Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ورش اتفاق سلام جوبا: لم ينجح أحد

تناقض مخرجاتها يؤكد علامات "إرهاق سياسي" ضرب صفوة الفكر والسياسة في السودان ودليل على حيرة العقول

نساء سودانيات في الخرطوم يطالبن بإلغاء اتفاق سلام جوبا (أ ف ب)

ملخص

هذا التكاثر في ورش نقاش #اتفاق_جوبا دال على حيرة ضربت صفوة الرأي والسياسة وفيه مصداق لعبارة سودانية عن مثل هذه الربكة "إذا تلف رأي الجلابة قعدوا كويمات كويمات"

انعقدت في بحر الأسابيع الماضية ثلاث ورش في الخرطوم والقاهرة وجوبا لمناقشة اتفاق جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، الموقع بين حكومة السودان وحركات مسلحة في دارفور وحلفائها. وسبقت هذه الورش دعوات بين إلغاء الاتفاق، أو تعديله، أو الثبات عنده. ونظر الداعون للإلغاء أو التعديل إلى عيوب في مفهوم الاتفاق، أو نصه، أو مناحي تنفيذه.

هذا التكاثر في ورش نقاش اتفاق جوبا دال على حيرة ضربت صفوة الرأي والسياسة، وفيه مصداق لعبارة سودانية عن مثل هذه الربكة، "إذا تلف رأي الجلابة قعدوا كويمات كويمات". والجلابة هنا هم أهل شمال السودان النيلي. فإذا احتار دليلهم، بحسب حكمتهم هم أنفسهم، جلسوا كوماً هنا وكوماً هناك يضربون أخماس محنتهم في أسداسها.

كانت تلك الورش بوجه آخر بمثابة واجهات تسوق يغشاها أهل الورش بغض النظر لتكبير الكوم. فلم يمنع الخلاف الناشب بين أطرافها من غشيان طرف أو آخر أكثر من ورشة للكسب. فجاءت الجبهة الثورية لورشة جوبا، بينما هي طرف أصيل في ورشة الخرطوم على اختلاف ما بينهما. وجاءت أطراف من ورشة القاهرة إلى ورشة جوبا، وسنرى البون الشاسع الذي بين الورشتين. وكان في جوبا مبارك الفاضل، قائد فصيل من حزب الأمة، خصيم الاتفاق الإطاري، والذي دعا إلى إلغاء مسارات غير المسلحين من الاتفاق ووصفها بالفتنة. وجهر بما اضمرته ورشة الخرطوم لأهل الاتفاق الإطاري ولم تصرح به.

عقدت الحرية والتغيير (المركزي) ورشة الخرطوم في 3 فبراير (شباط) حول اتفاق جوبا في إطار ورشها الست التي أرادت أن تستبق بها تكوين الحكومة المدنية لتقوم على بينة مما ينتظرها من مسائل وما يعينها من حلول لها. وتواصت الورشة في ما تعلق بشرق السودان بعقد مؤتمر سياسي تنموي لأهل الإقليم بعد ثلاثة أشهر من تكوين الحكومة. وأوكلت لهذا المؤتمر مناقشة مسار الشرق في اتفاق جوبا لتقريب وجهات النظر حول الفرقاء. وبهذا نأى المركزي من تبني أي موقف من المسار. ورهن الرأي فيه لأصحاب المصلحة. واستغرب المعلقون لهذا الموقف من المركزي الذي كان أرضية الدعوات لإلغاء اتفاق جوبا مرة واحدة، أو تعديله بغير رحمة، وبخاصة في ما تعلق بالمسارات مثل مسار الشرق، بل كانت حملة الاحتجاج الصلبة لأقسام من أهل الشرق على مسارهم رصاصة الرحمة على حكومة المركزي الانتقالية. فأعقبها انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أزال تلك الحكومة. فعلق أحدهم على رفع "المركزي" يده عن كل موقف حيال مسار الشرق بقوله إنه "تخدير وتعقيد للأزمة". وقال آخر إنه مجرد "ترحيل للأزمة".

وبدا أن "المركزي" أثقل على حكومته المرتقبة بإرجاء الرأي حول المسار. فليس يخفى، والحال على ما عليه، قصور الورشة عن وظيفتها، وهي أن تجلي النظر السياسي لتقوم هذه الحكومة على بينة من الأمر.

وانعقد لقاء القاهرة (2-7 فبراير) لمناقشة اتفاق سلام جوبا بدعوة من الحكومة المصرية مساهمة منها في حلحلة الأزمة السودانية. ولبت الدعوة قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي ضمت حركات تحرير دارفور الموقعة على الاتفاق، والحزب الاتحادي الديمقراطي الصديق التاريخي لمصر. وامتنع المركزي عن الحضور. واتفق الحضور بعد بحث جذور مشكلة مسار الشرق، في قولهم، على تجميد المسار وقيام منبر تفاوضي مستقل للنظر في قضية الإقليم ككل. وهذا ما أرضى محمد الأمين ترك، من نظارات البجا والعموديات المستقلة، الذي كان أول من بادر إلى الاحتجاج على المسار وطالب بتجميده. أو ما قصدت الورشة به إرضاءه كحليف نادر. ولا أعرف كيف قبلت حركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا بتجميد مسار الشرق في القاهرة، وهي التي سنراها نفسها في ورشة جوبا تتمسك باتفاق جوبا حرفياً، بما في ذلك مسار الشرق. وقد لا تكترث هذه الحركات بالمسار من حيث هو، ولكن تجميده مطعن في الاتفاق برمته ربما كان الأول، ولكنه لن يكون الأخير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما ورشة جوبا (18-19 فبراير) فقد دعت إليها حكومة جنوب السودان التي جرت مفاوضات الاتفاق وتوقيعه بوساطتها. وقضت الورشة، حسماً للجدل الدائر حول الاتفاق، ألا يمسسه تعديل، ناهيك بإلغاء. وتواترت تعليقات من رموز للحركات المسلحة التي رأيناها تقبل تجميد مسار الشرق في ورشة القاهرة، تنذر بالعودة للحرب إن بدلوا بنداً واحداً من بنوده. وعززوا تهديدهم هذا بقولهم إن الاتفاق صار حقيقة دستورية لا تبديل لشرعها.

ولما تمسكت ورشة جوبا باتفاق السلام اقتصر نقاشها حوله على العقبات التي اعترضت تنزيله على الأرض، ورتبت الجداول لتجاوز العطل في التنفيذ. فاستعرضت الورشة البنود التي جرى تنفيذها، وعرضت للبنود التي تحتاج لقرارات عاجلة لتنفيذها، ثم للأخرى التي قد تنتظر.

اتفق لورشة جوبا حيال أزمة مسار الشرق قيام مؤتمر تشاوري واسع للجماعات في الإقليم للتصالح حول خطة لاستنقاذه من التهميش. وإن بدا من تأمين الورشة على المؤتمر أنه ما استجابت به لنداءات إلغائه أو تعديله إلا أن واقع الأمر يقول إن هذا التأمين مجرد صدى لاتفاق السلام نفسه. فجاء في نص الاتفاق نفسه بند للدعوة إلى اجتماع تشاوري لسائر جماعات الشرق لنقاش المسار وإضافة ما اتفق لهم إضافته، أو تعديله. وهكذا لم تأت ورشة جوبا بجديد حول مسار الشرق. فلم تزد أن أعادت إنتاج المسار في حرفه.

 ومما سيزيد الطين بلة أن الورشة جددت امتياز الجماعة الموقعة على الاتفاق، وهي الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة ومؤتمر البجا الذي هو الثامن في المنظمات التي تحمل هذا الاسم حالياً، بمنحها 14 في المئة من الوظائف العامة في الإقليم. وليس يتصور أحد أن ينزل هذا برداً وسلاماً على نظارات البجا وعموديات الشرق المستقلة التي استنكرت منذ البداية تمييز اتفاق جوبا لهذه الجماعة. فهي في نظرهم جماعة طافرة انتدبت نفسها كفاحاً لتمثل الشرق بغير تفويض من قسم كبير من أهله. ولا يخفى أن إصرار ورشة جوبا على نص مسار الشرق كما رأينا سيصطدم باتفاق القاهرة الذي دعا لتجميد المسار، ثم انعقاد المؤتمر التشاوري لأهل الإقليم خلا من عواقب الاتفاق كما هو عليه الآن.

نقائض هذه الورش في جهرها وسرها من علامات إرهاق سياسي ضرب صفوة الفكر والسياسة في السودان منذ عهد ليس بقريب. وامتثلت بالحيرة التي من ورائها وكساد الرأي فيها لبلاغة سودانية دارجة، "إذا تلف رأي الجلابة جلسوا كويمات كويمات".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء