Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تصورات أميركا لإمكانية إنهاء الحرب في أوكرانيا؟

الاستفتاء والإدارات الإقليمية الدولية خياران مطروحان للأراضي المتنازع عليها

 57 في المئة من الأميركيين ما زالوا يدعمون أوكرانيا ويعتقدون أن روسيا هي المعتدية (رويترز)

ملخص

ألمح مسؤولون سابقون في #واشنطن إلى ضرورة انفتاح #الأوكرانيين على تسوية سياسية، كما طرح بعض المفكرين والباحثين الأميركيين أفكاراً حول رؤيتهم لنهاية هذه #الحرب_المريرة. فما هي هذه الأفكار؟ ومتى يمكن أن تبصر النور؟

بعد عام كامل على بدء الحرب في أوكرانيا ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين والجنود وتدمير عشرات من المدن والقرى، يبدو أن الحرب ليست لها نهاية في الأفق مع تمسك كل من موسكو وكييف بموقفهما المتعنت، وإصرار الطرفين على المضي قدماً في الحرب، لكن على رغم استمرار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وعدم فتور تأييد الغالبية العظمى من الأميركيين لكييف، فإن بعض المسؤولين لمحوا في وقت سابق بضرورة انفتاح الأوكرانيين على تسوية سياسية، كما طرح بعض المفكرين والباحثين الأميركيين أفكاراً حول رؤيتهم لنهاية هذه الحرب المريرة. فما هي هذه الأفكار؟ ومتى يمكن أن تبصر النور؟


إلى متى يستمر الدعم؟

بينما ينقسم الأميركيون في شأن المدة التي ينبغي أن يستغرقها دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، إلا أن غالبية المواطنين الأميركيين لا يظهرون شعوراً بأنهم سئموا الحرب، ووجدت استطلاعات للرأي من "وول ستريت جورنال" ومجلس "شيكاغو" للشؤون العالمية ومؤسسة "رونالد ريغان" الرئاسية، أن الغالبية العظمى من الأميركيين (57 في المئة) ما زالوا يدعمون أوكرانيا ويعتقدون أن روسيا هي المعتدية، ومع ذلك أثار وجود أقلية متنامية، بخاصة بين الجمهوريين، تعتقد أن الحرب تكلف كثيراً، قلق بعض السياسيين من تأثير وسائل الإعلام في وجهات النظر العامة حول الوضع على الأرض، بالتالي في الدعم الأميركي المستمر لأوكرانيا.

وبتزامن هذه النتيجة مع تحذير بعض المسؤولين الأميركيين من هذا القلق، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تاركاً بلاده لأول مرة منذ بدء الحرب، لحشد الدعم لبلاده، وهو ما يبدو أنه نجح في تحصيله من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بعد أن كانت الأمور تتحول قليلاً في اتجاه آخر، بعد أن أوضح الزعيم الجمهوري كيفن مكارثي (رئيس مجلس النواب الحالي) أن دعم أوكرانيا لن يظل شيكاً على بياض، وتقديم 30 ديمقراطياً من التيار اليساري مذكرة إلى الرئيس جو بايدن يطالبونه بتشجيع التواصل مع موسكو، أملاً في حل سلمي للأزمة قبل أن يتراجعوا عنها لاحقاً، كما نقلت وسائل إعلام أميركية عن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي، أنه دفع أوكرانيا للتفاوض على رغم أنه أوضح لاحقاً أن القرار يجب أن يكون من كييف وحدها.

هل الأميركيون منهكون؟

خلال الحرب التي استمرت 12 شهراً صدرت تقارير عدة عن أن المخزون الأميركي من بعض أنواع الأسلحة يوشك على النفاد، وفي روايات أخرى أن الجيش الأميركي قد لا يكون قادراً على خوض معركتين في وقت واحد إذا استمر استنزاف الأسلحة الأميركية التي ترسل لأوكرانيا على هذه الوتيرة الحالية، ومع ذلك صمتت هذه المخاوف في مرحلة تالية من الحرب.

ويشير رافائيل كوهين وجيان جينتيلي، الخبيران الاستراتيجيان في مؤسسة "راند" إلى أنه لا يوجد سبب للاعتقاد أن الأميركيين منهكون من هذه الحرب، إذ إنه باستثناء القوات الأميركية في أوروبا التي تقدم المساعدة الأمنية والإغاثة الإنسانية، فإن قليلاً من الأميركيين يشاركون بنشاط في الصراع، ولا تتكبد الولايات المتحدة خسائر في ساحة المعركة، ولا تعاني نقص الطاقة مثل أوروبا، كما أن الأميركيين لا يدفعون ضرائب أعلى بسبب الحرب لأن الكونغرس لا يحتاج إلى موازنة الميزانية الفيدرالية، ولا تخصم مساعدة أوكرانيا من الإنفاق المحلي، على الأقل في الوقت الحالي، وبالتالي، فإن الحديث عن إعياء الولايات المتحدة من أوكرانيا هو أسطورة أكثر منه حقيقة، وقد تكون له تداعيات مهمة على الحرب نفسها إذا حدث في أي وقت مستقبلاً، لأن استراتيجية روسيا تعتمد إلى حد كبير على إطالة أمد الحرب على أمل أن تفقد واشنطن وحلفاؤها في النهاية الاهتمام، وينهار الأوكرانيون، لكنها استراتيجية يعتقد مؤرخون عسكريون أنها لن تنجح قياساً بتجارب الماضي وتوقع استمرار الاتجاهات الحالية، ومن ثم قد تمر سنوات قبل أن يؤدي أي انقسام أو انخفاض في دعم الأميركيين فعلياً إلى تغيير سياسة الإدارة.

 

 

وعلى سبيل المثال، كانت الحروب في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان في نهاية المطاف انقسامية، ولا تحظى بشعبية كبيرة، ومع ذلك حاربت الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات في كوريا، وتسع سنوات تقريباً في العراق، وما يقرب من 20 عاماً في كل من فيتنام وأفغانستان، وتضمنت كل هذه الحملات تضحية أكبر بكثير بالدم الأميركي، وإنفاقاً أوسع للأموال، مما يتطلبه التزام الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا حتى الآن.

الرهان على الدبلوماسية

ويختلف الباحثون والمحللون والمسؤولون السابقون في واشنطن حول مدى إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي ينهي الحرب المدمرة في أوروبا، ففي الوقت الذي راهن فيه البعض على أن الحل الدبلوماسي هو الخيار الأفضل، بل الوحيد لأي نوع من التسوية طويلة الأمد بين روسيا وأوكرانيا، وبخاصة بعد الدفاع الناجح عن كييف، وعقب هزيمة روسيا في خاركيف وانسحابها من خيرسون، إلا أن كوهين وجينتيلي يعتبران أن الحجة القائلة إن معظم الحروب تنتهي بالدبلوماسية هي حجة مضللة. ويوضح الخبيران أن بعض الحروب مثل الحرب الأهلية الأميركية والحرب العالمية الثانية، وصلت حتى النهاية المريرة، بينما حسمت الحرب العالمية الأولى، وحرب الخليج الأولى في ساحة المعركة قبل أن يتوجه الطرفان إلى طاولة المفاوضات، ولم تنته الحرب الكورية بهدنة إلا بعد قتال مرير وصل فيه الجانبان إلى طريق مسدود، وعلى النقيض من ذلك، فإن محاولات التوصل إلى تسوية دبلوماسية، بينما لا يزال الوضع العسكري مرناً، انتهت بكارثة، مثلما حاولت الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام وفي أفغانستان.

وفي هذه اللحظة بالذات، لا يمكن للدبلوماسية إنهاء الحرب في أوكرانيا، لأن المصالح الروسية والأوكرانية متصادمة، ويريد الأوكرانيون استرداد السيطرة على مختلف الأراضي التي تخضع لسيطرة الروس، كما يرغبون في الحصول على تعويضات عن الضرر الذي أحدثته روسيا والمساءلة عما تعتبره جرائم حرب روسية، في حين أوضحت موسكو أنها لن تتخلى عن هذه الأراضي التي ضمتها، وتعد بالنسبة لها أجزاء من روسيا، ولن تقبل بالمطالب الأوكرانية وتواصل حشد آلاف القوات في محاولة لإخضاع أوكرانيا لإرادتها، ولهذا فإن هذه التناقضات لا تقدم أي طريق دبلوماسي قابل للتطبيق في الوقت الحالي.

وعلاوة على ذلك، من غير المحتمل أن تمنع الدبلوماسية تصعيداً مستقبلياً، ففي حين يتصور البعض أن سبب وجوب إعطاء الولايات المتحدة فرصة للدبلوماسية كي تعمل، هو تفادي تنفيذ روسيا لتهديداتها باستخدام الأسلحة النووية، لكن ما يجعل روسيا تهدد باستخدامها النووي يرجع إلى أن روسيا تخسر في ساحة المعركة وتفتقر إلى الخيارات الأخرى، في حين سيكون الحل الدبلوماسي تعبيراً ملطفاً للاستسلام الأوكراني، وهذا لن يغير حسابات روسيا حول ما إذا كان سيتم التصعيد، كما قد يشجعها هذا الحل على حشد قوتها واستكمال هجومها في مرحلية تالية.

ثمن السلام

لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى ثمناً قيماً للسلام الآن يستوجب بذل كل الجهود لإنهاء الحرب المستعرة في أوكرانيا، والتي من غير المرجح أن تسفر سوى عن مزيد من الضحايا والمعاناة للطرفين المتحاربين، وأن التزام الولايات المتحدة بمواصلة نهجها الحالي لمساعدة أوكرانيا على استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي من دون إثارة حرب أوسع، هو خيار غير مأمون العواقب كونه يراهن على مزيد من النجاحات الأوكرانية على صد الهجمات الروسية المتكررة، بينما لم تبذل الإدارة الأميركية سوى قليل من الجهود لترجمة ما قاله الرئيس جو بايدن بأن الولايات المتحدة ملتزمة إنهاء تفاوضي للحرب في أوكرانيا.

وينتقد صموئيل شاراب كبير العلماء السياسيين في مؤسسة "راند"، وميراندا بريبي مديرة مركز تحليل الاستراتيجية الأميركية في المؤسسة نفسها، اقتراح اتفاق السلام الذي قدمته الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة الدول "السبع"، لما احتوى عليه من شروط لاستسلام روسيا، حيث ينص على أن تستعيد كييف كل أراضيها، وتتلقى تعويضات من موسكو، وتوقع اتفاقيات أمنية مع الدول الغربية، وهو أمر من غير المحتمل أن يقبل به الكرملين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن الإفصاح عن هذا النصر الأوكراني الصريح كهدف منشود من دون بذل جهود متضافرة للتحضير لمفاوضات دبلوماسية مستقبلية، يمكن أن يؤدي إما إلى تصعيد خطر، وإما إلى إطالة أمد الصراع إلى أجل غير مسمى، بينما ينبغي على الولايات المتحدة العمل مع شركائها الأوكرانيين على تقليل أخطار هذه النتائج الخطرة والمساعدة في رسم مسار نحو إنهاء الحرب.

وعلى رغم أن اقتراح السلام مبرر أخلاقياً وقانونياً، فإنه يجب أن يكون ممكناً أيضاً، بالنظر إلى أن هناك أسباباً وجيهة للشك في أن أوكرانيا وداعميها الغربيين يمكنهم إجبار الجيش الروسي على التخلي عن كل الأراضي الأوكرانية التي يسيطر عليها حالياً، ثم إقناع موسكو بالالتزام بشروط المنتصر للسلام.

أخطار محتملة

في المقابل، قد تختار روسيا التصعيد بدلاً من الاستسلام في ساحة المعركة، فبينما تعتقد الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة الدول "السبع" أن موسكو ستقبل الخسارة الكاملة للأراضي من دون إثارة حرب أوسع أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، إلا أنه من المحتمل ألا يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخادع عندما يهدد باستخدام الأسلحة النووية، فعلى عكس الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الذي تبنى "نظرية الرجل المجنون" للترهيب النووي في مواجهته مع الفيتناميين الشماليين على بعد آلاف الأميال من الولايات المتحدة، فإن بوتين يقاتل من أجل ما يزعم أنها أراض روسية، ولذلك فإن الخطر أكبر بكثير، لأنه إذا هزمت أوكرانيا قواته التقليدية، فقد يعتمد على ترسانته الهائلة من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية لاستخدامها ضد القوات الأوكرانية أو الأهداف الحكومية، كما يمكن لبوتين أيضاً اختبار أو استخدام سلاح نووي بعيداً من ساحة المعركة لإظهار تصميمه واستعداده لاستخدام مزيد منها في المستقبل.

حتى في حال عدم وجود هجوم نووي، فإن خطر حدوث صدام مباشر بين "الناتو" وروسيا، وما يصاحب ذلك من خطر حدوث تبادل نووي استراتيجي، سيظل مرتفعاً، وربما يزداد طالما استمرت الحرب.

وإضافة إلى ذلك، قد لا تتمكن أوكرانيا من الحفاظ على وتيرتها الحالية للمكاسب العسكرية الإقليمية، ومن غير المؤكد على الإطلاق أن أوكرانيا ستكون قادرة على استعادة أراضيها المعترف بها دولياً، وقد تنتج التعبئة الروسية في النهاية قوة أكبر بكثير، وقد لا تستسلم روسيا حتى لو أجبرت على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية، حيث يفترض النهج الحالي للولايات المتحدة ومجموعة الدول "السبع" أن خسارة الأراضي ستجبر بوتين على إدراك أنه لا يستطيع تحقيق أهدافه عسكرياً، أو أنها ستؤدي إلى إضعاف الجيش الروسي إلى النقطة التي لا يمكنه معها مواصلة القتال، لكن حتى الانتصار الذي يعيد أوكرانيا بأكملها إلى سيطرة كييف لن يقضي على كل القدرات العسكرية لروسيا.

وإذا كان من المرجح أن يؤدي هذا النصر المتصور إلى تدمير القوات البرية الروسية، فإن موسكو ستحتفظ بمخزون كبير من الصواريخ والمدفعية الوفيرة والأصول الجوية والبحرية الهائلة، ولأن روسيا وأوكرانيا تشتركان في حدود برية طويلة، فإن موسكو ستكون قادرة على خوض معارك أخرى لسنوات مقبلة، إذا أعطيت الوقت الكافي لإعادة التسلح والتجمع.

وكما جادل أندريه زاغورودنيوك وزير دفاع أوكرانيا السابق، في مجلة "فورين أفيرز"، فإن كييف ربما تحتاج إلى تغيير النظام في موسكو، إضافة إلى النصر في ساحة المعركة لتجنب العيش تحت التهديد المستمر بإعادة الهجوم الروسي عليها، لكن إدارة بايدن تجنبت تبني هذا الخيار كهدف للحرب.

 

 

أضرار أخرى

وباستثناء تغيير النظام في الكرملين، فإن المسارات المحتملة للمضي قدماً في ضوء السياسات الحالية لأوكرانيا والولايات المتحدة والحلفاء هي إما تصعيد روسي، وإما صراع طويل الأمد، قد تستفيد منه واشنطن إلى الحد الذي تضعف فيه موسكو وتجبرها على تقليص طموحاتها في أماكن أخرى، لكن الحرب التي تطول سيكون لها أيضاً جوانب سلبية كبيرة على الولايات المتحدة، حيث سيستمر التهام الموارد العسكرية والمالية، وكذلك وقت وطاقة صانعي السياسة الأميركيين، مما يقلل من قدرة واشنطن على إعطاء الأولوية للمنافسة الاستراتيجية مع الصين، كما أنه من المرجح أن يؤدي الصراع الطويل إلى استمرار تجميد العلاقات الأميركية - الروسية، مما قد يعرض التعاون بين واشنطن وموسكو للخطر في شأن القضايا ذات الأهمية العالمية، مثل الحد من التسلح.

وفوق ذلك، فإن استمرار الحرب لفترة طويلة من شأنها أن تعطل الاقتصاد العالمي، وسيكون أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين وحلفائها في أوروبا الأكثر تضرراً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وسيكون البلد الأكثر معاناة من حيث الخسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية والدمار الاقتصادي هو أوكرانيا.

الخيارات المطروحة

وفي حين يعتقد الروس والأوكرانيون أنه سيكون بوسعهم تحسين موقفهم التفاوضي من خلال تحقيق نصر عسكري مهم، فإن الوقت لم يحن بعد لهذا النوع من التفاوض، لكن قد يأتي مثل هذا الوقت عندما ينشأ الجمود أو تبدأ حرب استنزاف مطولة، وبعد ذلك سيتعين التعامل مع الأزمة بشكل مختلف، وسيكون التركيز على كيفية إدارة شبه جزيرة القرم، وربما أجزاء من دونباس، إذا ظلت هذه الأراضي في أيدي روسيا، أو لم يكن أي من الجانبين قادراً على السيطرة عليها بشكل كامل.

ومع مثل هذا الاحتمال، يعتقد ديريك موسي أستاذ العلاقات الدولية في "سيتي كوليدج" بنيويورك، وجيسي بارتون أستاذة الشؤون الدولية في جامعة "نورث كارولينا"، أنه يمكن لأوكرانيا والدبلوماسيين من جميع الأطراف التفكير في خيار تم اختباره في الماضي، والاستفادة من دروسه، وهو تدويل المناطق المتنازع عليها بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وإقليم دونباس، كخيار دبلوماسي قابل للتطبيق، يحول دون التصعيد، وحل موقت لسلام غير سعيد للطرفين يضع هذه المناطق تحت إدارة التي تقودها الأمم المتحدة مع مساعدة المنظمات الأخرى لحين إجراء استفتاء أو تحكيم يتم إجراؤه بعناية، أو وضع المناطق تحت ما يسمى الإدارة الإقليمية الدولية.

وكما حدث في اتفاقيات سلام سابقة، كخيار لإدارة مطالبات السيادة المتضاربة مثل أراضي يوغوسلافيا السابقة، فإن تصنيف المنطقة المتنازع عليها كمنطقة إدارات إقليمية دولية، يعني أنها تتمتع بالحكم الذاتي داخل أوكرانيا أو باعتبارها منطقة دولية قائمة بذاتها منزوعة السلاح ولا تخضع لسيطرة روسيا ولا أوكرانيا، مما يسمح لكلا البلدين بالالتزام بشكل موثوق بتسوية سياسية.

دروس التاريخ

ويقدم تاريخ الإدارات الإقليمية الدولية دروساً مختلفة حول صنع السلام، وتعود جذورها التاريخية إلى الوحدات المشتركة للقوى العظمى التي تحكم الأراضي المتنازع عليها بهدف وقف الحروب أو الحفاظ على السلام مثل مدينة كراكوف الحرة التي حكمتها سلطة إشرافية نمسوية وبروسية وروسية بعد عام 1815، كما حكمت إدارات متعددة الجنسية شنغهاي وكريت وطنجة. غير أن أولى الإدارات الإقليمية الدولية رسمياً، تمثلت في إدارة عصبة الأمم للأراضي المتنازع عليها بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كان الغرض من الإدارات الإقليمية الدولية انتقالياً، وهو الحكم حتى يمكن تحديد الإرادة الشعبية أو يمكن حل الخلاف الدبلوماسي، لكن الأمم المتحدة لم تخطط للإدارات الإقليمية الدولية عندما تأسست عام 1945، وبدلاً من ذلك، تصورت نظام وصاية دولياً للإشراف على إدارة الأراضي حتى تصبح مستقلة. ومع ذلك، يمكن للأمم المتحدة أن تنشئ إدارات إقليمية دولية بموجب المادة 24 من ميثاقها، والتي تمنح المسؤولية الأساسية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

وفي وقت لاحق، جمعت الأمم المتحدة أشكالاً أخرى من الإدارات الإقليمية الدولية في ترتيبات انتقالية، أدارت من خلالها الأراضي المتنازع عليها استعداداً للاستفتاءات العامة، كما حدث في غرب غينيا الجديدة في 1962-1963 ولاحقاً في كمبوديا وتيمور الشرقية وكرواتيا وكوسوفو، وحالات ما بعد يوغوسلافيا الأخرى.

القرم ودونباس

وقد تبدو الإدارات الإقليمية الدولية لشبه جزيرة القرم ودونباس حلاً غير قابل للتطبيق بالنسبة إلى البعض، لكن التعامل مع مسألة السيادة كعملية انتقالية لحفظ السلام حتى إجراء استفتاء عام أو إجراء تحكيم أو إقامة منطقة حكم ذاتي داخل أوكرانيا، أو دولة القرم الحرة المدارة دولياً بشخصية قانونية دولية جديدة ومستقلة عن روسيا وأوكرانيا، سيكون أفضل من شن حرب مفتوحة إلى أجل غير مسمى.

ويمكن البدء في المفاوضات حول هذا الاتفاق حينما يعتقد الجانبان أنه تم الوصول إلى طريق مسدود، وعلى رغم أنه ليس من غير المعروف حالياً ما هي الظروف التي ستؤدي إلى طريق مسدود في ساحة المعركة، فإن إرهاق كلا الجانبين وأنصارهما، خلال العام الحالي 2023، ليس من الصعب تخيله، وإذا كانت روسيا لن تقبل أبداً بتدويل دونباس وشبه جزيرة القرم، إلا بعد خسارة الحرب تماماً، فإن ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، لم يكن أمامها خيار سوى قبول إدارات عصبة الأمم في بعض المناطق لأنها خسرت الحرب.

ومع ذلك، يمكن رسم أوجه التشابه مع الوضع في يوغوسلافيا، حيث تبين بعد حرب طاحنة أن الدبلوماسية أقل كلفة بالنسبة إلى الأنظمة المختلفة، أما بالنسبة لأوكرانيا، فلن يتحقق التدويل إلا إذا كانت غير قادرة على استعادة كل أراضيها عسكرياً، أو إذا ثبت أن الخسائر البشرية والاقتصادية أكبر من أن يتحملها الأوكرانيون.

وفي كل الأحوال سيكون الحل في أيدي أنصار الطرفين، ويجب جعل روسيا تدرك أن حلفاء أوكرانيا سيسلحونها ويدعمونها حتى تسود، وإقناع أوكرانيا أنها لن تفوز على روسيا، ومن خلال دبلوماسية العصا والجزرة يمكن تحقيق الهدف، لأن الطرف الروسي قد يلجأ إلى الأسلحة النووية في حال ضعفه، ومثلما تبدو محادثات السلام المبكرة ساذجة، كذلك الحديث عن الهزيمة الكاملة لدولة نووية قوية أمر ليس بالسهل.

المزيد من تحلیل