Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوسف زيدان دون كيشوت المعارك الثقافية بين وهم وحقيقة

آراء صادمة وتقليل من أهمية الرواد وتشكيك في معطيات تاريخية واتهامات توجه له

المؤرخ والروائي يوسف زيدان صاحب المعارك الثقافية (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

اعتاد المؤرخ والروائي المصري يوسف زيدان على إثارة السجال حول قضايا متعددة، أدبية وتاريخية ودينية، وكلما شعر أن اسمه بدأ يخفت، يطلق سجالاً جديداً، يعيده إلى الواجهة. ومثلما له خصوم كثر، له أيضاً مؤيدون كثر. وآخر معاركه أطلقها خلال المؤتمر الافتتاحي لمؤسسة "تكوين" في القاهرة، معبتراً نفسه أهم من طه حسين، أقله من ناحية أرقام المبيعات.

 

أثار سؤالٌ وجّهه المصري يوسف زيدان أخيراً إلى السوري فراس السواح، عما إذا كان يعد نفسه أهم من طه حسين، جدلاً واسعاً على السوشيال ميديا، خصوصاً عندما جاءت الإجابة، بأن السائل ومَن تلقى السؤال هما أهم من عميد الأدب العربي. ولم يخفف من حدة الجدل توضيح كل من زيدان والسواح، لاحقاً، أنهما إنما كانا يمزحان.

الواقعة سجّلها فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، علماً أنه مجتزأ من وقائع جلسة افتتاح المؤتمر الأول لمؤسسة "تكوين الفكر العربي" الذي عقد في رحاب المتحف المصري الكبير، المتاخم لأهرامات الجيزة، تحت عنوان "خمسون عاماً على رحيل طه حسين: أين نحن من التجديد اليوم؟" بمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين المصريين والعرب. و"تكوين" هي مؤسسة ترفع راية التنوير، وتم إطلاقها بموافقة من الحكومة المصرية. ثم سرعان ما تجاوز الجدل مسألة طه حسين، وانتقل إلى أهداف المؤسسة ذاتها، فانطلقت دعوات إلى إغلاقها، لأن أعضاءها البارزين، وبينهم زيدان والسواح، إضافة إلى آخرين منهم الإعلامي إبراهيم عيسى والشاعرة فاطمة ناعوت والباحث إسلام البحيري، "معروفون بالتشكيك في ثوابت الدين الإسلامي".

وربط البعض بين اسمها وسفر التكوين التوراتي، مرجحين اعتمادها نفي وجود المسجد الأقصى في فلسطين، وهو الأمر الذي سبق أن ادعاه زيدان في أحد كتبه وفي لقاءات عدة متلفزة. وانضم إلى الداعين لسحب ترخيص عمل هذه المؤسسة مثقفون مصريون وعرب وأعضاء في مجلس النواب المصري، من أبرزهم النائب مصطفى بكري، وشخصيات عامة، من هنا ومن هناك، فضلاً عن مشيخة الأزهر التي سارعت بالإعلان عن تأسيس منصة رقمية تحت اسم "بيان".

وفي موازاة ذلك أعلن عدد من الدعاة السلفيين، ومنهم الشيخ محمد حسان، إطلاق منصة رقمية أخرى باسم "تحصين" للرد على أي دعاوى "تشكك في جوهر الدين الإسلامي". وفي إطار هذا الجدل انبرى آخرون للدفاع عن تلك المؤسسة من منطلق حماية حرية التعبير، خصوصاً عندما تداول البعض خبراً يفيد بأن النائب العام المصري أصدر قراراً بتعطيل عمل مؤسسة "تكوين"، وهو ما سارع يوسف زيدان إلى نفيه على صفحته على الفيسبوك. وكتب زيدان على صفحته: "يا قوم، "تكوين" ليست مبنى يمكن إغلاقه. هي مبادرة للتثقيف العام في البلاد العربية، ودعوة مفتوحة لإعمال العقل وإعادة بناء المفاهيم العامة وتحكيم المنطق والعقلانية، وهي تنطلق برعاية الدولة المصرية، لإطفاء حرائق الكراهية المقيتة. وهي لا تستهدف إطلاقًا معاداة  الدين الإسلامي أو الأزهر أو الكنيسة أو المعابد الهندوسية، ولا تنوي الدخول في مهاترات المجادلة مع الذين يتكسَّبون بالعقائد الخرافية، ويخدعون بخبث، أولئك البسطاء من الناس في بلادنا".    

من اللافت في هذه الأزمة أنها جمعت بين النمطين اللذين يعتمد عليهما زيدان عادة، لطرح آراء صادمة تجعله في دائرة الضوء باستمرار. الأول يتعلق بتقزيم الكبار مثل طه حسين بالاعتماد على معيار كثرة المبيعات كمؤشر للأفضلية. والثاني يرتبط بإثارة الناس بآرائه حول قضايا تمس الدين. وتُعيد تلك الحادثة إلى الأذهان سلسلة من "الترندات" التي صنعها زيدان ويتخذ فيها من الفجوات التاريخية ومبدأ مخالفة السائد، وسيلة للظهور على الساحة عندما تخفت عنه الأضواء. ففي النمط الأول يقلل صاحب كتاب "اللاهوت العربي"، من قدر شخصيات عرفت بتقدير الناس لها مثل صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وجمال عبدالناصر، في مقابل الإعلاء من شأن شخصيات غير مرضي عنها تاريخياً، مثل الحاكم بأمر الله وأريوس ونسطور. وفي النمط الثاني يُثِير حفيظة المتدينين من المسلمين والمسيحيين كما في روايتيه "عزازيل" و"النبطي"، وعدد من كتبه الفكرية، عبر إنكاره للعديد من المعتقدات والآراء التي يؤمنون بها، وإعلائه من شأن وجهات نظر مضادة لتلك المعتقدات.

البداية "عزازيل"

عمل يوسف زيدان مستشاراً في مجال المحافظة على تراث العرب وصيانته في عدد من المؤسّسات الدولية، ومنها منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ولجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا) وجامعة الدول العربية. وسبق له الإشراف على مشاريع لتصنيف المخطوطات العربية وفهرستها وتحريرها ونشرها. وهو متخصص أكاديمياً في الدراسات العربية والإسلامية، وصدر له أكثر من ستين كتاباً. وعقب فوز روايته "عزازيل" بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009، ترجمت إلى 16 لغة، وحازت نسختها الإنجليزية جائزة أنوبي للكتاب الأول عام 2012 (التي يمنحها مهرجان إدنبره لأفضل رواية مترجمة للمرة الأولى إلى اللغة الإنجليزية)، وجائزة سيف غباش- بانيبال للأدب المترجم عام 2013.

وبدأ سطوع نجم زيدان، مع نشره لروايته "عزازيل" المصنَّفة بين الأكثر مبيعاً والتي صدرتْ عام 2008 وتقديم دعوى إلى القضاء لمنع تداولها. وفي هذا السياق اتهمه أستاذ اللاهوت عبد المسيح بسيط  بأنه "ينتصر في تلك الرواية للمهرطقين، ويوجه هجوماً شديداً للكنيسة ورمزها القديس مرقص". وعلى الأثر، طالب عدد من المحامين الأقباط بمصادرة "عزازيل"، لطعنها في العقيدة المسيحية. وأصدر سكرتير المجمع المقدس في مصر في ذلك الوقت الأنبا بيشوي، بياناً، ذكر فيه أن زيدان سار على نهج دان براون في روايته "شفرة دافنشي". وردَّ زيدان وقتها في سلسلة مقالات قبل أن يجمعها لتشكل متن كتابه "متاهات الوهم". وفي خضم هذه الأزمة أَصدر زيدان كتابه "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني"، وفيه ينتصر لمن تطلق عليهم الكنيسة المصرية "الهراطقة". ولاقى هذا الكتاب هجوماً من المسيحيين والمسلمين على حد السواء، بما أنه ذهب إلى أن العنف الديني لم يكن موجوداً قبل ظهور الديانات السماوية.

ومع ذلك واصل زيدان التصريح بالمزيد من الآراء الصادمة، ومنها مطالبته بتنقية الأحاديث النبوية الواردة في صحيحي البخاري ومُسلِم، لاستبعاد ما يقوم منها على الظن، حتى ولو كانت تحمل صفة "مُتفَق عليه"، وكذلك اعتباره الحجاب دخيلاً على العقيدة الإسلامية.   

معركة صلاح الدين

وإذا ما انتقلنا إلى النمط الثاني من إثارة الجدل الذي ينتهجه صاحب "عزازيل"، فسنجد الأمثلة كثيرة؛ أبرزها هجومه الحاد على صلاح الدين الأيوبي، الذي بدأه مبكراً في مقالاته وكُتبه. ففي كتابه "متاهات الوهم" المنشور عام 2012 وهو عبارة عن مقالات نُشِرتْ قبل هذا التاريخ، وصف صلاح الدين بأنه خان نور الدين زنكي، ومهَّد لنفسه ولأقاربه الوصول إلى السلطة. وأشار في الكتاب نفسه إلى أن صلاح الدين فشل في انتزاع القدس وإخراج المحتلين منها عسكرياً وإنما حصل عليها عن طريق الصلح عام 583هـ. إلا أنه لم يُلتفت لانتقاد زيدان للأيوبي إلا بعد ذلك بأعوام، وتحديداً عام 2017 عندما قال في برنامج تلفزيوني: "صلاح الدين الأيوبي هو أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني فقد أحرق مكتبة القصر الكبير، أهم المكتبات في العالم في هذا العصر، وارتكب جريمة إنسانية بمنع الفاطميين الذين حكموا مصر 250 سنة من التناسل عندما قام بعزل ذكورهم عن نسائهم".  ووصفه في تصريحات أخرى بالسفاح ونسب إليه قتل أكثر من 800 ألف نسمة وأنه تسبب في مقتل 500 ألف آخرين ونهب أموال مصر والشام وأنفقها على مجده الشخصي، واشترى بها المماليك الذين استعان بهم ليستتب حكم الأيوبيين، لكنهم في النهاية خلفوا الدولة الفاطمية وتسببوا في استشراء التخلف لنحو خمسة قرون.  

وشكك زيدان كذلك في أهمية انتصار المماليك في معركة عين جالوت على المغول، قائلاً في كتابه "متاهات الوهم": "بعض المؤرخين المصريين يعتبر قطز بطلاً لأنه حسب ما يتوهمون، انتصر على الجيش المغولي. الذين انهزموا كانوا في حقيقة الأمر شراذم جيش هولاكو وبقاياه في الشام". ووصف زيدان قطز بأنه صاحب أكبر جناية على تاريخنا السياسي وليس بطلاً، لأنه بعدما قفز على العرش قال بمبدأ الحكم لمن غلب... "وقد اكتوى هو بنار المبدأ العسكري الفتواتي عقب انتهاء موقعة عين جالوت، وقبل عودة المماليك إلى مصر. ومن يومها ظل الحكم في بلادنا لمن غلب".

وفي مقابل هذا الموقف السلبي من صلاح الدين الأيوبي وورثته في الحكم من المماليك، انتصر زيدان للحاكم بأمر الله الفاطمي في روايته "حاكم: جنون ابن الهيثم" التي صدرت عام 2021 والتي برر فيها الأفعال الجنونية التي نُسِبت إليه، بوصفها روايات مضللة كتبها أعداؤه أو أن هناك ما يبرر هذه الأفعال تاريخيّاً مثل جعل الناس يعملون في الليل وينامون في النهار وتحريم أكلات معينة على المصريين، أو إفراطه في قتل مخالفيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا الأمر فعله كذلك مع مَن خالفوا الكنيسة الأرثوذكسية في روايته "عزازيل" وكتابه "اللاهوت العربي" مثل جماعة الأبيونية، وجماعة المونوثلية وبولس السُّميسَاطي، لوقيانوس القسيس الأنطاكي، وآريوس، ومكدونيوس، وأبوليناريوس، ونسطور المرعشلي أسقف الإسكندرية، وأطيخا. وهؤلاء تعتبرهم الكنيسة المصرية مارقين وهراطقة.

ومن الرموز السياسية المعاصرة التي نال منها يوسف زيدان، الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي وصفه بأنه "أنهك مصر وقلص حدودها التي كانت تضم السودان وأجزاء من فلسطين وورَّطها في حروب لا قيمة لها، ودمر الاقتصاد المصري، بعدما استولى على أموال الأغنياء وممتلكاتهم، وأعطاها للفقراء كي يصفقوا له". وهاجم من يقولون بأنهم ناصريون لأن عبد الناصر ليس فيلسوفاً حتى يكون له أتباع، وقال كذلك بأن الأيديولوجيا العربية التي طرحها جمال عبدالناصر هي "نصب واحتيال".

جائزة نوبل

ومن أكثر التصريحات التي أحدث بها يوسف زيدان جدلاً، وهوجم بسببها بشدة، ما قاله عن ضرورة تدويل مدينة القدس، ودفاعه عن حق اليهود في البحث عن هيكل سليمان (في محيط المسجد الأقصى) "مثلما نبحث نحن عن الآثار الفرعونية". وهو قال أيضاً بأن المسجد الأقصى هو لعبة سياسية صنعها عبدالملك بن مروان، ولا يوجد مبرر للصراع مع الإسرائيليين بشأنه. وهو ينطلق في هذا الأمر من اعتقاده بأن المسجد الأقصى المذكور في القرآن يوجد في مكان آخر غير فلسطين.

وقوبلت هذه التصريحات بعاصفة من الرفض لدى علماء التاريخ ورجال الدين في البلاد العربية ووُصِفَ كلامه بأنه مغالطات تاريخية ونسخ لآراء مستشرقين، تفتقر إلى أي منهج علمي، فضلاً عن مخالفتتها الوقائع التاريخية. واتهم زيدان ابن ال66 عاماً بأن هدفه من هذه التصريحات هو إرضاء اليهود ظناً منه، أن ذلك سيمهد لحصوله على جائزة نوبل في الآداب.

ومن أكثر "الترندات" التي صنعها زيدان، طرافة، قوله وهو يشرح قصيدة كعب بن زهير المعروفة بـ"البردة" أن كلمة متبول في مطلع قصيدة "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول"، معناها أن قلب الشاعر موضوع في التوابل الحارة، بينما متبول معناها هنا هو السقيم من الحُبّ. وهو المعنى الذي يتناسب مع المقدمة الغزلية التي وضعها كعب بن زهير عن صاحبته سعاد التي لا تفي له بوعدٍ أبداً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة