Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حظر استخدام عبارات أجنبية في روسيا هو الخطر وليس تعديل الروايات

ثمة فارق بين رفض الناس بشكل علني كلاما جارحاً وقرار من يشغلون المناصب منع استخدامه

تعتقد السلطات الروسية أنها لو تمكنت من السيطرة على طريقة تعبير الناس فإنها ستسيطر على كل شيء يخصهم   (غيتي)

ملخص

يأتي حظر الرئيس #بوتين استخدام العبارات الأجنبية في خانة التصرف الرمزي المبني على منطق زائف هدفه "حماية #الهوية_الروسية " وهو دورة جديدة من نوبة عصبية يائسة من نظام قد أصبح بحكم الميت. #رأي

إن أكثر الحملات الأيديولوجية نجاحاً، التي شنها التيار السياسي اليميني خلال العقد الماضي من الزمن كانت في إقناعه الناخب العادي أنهم المدافعون الوحيدون عن "حرية التعبير".

الواقع أن تيار اليسار الذي كانت له حصرية الدفاع تاريخياً عن حرية التعبير (وبأشكال مهمة مختلقة، كما لا تزال الحال في دفاعه عن حقوق المتحولين جنسياً، ونظام التعليم المستند إلى العلم فقط)، فإن تنازله اليوم عن دفاعه عن تلك النقطة هو أمر مخجل، على الأقل لأن المعنى المتداول شعبياً لنظرية حرية التعبير تلك، هي متضاربة إلى حد كبير.

إن الناس عادة ما يحتمون بمبدأ "حرية التعبير" وربما بشكل خاص فقط عندما يكونون بصدد الدفاع عن كلام من شأنه الإساءة، أو من شأنه أن يؤدي إلى أذى يلحق بالمجتمعات الضعيفة أو المهمشة، فيما هم يتخلون عن الدفاع عن حرية التعبير تلك عندما يتعلق الأمر في الدفاع عن حقوق تلك الشرائح الاجتماعية نفسها. فعندما يذكر الناس "حرية التعبير" هنا في المملكة المتحدة، فإنهم يشيرون في الغالب إلى نسخة "فاسدة" من حق أميركي قد تمت تصفيته عبر عدسة آلاف من أشرطة يوتيوب المسجلة الرجعية. وهكذا، فإنه من السهل أن نفقد التركيز لمعرفة المعنى الحقيقي لمسألة فقدان الحق في حرية التعبير، أو أن يتم انتزاع ذلك الحق برمته.

ولكننا اليوم أمام تذكير فج عن كيف تستوي الأمور عندما يقع حق أحد الأشخاص بحرية التعبير ضمن دائرة التهديد فعلياً، إذ قام الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً بمنع الموظفين الحكوميين من استخدام العبارات الأجنبية خلال أدائهم وظائفهم الرسمية (باستثناء تلك المفردات التي ليس لها مقابل في اللغة الروسية، التي ستكون ضمن لائحة تقوم بجمعها ونشرها لجنة حكومية بشكل مستقل).

لن يسمح للمسؤولين الروس باستخدام المفردات والعبارات "التي لا تتلاءم والأعراف الروسية الحديثة"، في تعديل لقانون يعود إلى عام 2005، صمم خصيصاً لحماية ودعم مكانة اللغة الروسية، فيما أنه من غير المعروف بعد ما هي العقوبة، وإذا ما كان هناك من عقوبة، قد تنزل بالمسؤولين الذين يخرقون الإجراءات الجديدة، فالرئيس بوتين ليس من نوع الرؤساء الذين قد يلجأون عادة إلى عقوبات من نوع "صفع أحدهم على يده، أو أن يرمقه بنظرة غاضبة"، ولذلك ليس أمامنا إلا التخمين.

قرار بوتين الجديد يجعل كل الضجة التي أثيرت حول كتب كل من روالد دال، وجيمس بوند، تبدو وكأنها قضايا صغيرة للغاية، أليس كذلك؟ لا تفهموني بشكل خاطئ، قد تعتقدون أن القضيتين سيئتان، لكن في رأيي، فإن الطلب من الناشرين إزالة بعض الكلمات والجمل المسيئة من بعض كتب الأطفال وروايات "المغامرات الخفيفة"، لا تبدو على نفس القدر من الأهمية مقارنة بقرارات الحد من حرية تعبير الفرد بشكل عملي.

وهنا في المملكة المتحدة، نحن نتصرف في بعض الأحيان وكأن الكارثة وقعت إذا قرأ أحد أطفالنا عبارات مثل "شخص بدين" أو "شخص قبيح"، تماماً كما في قضية الكاتب دال، حتى وإن كان الجدال يدور حول عدم قدرة الأطفال على مواجهة التمييز الاجتماعي ما لم يكونوا واعيين حقيقته أو تناقشوا فيه سابقاً، هو مثال جيد (وأنا أقوم بذكر ذلك بوصفي طفل بدين سابق، وحالياً أنا شخص راشد وبدين أيضاً). شخصياً، أنا لا أعتبر الأمر مشكلة في إزالة العبارات المسيئة أو الشتائم، لكن يمكنني أن أرى أيضاً لماذا يجب أن تبقى الإصدارات الأصلية من تلك الكتب متاحة للراغبين.

لكن ما يجري في روسيا حالياً، هو حقيقة مثال عظيم يمكن اللجوء إليه متى قام بعض مستخدمي الإنترنت المثيرين للجدل بإعلاء أصواتهم الغيارة على "حرية التعبير" حين يجري تأنيب كوميدي ستاند-أب لأنه لفظ كلمة "زنجي" (نيغرو). وهذا الأمر مرده إلى تضمن العبارة ثلاث ميزات هي عادة ما تكون غائبة عن الجدال الهستيري حول "حرية التعبير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أولاً، إن الأمر عشوائي. قولوا ما شئتم عن فرض الرقابة على كتب جيمس بوند، لكن يبدو أن هناك دافعاً محدداً لا يمكن نكرانه خلف تلك الدعوات. إن تلك الكتب تتضمن بعض العبارات التي تعتبر مسيئة للنساء، وألفاظاً مجازية مليئة بالعبارات العنصرية، ونحن حالياً نعيش في أوقات يبدو خلالها أن التمييز الجنسي والعنصرية في ازدياد مطرد ولا بد لنا من مواجهته. عملية إعادة كتابة كتب الأدب الوطني هي أمر غير مجد، بالطبع، ولكن على الأقل يمكنكم أن تتفهموا المنطق المطروح.

ويأتي حظر الرئيس بوتين استخدام العبارات الأجنبية في خانة التصرف الرمزي إلى حد كبير (ومدفوع بالخوف من كل شيء أجنبي)، مبني على منطق زائف هدفه "حماية الهوية الروسية"، وكأن المفردات الأجنبية هي تعويذة سحرية لديها القدرات على تحويل المسؤولين الروس إلى متعاطفين مع القضية الأوكرانية بين ليلة وضحاها. ليست هناك أي عوامل نبيلة وسرية تدفع إلى ذلك التصرف، سوى كونها مجرد دورة جديدة من نوبة عصبية يائسة من نظام قد أصبح بحكم الميت.

ثانياً، إن ذلك يشكل مثالاً على "السيطرة الأمنية على الأفكار". فعندما يستخدم الناس ذلك المصطلح هنا في المملكة المتحدة، أو أنكم ترون سياسيين أميركيين تابعين لليمين المتطرف يقومون باستخدامه، فإنكم تعرفون مباشرة أمراً أكيداً عنهم حتى من دون المحاولة: وهو أن هذا الشخص لم يقرأ بحياته رواية جورج أورويل 1984.

في تلك الرواية، إن الهدف من [لغة] "نيوسبيك" Newspeak (وهي لغة-الدولة المفروضة ضمن رواية الكتاب) لم تكن الغاية منها تغيير طريقة تحدث الناس- لا فذلك بالتأكيد كان له أثر ثانوي. إن النقطة الفعلية كانت أن تجعل الناس من خلال وعيهم الذاتي مدركين لتبعات كل تصرفاتهم إلى الحد الذي يجعل كثيرين منهم يعتقدون أن "الأخ الأكبر" Big Brother بإمكانه قراءة ما يدور في خلدهم. وكان ذلك بمثابة ما يمكن تسميته عملية "غسيل الدماغ" ومنطق ذلك، كما هي الحال بالنسبة إلى روسيا، أنه لو تمكنت من السيطرة على طريقة تعبير الناس، فإنه يمكنك أن تسيطر على كل شيء يخصهم.

لذلك فإن استخدام كلمات مثل "الحظر" عندما نتحدث عن قضية روالد دال هو أمر مخادع للغاية، فليس هناك من عقوبة إذا قرأتم كتبه، أو، وكما رأينا أخيراً، ليس هناك عقوبة لو حاولتم بصوت عال الدفاع عن تلك الكتب. فنحن لا نعيش في زمن لغة "نيوسبيك" الأورويلية [نسبة لأورويل]، نحن فقط نعيش في زمن أصبح فيه الناس أكثر وعياً حيال مدى تأثير كلماتهم على العالم المحيط بهم.

أخيراً، وهذه ربما تكون أبرز المميزات التي غابت عن الجدال الأميركي والبريطاني حول "حرية التعبير"، وهي قانون فعلي، صدر فعلياً عن الحكومة. فهذه القضية لا تتعلق بمجرد تلميذ ذي شعر أزرق قام بالصراخ في وجهكم على حسابه في تطبيق إنستغرام لأنكم وبالصدفة قمتم بخلط الضمائر اللغوية. إن ذلك الشخص لا يمتلك أي قدرة معتبرة قادرة على فرض السيطرة، وعلينا ألا نبني توجهاتنا السياسية على أساس التعاطي مع آرائهم.

تلك النقطة الأخيرة لطالما غابت عندما يناقش الناس حرية التعبير في المملكة المتحدة، إذ يسمح للناس هنا أن يعبروا عن غضبهم في حقك بسبب الأمور التي تنطق بها، وذلك ولسخرية القدر، هو ركيزة أساسية من ركائز حرية التعبير، ولكن، وفي كثير من الأحيان،ِ فإنه وفي الغالب ما لا يكون "لواء المعادين للتمييز والعنصرية في المجتمع والمؤيدين لحقوق الإنسان"، في موقع المسؤولية لوضع حد لمن ينطقون بمثل هذه الأمور.

علينا أن نوقف التصرف بشكل يشبه تصرفاتهم. لأنه وفيما نلاحظ ما يجري في روسيا، هناك اختلاف كبير بين اختلاف الناس بشكل صاخب حيال أنواع من التعبير يعتبرونها مسيئة، وأشخاص هم فعلاً في موقع المسؤولية والسلطة ويقومون بحظر مثل تلك الأشياء بشكل قاطع.

إنه بإذن الله، لن نكون يوماً في موقع مماثل للموقع الذي تجد روسيا نفسها فيه حالياً، عندما يتعلق الأمر بقدرتنا على ممارسة حقوقنا الأساسية، ولكن لو كان من أمر يمكنه أن يقودنا إلى ذلك المكان، فسببه لن يكون لأن الناس اليوم يبالغون في كونهم مناصرين بشدة لتيار "ووك" woke [ثقافة التنبه إلى التحيز والتمييز العنصريين].

© The Independent

المزيد من آراء