Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلف الأسلاك بشر بلا حياة… "غوانتانامو سوري" في الصحراء

"مخيم الهول" تجمع هائل من الناس المتروكين وسط فوضى عارمة في ظل استمرار المعركة مع "الإرهاب"

يجزم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن مخيم الهول أسوأ مخيم في العالم (اندبندنت عربية)

ملخص

#مخيم_الهول أخطر المخيمات المدنية في العالم يضم عشرات آلاف النساء والأطفال واليافعين جميعهم من عائلات عناصر #داعش تركوا لمصير مجهول

يوم 23 مارس (آذار) عام 2019 تاريخ لا ينسى في تاريخ الصراع على الأرض السورية، ففي بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، طويت آخر صفحة من صفحات "دولة" أنشأها أحد أكثر التنظيمات تشدداً التي عرفها العالم، إنها دولة "داعش".
أرقت نشأة التنظيم المجتمع الدولي برمته، وحتى بعد أن بات قادة وعناصره خلف القضبان، بقيت أذرعه وفلوله المتناثرة في أرجاء بادية مترامية الأطراف، تعطي إشارة عن عودة وشيكة له إلى الواجهة عبر نصب الأكمنة، وحرب العصابات على الطرقات، أو من خلال الهجمات الليلية على المدن الريفية المتاخمة للبادية، لكن الصورة تبدو حالكة السواد على المقلب الآخر، بخاصة عند النظر إلى عائلات هؤلاء المسلحين، ففي الشمال الشرقي، وعلى أرض حدودية بين سوريا والعراق، يقبع أخطر المخيمات المدنية على الإطلاق، إنه "مخيم الهول" الذي يضم عشرات آلاف النساء والأطفال واليافعين، جميعهم من عائلات عناصر "داعش" يعيشون في مكان أشبه بسجن واسع، وباتوا رهائن لقدر مجهول ومستقبل غامض. يصف البعض مخيم الهول بـ"مخيم القنابل الموقوتة" أو "غوانتانامو"، مع فارق أن لقاطنيه حرية التحرك والتنقل خلف الأسلاك الشائكة.

أسوأ مخيم في العالم

يجزم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بأن مخيم الهول "أسوأ مخيم في العالم يعيش العالقون فيه منذ سنوات أسوأ ظروف، والمعاناة هائلة". جاء ذلك خلال زيارته العراق في مطلع مارس (آذار) الجاري.
ويضم المخيم أكثر من 54 ألف نسمة من النساء والأطفال، 94 في المئة منهم يعيشون من دون رعاية صحية وتعليمية، في ظل نقص الغذاء والدواء، علاوة على تجاهل دول أجنبية لرعاياها من بينهم، والبالغ عددهم 11 ألف امرأة وطفل من 51 دولة، مع ترك كل هؤلاء عرضة للجهل والتخلف والأساليب القمعية. كل ذلك ينتج منه كثير من القلق والخوف حول نتيجة ما سيئة ستحصل في نهاية المطاف.


على مفترق طرق
ينظر مراقبون بقلق إلى هذا التجمع البشري الهائل المتروك من دون أي إرشاد، وسط فوضى عارمة داخله، إذ إن المعركة مع "الإرهاب" مستمرة على رغم سقوط دولة "داعش"، لكن أحكامه وقواعده ما زالت سارية وتتنامى، ويجسدها القاطنون في "الهول" بشكل خفي وعلني. وكل ذلك وفق رأي المراقبين سيفضي بلا شك إلى "إعادة تدوير التنظيم".
وتحدث الناشط السياسي أحمد الشيخ عن "قدرة فلول دولة (داعش) على الوصول إلى داخل الهول (يقع على بعد 45 كيلومتراً شرق الحسكة على الحدود العراقية)، وغيره من المخيمات، والتحكم به، بل واعتبار الأطفال الذين يقبعون داخله من (أشبال الخلافة)، ليصبحوا قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، عبر استخدامهم وتجنيدهم". وأضاف أن "أولئك الصغار في مخيم الهول تشربوا أفكاراً وأساليب حياة في غاية التشدد، وشهدوا إعدامات بفصل الرأس عن الجسد في الساحات العامة خلال فترة حكم داعش (2014 - 2019)، وقد شجع بعض هؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان على تنفيذ هذه الأحكام المخيفة، ناهيك بإرغام النساء والرجال على ارتداء لباس موحد ومتشابه وإطلاق لحى الرجال، وأسلوب العقوبات الصارم المتمثل في الجلد، وكلها أساليب فرضها التنظيم بالقوة على مدار سنوات، علاوة على حظر أي وسيلة من وسائل تكنولوجيا الاتصال أو فرض رقابة صارمة عليها، وصولاً إلى منع التدخين. كل هذه الأساليب وغيرها ما زالت تسري داخل تلك المخيمات سراً وعلانية".

وعبر الناشط السياسي عن أن الإدارة الذاتية الكردية المدعومة من واشنطن وقوات التحالف، والتي تدير شؤون المخيم، ليس بمقدورها السيطرة على هذا العدد الهائل من الناس، مشيراً إلى أن "الأمر يحتاج إلى حلول سريعة، وإلا فالخطر محدق". وأضاف "لعل كارثة الزلزال في السادس من فبراير (شباط) الماضي قد ألغت أو أخرت العملية العسكرية التركية باتجاه مناطق النفوذ الكردية، لوقف أي مخطط انفصالي من قبلهم، لكن في حال حدثت تلك العملية لا بد من الاعتراف أن فلول وخلايا (داعش)، سيغتنمون بالتأكيد الفرصة لإطلاق كل هذه الأعداد الموجودة، وبعدها سيتجهون لتحرير المعتقلين من قادة التنظيم وأفراده، إذ إن أمراً شبيهاً حدث خلال هجوم أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حين هاجمت تركيا قرية عين عيسى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"إمارة مصغرة"

في غضون ذلك، يتزايد خطر التطرف في مخيمات أخرى منها "مخيم روج"، الذي يضم ثلاثة آلاف محتجز، ومخيم "الركبان" مع ثمانية آلاف محتجز، بينما يبقى الأخطر هو "الهول" مع 54 ألف محتجز. ويقول متابعون عن قرب للمجموعات المتطرفة إن نسبة كبيرة من القاطنين في المخيم لا تدعم التنظيم، إلا أن معتقدات "داعش" ما زالت تسيطر عليهم، بدليل حدوث عمليات قتل أطفال وتصفيات لنساء وكأنها أشبه بـ"إمارة متشددة مصغرة".
وتفيد المعلومات بأن شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2022 كانا الأشد عنفاً، وشهد مخيم الهول وحده خلال العام الماضي 24 جريمة قتل. وذكر عامل إغاثة أن "بعض النساء يرغبن في التخلص من عادات (داعش)، لكنهن يمنعن من قبل متطرفات داخل المخيم. وهناك أقسام بالمخيم تحتاج إلى مصفحات لدخولها. الواقع الأمني خطر للغاية".


هل تتحول المخيمات إلى مدن؟

من جهة أخرى، يرى الباحث الحقوقي في اللجنة الكردية لحقوق الإنسان "راصد"، جوان اليوسف أن "التاريخ يحكي أن المخيمات لا تزال، وإنما تتحول مع مرور الزمن إلى مدن وقرى وأماكن للإقامة الدائمة، بعد أن تتوفر لها ظروف حياة دائمة، بخاصة مع استمرار الحرب والعنف في البلدان التي ينتمي إليها ساكنو المخيمات. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في سوريا ولبنان والأردن، حيث تحولت مخيمات اليرموك وفلسطين مع مرور الوقت إلى شبه مدن، وإن كانت -ولا تزال- تفتقد المقومات الإنسانية من البنية التحية والخدمات على رغم مرور السنين".
ويفضل اليوسف البحث في "تنظيم هذه المخيمات وإعداد البنية التحية فيها، وتوفير شروط الحياة لقاطنيها، من طرق وشبكة اتصالات وكهرباء، لأن من يعيش هناك فقد الأمل في العودة إلى دياره نتيجة استمرار الصراع في سوريا والعراق. فمثلاً إن ثلث سكان مخيم الهول، وهم 24 ألف عراقي، يعيش بعضهم فيه منذ عام 1991، في ظل عدم وجود حل في المدى المنظور".
ومن جملة الحلول التي يطرحها اليوسف "أن تعمل المنظمات الدولية والمحلية على تنظيم هذه المواقع وربطها بمحيطها وترك خيار البقاء أو المغادرة لقاطنيها، مع التشديد على حق الجميع بالعودة إلى بيوتهم ومدنهم".
يأتي ذلك وسط تجاهل كل النداءات التي أطلقتها الإدارة الذاتية الكردية و"قوات سوريا الديمقراطية" للمجتمع الدولي، بخاصة أن "قسد" كانت شريكاً فعالاً مع الولايات المتحدة وقوى التحالف لمحاربة التنظيم المتشدد. ومع وجود مقترحات لمحاكمة المتشددات الأجنبيات على الأراضي السورية تمتنع الدول الأوروبية عن تطبيق هذا الحل وتقلقها استعادة أعداد كبيرة منهن، مما ينتج منه تهديدات أمنية كبيرة.


قبل ظهور "داعش"

ويعد مخيما "الهول" و"روج" أكبر مخيمين تديرهما الإدارة الذاتية، ويضمان العدد الأكبر من زوجات وأطفال مسلحي "داعش". وأنشئ مخيم الهول بالأساس للعراقيين في عام 1991، وأضيف إليه الهاربون بعد سقوط بغداد في عام 2003. وبعد عام 2013 لجأ إليه السوريون الهاربون من مدن ومناطق دير الزور والرقة، لكن بعد تحرير الرقة ومعركة الباغوز في 2019، صار مكاناً لتجميع الدواعش، وكان العراق قد استعاد 650 شخصاً منهم في نهاية العام الماضي.

ويستعرض الباحث في لجنة "راصد" الحقوقية، جوان اليوسف ما يضمه المخيم من أجانب من مختلف دول العالم تمت استعادة نحو 3100 منهم خلال العامين السابقين. وأضاف "آخر إحصاءاتنا تقول إن العدد الموجود حالياً في الهول هو بحدود 57000 ألف نسمة، وهو عدد متغير نتيجة عوامل وأسباب مختلفة، منها الولادات ومحاولات الهرب المتكررة. وما زال هناك قادمون إليه على رغم الظروف السيئة".
ويبقى من اللافت أيضاً أن المقيمين في المخيم ليسوا كلهم من المرتبطين بـ"داعش"، إذ يضم أسواقاً وأماكن صيانة ومكتب تحويلات مالية ومطاعم تدار من قبل سكانه، والمعاملة مختلفة تماماً بين من هم في قسم المتهمين بالانتماء إلى "داعش"، ومن هم لاجئون سوريون وعراقيون، فلهؤلاء حرية الحركة.

المزيد من تقارير