Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا وثق الفن نهب هتلر كنوز متاحف أوروبا واختراعه التجسس الفني

بعد سنوات من عرض فيلم "القطار" الذي ربط بين احتلال فرنسا ونهب متاحفها

بيرت لانكستر في مشهد من فيلم "القطار" لجون فرانكنهايمر (موقع الفيلم)

ملخص

اعتبر #أدولف_هتلر، المنتصر في مطالع #الحرب_العالمية_الثانية، أن ألمانيا هي الأحق بامتلاك كنوز متاحف أوروبا فأمر بنهبها، ولكن...

عند بداية الستينيات عرض في العالم كله وبنجاح كبير واحد من أغرب الأفلام الأميركية التي تحدثت عن الحرب العالمية الثانية. وهو فيلم "القطار" للسينمائي الراحل بعد ذلك جون فرانكنهايمر من بطولة بيرت لانكستر. وكانت غرابة هذا الفيلم تكمن في أنه لم يكن فيلماً حربياً ولا سياسياً وليس فيه لا معارك ولا إطلاق رصاص ولا جواسيس حتى، ناهيك بأنه أتى متناقضاً تماماً مع ما كان معهوداً من إحراق النازيين للكتب واللوحات الفنية. قال الفيلم، إن ذلك غير صحيح فالنازيون كانوا على عداء مع الحداثة الأدبية الفنية التي كان يعتبر مبدعوها شيوعيين أو يهوداً أو الاثنين معاً، بالتالي يقفون في صفوف الأعداء فلا بد من قتلهم وإبادة أعمالهم في وقت يصار فيه إلى الاستيلاء على ما هو كلاسيكي وواقعي وذو قيمة حقيقية تاريخياً وفنياً.

أما الفيلم فيتحدث من ناحيته عن حكاية يبدو أن لها جذوراً في الواقع التاريخي تتعلق بخدعة رائعة قام بها أميركيون وعمال سكك حديدية فرنسيون لتحويل قطار فرنسي كان ضباط وجنود نازيون قد ملأوه تحفاً منهوبة من المتاحف والقصور الفرنسية لكي يوصلوها إلى ألمانيا أسوة على أي حال بما كان فعله نابليون بونابرت بتحف كان ينهبها من الأماكن التي تحتلها قواته خارج فرنسا. ولئن كانت منهوبات بونابرت لا تزال تزين اللوفر وغيره من المتاحف الفرنسية فإن منهوبات النازيين، وعلى الأقل تلك التي كانت على متن "القطار" جرت استعادتها كما يقول لنا فيلم فرانكنهايمر تحت سمع المحتلين وبصرهم عبر تلك الخدعة التي تكاد لا تصدق. ومهما يكن من أمر سنتوقف بعد سطور عند هذا الفيلم الذي مضى زمن طويل على عرضه وشاهده ملايين من متفرجين، صدق بعضهم حكايته واستنكر البعض الآخر إمكانية حدوثها ثم أتت أفلام عديدة وكتب أخرى أكثر عدداً، لتؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه من تفرقة نازية بين إبداع "منحط" يتعين تدميره وإبداع "حقيقي يستحسن مصادرته".

ابتكار هتلري

وهكذا، لئن كان من المعتقد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والهزيمة الألمانية، أن النازيين، منذ وصلوا إلى الحكم في ألمانيا عام 1933، أحرقوا ألوف الكتب وبخاصة مئات اللوحات الفنية. فإن تاريخاً أكثر منطقية أتى ومنذ فيلم "القطار" على الأقل، ليخبرنا أن هتلر، بعد أن احتل عدداً كبيراً من المدن الأوروبية، راح يرسل عملاءه السريين مكلفين بمهمة واحدة ومحددة: أن يزوروا متاحف هذه المدن، صغيرة كانت أو كبيرة، كي يجمعوا له أكبر عدد ممكن من اللوحات، ويرسلوها إلى ألمانيا التي كان الفوهرر يرى أن متاحف مدنها ومؤسساتها، وقصورها وما إلى ذلك كانت جديرة بامتلاكها. كان هتلر كما نعرف مولعاً بالفن، وربما لأنه– في شبابه المبكر– حاول أن يكون رساماً ففشل، أو هذا على الأقل ما تخبرنا به أساطير حيكت من حول صباه وشبابه. إذا لسنوات تالية عديدة وإذ بتنا نعرف تلك الحقيقة وندرك لاحقاً أن النازيين لم يكونوا على غرار "طالبان" الذين سيأتون لاحقاً ويكون من أول ما يقومون به تدمير الفنون وحظر الموسيقى وإزالة آثار الحضارات السابقة واللاحقة من الوجود، فإن ما بتنا نعرفه أقل من ذلك، هو أن جزءاً أساسياً من عمل المخبرين العاملين لحساب هتلر، كان يدور من حول هذه المهمة التي تتطلب خبراء في الفن، أكثر مما تتطلب تحريين وعملاء تجسس عاديين.

جواسيس من نوع خاص جداً

ومن هنا ما يقوله فيلم تلفزيوني حقق في فرنسا قبل سنوات عديدة، عنوانه "نهب أوروبا"، من أن هتلر كان يصر على أن يقوم متخصصون بالمهمة التي لا يمكن أن يعهد بها لغير خبراء الفن من نقاد وخبراء ضليعين في تاريخ الفنون، فإن لم توجد أعداد كافية منهم للقيام بتلك النشاطات الاستكشافية الواقعة في منطقة وسطى بين التنقيب والتقييم وإيجاد أسهل الطرق العملية لإيصال التحف إلى ألمانيا، يتعين العمل وعبر دورات تدريبية مكثفة، على تكوين وتدريب عملاء يتمرنون أولاً، ولشهور، في معاهد الفن. ولن يكون هذا الطلب غريباً بالنسبة إلى ديكتاتور كان أول صرح كبير يأمر ببنائه ما إن وصل إلى السلطة، متحفاً ضخماً للفن في مدينة ميونيخ، ظل يعتبر لفترة طويلة من الزمن، أضخم متحف فني في العالم. ليس ثمة ما هو جديد حقاً في هذا... إن استعدنا في ذهننا هنا فيلم "القطار" الذي حققه كما أشرنا جون فرانكنهايمر (صاحب "المرشح المندشوري") حول الموضوع نفسه تقريباً وإن كان الفيلم قد عزا نهب اللوحات الفرنسية إلى ضابط ألماني كبير، حاول حين بدت ألمانيا على وشك أن تهزم عند نهايات الحرب ثم هزمت حقاً في فرنسا، أن يهرب ما سرقه من لوحات بواسطة القطار إلى ألمانيا، فتصدت له المقاومة الفرنسية بطريقة مبتكرة: جعلت القطار بدلاً من أن يتجه إلى ألمانيا، يدور في الأراضي الفرنسية ومحطات قطاراتها بعد أن أسهمت تلك المقاومة في إزالة كل يافطة أو أثر يوحي بأن المحطات التي يمر القطار بها فرنسية، بل جرى تمويه بواسطة تعليق يافطات بديلة يشير إلى أنها محطات ألمانية توصل الشحنة إلى ألمانيا في حيلة انطلت على الألمان وأسفرت عن عودة اللوحات بعد رحلتها المزيفة إلى فرنسا، أي إلى الأمكنة التي انطلقت منها، ويستعيد الفرنسيون المنتصرون كنوزهم.

ناهبو الفنون الأوروبية

صحيح أن "القطار" كان ويبقى أفضل ما حقق من أعمال حول ذلك النهب الفني الألماني، لكن عيبه الأكبر يكمن في أنه قائم على حكاية متخيلة من المستحيل أن تكون لها جذور واقعية. وفي المقابل من المؤكد أن العمل التلفزيوني الأحدث الذي يحمل في أصله ككتاب عنواناً أكثر مباشرة، لأن ما يرد فيه يرد كواقع تاريخي، فالعنوان هو "نهب أوروبا" (وهو، في الأصل، اقتباس لعمل أميركي كان أصله بدوره كتاب بنفس العنوان صدر في جزأين ضخمين حول الموضوع نفسه، قبل ذلك بأقل من عامين). وهو يحمل جديداً، هو انخراط الغستابو (أي أجهزة الاستخبارات النازية الألمانية) في العملية كلها، وكذلك– وهذا كما يبدو أيضاً واقع تاريخي مؤكد– تواطؤ محافظي بعض المتاحف الأوروبية، وكذلك تشكيل الاستخبارات الألمانية شبكات سماسرة وباعة يتولون جمع اللوحات لصالحها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما لدى هتلر كذلك في لندن

وبهذا – بحسب الفيلم التلفزيوني الجديد – يكون هتلر، مبتكراً (انطلاقاً من حبه للفن) لنوع جديد من التجسس، هو التجسس الفني، ما يذكر من ناحية أخرى وفي مجال قريب لكنه مختلف إلى حد كبير بموضوع تجسس آخر له علاقة ما بالفن والخبرة الكبيرة في الشؤون الفنية مجتمعين معاً من حول عمل تجسسي، كان محور عدد لا بأس به من الأفلام الإنجليزية خلال العقود الأخيرة من السنين، لا يتعلقان بهتلر هذه المرة: بل بالجاسوس البريطاني أنطوني بلنت الذي كان يحمل لقب سير، ويعتبر العضو الخامس والأخير الذي كشف أمره من بين أولئك من "علية القوم الإنجليز" الذين أطلق عليهم اسم "حلقة كامبردج" (التي كانت تضم كيم فيلبي إلى جانب طلاب آخرين في الجامعة الإنجليزية العريقة، كانت الشيوعية قد اجتذبتهم رغم مواقع معظمهم الاجتماعية الرفيعة فعملوا لصالح الاستخبارات السوفياتية سنوات طويلة قبل أن يكتشف أمرهم واحداً بعد الآخر. ولاحقاً فقط، بعد انكشاف أمر فيلبي أوائل الستينيات وفراره من بيروت إلى موسكو على متن غواصة سوفياتية أقلته من منطقة بحرية لبنانية تقع خلف فندق السان جورج، فظل الخامس في المجموعة مجهولاً حتى تبين في نهاية الأمر أنه ليس في حقيقته سوى مستشار ملكة بريطانيا والأمين العام لمقتنياتها الفنية، سير أنطوني بلنت الذي بعد أن عمل سراً، وطوال أكثر من ربع قرن، ضمن إطار حلقة كامبريدج، أنهى حياته العملية في القصر الملكي البريطاني مقرباً من الملكة بأقرب ما يكون من خلال كل ما له علاقة بالشؤون الفنية، ومؤلفاً مرموقاً لعدد من أهم الكتب حول تاريخ الفن والفنانين وخبيراً في ما يتعلق بالمجموعة الملكية البريطانية التي تضم كنوز قصر باكنغهام، كما كان مستشاراً للملكة قبل أن ينكشف أمره ويعتقل معززاً تلك العلاقة الغريبة بين الفن والجاسوسية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة