Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غموض و"شيطنة"... فاغنز وعلاقتها مع سلطات موسكو

بوادر حظر النشر وقيود "غير معلنة" من دون إبداء الأسباب

لقطة من فيديو لبريغوزين بُثّ في 3 مارس الحالي، يطلب فيه من زيلينسكي سحب القوات الأوكرانية المتبقية بباخموت (أ ب)

ملخص

شهدت الاسابيع القليلة الماضية إطلاق قائد #فاغنر كثيراً من تصريحاته التي لطالما تجاوزت "الخطوط الحمراء" غير المعلن عنها

في توقيت مواكب لإعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن أن خسائر أوكرانيا خلال فبراير (شباط) الماضي، تزيد على مثيلاتها في يناير (كانون الثاني) الذي سبقه، بنسبة 40 في المئة لتصل إلى ما يزيد على 11 ألف قتيل، عادت الأوساط الاوكرانية والعالمية إلى الحديث عما تصفه بالخلافات التي تتصاعد على نحو يكتنفه غموض كثير بين جماعة "فاغنر" وزعيمها يفغيني بريغوزين من جانب، ووزارة الدفاع الروسية من جانب آخر.

وفي وقت تراجعت فيه أخبار "شركة الحراسة الخاصة" في الداخل الروسي، تناقلت الألسن ما نقلته "نيويورك تايمز" عن سيرغي ماركوف، نائب مجلس الدوما السابق عن الحزب الحاكم، حول وجود تعليمات "غُفل" عن توقيعها لا أحد يعرف مصدرها، تشي بتوقف البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون الروسية، وكلها ترتبط بشكل أو بآخر بالسياسة الرسمية للدولة عن تداول أخبار بريغوزين وشركته للحراسة (الاسم الرسمي لمجموعته القتالية فاغنر).

ونقلت الصحيفة الأميركية أيضاً ما لمح إليه ماركوف حول ما يراود البعض من مخاوف من جراء إغراق بريغوزين في التصريحات التي منها ما يتسم بصبغة سياسية، كما نقلت قناة "تليغرام" "تاتار إنفورم" عن زعيم "فاغنر" وصفه شركته بأنها "الجيش الأكثر فعالية في العالم، بما تتمتع به من خبرات واسعة النطاق وانضباط صارم ومنظومة قيادية فريدة من نوعها".

القول الفصل

ما لم تصدر بيانات أو تصريحات عن الكرملين ووزارة الخارجية الروسية، وغيرهما من المؤسسات الروسية الرسمية، يندفع كثيرون بحثاً عن "المعنى والدلالات" بين سطور ما صدر من تصريحات عن دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين، حول أن ما يتم تداوله في هذا الشأن من رسائل، ليست سوى "نتاج التلاعب بالمعلومات عن "صراع ما" بين القوات المسلحة لروسيا الاتحادية، وشركة الحراسات الخاصة "فاغنر"، وإذ أشار بيسكوف إلى "ضرورة التعامل مع كل ذلك بهدوء"، خلص إلى القول "إن الجيش ليس لديه أي تناقضات"، و"الجميع يضطلعون بقضية مشتركة، والجميع يقاتلون من أجل الوطن الأم"، وذلك فضلاً عما قاله أيضاً حول "أن البلاد تعرف أبطالها، وكلاهما "سيكون إلى الأبد في ذاكرتنا"، وتلك إشارة تحمل بين طياتها مختلف المعاني والتأويلات.

تعدد الشكاوى

وكانت الاسابيع القليلة الماضية شهدت إطلاق قائد "فاغنر" كثيراً من تصريحاته التي لطالما تجاوزت "الخطوط الحمراء" غير المعلن عنها وفق الوصفة الروسية، بما اتسمت به في مضمونها، بوفور "الثقة المفرطة" بالنفس، وما كان يتعلق بشكواه من وزارة الدفاع الروسية وانتقاداته لها، فضلاً عن قضية نقص الذخيرة أو وجود تناقضات بين "المتطوعين" وبقية وحدات القوات المسلحة، ودفع ذلك عدداً من الصحافيين في العاصمة موسكو وخارجها إلى تبني "تصورات" و"استنتاجات"، سارع الناطق الرسمي باسم الكرملين إلى دحضها، فضلاً عما راح يوصي به حول ضرورة التوجه إلى وزارة الدفاع الروسية للحصول على كل ما يطلبونه من بيانات، أو ردود على أي تساؤلات أو إيضاحات تتعلق بكل جوانب "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

ولعل ما أشرنا إليه آنفاً حول "التحفظات"، أو "التعليمات غير المعلنة" في شأن "حظر" تداول أي أخبار عن "فاغنر" وقائدها بريغوزين، يمكن أن يفسر أيضاً ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الروسية حول "أن تجنيد السجناء في فاغنر قد توقف"، وذلك كله يأتي تالياً لما احتدم من جدل كان مؤسس وقائد مجموعات الحراسة "فاغنر" قد تمادى في تأجيجه متسلحاً بعلاقاته السابقة على الساحة الروسية، فضلاً عما تتداوله الأوساط السياسية والإعلامية في شأن خلافات "يجري تفجيرها عمداً"، من جانب أنصار "فاغنر" في سان بطرسبرغ مع ألكسندر بيغلوف محافظها المعروف بعلاقاته الوثيقة بالكرملين، وفي هذا الشأن نقلت صحيفة "كوميرسانت" عن بريغوزين ما قاله دحضاً لما جرى تداوله من تقارير حول "تنظيم تجمعات جماهيرية يوم الأربعاء، من قبل "شركة عسكرية خاصة" تطالب باستقالة محافظ سان بطرسبرغ ألكسندر بيغلوف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تغيير روسي

غير أن هناك في الواقع الراهن الذي تعيشه الساحات الروسية، بمختلف أطيافها السياسية والعسكرية والاجتماعية، ما يشي بتراجع الأوساط الرسمية عما سبق وسمحت به في بداية "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، من الإشادة بشخصيات أو وحدات عسكرية بعينها، ومنها من ينتمي إلى جمهوريات "قوقازية التاريخ والجغرافيا"، أو شركات الحراسة الخاصة على غرار "فاغنر" بكل ما يشوب تاريخها من "أطياف متعددة الدلالات"، وإذا كانت المجموعة الأولى اختارت العقلانية والانصياع لمتطلبات اللحظة، وإعلاء "العام على الخاص"، والاستجابة لأولويات المرحلة، فإن المجموعة الثانية جنحت نحو التصعيد الذي قد ينال من قدسية "المؤسسات السيادية" في الدولة في توقيت بالغ الحرج، لا يحتمل أي تجاوز أو "خروج عن الاصطفاف المطلوب"، في مثل هذه اللحظات الفارقة من تاريخ الدولة الروسية، بحسب كثيرين من معلقي وضيوف البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون الروسي.

وذلك ما سارعت الأوساط الغربية إلى تلقفه، والترويج له من منظور اعتباره "الفرصة المناسبة" لاتخاذ ما من شأنه النيل من "وحدة الصف" التي أعادت للقوات الروسية، القدر المناسب من "الصمود والتنسيق المشترك" بين كل الوحدات المقاتلة، وكان ذلك بداية "الطفرة الملحوظة" على صعيد تقدم القوات المسلحة الروسية في جنوب شرقي أوكرانيا تحت إمرة "القيادة العسكرية الموحدة" التي أعيد تشكيلها في نهاية العام الماضي تحت رئاسة فاليري غيراسيموف رئيس الأركان ونوابه الأربعة، وهو ما أشرنا إليه في تقارير سابقة من موسكو، وتشير الشواهد إلى أن ذلك تحديداً هو ما وفر الظروف المناسبة لتعزيز القوات المسلحة الروسية النظامية بما تيسر من وحداتها الخاصة، إلى جانب توطيد مواقعها، بعيداً من محاولات "الانفراد" بأكاليل الغار، وادعاءات "الخلافات المزعومة"، حول عدم الحصول على الذخيرة المطلوبة من جانب قيادات "فاغنر"، حسب ما تداولته الأوساط الإعلامية الغربية في معظمها.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرص على التوقف عند هذا الأمر في خطابه السنوي إلى الأمة، للإشادة بكل جهود الفصائل والوحدات والشخصيات التي وقفت إلى جانب "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا منذ بداياتها، دون تسمية فصيل بعينه، وإن عاد إلى الإشارة إلى بعض الفئات العمرية والمهنية، وكان كثيرون يتوقعون أن يخص بوتين بالذكر أيضاً "الفيلق الشيشاني" و"فاغنر"، وهو ما لم يفعله.

حظر تشويه السمعة

ومن اللافت في هذا الصدد أن بريغوزين كان قد استهل مشاركته "العلنية" في الحياة السياسية في موسكو برسالة تقدم بها إلى رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين يطالب فيها بـ"حظر تشويه" سمعة المتطوعين المشاركين في "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، ومعاملتهم معاملة أفراد الوحدات النظامية، وقالت صحيفة "فيدوموستي" الروسية إن اقتراح إجراء تعديلات على القانون الجنائي لروسيا الاتحادية، استند في بعض جوانبه إلى رسالة بريغوزين، التي دعا فيها أيضاً إلى "تجريم" النيل ممن "جرت إدانته" من المشاركين في هذه العملية الخاصة، وقالت الصحيفة إن بريغوزين أشار في رسالته إلى مجلس الدوما، إلى أن عدداً من وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية تعمد نشر معلومات سلبية عن المتطوعين بمن فيهم المحكوم عليهم من أجل وضعهم في صورة قبيحة، وتقديمهم على أنهم "أشرار ومجرمون".

وفي الوقت نفسه، أكد زعيم "فاغنر" أن المشاركين في العملية الخاصة "يخاطرون بحياتهم يومياً ويموتون من أجل وطنهم الأم"، وأضافت "فيدوموستي" بحسب بريغوزين، أن مثل هذه الوسائل الإعلامية "تساعد أعداء الدولة" في أنشطتهم التخريبية، وكان مجلس الدوما اعتمد في مارس (آذار) من العام الماضي، "تعديلات القانون الجنائي لروسيا الاتحادية" في شأن الأنباء الكاذبة عن الجيش، وكذلك حول تشويه سمعة القوات المسلحة لروسيا الاتحادية، مع تشديد العقوبة لتصل حتى السجن لمدة 15 سنة. وبهذه المناسبة نشير إلى أن كثيراً من تاريخ "هذه الفصائل القتالية التابعة لـفاغنر ظل وراء سبعة أقفال"، كما تقول الأمثال الروسية، أي محظوراً نشره أو تناوله لسنوات طوال، حتى شَخَصَ بريغوجين بكل قامته، ليعلن عن وجوده مع فصائله القتالية تحت سمع وبصر السلطات الروسية، وما أن تجاوز ما قد يسمى بـ"الخطوط الحمراء" التي لم يعلن عنها، حتى ظهر من يعلن من "خلف حجاب" عن "حظر النشر"، وما يمكن اعتباره بدايةً لمرحلة نوعية جديدة في العلاقة مع هذه "المجموعات القتالية"، حسب ما يتردد على الأصعدة غير الرسمية، وذلك بعد أن كان هناك في الدوائر الغربية من يروج لمزاعم احتمالات أن يكون "مؤسس فاغنر" منافساً للرئيس بوتين في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في عام 2024، على رغم ما صدر ضد هذه "الشركة" في الخارج من أحكام، ومنها ما يتعلق بتصنيفها ضمن "التنظيمات الإرهابية الإجرامية العابرة للقارات"، بحسب كثير من القوانين الصادرة في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا تعتد به السلطات الروسية، وكان الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوفس علق على قرار الكونغرس في هذا الشأن بقوله "إن الولايات المتحدة لطالما، ولسنوات طوال، حاولت شيطنة فاغنر، لكنها لم تقدم الدليل على ذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير