Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رينيه معوض... اغتيال نقل لبنان إلى وصاية النظام السوري

الرئيس الأول للبنان بعد "اتفاق الطائف" توقع مصيره وودع ابنه بوصية

الرئيس معوض يقسم اليمين بعد انتخابه (غيتي)

ملخص

سبق اغتيال الرئيس اللبناني #رينيه_معوض خلاف مع #النظام_السوري حول تشكيل الحكومة وسحب جيشه من لبنان

منذ بداية القرن العشرين هزت العالم العربي عمليات اغتيال كثيرة غيرت في مسارات الأحداث والتطورات وبدلت في تاريخ المنطقة. معظم هذه الاغتيالات تم بالرصاص قبل أن تتحول إلى عمليات تفجير، وأكثرها كان نتيجة الصراع السياسي. "اندبندنت عربية" تفتح بعض ملفات هذه الاغتيالات، وفي هذه الحلقة نتناول قضية اغتيال الرئيس رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 بعد 17 يوماً على انتخابه رئيساً للجمهورية.

على عكس الرئيس اللبناني بشير الجميل انتخب النائب في مجلس النواب اللبناني رينيه معوض رئيساً للجمهورية في 5 نوفمبر 1989، وتسلم فوراً مقاليد الحكم والرئاسة بسبب خلو الموقع منذ 23 سبتمبر (أيلول) 1988، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتشكيل الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون، الذي تمسك بالسلطة ومارس صلاحيات الرئاسة من القصر الجمهوري في بعبدا مانعاً الرئيس المنتخب من الانتقال إلى مقر الرئاسة الرسمي، الأمر الذي عرضه لخطر الاغتيال. بشير الجميل انتخب في 23 أغسطس (آب) 1982، واغتيل في 14 سبتمبر بعد 21 يوماً من دون أن يتسلم الحكم. رينيه معوض هو ثاني رئيس للجمهورية يغتال خلال سبعة أعوام، ولا يزال اغتياله لغزاً لجهة تحديد الجهة التي أمرت وخططت ونفذت، لذلك تبقى هذه الجريمة مقيدة ضد مجهول، ويبقى ملف التحقيق فارغاً من أي أوراق أو إفادات غير الوصف الجرمي لعملية التفجير وتقارير الخبراء والمحققين، الذين وضعوا التقارير حول مسرح الجريمة والعبوة التي انفجرت وطريقة التفجير.

 

الرئيس الذي كان منتظراً

منذ ذهب النواب اللبنانيون إلى الطائف في السعودية في أواخر سبتمبر 1989 للبحث في الاتفاق على التعديلات الدستورية، كممر للخروج من الحرب، بات من شبه المؤكد أن الاتفاق مرتبط عملياً بانتخاب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية. منذ أزمة تعذر انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية أمين الجميل بدأ اسم معوض يطرح ولكن بعيداً من الأسماء المتداولة علناً. طوال حياته السياسية تمكن معوض من شبك علاقات مع معظم الأطراف المحلية من دون خصومة أو عداوة بينه وبين أي منها، ليكون رئيساً مقبولاً من الجميع ومناسباً للمرحلة ومحققاً للتوازن الداخلي ولعملية الخروج من الحرب، ولكن اغتياله كشف عن أن هناك جهة كانت غير قابلة بهذا الحل وبانتخابه، واعتراضها لم يكن عليه كشخص فقط أو كرئيس، بل كان على التسوية التي أتت به رئيساً، وعلى ما ظهر منه خلال الأيام السبعة عشر التي أمضاها في سدة الرئاسة.

سيرة حياة حافلة

انتخب رينيه معوض نائباً للمرة الأولى في عام 1957، ولكن انتخابه شكل مفارقة في الحياة السياسية اللبنانية. بسبب المنافسة السياسية والعائلية حول الانتخابات النيابية في دائرة زغرتا في شمال لبنان، على عهد الرئيس كميل شمعون في عام 1957، حصلت جريمة مروعة في بلدة مزيارة في شمال لبنان، حيث سقط نحو 17 قتيلاً في إشكال بين عائلات زغرتا اضطر في إثره معوض إلى اللجوء إلى سوريا مع سليمان فرنجية (جد رئيس تيار المردة الحالي) بسبب ملاحقتهما، والادعاء عليهما وتحميلهما المسؤولية. المفارقة أن معوض انتخب نائباً وهو موجود في دمشق قبل أن يصدر أي حكم في حقه. لاحقاً بعد انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية عاد إلى لبنان وأسقطت عنه وعن فرنجية الملاحقة. ومنذ ذلك التاريخ أصبح من أركان العهد الشهابي الذي أوجد حلاً سياسياً لقضية الخلافات بين عائلات زغرتا عندما جعل عدد المقاعد النيابية فيها ثلاثة بدلاً من اثنين، وأفسح المجال أمام وصول ثلاثة نواب يمثلون المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان سليمان فرنجية شقيق النائب حميد فرنجية الذي كان يمثل العائلة في زغرتا. بعد حادثة مزيارة خرج حميد من السياسة ودخلها سليمان الذي أصبح نائباً، ثم وزيراً ثم رئيساً للجمهورية في عام 1970 مرشحاً ضد مرشح فؤاد شهاب إلياس سركيس. من المفارقات أن رفيقه في اللجوء إلى دمشق رينيه معوض لم ينتخبه، بل انتخب سركيس، ولكن هذا الأمر لم يولد خصومة قاسية بينهما، فالتقيا بعد ذلك في جبهة واحدة في الحرب، وافترقا مرة جديدة عندما انتخب معوض بشير الجميل رئيساً للجمهورية.

لم يخرج معوض من الحياة النيابية والسياسية منذ عام 1957. ورسم القدر طريقه إلى رئاسة الجمهورية في عام 1989. بدبلوماسيته الرقيقة استطاع أن يصعد سلم الرئاسة درجة درجة، حتى وضعت هذه المهمة أمانة بين يديه. بعد إنجاز "اتفاق الطائف" في السعودية في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1989 خرج اسم رينيه معوض من وراء الستارة ليكون المرشح الأقوى لهذا المنصب. قبل أن يعود من السعودية إلى لبنان انتقل إلى باريس حيث التقى نجله ميشال، وكان عمره 17 سنة ويتابع دراسته هناك، ليسر إليه بأنه سينتخب رئيساً، وبأن هذه المهمة محفوفة بالأخطار. وأوصاه بأن يهتم بوالدته وشقيقته في حال تعرضه للاغتيال، وكان حدسه في مكانه.

 

انتخاب وخطر

في 5 نوفمبر انتقل النواب اللبنانيون المنتخبون منذ عام 1972 إلى مطار القليعات العسكري في شمال لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية. كان العماد ميشال عون المتمسك بالسلطة يعتبر أنه يمثل الشرعية الدستورية فأصدر قراراً بحل مجلس النواب فجراً. وكان أنصاره هاجموا البطريرك الماروني نصرالله صفير في مقر البطريركية في بكركي، فاضطر إلى الانتقال إلى المقر الصيفي في الديمان في شمال لبنان. وكان واضحاً أن عون لن يسلم السلطة إلى أي رئيس ينتخب، ولكن رئاسة الجمهورية لم يكن لها مقر آخر غير قصر بعبدا الذي تحصن به عون. بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في تلك الجلسة آثر معوض أن يمر على الرئيس الأسبق للجمهورية سليمان فرنجية في قصره في زغرتا للقائه، وحتى لا يفسر انتخابه تحدياً له، ذلك أن فرنجية كان مرشح النظام السوري للرئاسة في أغسطس 1988 وفشلت محاولات انتخابه. وكان على معوض أن يلتقي البطريرك الماروني لأخذ بركته، خصوصاً أنه كان من الذين لعبوا دوراً بارزاً في الوصول إلى "اتفاق الطائف"، وكان مدركاً أن معوض هو الرئيس الموعود من خلال الاتصالات التي كانت تحصل معه لاقتراح أسماء للرئاسة، وكان معوض يطلب منه عدم إدراج اسمه بينها.

من دارته في إهدن اختار معوض أن يبدأ أيامه الرئاسية الفعلية بعد الانتهاء من تقبل التهاني. وكان يدرك أن مرحلة الجد قد بدأت وأنه يلعب مع الخطر. كان عليه أن يبدأ من عملية تشكيل حكومة جديدة شكلت بطبيعة الحال محط خلاف مع النظام السوري. خلال وجوده في إهدن استقبل معوض وفداً سورياً برئاسة نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام جاءه مهنئاً بانتخابه وللبحث في عملية تشكيل الحكومة الجديدة. لم يكن هناك ارتياح في إهدن لهذه الزيارة، إذ إن المعلومات التي تسربت حولها نقلت أن خدام أراد البحث في أسماء محددة تريدها سوريا في الحكومة، وأن معوض تحفظ عليها، واعداً في المقابل بأن لا يكون فيها وزراء معادون لسوريا، كما أنه في صراع الوصول إلى قصر بعبدا وإنهاء تمرد العماد عون رفض أن يعتمد حلاً عسكرياً، وطلب في المقابل أن يحصل انسحاب للجيش السوري كبادرة حسن نية، ولتأكيد البند المتعلق بانسحاب هذا الجيش من لبنان خلال عامين من التوصل إلى "اتفاق الطائف" من أقضية البترون وزغرتا وبشري في شمال لبنان لإحراج عون والضغط عليه ليخرج من القصر، وهذا الطلب رفضته دمشق.

 

في المقر الموقت للرئاسة

بعد ثلاثة أيام أمضاها في إهدن قرر الرئيس المنتخب الانتقال إلى بيروت. قدم له الرئيس رفيق الحريري مبنى يملكه في محلة الرملة البيضاء ليكون مقراً موقتاً لرئاسة الجمهورية، ويقع إلى جانب فندق البوريفاج الذي كان مقراً لمفرزة الاستخبارات السورية في بيروت. بعد إحاطة المبنى بتدابير أمنية اعتمدت على وجه السرعة انتقل الرئيس معوض من إهدن إلى مطار القليعات حيث أقلته طائرة إلى مطار بيروت، ومن هناك انتقل إلى المقر الجديد. كان هناك خوف دائم على حياته من أخطار قد يتعرض لها، وكان تقدير المكلفين بحمايته أنها قد تأتي من مصادر عدة، من بينها "حزب الله" أو العماد ميشال عون، عن طريق عمليات انتحارية أو سيارات مفخخة أو قصف مدفعي وصاروخي. وسط هذه الأجواء السوداء اختار الرئيس معوض أن يبدأ مشاوراته لتأليف الحكومة من مقر السراي الصغير في محلة الصنائع، مقر وزارة الداخلية حالياً، وكان عليه أن ينتقل إلى هذا المقر وسط تدابير أمنية مشددة. بعد انتقاله إلى بيروت زاره رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان العميد غازي كنعان وطلب المشاركة في مواكبته الأمنية.

نتيجة الاستشارات النيابية كلف الرئيس سليم الحص تشكيل الحكومة. في 22 نوفمبر أراد الرئيس معوض أن يتقبل التهاني لمناسبة عيد الاستقلال. وكان عليه أن يحضر إلى السراي الحكومي الصغير في محلة الصنائع، وأن يكون إلى جانبه رئيس مجلس النواب حسين الحسيني والرئيس المكلف سليم الحص. بعد انتهاء التهاني سلك طريق العودة إلى مقر الرئاسة الموقت، وكان القدر له بالمرصاد حيث انفجرت عبوة ناسفة وضعت خلف سور مدرسة في محلة الرمل الظريف قبالة حديقة الصنائع بموكبه. أسفرت العملية عن استشهاد الرئيس مع عدد من مرافقيه.

 

جريمة بلا تحقيق

على رغم مرور 34 عاماً على عملية الاغتيال، فلم تتوافر أي معلومات حول الجهة التي نفذتها. بعد يومين على اغتياله وبعد انتهاء عملية تشييعه ودفنه، انتخب النواب اللبنانيون النائب إلياس الهراوي خلفاً له في فندق بارك أوتيل في شتورة في البقاع. في مذكراته يروي الرئيس الهراوي أن رئيس مجلس النواب حسين الحسيني زار الرئيس السوري حافظ الأسد ليبحث معه في مسألة انتخاب خلف لمعوض من بين أسماء مقترحة، كان أبرزها النائب بيار حلو أو الوزير السابق جان عبيد، ولكن الأسد طلب انتخاب الهراوي. انتهى عهد معوض القصير باغتياله الذي اعتبر عملية اغتيال لـ"اتفاق الطائف". بعد هذا الاغتيال بدأ الحديث عن الانقلاب على هذا الاتفاق وعن مرحلة جديدة دخلها لبنان وسميت مرحلة الوصاية السورية التي امتدت حتى عام 2005.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات