Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فجرت أميركا "نورد ستريم"؟

صحافي التحقيقات سيمور هيرش يخطف الضوء مجدداً برواية جديدة لهجوم الأنابيب وإدارة بايدن تصفها بـ"الخيالية"

 اشتهر الصحافي سيمور هيرش بكشفه لأول مرة فضائع حرب فيتنام وسجن أبو غريب وأصبحت إدارة بايدن آخر ضحايا تحقيقاته (أ.ب) 

في سبتمبر (أيلول) 2022، استيقظ العالم على تفجيرات أنابيب "#نورد_ستريم" الواقعة في أعماق #بحر_البلطيق، ومنذ أشهر ولا تزال كلمتا "الغموض"، و"اللغز" ترافقان الحدث الذي أخرج سيد الكرملين فلاديمير #بوتين ليتهم أميركا وحلفاءها بالضلوع وراء الهجوم، في حين قالت أوكرانيا، إن موسكو خربت خطوطها عمداً للتصعيد.

وفي حين رفضت واشنطن تلك التهم، اكتفت الصحف الأميركية وفي مقدمها "نيويورك تايمز" بوصف الحدث بـ"الغامض" واعتبرته لغزاً محيراً، فكيف تخرب روسيا خطوطها التي تدر لها الأموال منذ أكثر من عقد؟ ولم تقدم موسكو على خطوة كهذه، في أحلك الظروف، بينما يكشر حلف "الناتو" عن مخالبه في وجهها، متباهياً بوحدة غير مسبوقة؟

الصحافي الأميركي الشهير سيمون هيرش الذي كان له قصب السبق في الكشف عن جرائم سجن أبو غريب عام 2004، لم تغب عنه تلك الأسئلة فحسب، بل أشار إلى صمت الصحف الأميركية الكبرى، وعدم نبشها في موضوع مغر كتفجيرات أنابيب "نورد ستريم" التي صارت حطاماً بعد أشهر من تهديد الرئيس الأميركي جو بايدن بأن بلاده "ستضع حداً" لخط أنابيب الغاز إذا غزت موسكو أوكرانيا.

وفي مدونة من خمسة آلاف كلمة، اتهم هيرش (85 عاماً) الولايات المتحدة بتنفيذ عملية سرية لتخريب خطوط "نورد ستريم" الثلاثة، مجدداً صورته كأحد أبرز الصحافيين الذين سببوا المتاعب للساسة الأميركيين من ريتشارد نيكسون وصولاً إلى دونالد ترمب.

وبدأ هيرش تحقيقه الذي استند إلى مصدر لم يسمه بشرح وظيفة أحد مراكز التدريب العسكرية الواقعة في مدينة بنما السياحية في ولاية فلوريدا التي تزخر بمناطق بحرية مناسبة لتدريب الغواصين في المياه العميقة، وتأهيلهم لتطهير الموانئ والشواطئ من المتفجرات والحطام والذخائر غير المنفجرة. ومهامهم وفق تعبير الكاتب لا تقتصر على فعل الخير، فهم أيضاً قادرون على تفجير منصات النفط الأجنبية، وإتلاف صمامات التحكم في محطات الطاقة تحت سطح البحر وتدمير الإقفال على قنوات الشحن الحيوية.

وذكر أن الحكومة الأميركية بحثت خيارات لتفجير أنابيب الغاز للتضييق على روسيا، وتوصلت بحسب مصدره إلى أن الخيار الأمثل هو تنفيذ عملية سرية، لأن أي هجوم مباشر سيعتبر "إعلان حرب". ولذلك، قررت إدارة بايدن الاستعانة بغواصيها المدربين في فلوريدا وأرسلتهم في عملية استخباراتية تحت غطاء تدريبات حلف "الناتو" التي روج لها على نطاق واسع في منتصف الصيف الماضي والمعروفة باسم "BALTOPS 22". وبحسب هيرش، زرع الغواصون المتفجرات التي فجرت بعد ثلاثة أشهر عن بعد، ودمرت ثلاثة من أربعة خطوط تابعة لـ"نورد ستريم".

إدارة بايدن من جانبها رفضت هذه الرواية. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، إن ما ورد بتدوينة هيرش ليس إلا "محض خيال"، وكرر متحدثون باسم وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية النفي ذاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هيرش تحت الضوء

لم تتجاهل "رويترز" تغطية تدوينة هيرش بعد أن أثارت ردود فعل واسعة، ووصلت إلى الكرملين نفسه الذي أشاد بها، داعياً إلى تحقيق دولي في التفجيرات.

وفيما فشلت "رويترز" في التحقق من موثوقية رواية هيرش بشكل مستقل، كتبت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية عنها. وأشارت إلى خبرة الصحافي الذي وصف يوماً بـ"أعظم صحافي استقصائي أميركي"، لكنها لفتت أيضاً إلى أن بعض كتاباته الأخيرة أثارت الجدل، وتحديداً تقريره الذي شكك في رواية إدارة باراك أوباما لعملية قتل أسامة بن لادن، واتهامه المعارضة السورية بشن هجوم غاز الأعصاب في الغوطة شرق دمشق عام 2013.

وفي حين ينتقد هيرش في الآونة الأخيرة على قلة مصادره واعتماده على مصادر مجهولة، فإنه يتكئ على عقود من الخبرة والتجربة الصحافية، استطاع خلالها الانفراد بعدد من الأخبار الحصرية مثل مجزرة ماي لاي خلال حرب فيتنام، عندما قام جنود أميركيون من الفرقة 11 مشاة بقتل 500 من النساء والأطفال والشيوخ، وحصل بسبب تحقيقه آنذاك على جائزة "بوليتزر" عام 1970، كما غطى لصحيفة "نيويورك تايمز" فضيحة "ووترغيت". وكشف عن القصف السري لكمبوديا.

تسعة أشهر من التخطيط

وعودة لتحقيقه الأخير، كتب هيرش أن تفجير خطوط "نورد ستريم" توج جهود تسعة أشهر من التخطيط الذي بدأ في أواخر 2021 داخل دوائر الأمن القومي الأميركي، حيث عقدت نقاشات طويلة حول كيفية تنفيذ العملية من دون ترك دليل واضح يربط الولايات المتحدة بها، مشيراً إلى أن الهجوم نفذته الـ"سي آي أي" بالتعاون مع النرويج.

وأشار التقرير إلى أن لجوء إدارة بايدن إلى  الغواصين يعود إلى أنهم يتبعون القوات البحرية، وليسوا أعضاء في قيادة العمليات الخاصة الملزمة إبلاغ الكونغرس بعملياتها السرية قبل تنفيذها، مؤكداً أن السرية كانت ضرورية، لاستمرار موقف واشنطن الداعي لعدم التصعيد وتقليل فرص الصراع المباشر مع موسكو.

وذكر أن الرئيس بايدن وفريقه للسياسة الخارجية، المكون من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية توني بلينكن وفيكتوريا نولاند وكيلة وزارة الخارجية للسياسات، كانوا صريحين ومتسقين في عدائهم لخطي الأنابيب في بحر البلطيق.

تهديد استراتيجي

أهمية استهدف الأنابيب لأميركا بحسب الصحافي تمثلت في كونها مصدر دخل مهم للكرملين، فاثنين من خطوط الأنابيب المعروفين باسم "نورد ستريم 1"، كانا لأكثر من عقد يزودان ألمانيا وجزءاً كبيراً من أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي الروسي الرخيص، في حين كانت روسيا تنوي تشغيل الخط الثالث الذي من شأنه زيادة اعتماد حلفاء أميركا الغربيين على موسكو، إلا أن التفجيرات الغامضة في سبتمبر (أيلول) الماضي قلمت أظافر روسيا في بحر البلطيق.

وأفاد بأن واشنطن وحلفاءها في "الناتو" اعتبرا خط "نورد ستريم 1" تهديداً للهيمنة الغربية، الذي تقف وراءه شركة "نورد ستريم أي جي" التي تأسست في سويسرا عام 2005 بالشراكة مع شركة "غازبروم"، وهي شركة روسية مطروحة في السوق العام يهيمن عليها الأوليغارشيون المعروفون أنهم تحت سيطرة بوتين.

وتسيطر "غازبروم" على 51 في المئة من شركة "نورد ستريم"، مع أربع شركات أوروبية للطاقة واحدة في فرنسا وأخرى في هولندا واثنتان في ألمانيا. وتتقاسم "غازبروم" أرباحها مع الحكومة الروسية. ومثلت عائدات الغاز والنفط الحكومية في بعض السنوات نحو 45 في المئة من الميزانية السنوية لروسيا.

ولذلك يقول هيرش "كانت المخاوف السياسية الأميركية حقيقية، وهي أن بوتين سيكون لديه مصدر دخل رئيس إضافي، وستصبح ألمانيا وأوروبا الغربية مدمنة على الغاز الطبيعي منخفض الكلفة الذي توفره موسكو مع تقلص الاعتماد الأوروبي على أميركا". وأضاف "هذا ما حدث، إذ رأى عديد من الألمان "نورد ستريم1" كجزء من نظرية أوستبوليتيك للمستشار السابق ويلي برانت، التي من شأنها أن تمكن ألمانيا ما بعد الحرب من إعادة تأهيل نفسها والدول الأوروبية الأخرى التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى مبادرات أخرى، تستغل الغاز الروسي الرخيص لتعزيز ازدهار أوروبا الغربية واقتصادها".

وبينما كان "نورد ستريم1" يشكل خطراً قائماً لسياسات واشنطن، فإن الأخيرة خشيت أيضاً أن "نورد ستريم2"، الذي اكتمل بناؤه في سبتمبر (أيلول) 2021، سيضاعف كمية الغاز الرخيص التي ستكون متاحة لألمانيا وأوروبا الغربية، وسيوفر ما يكفي من الغاز لسد 50 في المئة من احتياج ألمانيا.

وقال هيرش، إن وزير الخارجية الأميركي بلينكن لدى سؤاله "هل سيقف بايدن في وجه الألمان"، قال، نعم، لكنه أضاف أنه لم يناقش بالتفصيل مواقف الرئيس. أضاف "أعرف اقتناعه القوي بأن نورد ستريم 2 فكرة سيئة.. أعلم أنه سيطلب منا استخدام كل أداة لإقناع أصدقائنا وشركائنا، بما يشمل ألمانيا لوقفها".

قلق أميركي

لكن بعد بضعة أشهر، ومع اقتراب بناء خط الأنابيب الثاني من الاكتمال، تخلت الإدارة الأميركية عن العقوبات ضد شركة "نورد ستريم أي جي"، واعترف مسؤول في وزارة الخارجية بأن محاولة وقف خط الأنابيب من خلال العقوبات والدبلوماسية "كانت دائماً بعيدة المنال". وخلف الكواليس، ورد أن مسؤولي الإدارة حثوا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي كان يواجه تهديد "الغزو الروسي"، على عدم انتقاد هذه الخطوة.

بغضون ذلك، كانت القوات الروسية تتراكم بثبات وبشكل ينذر بالسوء على حدود أوكرانيا، وبحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول)، كان أكثر من 100 ألف جندي في وضع يسمح لهم بالضرب من بيلاروس وشبه جزيرة القرم، وكان الإنذار يتزايد في واشنطن، تزامناً مع تقييم وزير الخارجية الأميركي بأن أعداد القوات الروسية يمكن أن تتضاعف في وقت قصير.

وبحسب هيرش، أعادت تلك التحركات خطوط "نورد ستريم" إلى طاولة الإدارة الأميركية مرة أخرى التي خشيت من أن الاعتماد على خطوط الأنابيب للحصول على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا، قد يدفع دولاً مثل ألمانيا إلى الحياد والنأي عن تزويد أوكرانيا بالمال والأسلحة التي تحتاج إليها لهزيمة روسيا. وفي ضوء هذا التهديد، أعطى بايدن لمستشاره للأمن القومي جيك سوليفان الضوء الأخضر للتوصل إلى خطة لاستهداف خطوط الأنابيب.

وفي ديسمبر من عام 2021، قبل شهرين من اشتعال الحرب في أوكرانيا، عقد سوليفان اجتماعاً لفريق عمل مكون من مسؤولين في هيئة الأركان المشتركة والاستخبارات ووزارتي الخارجية والخزانة، لمناقشة الرد على بوتين. وهذا الاجتماع هو الأول من سلسلة اجتماعات سرية، علم فيها المشاركون بحسب مصدر هيرش الذي وصفه بصاحب "معرفة مباشرة بالعملية" أن سوليفان كان يريد أن تتوصل المجموعة إلى خطة لتدمير خطي أنابيب "نورد ستريم"، وفقاً لرغبات الرئيس بايدن.

وبعد بحث الخيارات الممكنة، أبلغت وكالة الاستخبارات فريق سوليفان المشترك بأنها تملك طريقة لتفجير الأنابيب. وأضاف هيرش قائلاً إن "ما حدث بعد ذلك كان مذهلاً، ففي السابع من فبراير (شباط) 2022، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الغزو الروسي الذي بدا حتمياً، التقى بايدن في مكتبه بالبيت الأبيض المستشار الألماني أولاف شولتز... وتحدث في المؤتمر الصحافي الذي أعقب اللقاء، قائلاً، "إذا غزت روسيا... لن يكون هناك نورد ستريم 2. وسنضع حداً له".

وقبل 20 يوماً من ذلك التصريح، شاركت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية نولاند الرسالة نفسها في إحاطة إعلامية، قائلة "إذا غزت روسيا أوكرانيا، فلن تتحرك نورد ستريم 2 بطريقة أو بأخرى".

وقال هيرش إن في أعقاب تفجير خط الأنابيب مباشرة، تعاملت وسائل الإعلام الأميركية مع الأمر وكأنه لغز لم يتم حله، وذكرت روسيا مراراً أنها الجاني المحتمل مدفوعة بتسريبات محسوبة من البيت الأبيض، ولكن من دون تحديد دافع واضح لمثل هذا العمل التخريبي الذاتي. وأضاف "بعد بضعة أشهر، عندما تبين أن السلطات الروسية كانت تبحث بهدوء تقديرات كلفة إصلاح خطوط الأنابيب"، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" تلك الأخبار بأنها "تعقد النظريات حول من يقف وراء الهجوم"، مشيراً إلى أنه لم تتعمق أي صحيفة أميركية كبرى في التهديدات السابقة لخطوط الأنابيب التي أطلقها بايدن ووكيلة وزارة الخارجية.

الموقف الروسي

ونشر التحقيق الأخير بعد تصريحات ​​وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي التي اتهم فيها واشنطن بالهجوم على "نورد ستريم" في محاولة لضمان هيمنتها العالمية. وسبق أن اتهمت موسكو البحرية الملكية البريطانية بتفجير خطوط الأنابيب، لكنها لم تقدم أي أدلة.

وكشفت "ذا تايمز" البريطانية، الأسبوع الماضي، أن المحققين الألمان ظلوا منفتحين على النظريات القائلة إن دولة غربية نفذت التفجير بهدف إلقاء اللوم على روسيا، في حين تواصل الدنمارك والسويد تحقيقاتهما المستقلة.

واشتبه بعض المسؤولين الغربيين في البداية في ضلوع الكرملين رغم أنهم أحجموا عن توجيه اتهامات رسمية لموسكو. ومع ذلك، قال 23 مسؤولاً دبلوماسياً واستخباراتياً في تسع دول غربية مختلفة لصحيفة "واشنطن بوست" إنهم لم يروا بعد دليلاً يربط روسيا بالهجوم. وقال البعض إنهم لا يعتقدون أن روسيا هي المسؤولة.

من جانبه، ذكر المتحدث باسم الرئيس بوتين أن المزاعم بأن روسيا ستعطل خطوط الأنابيب الخاصة بها "غبية وعبثية".

المزيد من تحقيقات ومطولات