Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "سنغور والفنون" يجسد فكر شاعر الزنوجة ومساره التحرري

معرض باريسي يستعيد أسلوبه الشعري ونضاله ضد الاستعمار وتحقيق استقلال السنغال

مشهد من معرض "سنغور والفنون" في متحف برانلي (خدمة المعرض)

ملخص

معرض باريسي عن الشاعر #سنغور يستعيد أسلوبه الشعري ونضاله ضد #الاستعمار وتحقيق استقلال #السنغال

ليس خطأ أن نقول عن ليوبولد سيدار سنغور (1906 ــ 2001) إنه كان واحداً من أهم شعراء زمنه. لكن ذلك من شأنه أن يقلل من مساهمته في تاريخ الفنون والمجتمعات، التي تعكس مسيرة فريدة في إنجازاتها وتعدد أزمنتها. وفعلاً، لدينا زمن ما بين الحربين العالميتين الذي وضع خلاله الأسس الأخلاقية والجمالية لحركة الزنوجة (négritude)، إلى جانب إيمي سيزير وليون غونتران داماس وآخرين. هناك أيضاً زمن الطلائع الفنية الذي اكتشف خلاله السوريالية وصقل بفضلها أسلوبه الشعري والخطابي، ثم زمن ما بعد الاستعمار واستقلال وطنه السنغال الذي تبلور فيه قدره كرجل دولة من الطراز الأول. وهناك أخيراً زمن الحصاد ونقل الإرث الذي ما برح مستمراً يغذّي تساؤلات شعراء وفنانين ومفكرين معاصرين كثر.

كل هذه الأزمنة تشكّل موضوع معرض "سنغور والفنون، إعادة ابتكار الشامل" الذي ينظّمه حالياً متحف "كي برانلي" الباريسي، ويطمح إلى إظهار كيف تشكّل بفضل هذه الأزمنة فكر سنغور الحيّ والفاعل. فكرٌ قادته إرادة صلبة في إعادة صياغة مصطلحات الشامل الإنساني عن طريق الإبداع.

 

في صميم هذا الجهد البصير، نسج سنغور رابط ضرورة مع اللغة والفنون، بين أفريقيا وأوروبا. "زنوجتي مسطار في اليد"، كتب في "مرثية الرياح الخفيفة"، التي نقرأ فيها أيضاً: "مهمتي إيقاظ شعبي على المستقبل الزاهي/ سعادتي في خلق صور تغذّيه (...)". قصيدة ــ بيان لشاعر مفكّر كان مقتنعاً بقدرة الكلمات التحرّرية، سواء كان العمل عليها في العزلة أو ضمن النشاط العام.

نصوص مشرقة

نعرف جميعاً نصوص هذا العملاق المشرقة، لكن معظمنا يجهل ما حقّقه خارج إطار الصفحة البيضاء: تنظيم "المهرجان الدولي الأول للفنون الزنجية"، تأسيس "المتحف الحيوي" في داكار، إنشاء "مصنع النسيج الوطني" في تييس، دعم وتدشين "مسرح دانييل سورانو الوطني"... ولائحة الإنجازات تطول، مترجمةً رغبة الشاعر، الذي كان قد صار رئيساً للسنغال، في منح تراث وطنه، والتراث الأفريقي عموماً، المكان الذي يعود إليه داخل تاريخ الفن العالمي.

 

معرض سنغور الحالي يتناول بالتفصيل مضمون هذا الطموح وامتداداته، لا بطريقة احتفالية، ولا لإجراء جردة بثماره، بل للإمساك بفرادة عمل دؤوب أثمر مفهوماً للشامل غير استعماري أو غربي، وفاعلاً منذ عقود. بعبارة أخرى، يتوق المعرض إلى مقاربة فكر سنغور في قدرته التفعيلية والمنشّطة التي عززتها راهنية القضايا التي كانت في صلب اهتماماته: حوار الثقافات، تسيير الأعمال الفنية والأدبية جغرافياً، والطريقة الأفضل لاستثمار التراث.

في الصالة الأولى، نعود إلى بدايات مسيرته الفكرية والسياسية، مطلع الثلاثينيات، التي انطلقت بنقاشات دولية ندّدت بالعنصرية والاستعمار، وهدفت إلى "إدخال الشعوب السوداء إلى مسرح التاريخ". ففي صحيفة "الطالب الأسود" (1935)، باشر سنغور، إلى جانب سيزير، في دفاعه عن مفهوم الزنوجة عبر تفسيره "المشكلة العرقية التي تقترن بمشكلة طبقية". مفهوم تطور وأخذ أشكالاً عدة على مر الزمن: شعرية، فلسفية وسياسية. وفي "المؤتمر الأول للكتّاب والفنانين السود" الذي عقد في باريس عام 1956، وضم مفكّرين وفنانين ومناضلين من مختلف القارات والتوجهات السياسية، ساهم بقوة في اتفاق جميع الحاضرين على إعلان أن "ازدهار الثقافة مشروط بنهاية عيوب القرن العشرين المذلّة: الاستعمار، استغلال الشعوب الضعيفة والعنصرية".

النضال السياسي

 

في الصالة الثانية نرى كيف وضع سنغور الزنوجة الفكرية موضع التنفيذ في العمل السياسي الذي قاده من 1960 إلى 1980، كرئيس جمهورية السنغال، بغية انتزاع اعتراف العالم بفنون أفريقيا. وفي هذا السياق، أسس "المهرجان الدولي للفنون الزنجية" في داكار لـ "إظهار حيوية وجودة الثقافة الأفريقية". مهرجان يكشف برنامجه الطموح إرادة مؤسسه التعريف بمختلف الممارسات الفنية في القارة السوداء (مسرح، موسيقى، رقص...)، الكلاسيكية والحديثة على حد سواء. وفي السياق نفسه، نظّم أول معرض دولي للفن الأفريقي في "المتحف الحيوي" في داكار، الذي تأسس لهذه الغاية. معرض انتقل بعد ذلك إلى "القصر الكبير" في باريس، وهدف، بجمعه نحو 500 عمل فني، إلى تقديم الفن الأفريقي من وجهة نظر جمالية وتاريخية، لا إثنولوجية.

ورُصدت الصالة الثالثة للمعرض الكبير الثاني الذي نظّمه سنغور في داكار بعنوان "ميول ومقابلات"، وسعى فيه إلى إظهار تنوّع الممارسات والحركات الفنية الفتية في أفريقيا ومنطقة الكاريبي وأميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا، من خلال نحو مئتي عمل فني. معرض ترك الشاعر لكل دولة مشاركة فيه مهمة اختيار فنانيها، وسمح للمرة الأولى للفنانين الأفارقة برؤية ما يفرّقهم وما يجمعهم في بحثهم التشكيلي.خدمة

 

الصالة الرابعة مكرّسة لمشروعي سنغور التاليين: "دار الفنون" التي أسسها في داكار عام 1958، ثم أصبح اسمها "كلية الفنون" بعد الاستقلال، وتقترح على طلابها تعليماً جامعياً في ميادين الفنون التشكيلية والرقص والمسرح؛ و"المصنع الوطني للنسيج" الذي أسسه في مدينة تييس عام 1966 بهدف "خلق فن جديد لأمة جديدة"، على حد قوله، فن يكون بمثابة "حصيلة التقنيات المستوردة من فرنسا والثقافة التقليدية". مصنع عني بنقل أعمال الفنانين السنغاليين على قطع نسيج كبيرة عُرضت في مكاتب إدارة الدولة أو وُهِبت لدبلوماسيين وسياسيين أجانب، وبالتالي ساهمت في الترويج للفن السنغالي.

الحضارة السوداء

الصالة الخامسة تبيّن كيف عاد سنغور طوال حياته إلى مصطلح الزنوجة الذي ابتكره صديقه إيمي سيزير عام 1936 وتطوّر خلال رفقتهما الفكرية حتى بات يعني تجذّراً في قيم وحضارات العالم الأسوَد. مصطلح لا إقصاء للآخر في معناه، بل يتغذى من الانفتاح على الثقافات الأخرى. ومن هذا المنطلق أعلن الشاعر الزنوجة "إنسانية القرن العشرين" ودعا إلى التهجين الثقافي لمحاربة الانطواء الهوياتي والإمبرياليات: "الزنوجة تعني أن نشيّد جميعاً ــ قارات وأعراق وأمم ــ حضارة الشامل، حيث كل حضارة مختلفة تأتي بقيمها الأكثر إبداعاُ لأنها الأكثر تكاملاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتجسد مبدأ التبادل هذا في "المتحف الحيوي" الذي افتتحه سنغور عام 1966 وأوكله بمهمة "تقديم وإبراز أعمال الفنانين والحرفيين السنغاليين في معارض دائمة أو دورية، وتنظيم معارض ذات طابع ثقافي يقترحها بلد غريب، منظمة دولية، شخص أو جمعية خاصة".

 

وفي الصالة الأخيرة من المعرض، نعرف أن سنغور لم ينطلق في نشر عمله الشعري، الذي بدأه باكراً، إلا بعد تجربة الحرب العالمية الثانية التي قاتل خلالها في صفوف الجيش الفرنسي وسجن على يد النازيين. هكذا صدرت مجموعته الأولى "أناشيد الظل" عام 1945، أي بعد سنوات طويلة على كتابتها. مجموعة تندرج في مضمونها ضمن حركة الزنوجة، مثل مجموعاته اللاحقة، ويمجّد الشاعر فيها العالم الأسوَد، فيستحضر قصة مملكة سين السنغالية القديمة، وقصص ممالك أفريقية أخرى، ويحتفي بالحكمة والفن الأفريقيين، ويوجّه تحية إجلال للمرأة السوداء. عملٌ يطبعه إذاً الحنين، ويشكّل محاولة لتعزيم المنفى الباريسي وإعادة إحياء إفريقيا ما قبل الاستعمار التي بدت له وكأنها باتت من الماضي. إنه أيضاً رد أيديولوجي ونضالي على الأطروحات التي كانت تضفي مشروعية على الاستعمار بنفيها وجود أي ثقافة أو حضارة في القارة السوداء.

ومن مجموعات سنغور الشعرية الحاضرة في هذه الصالة، والمزيّنة بالرسوم، يتبيّن كم كان يقدّر لقاءاته مع الفنانين ويستكشف في عملهم حدة الإيقاع وقوة الانفعال. ولا عجب في ذلك، فباريس حيث أنجز تعليمه وعاش طويلاً، كانت تستقبل فنانين من العالم أجمع، وهو كان حساساً بشكل خاص إلى تلك الجمالية "الكوزموبوليتية" التي عُرفت مذّاك بـ "مدرسة باريس". حساسية جعلته يفتح شعره إلى "موعد الأخذ والعطاء"، فيتعاون في البداية مع الهنغاري إميل لانر، الذي كان أول رسام يمدّ نصوصه بتلك "الإضافة في الصور والإيقاع"، قبل أن تجمعه حوارات خصبة مع مارك شاغال، أندريه ماسون، هانز هارتونغ، بيار سولاج، زاو وو كي، ماريا دي سيلفا وكثيرين غيرهم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة