Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 ابنة أحمد فؤاد نجم تكتب سيرته بقسوة وحب

الشاعر الثائر الذي مدح الضعف الإنساني لم يكن والداً حقيقيا

الشاعر أحمد فؤاد نجم الشاعر والأب (موقع الشاعر)

ملخص

تكرس نوارة الكتاب لعلاقتها مع والدها شاعر #العامية المصري الشهير#أحمد_فؤاد_نجم الذي كتب هو الآخر سيرة شهيرة بعنوان "#الفاجومي".

يعرف تاريخ الأدب العربي عشرات الكتب التي ألفها أبناء الشعراء عن آبائهم، لعل أشهرها ما كتبه حسين شوقي نجل أمير الشعراء أحمد شوقي تحت عنوان "أبي شوقي" أو ما كتبه كفاح نجل شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري عن والده في كتاب "ما تركه الشاعر للريح". وحديثاً أضافت الكاتبة المصرية نوارة نجم بكتابها الصادر عن دار الكرمة - القاهرة تحت عنوان "أنت السبب يا بابا" رصيداً جديداً إلى هذه النوعية الفريدة من الكتب التي تقارب السيرة من زاوية مغايرة. تكرس نوارة الكتاب لعلاقتها مع والدها شاعر العامية المصري الشهيرأحمد فؤاد نجم الذي كتب هو الآخر سيرة شهيرة بعنوان "الفاجومي"، وهو تعبير يدل في العامية المصرية عن الشخص المندفع، الذي يعلن رأيه بصراحة من دون حسابات أو مخاوف.

اشتهر نجم في العالم العربي منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، بفضل الأغنيات التي كتبها وغناها الملحن الشيخ إمام وأشهرها "مصر ياما يا بهية"، وهما شكلا معاً ثنائياً فنياً تحول إلى تجربة متكاملة ركزت على نقد الأوضاع المعيشية في مصر عقب هزيمة العام 67. وبسبب أشعاره الهجائية الساخرة تعرض نجم للسجن عدة مرات، وكان ضيفاً دائماً على المعتقلات خلال عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات. وتكونت حوله الكثير من الصور الأسطورية بفضل تعلقه بالحياة التي عاشها طليقاً، وأراد أن يحول تجربته إلى نهج وفلسفة ينصح بهما الآخرين كما تشير ابنته.

 

عرفت أشعار نجم وأغنياته انتشاراً واسعاً في التسعينيات بعد سنوات الحجب، وتغنى بها أشهر مطربي العالم العربي، وكتب مقدمات غنائية لأعمال درامية شهيرة أبرزها "ريا وسكينة" و"زيزينيا" و"حضرة المتهم أبي" ومنها أخذت نوارة عنوان كتابها.

 ضد االرمزية

على خلاف غالبية الكتب التي يكتبها الأبناء عن الآباء، لا يرسخ كتاب نوارة عن والدها "قداسة متخيلة" تجعله خارج دوائر النقد أو التقييم، كما لا تتعسف في الإدانة وإصدار الأحكام، لأن ما استهدفته أبعد من ذلك بكثير، فقد أرادت أولاً التخلص من ثقل حضور الشخصية العامة، لمصلحة "بساطة الأب" الذي عاش حياة استثنائية قريبة من حياة المغامرين في السير الشعبية.

وكما يكشف الكتاب فقد كان "مثل الزئبق لا يمكن الوصول إليه إلا بشق الأنفس"، وكان دائم التحرك، وظلت هي دائمة الركض خلفه. ولم يكن ذلك جيداً كما تقرر بوضوح، بل ترجو كل أب ألا يعرض ابنته أو ابنه لمصير مشابه.

 الاحتفال بالضعف

 

لا تغيب عن قارئ الكتاب الرغبة المضمرة التي أرادتها الكاتبة في الاحتفال بـ"الضعف الإنساني" الذي يبدو كأنما هو الفضاء الوحيد الذي يجمعها مع والدها. وهو بهذا المعنى ليس ساحة لمحاكمته أو الاقتصاص منه أو التشهير به وبمن كانوا حوله، وإنما هو نص من نصوص المناجاة والعتب أحياناً. فهو دائماً مع "الجماهير"، وهي تريده في الصورة العادية التي تماثل صور الآباء الآخرين.

جاءت نوارة ثمرة زواج لم يستمر طويلاً بين الشاعر الشعبي والناقدة البارزة صافي ناز كاظم التي تعد واحدة من أبرز كاتبات جيلها. وجاء هذا الزواج في أجواء الاحتجاجات التي عرفتها مصر أوائل السبعينيات. ونتيجة لاختلاف الطباع بين الزوجين، تعرض لأزمات كثيرة دفعت صافي ناز للسفر إلى العراق والعمل هناك، بعدما تعرضت للتضييق على عملها الصحافي. وفي بغداد اتخذت قرارها بالانفصال عن الشاعر، والزواج من أحد الأساتذة العراقيين. لكنها ما لبثت أن انفصلت عنه وعادت إلى مصر واستقرت فيها، بينما خاض نجم تجارب كثيرة في الزواج من ناشطات في العمل السياسي، انتهت بالانفصال ولم تصمد معه سوى "أم زينب" ابنة جاره التي تكبر نوارة بسنوات قليلة، وعاشت معه لما يقرب من ربع قرن، حتى وفاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد انفصال والديها عاشت نوارة في رعاية والدتها التي ملأت وعيها بالكثير من صور الاعتزاز بالشاعر المناضل، فظل نجم الأب والشاعر موضع تقدير، وفصلت الناقدة تماماً بين مشاعر الزوجة التي تعثر زواجها، والناقدة التي امتلكت معاييرها لإنصاف الشاعر وفهم تجربته الفنية والإنسانية. ورأت "جوهره" الإنساني واختصرته في تعبير "الغلبان" للتدليل على بساطته الآسرة. وسعت دائماً لمعالجة حماقاته مع ابنته وتطبيب جراحها، والحد من آلامها التي ترسخت بسبب شعور الابنة بـ"الهجر" الذي سببه غياب الأب.

البحث عن الغائب

يمثل الكتاب رحلة بحث طويلة خاضتها نوارة للعثور على "الأب الغائب"، على رغم حضوره الباذخ في كافة التفاصيل التي أوجدتها الأم. فهو كما رأته "ليس بالشخص القوي في ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، وإنما هو قوي في مواجهة السلطات، وشديد الضعف والهشاشة في مواجهة المواقف الإنسانية والأزمات الشخصية التي يفقد فيها قدرته على حسن التصرف وسرعة البديهة اللذين يتمتع بهما في الشأن العام". كتبت نوارة لتنجو من "التروما" التي صبغت حياتها ونزعة التمرد التي واجهت بها حضوره. ونجحت عبر الكتاب، في ابتكار أسلوب سردي فريد لمعالجة سيرتها، وتناول أثمان تجربة معقدة انطوت على كثير من القسوة ومشاعر الفقد، لكنها تأتي محاطة بنبرة ساخرة يصعب تفادي أثرها.

تحبك نوارة كل ما ترويه بلغة يومية تأتي من ميراثها الشخصي، فقد ورثت عن والدها القدرة على الكتابة بالعامية القحة من دون أن تفقد ثراء الاستعارة والمجاز الدالين على عمق انتسابها للخيال الشعبي الخصب. وأخذت من أمها كذلك مهارة الكتابة باقتصاد لغوي، يمكنها من التعبير بالخفة الجمالية التي ترتقي باللفظ العامي وتوجد له استعمالاً وظيفياً لا يحد من قدراته التعبيرية.

يعزز صفحات الكتاب الممتع، الطابع الفانتازي للشخصية المحورية فيه والتي عاشت حياة غرائبية تماماً. وعلى رغم طابعها العملي وتحايلها على قسوة الواقع بالحيلة والنكتة والسخرية، فإن إيمانها الفريد بقوة المعتقد الشعبي، وكرامات الأولياء يتجلى في طرق تبرر كل ما هو غير مألوف، وأبرزها مشاهد الهرب من الملاحقة الأمنية والاختباء والتخفي في بيوت، كانت معلومة من أجهزة الأمن. لكن الشاعر اطمأن دائماً للبديهة ولفطرة الناس وقدرتهم على الفرز، وبقدر ما هاجم نجم الحكام والسلاطين، فإنه امتدح فقراء الناس في تجربة تصفها نوارة بـ"قصة حب حقيقية منزهة عن الأغراض".

وثيقة جمالية

 من جانب آخر، يمكن النظر إلى الكتاب بوصفه وثيقة تاريخية دالة على تجارب فنية نشأت وازدهرت في ظروف نضالية بالغة التعقيد. فهو يعطي إشارات عميقة حول تعامل مبدعي هذا الجيل الاستثنائي مع مفهوم الالتزام والالتباس الذي شاع بين ما هو فني وما هو سياسي. ويساعد الكتاب كثيراً في فهم تجربة نجم في سياقها الصحيح، ويكشف بعض طقوسه في الكتابة وسط الزحام والأجواء الصاخبة. فقد كان يكتب أجمل قصائده وحوله سيرك بشري كامل، لكنه منفصل عنه تماماً.

 كذلك تعكس صفحات الكتاب المناخ الذي غمر النخب الثقافية والسياسية منذ أواخر الستينيات وحتى رحيل نجم في أعقاب انتفاضة يناير2011. وتحضر داخله تفاصيل حول أماكن ومنتديات تظهر طبيعة المد اليساري الذي ميز الحركة الثقافية قبل نصف قرن، وتكشف الانتكاسات التي عاشها في ظل تحولات وتحالفات سياسية أظهرت تمدد قوى الإسلام السياسي، داخل خطاب الحياة اليومية، بحيث شاع الكثير من محاولات التفرقة بين المسلمين والأقباط، وراجت خطابات تقوم على التمييز في الطائفة الدينية أو النوع الاجتماعي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة