Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المافيا والأوليغارشية... كيف تؤسسان لروسيا ما بعد الحرب؟

 عرض بوتين صفقة منذ البداية: الانحناء لسلطته مقابل الاحتفاظ بالقصور واليخوت الفخمة والطائرات الخاصة

صنف مؤشر بلومبيرغ الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش بالخاسر الأكبر حيث انخفضت ثروته بنسبة 57 في المئة إلى 7.8 مليار دولار (غيتي)

ملخص

كيف نشأت #الأوليغارشية الروسية؟ وما هو الدور الذي لعبته في #روسيا ما بعد #الاتحاد_السوفياتي؟ وكيف استطاعت ترسيخ نفوذها من #يلتسين إلى بوتين؟ إجابات في الفكر والسياسة وعالم المال...

منذ أكثر من ثلاثة عقود، سمح انهيار الاتحاد السوفياتي ببروز ظاهرتين غذتهما الجمهوريات السوفياتية المضطربة ولكنهما ظلتا خامدتين حتى تسعينيات القرن الماضي، وقد ضمن استمرارهما أن يظل دورهما فعالاً في تعزيز مصالح سلطة الكرملين في عهد فلاديمير _بوتين بقدر ما يحقق مصالحهما. وعلى هذا فإن دوام تفوقهما وازدهارهما متشابك تماماً مع معضلة بقائه في السلطة. 

 تداخلت الجريمة والسياسة في روسيا الحديثة عن طريق الأنشطة المنظمة، وديناميات الدولة الروسية ومؤسسات سوق التبادل الاقتصادي وتبادل المصالح، حتى أصبحت الدولة فاعلاً أو حتى شكلاً من أشكال الجريمة المنظمة. 
فأطلق على الحكم في روسيا في عهد بوتين تسميات عدة منها وصف روسيا بـ"دولة مافيا". وباعتبار المافيا والأوليغارشية عملاء للدولة الروسية، فإنها توفر لهم الانتقال بين الأدوار الرسمية وغير الرسمية، وخرق العقوبات والاتجار في كل شيء تقريباً مع منظمات شبيهة في دول أخرى نيابة عن الدولة، أو مع دول خاضعة لعقوبات غربية.
المافيا الروسية معروفة باسم براتفا (الأخوة)، هو مصطلح يستخدم للجماعات والعصابات المنظمة التي ظهرت من البلدان التي كانت منفصلة عن الاتحاد السوفياتي وتحديداً روسيا وأوكرانيا، وتشارك براتفا في مجموعة واسعة من الأنشطة الإجرامية مثل تهريب المخدرات والاحتيال وتهريب الأسلحة والمبارزة والقتل والاتجار بالبشر وغيرها، وتنفذ مهام معقدة لمصلحة الدولة من دون خوف من أي مسؤولية تترتب عليها باعتبارها قوة خفية مستندة إلى السلطة.
 

 

أما الأوليغارشية فعلى رغم انشغال الفلاسفة واللغويين بتعريفها فإنهم من أفلاطون إلى أرسطو ثم الفكر السياسي الحديث اتفقوا على أنها "حكم الأقلية"، والأوليغارشيون "نخب من رجال الأعمال فائقة الثراء التي تمتلك قوة سياسية متفاوتة". 

وقسم أفلاطون في كتابه "الجمهورية" أنواع الحكومات إلى جمهوريات مثالية وديمقراطية وأوليغارشية. ويرى ميكيافيللي أن الأرستقراطية إذا فسدت تحولت إلى الأوليغارشية. ونشأت الأوليغارشية الروسية من فوضى الخصخصة السريعة في التسعينيات، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، وبعد وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 عمل على توطيد الروابط مع الأوليغارشية من خلال إبرام الدولة عقوداً معهم في كثير من القطاعات، مثل البنية التحتية والدفاع والرعاية الصحية وغيرها.
 
هوية المافيا الجديدة
 
 انتقلت كلمة "مافيا" إلى الاتحاد السوفياتي السابق في سياق الانتقال إلى السوق وخصخصة الحماية وانتشار الفساد، وأعادت إحياء التقاليد والطقوس والمعايير الإجرامية السابقة لتشكيل هوية جديدة قوية والتنافس في سوق مزدحمة للحصول على الحماية. ووفقاً للصحافي الروسي أركادي فاكسبيرغ مؤلف كتاب "المافيا الروسية" فإن المافيا هي "نظام السلطة السوفياتية بأكمله، بكل مظاهره الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والإدارية".
 ويعيد التاريخ السياسي السوفياتي هذا النوع من العلاقة إلى وقت كان ينظر فيه إلى الذين يتحالفون مع أجهزة الدولة ومسؤوليها نظرة دونية، لكن تغير ذلك بعد تجربة معتقلات العمل القسري (الغولاغ) القاسية التي أنشأها فلاديمير لينين عام 1917، وازدهرت خلال فترة حكم جوزيف ستالين، أبرز قادة الاتحاد السوفياتي وأكثرهم قسوة والتي استمرت من 1922 حتى وفاته عام 1953. وظهر شكل من تعاون المجرمين مع المسؤولين الحزبيين الفاسدين الذين كان يطلق عليهم اسم "جيل جديد من الفوري".
 تزايدت الروابط بين هذه الشبكات الإجرامية وجهاز أمن الدولة في الكرملين، ولا سيما جهاز الاستخبارات الأجنبية والاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن الفيدرالي. واستخدم الكرملين مجموعات الجريمة المنظمة كأدوات للنشاط الاستخباراتي والتأثير السياسي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وفي التسعينيات أعرب بوريس يلتسين في ظل عجز دولته عن قلقه من أن روسيا أصبحت "قوة عظمى للجريمة". ومع أنه منذ الثمانينيات كانت المافيا الروسية من أقوى المنظمات الإجرامية وأكثرها خطورة في العالم، فمع سقوط الاتحاد السوفياتي نجحت في أن تحل محل المجموعات التقليدية التي كانت تسمى فوروفسكوي مير (عالم اللصوص) وزعمائهم فور في زاكون (اللصوص في القانون). واستفادت من الخصخصة وازدهار السوق السوداء والفراغ القانوني، فضلاً عن توفر الحماية السياسية لهم، ونشطوا في العمل داخل الاقتصاد خلف واجهات مشروعة.
يوضح مارك غاليوتي المتخصص في الشؤون الأمنية الروسية والجريمة المنظمة ومؤلف كتاب "الفوري: المافيا الروسية الخارقة"، أنه "حتى قبل أن يصبح فلاديمير بوتين رئيساً بالإنابة عام 1999 وتأكد من أنه خليفة يلتسين في عام 2000 كانت حروب العصابات تتراجع. خشي عديد من المجرمين في ذلك الوقت أن يكون بوتين جاداً في خطابه الصارم المتعلق بالقانون والنظام، لكن سرعان ما أصبح واضحاً أنه كان يفرض عقداً اجتماعياً جديداً مع العالم [السفلي]". 
وبذلك سرت طمأنتهم بأنهم يمكن أن يمارسوا نشاطاتهم من دون خوف طالما أنهم يخضعون للسلطة، فأعيدت هيكلة الروابط بينهم بإضفاء طابع مؤسسي على عملها يقوم على أساس امتثالها للسلطة. واستمرت كذلك حتى ظهر ذلك خلال الحرب الروسية في أوكرانيا عندما اختلط الحث على أداء الواجب الوطني بتكتيكات الكرملين لشن هذه الحرب.
عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

 
بروز الأوليغارشية
 
 عندما قرر الرئيس الروسي بوريس يلتسين، بوصفه أحد قادة الثورة ضد الشيوعية، الانتقال من اقتصاد القيادة والسيطرة إلى اقتصاد السوق، لجأ إلى الاقتصاديين الروس الذين توصلوا إلى أن الحل سيكون بمساعدة مستشارين غربيين، إذ اعتقدوا أن الانتقال إلى الرأسمالية سيكون من الأفضل التعامل معه بشكل تدرجي، ولكن إدارة يلتسين قررت إطلاق برنامج عرف باسم "العلاج بالصدمة"، مما مكن قوى السوق بسرعة وكان كفيلاً بدفع روسيا إلى أحضان الرأسمالية بمساعدة الدائنين الغربيين خصوصاً صندوق النقد الدولي.
وبعد أن رفع يلتسين القيود المفروضة على الأسعار في ديسمبر (كانون الأول) 1991، وتزامناً مع انهيار الاقتصاد السوفياتي، انتهت التجربة في عام 1994 إلى إحداث معدلات عالية من التضخم وارتفاع الأسعار. وفي هذه الفترة برزت الأوليغارشية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما وصلت كوادر من رجال الأعمال إلى السلطة في روسيا ما بعد الشيوعية من خلال الاستيلاء على احتكارات الدولة المخصخصة حديثاً، وسيطرت على الاقتصاد الروسي من خلال الفساد والإكراه، وعلى السياسة والأعمال لسنوات قبل صعود بوتين. 
 
 
 
وقد ذكر الكاتب جريج روسالسكي في مجلة "مال الكوكب" التابعة لمحطة "أن بي آر" الأميركية في مقالته بعنوان "كيف غزا بوتين الأوليغارشية الروسية"، أنه "في صيف عام 2000 خرج 21 من أغنى رجال الأعمال في روسيا من سيارات الليموزين المضادة للرصاص ودخلوا الكرملين لحضور اجتماع تاريخي. وكان هؤلاء الرجال نشأوا في العقد الماضي من العدم، وجمعوا ثروات هائلة مع انزلاق البلد إلى الفوضى، من خلال الصفقات المشبوهة والفساد وحتى القتل، استولى هؤلاء الأوليغارشيون على جزء كبير من الاقتصاد الروسي". وتابع روسالسكي أن "بوتين منذ البداية عرض صفقة على الأوليغارشية، هي الانحناء لسلطته والابتعاد عن طريقه مقابل الاحتفاظ بقصورهم ويخوتهم الفخمة وطائراتهم الخاصة والشركات التي تقدر بمليارات الدولارات. وهكذا أثرى بوتين فئة جديدة من الأوليغارشية الذين أصبحوا يدينون له حتى الآن بثرواتهم الهائلة".
وجاء في كتاب "سلطة النفط والتحول في ميزان القوى العالمية" لروبرت سليتر، "في عام 2004، عجل بوتين عملية الحصول على الموافقات وأنشأ منطقة صناعية معفاة من الضرائب، وعرض على المستثمرين الدخول في مشروعات مشتركة مع شركات مملوكة للدولة، ولكن نظراً إلى التدخل الحكومي ولأن صانع القرار في عملية إنتاج النفط كان هو الكرملين وليس القطاع الخاص، خفضت الشركات الغربية مشاركاتها لتهيمن الأوليغارشية مع الشركات المملوكة للدولة على صناعة النفط".
 
ترسيخ الوجود
 
 منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 توقع كثيرون أن فلاديمير بوتين سيحاول غزو بقية أوكرانيا، وذلك بناءً على تطور النخبة الحاكمة في روسيا والتي أنتجت طوال توليه الحكم منذ أن تولى رئاسة روسيا بالإنابة لأقل من عام بين 1999 و2000، ثم رئاسة الوزراء من 2000 وحتى 2008، وتسلمه الرئاسة منذ 2012 وحتى الآن. واستطاعت التغييرات التي أحدثها في مؤسسات النظام أن ترسخ وجود دولة مافيا في أواصر النظام، وهو ما أثبتته الحرب. فوفقاً للمؤرخ والصحافي الإيطالي المولود في أوكرانيا ياروسلاف شيموف "تثبت الحرب أن نظام بوتين هو دولة مافيا، ولكن أوروبا والولايات المتحدة تفشلان في فهم ذلك".
 مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، بادرت كييف إلى تحييد المافيا المشتبه في موالاتها موسكو والتي ترى فيها طابوراً خامساً قد يطعنها في الظهر في أي وقت، وفق تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في 6 ديسمبر الماضي. 
وذكر التقرير أن "أجهزة الأمن الأوكرانية سارعت في وقت مبكر من الحرب للتعامل مع شبكات المافيا القوية التي قدم بعضها من منطقة القوقاز بعد طردها من جورجيا واستقرارها في مدينة أوديسا، حيث يقوم عملاء بإدارة الأمن الاستراتيجي الأوكراني بجولات استطلاعية منتظمة لاختبار ولاء قادة المنظمات المشتبه فيها". 
 
 
 
ومع ذلك فإن عرش المافيا الروسية يتعرض للاهتزاز حتى مع وجود حاضنته الرأسمالية، فمنها مناهضون للحرب ولكنهم لا يلقون باللوم على الكرملين، ويتبعون الرأي السائد في روسيا بأن حالة الصراع هي لاستعادة أراضي الإمبراطورية المفقودة وللحفاظ على العمق الاستراتيجي. وفي الوقت ذاته تتحسب إلى أن التاريخ ربما يعيد نفسه، بأنه مثلما حطمت "البيريسترويكا" التي نظمها ميخائيل غورباتشوف الدولة، وأطلقت العنان لوجودهم بدلاً من المنظمات التقليدية الـ"فوري"، فإنه ربما يتضعضع وجودهم لصالح قوى جديدة، وسيعتمد وجودهم الحالي ضمن عوامل أخرى على العمليات المستترة وتنفيذ مهام عديدة لمصلحة الكرملين من دون ترك ما يدل عليهم.
 
ملاحقة غربية
 
 في خطابه عن "حالة الاتحاد" في مارس (آذار) الماضي، حذر الرئيس الأميركي جو بايدن رجال الأعمال الروس من أن وضعهم المالي سيزداد سوءاً مع ارتفاع مستوى العقوبات على روسيا. وقال بايدن "أقول للأوليغارشية الروسية والزعماء الفاسدين الذين ربحوا مليارات الدولارات بفضل هذا النظام العنيف: انتهى هذا الأمر". 
وتابع أن "وزارة العدل الأميركية ستشكل فريق عمل مخصصاً لملاحقة جرائم الأوليغارشية الروسية، وسيأتون للاستيلاء على يخوتكم وشققكم الفاخرة وطائراتكم الخاصة". وأخبرهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها منذ غزو بوتين أوكرانيا سعت إلى تجميد أصول الأوليغارشية في الخارج إلى جانب أصول بوتين، فضلاً عن منعهم من السفر بهدف إنفاذ العقوبات على الطبقة الحاكمة في روسيا ولمحاولة إجبار بوتين على التراجع.
وبحسب مؤشر "بلومبيرغ" للمليارديرات يوجد حالياً 22 مليارديراً روسياً على قائمتها التي تصنف أغنى 500 شخص في العالم. خسر هؤلاء الأثرياء الروس الذين تتبعهم القائمة نحو 95 مليار دولار في عام 2022. وجاء في المؤشر "خسر أغنى الأوليغارشيين ما يقرب من 95 مليار دولار هذا العام وسط عقوبات صارمة فرضتها الدول الغربية بسبب حرب أوكرانيا، إذ خسروا نحو 330 مليون دولار في اليوم منذ شن الكرملين غزوه". وصنف المؤشر الملياردير الروسي الذي يعمل في تجارة النفط ومالك نادي تشيلسي السابق رومان أبراموفيتش الخاسر الأكبر، إذ "انخفضت ثروته بنسبة 57 في المئة إلى 7.8 مليار دولار. وكان أبراموفيتش من أوائل الأوليغارشيين الذين تعرضوا لعقوبات المملكة المتحدة، بعد أن اتهم بأن لديه صلات واضحة بنظام بوتين، وأنه من بين مجموعة من رجال الأعمال الروس الأثرياء الذين تلطخت أيديهم بالدماء". 
 
 
 
كما أورد "بلومبيرغ" تراجع ثروة جينادي تيمشينكو، الملياردير المستثمر في مجال الطاقة والصديق المقرب لبوتين، بنسبة 48 في المئة إلى 11.8 مليار دولار، وكذلك خسر سليمان كريموف أحد حلفاء بوتين 41 في المئة وانخفضت إلى تسعة مليارات دولار". 
انتقادات محدودة
 وعن جمع بوتين بين المافيا والأوليغارشية، قال غاري كاسباروف، لاعب الشطرنج السابق والمعارض الروسي لنظام بوتين، والذي كان قد أعلن ترشحه لرئاسة روسيا عام 2008 "بوتين لا يخاف. إنه يريد أن يحكم مثل ستالين، وفي الوقت ذاته يعيش مثل أبراموفيتش... إن نظام بوتين أشبه بالمافيا منه بنظام ديمقراطي". 
وهذا يفسر أنه حتى الانتقادات الموجهة لبوتين لا تمثل سوى تهديد طفيف لحكمه، مما يعني أن الكيانين المافيا والأوليغارشية على رغم تصنيفهما النخبوي فإنهما بخلاف نظائرهما الغربية مندمجان بدرجة كبيرة في بقية المجتمع بما في ذلك الاقتصاد والهياكل السياسية، حتى يكاد الفرق يتلاشى بين من يتحكم في الآخر، هل الدولة الروسية الحديثة التي أصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، أم النظامان اللذان يمثل كل منهما دولة داخل الدولة؟
وعندما أقرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 18 كياناً روسياً كان من بينهم رجل الأعمال الروسي فلاديمير بوتانين، أحد أغنى الأوليغارشية في روسيا وأحد المقربين من الكرملين، وتبلغ ثروته الصافية نحو 30.4 مليار دولار وفق مؤشر "بلومبيرغ"، ويرأس شركة "نورنكل" للتعدين، كما يرأس منذ عام 1990 قبل وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفياتي "رابطة التجارة الخارجية" التي طاولتها عقوبات واشنطن
وكان بوتانين من ضمن الأوليغارشيين الذين سرت بينهم موجة من التذمر عندما خطط الكرملين لمصادرة أصول الشركات الأجنبية رداً على العقوبات الغربية، بقوله "هذا سيعيدنا مئة عام إلى الوراء، إلى الثورة البلشفية عام 1917، وستكون عواقب مثل هذه الخطوة هي عدم الثقة العالمية بروسيا من المستثمرين، وسوف نشعر بها لعقود كثيرة".
 وربما تكون هذه هي حدود الانتقادات من الأوليغارشية لنظام بوتين، إذ لا يتوقع أن تعارضه من أجل الحفاظ على ثروتها، وستكون متوائمة مع رؤيته بالعمل على إعادة ترسيخ مكانة روسيا في التاريخ من خلال غزو أوكرانيا ومقاومة القيم الديمقراطية الليبرالية.
 
ملء الفراغ
 
 كلا الظاهرتين اللتين داهمتهما الحرب وهما في أوج ازدهارهما ستميلان إلى تلبية مهام الكرملين وفق العمل معه وليس ضده، مهما كانت الخسائر التي منيتا بها. وبعد أكثر من عقدين تغيرت فيها هياكل المؤسسات السيادية لمصلحتهما ستكون المافيا والأوليغارشية هما الأحرص على الحفاظ على نظام بوتين، فالتهديد من بعد عهده ربما يكون أكبر، خصوصاً إذا خسر الحرب فلا ضامن من مجيء نظام آخر يهز أركان جهاز الدولة الذي كرسه بوتين لخدمتهما، لا سيما إن كان غير قابل للفساد.
 ولكن أيضاً يلوح في الأفق تغيير توفره بيئة الفساد المواتية والمنتشرة والتي توفر عملاء كثراً وعلى نطاق واسع من غير الكيانين، بما يعمل على إعادة هيكلة العلاقة بين المافيا والأوليغارشيين من جهة، وبينهما وبوتين من جهة أخرى. وعندها لا يستبعد في ظل البحث عن مأمن وعلاقات مربحة دائمة أن تنهار هذه العلاقات لتنشأ أخرى وبأطراف جديدة، فقد ظهرت منظمات حماية منشقة من عصابات المافيا، يستنجد بها المزارعون وأصحاب الإنتاج الروس قد تتحول إلى قوة موازية إلى أن تحل محل المافيا.
ومن السيناريوهات المرجحة أيضاً أنه على رغم أن بعض الأوليغارشيين ينتقدون الحرب، فحتى لو زادت معارضتهم لها فإن مقدرتهم على التأثير في بوتين محدودة، وذلك لعاملين، الأول لأنهم لا يعملون كوحدة واحدة في ظل التنافس بينهم على القرب من الكرملين والحصول على الامتيازات الحكومية، مما يرجح حدوث انشقاقات بينهم. 
والثاني أنهم طالما ظلوا معتمدين على سلطة بوتين لدعم شركاتهم الخاضعة للعقوبات خصوصاً في القطاع المصرفي فسيكون التعاون بينهما قائماً، ولكن في حالة تدخل العسكريين المقربين من بوتين لفرض سيطرتهم باعتبار أن الظرف الحالي يخضع لقوة السلاح وليس للمال، فإن موقف الأوليغارشيين في حماية مصالحهم سيكون ضعيفاً، وسيمكن بوتين من السيطرة عليهم أو تمردهم. وملامح ذلك ظهرت في استدعائهم من قبل بوتين الذي هددهم ضمنياً حول "الحاجة إلى الولاء للدولة في زمن الحرب".
 وإذا نجحت المؤسسة العسكرية في التأثير في بوتين للقيام بإحكام قبضته على المافيا والأوليغارشيين فإنها ستحاول ملء الفراغ الذي سيتركه الكيانان إما بإضعافهما وإما تشتتهما، لتكون المؤسسة العسكرية هي الأقرب إليه، مما يؤهلها إلى خلق تحالف بديل، خصوصاً أن عدداً من الأوليغارشيين هم جنرالات سابقون، أو أن يسهموا في إحداث تطورات أخرى منها الوصول إلى تسوية مع أوكرانيا أو تغيير النظام.
اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات