Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكفي إجراءات إنقاذ البنوك المنهارة لتفادي الأزمة؟

بدء التدقيق والفحص والتحقيق بعد ظهور سلسلة التراجعات لا يعفي السلطات من تجاهل الخلل طويلاً

يخوض المركزي الأميركي ووزارة الخزانة في مأزق مع محاولتهم وقف انتشار عدوى الانهيار في القطاع المصرفي الأميركي وتداعيات ذلك على الأسواق التي تواصل الهبوط بشدة (أ ف ب)

ملخص

مع أرقام #التضخم الأخيرة يزداد مأزق "الاحتياطي الفيدرالي" عمقاً، إذ يخشى إذا استجاب لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم برفع سعر #الفائدة، أن يسرع من انتشار عدوى انهيارات #البنوك وربما النظام المالي كله

جاءت أرقام التضخم في الولايات المتحدة لتضيف عاصفة جديدة من التحولات، إلى أجواء الأزمة الحالية في الأسواق مع استمرار عمليات البيع المكثفة لأسهم البنوك، وذلك في ظل هرولة المودعين لسحب أموالهم من البنوك الصغيرة والمتوسطة، وهي في أغلبها بنوك إقليمية في الولايات الأميركية.
ومع استمرار معدلات التضخم عالية، يجد الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) نفسه في مأزق حقيقي وسط توقعات السوق بأنه لن يرفع الفائدة هذا الشهر بسبب تأثير ارتفاع كلفة الإقراض على القطاع المصرفي.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين لشهر فبراير (شباط) الماضي بمعدل سنوي بنسبة ستة في المئة مع ارتفاع الأسعار بنسبة 0.4 في المئة عن الشهر السابق، يناير (كانون الثاني). ومع أن ذلك المعدل أقل من الارتفاع الذي وصل إليه في الشهر الأول من العام، فإن معدلات التضخم تظل مرتفعة. ومع استثناء أسعار الطاقة والغذاء، ارتفع مؤشر التضخم الأساسي بنسبة 0.5 في المئة بمعدل شهري مقابل ارتفاع بنسبة 0.4 في المئة في الشهر السابق. وبالمعدل السنوي يكون مؤشر أسعار المستهلكين عند 5.5 في المئة.

ويضيف ذلك مزيداً من الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي الذي قد يضطر إلى رفع سعر الفائدة لوقف ارتفاع معدلات التضخم. إلا أن المركزي الأميركي ووزارة الخزانة يخوضان مأزقاً آخر في محاولتهما وقف انتشار عدوى الانهيار في القطاع المصرفي الأميركي وتداعيات ذلك على الأسواق التي تواصل الهبوط بشدة.

مزيد من البنوك المتعثرة

في ذات الوقت، أعلنت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني خفض تصنيفها للمصرف النيويوركي "سيغنيتشر بنك" إلى أدنى مستوى، ما يعني أن سندات دين البنك المصنفة لا تساوي شيئاً. وأعلنت "موديز" وضع ستة بنوك أخرى محل المراقبة اللصيقة مع احتمال خفض تصنيفها أيضاً. وفي مقدمة البنوك الستة "بنك فيرست ريبابليك" الذي أوقفت البورصة التداول على أسهمه، أول من أمس الإثنين، بعد انهيار قيمته السوقية بأكثر من 60 في المئة. هذا إضافة إلى مصرف "زايونس بنكوربوريشن" ومصرف "كوميرشيا إنك" ومصرف "يو أم بي فايننشال كورب" ومصرف "إنترست فايننشال كوربوريشن".
وكانت القيمة السوقية لمصرف "زايونس بنكوربوريشن" هبطت بنسبة 23 في المئة، الإثنين، بينما هوت أسهم مصرف "ويسترن أليانس بانكورب" بنسبة 55 في المئة وفقد مصرف "كوميرشيا إنك" نسبة 20 في المئة من قيمته السوقية. وتلك البنوك التي تصل قيمة أصولها إلى مليارات الدولارات، ناهيك عن بنوك إقليمية أصغر مكشوفة على "خسائر غير محققة" نتيجة انهيار قيمة السندات وشهادات ضمان القروض العقارية في حوزتها.
ونشر موقع "ماركت ووتش" قائمة بالبنوك التي تواجه أزمة خسائر غير محققة، من بينها مصرف "كستومرز باكزرب إنك" ومصرف "ساندي سبرينغ يانكورب إنك" ومصرف "نيويورك كوميونيتي بانكورب إنك" ومصرف "كولومبيا فايننشال إنك".
وفي حال انتشار عدوى الانهيارات ستكون هذه البنوك في مقدمة من يحتاجون إلى الإجراءات التي أعلنتها السلطات الأميركية، الأحد الماضي. إذ كان "الاحتياطي الفيدرالي" ووزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك قرروا توسيع التأمين على كل ودائع "بنك سيليكون فالي" لمنع ضياع أموال المودعين. كما قرر "الاحتياطي الفيدرالي" إضافة آلية إقراض ميسر غير آلية "مقرض الملاذ الأخير" للقطاع المصرفي، وتدعم وزارة الخزانة تلك الآلية الجديدة بـ25 مليار دولار من أموال دافعي الضراب. وذلك ما جعل عدداً من المعلقين يعتبرون تلك الإجراءات "عملية إنقاذ" بمسمى آخر بعدما صرحت وزيرة الخزانة جانيت يلين بأن الحكومة لن تقدم حزم إنقاذ للبنوك المنهارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إجراءات محل شك

وتعاني البنوك المعرضة للانهيار من ثلاثة عوامل سلبية في وقت واحد: سحوبات الذعر لأموال المودعين، وانخفاض احتياطياتها لدى البنك المركزي، والخسائر غير المحققة نتيجة انهيار ما بحوزتها من سندات اشترتها في فترة التيسير الكمي وانهارت قيمتها مع ارتفاع العائد عليها نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية.
واعتبر روبرت وولف، الرئيس السابق لبنك "يو بي أس"، مستشار إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أن جذور المشكلة هو في عدم التدقيق المالي من قبل السلطات وتجاهل أجراس الإنذار الواضحة مع ارتفاع القيمة السوقية لبعض البنوك بأكثر من الضعف من دون ضمانات أصول كافية. واتفق معه كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة "أوليانز" محمد العريان على أن "السياسات الخاطئة من جانب السلطات المالية، وفي مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة وهيئات الرقابة على أسواق المال والقطاع المصرفي، هي المسؤولة عن الوصول إلى الوضع الحالي".
وحذر العريان من أن الإجراءات التي أعلنتها السلطات الأميركية، الأحد، لإنقاذ بنك سيليكون فالي" في منتهى الخطورة، لأنه في النهاية لا يمكن الآن عدم توفيرها لأي بنوك أخرى مأزومة وإلا أصبح الأمر أن هذا البنك "مميز وله وضع خاص". وسيعني التوسع في ضمان الودائع استنزاف أموال دافعي الضرائب في عملية "إنقاذ" أقرب إلى ما حدث في الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ويلقي أغلب المحللين والاقتصاديين باللائمة على السطات المالية والرقابية في البلاد في أزمة انهيار البنوك، ويتوقعون أن تلحق بنوك أخرى بالبنوك الثلاثة المنهارة في الأيام الأخيرة، "سيغنيتشر بنك"، و"بنك سيليكون فالي"، و"سيلفرغيت بنك" الذي كانت أغلب تعاملاته مع شركات العملات المشفرة.

أزمة الاحتياطي الفيدرالي

وفي حال التوسع في تأمين وضمان أموال المودعين في بنوك أخرى عرضة للانهيار، لن تستطيع المؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك تحمل كل هذا القدر من الضمانات للودائع فوق 250 ألف دولار. وبالتالي سيقع العبء الأكبر على الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة.
ورغم الحديث من قبل الإدارة الأميركية والكونغرس عن جلسات استماع وعمليات فحص وتدقيق مالي في أوضاع القطاع المصرفي، فإن ذلك لا يفيد بعدما بدأت الأزمة بالفعل. وبحسب أغلب المعلقين، كان يجب أن يحدث ذلك قبل سنوات خصوصاً مع سياسة التيسير الكمي وضخ السيولة في السوق التي غذت الارتفاع الصاروخي في معدلات التضخم.
ومع كمية سندات الدين العام ودين الشركات، التي راكمها "الاحتياطي الفيدرالي" في فترة التيسير الكمي ثم رفع أسعار الفائدة أصبح الحساب الجاري للبنك المركزي الأميركي في وضع حرج. ويقدر بعض الاقتصاديين أن "الاحتياطي الفيدرالي" يواجه خسائر غير محققة (نتيجة انهيار قيمة السندات التي في حوزته وقيمتها 8.3 تريليون دولار) بنحو 1.2 تريليون دولار. كما يخسر "الاحتياطي" يومياً بما يدفعه للبنوك في ما يسمى "الريبو العكسي". ومنذ يونيو (حزيران) 2022، زادت كمية "الريبو العكسي" تلك على تريليوني دولار، ما يشكل عملية ضغط إضافية على السيولة في الأسواق المالية.
ومما يزيد من مأزق "الاحتياطي الفيدرالي"، إلى جانب ما يشكله من ضغط على وضع القطاع المصرفي، انخفاض قيمة الاحتياطيات التي تلزم قواعد السلامة المالية البنوك، بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي. وبحسب أحدث بيانات متوفرة من الاحتياطي الفيدرالي للأسبوع الأول من مارس (آذار) الحالي، كان إجمالي احتياطي البنوك لدى البنك المركزي 2.999 تريليون دولار، وهو ما يقل بنحو 1.3 تريليون دولار عن ذروة ذلك الاحتياطي بنهاية عام 2021 حين كان عند 4.3 تريليون دولار.
والآن، مع أرقام التضخم الأخيرة يزداد مأزق "الاحتياطي الفيدرالي" عمقاً، إذ يخشى إذا استجاب لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم برفع سعر الفائدة، أن يسرع من انتشار عدوى انهيارات البنوك وربما النظام المالي كله مع ذعر الأسواق. في الوقت نفسه، فإن عدم رفع الفائدة والتوسع في برامج الإقراض الميسر للبنوك المتعثرة يقود إلى عدم زوال العلل الأساسية في النظام كله.