كافة، فمن الصعب عليهم تخطي ذلك، قد تمتد التبعات إلى أجيال عديدة بعدها، إضافة إلى الصدمة المباشرة والمخاوف في العائلات لاعتبارها نوعاً من الوصمة.

وينطبق خطر تسليط الضوء على تفاصيل الانتحار على وسائل الإعلام تماماً، فخبر الانتحار قد يبدو في الظاهر كأي مادة إعلامية، لكن تناوله يعد أكثر دقة، وتحذر عينا من خطورة تناوله مع أشخاص غير ملمين بهذا الموضوع، حتى إذا كان الهدف توعوياً، لذلك على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام مسؤولية كبرى في تناول هذا الموضوع باختصار وحرص حتى لا تكون له كل هذه الجاذبية والإثارة، فمع زيادة الإثارة والاستفاضة في حديث غير مجد وغير علمي، تزيد المشكلة انتشاراً بدلاً من أن تعالج.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير