Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحذير صارخ تقدمه بنما من النزوح الناجم عن المناخ

راجعتُ الإحصاءات المتعلقة بالتغيرات في مستوى سطح البحر قبل مجيئي إلى بنما، لكنني لم أستطع تخيل تأثيرها الهائل من الناحية الفعلية

على هؤلاء الفقراء أن يتحملوا أعباء أمور ليست من صنعهم (ستانلي جونسون)

ملخص

ما هو النزوح السكاني الذي تشهده #بنما وما علاقته بـ #أزمة_تغير_المناخ ؟

أقلعت بنا مروحية "بيل" ذات لون أحمر زاه من مطار المدينة قرابة الثامنة والنصف صباحاً، واستطعنا أن نرى من الجو نحو 12 سفينة مصطفة عند مدخل "قناة بنما".

في الدقائق الـ20 الأولى، اتبعنا مسار القناة من مدينة بنما، ثم توجهنا شمالاً فوق "حديقة شاغريس الوطنية"  Parque Nacional Chagres الشاسعة، باتجاه الساحل الكاريبي للبلاد، حيث كانت تمتد الغابات المطيرة تحتنا على مد النظر، وفي مختلف الاتجاهات. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان على ناتاليا رويو رفيقتي في ذلك اليوم، أن ترفع صوتها ليعلو فوق ضجيج المروحية. قالت وهي تصرخ: "بنما هي إحدى ثلاث دول فقط في العالم التي تملك انبعاثات كربونية سلبية. فالبلاد تمتص كمية من الكربون أكثر مما ينبعث منها".

هذا المرأة تدرك تماماً ما تقول، فعندما لا تحلق في طائرات هليكوبتر فوق الأدغال، فستكون حينها تتولى مهماتها كسفيرة لبنما في المملكة المتحدة.

كان من الصعب في الواقع عدم تصديق ما تقول، بمجرد النظر إلى المساحات الخضراء المترامية تحتنا. 

لكن من المفارقات العجيبة في اعتقادي، أن هذا البلد الذي يضرب به المثل على مستوى بقية دول العالم، لجهة محافظته على وضع سلبي لانبعاثات الكربون، شهد أول حال "نزوح سكاني ناجم عن تغير المناخ" في أميركا اللاتينية بأكملها.

 

حلقنا بالطوافة فوق الساحل لمدة 20 دقيقة، ثم هبطنا في حقل مجاور للشاطئ حيث كان قارب في انتظارنا ليأخذنا في رحلة قصيرة عبر البحر إلى جزيرة "غاردي سوغداب" Gardi Sugdub.

هذه الجزيرة الكاريبية تعد إحدى المراكز الرئيسة لشعب الغونا"  Guna في هذا الجزء من الساحل. وبما أن هذا الشعب هو أحد المجموعات الرئيسة للسكان الأصليين في بنما، فتمنيت لو أننا توجهنا إليهم بقوارب التجديف.

لكن في وضعنا، كان للمركب الذي ينقلنا محرك خارجي قوي، ولبسنا سترات النجاة وفق الأصول. وعندما رأينا كم كانت الأمواج متلاطمة - وشعرنا بمدى قوتها - تملكني سرور لعدم اعتماد خيار قوارب التجديف.

قرابة 40 ألف شخص من سكان شعب الغونا يعيشون في 365 جزيرة كاريبية في بنما، أو في مناطق جبلية وفي عمق غابات داخلية، تمتد حتى منطقة داريين (التي تربط ما بين القارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية) وصولاً إلى حدود كولومبيا.

ويبدو أن عدداً كبيراً للغاية من سكان جزيرة "غاردي سوغداب" - ما يزيد  على 1307 أشخاص - كانوا في انتظارنا في ذلك الصباح.

كنت راجعت الإحصاءات قبل مجيئي إلى بنما. تشير الأدلة فيها إلى أن مستوى البحر الكاريبي ارتفع ما بين 20 و25 سنتيمتراً منذ خمسينيّات القرن الماضي. ويزداد معدل ارتفاع المياه مع تسارع تأثيرات الاحتباس الحراري العالمي. وحتى ثمانينيات القرن الماضي، سجل مستوى مياه البحر ارتفاعاً بنحو ملليمترين ونصف في السنة، وزاد منذ عام 2012 ليصبح 6.4 ملليمتر.

لكن ما لم أتوقعه هو التأثير الهائل، بالمعنى الفعلي للكلمة، لتلك الأرقام. فقدم لنا أليكسيس ألفارادو حاكم أرخبيل "غونا يالا"الذي كان موجوداً لتحيتنا أثناء نزولنا من المركب شرحاً بالتفاصيل الواضحة، لطريقة تدفق مياه البحر إلى القرية من مختلف جهاتها، حتى أصبح موقعها برمته مغموراً بالمياه.

وقال ألفارادو إن "المياه لم تكن وحدها المشكلة، إذ يبدو أن جميع نفايات منطقة البحر الكاريبي انتهى بها المطاف هنا".

أما الجزء الأهم من زيارتنا، فكان في اجتماع عام عقد في مبنى مفتوح الجوانب، حيث علقت أربعة أراجيح من الشبك في الصف الأمامي ليجلس عليها الكبار في السن.

 

وبدا على نحو حاسم أن قادة هؤلاء السكان تقبلوا فكرة أن الوقت حان للتخلي عن الصراع غير المتكافئ الذي يخوضونه مع الطبيعة. فخرج خوسيه ديفيس - وهو الـ"ساحيلا"  Sahila الأول (صاحب أعلى سلطة) في مجتمع "غاردي سوغداب" - من أرجوحته ليقول إن جماعته ظلت على مدى 10 أعوام تحاول العمل على إيجاد حل لهذه المشكلة.

لست متأكداً من أنني التقطت جيداً المغزى الكامل لكلام المسؤول الأول لسكان الغونا الذي نقله لنا إلى الإسبانية أحد المترجمين الفوريين (وكانت لغتي الإسبانية ضعيفة إلى حد ما).

قال ديفيس: "سنقوم للمرة الأولى في تاريخ بنما، بنقل سكان الجزيرة إلى البر الرئيس للبلاد. فبسبب الاكتظاظ، لم تعد توجد مساحة كافية في المجتمع. لم يعد هناك مكان للأطفال يلعبون فيه. لكننا بالطبع لن نفقد ثقافتنا أو هويتنا".

أخذت السفيرة ناتاليا رويو هذه النقطة لتوضح أن "الشعوب الأصلية تشكل ما نسبته خمسة في المئة فقط من سكان العالم، ومع ذلك فهي مسؤولة عن حماية نحو 80 في المئة من التنوع البيولوجي على سطح الكوكب".

ومع أخذ سياق مجتمع "غاردي سوغداب" في الاعتبار، ومسألة نقل جميع السكان من الجزيرة إلى البر الرئيس، تبدو وجهة نظر ناتاليا رويو مهمة للغاية. فالأمر ليس مجرد عدالة أولية، مرتبطة بأن هؤلاء الفقراء فرض عليهم أن يتحملوا وزر ظروف خارجة عن إرادتهم، بل هناك أيضاً مخاوف أوسع، إذ ينبغي ألا يتسبب نقل سكان الجزر إلى مساكن جديدة قائمة على البر، في زيادة الضغط على تلك الغابات الرائعة "الخالية من الكربون" في بنما التي شاهدتها في ذلك الصباح عندما كنا نحلق بالمروحية من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي.

لا بل على العكس من ذلك، فمن خلال التشديد على ضرورة الحفاظ على الوسائل التقليدية لحماية النظم البيئية الأرضية، كنظام "ناينو" Nainu للزراعة الحرجية (مرتبط بتنوع الأنواع النباتية، وبالاستخدام الثقافي والغذائي)، ربما تكون لدى السكان الذين نزحوا من "غاردي سوغداب"، قصة جديدة أكثر بهجة يروونها، قصة تستحق أن تسرد - وأن يصغى إليها - حتى خارج حدود بنما نفسها. ربما يجد هؤلاء السكان الأصليين أنفسهم مرة أخرى، يرحبون بصحافيين وافدين إليهم على متن طوافات ذات لون أحمر زاه، في منازلهم الجديدة داخل الأدغال.

ستانلي جونسون موجود الآن في بنما، حيث يتابع "مؤتمر محيطاتنا لعام 2023" Our Ocean Conference 2023، بالنيابة عن "المنتدى الساحلي العالمي" World Coastal Forum

© The Independent

المزيد من بيئة