وقع لبنان اتفاقاً في الـ 21 من يونيو (حزيران) الماضي مع مصر لاستيراد 720 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المصري سنوياً عبر الأراضي الأردنية، تقتطع منه سوريا ثمانية في المئة لأن الغاز سيمر من أراضيها عبر شبكة أنابيب قديمة أعيدت صيانتها من جديد، وتنتج الكمية الواصلة إلى لبنان 400 ميغاواط من الكهرباء.
كما سبق أن وقع لبنان اتفاقاً آخر مع الأردن في ديسمبر (كانون الأول) 2022، لاستجرار ما يصل إلى 250 ميغاواط من الطاقة عبر الشبكة الكهربائية السورية بكلفة 200 مليون دولار من أجل زيادة ساعات التغذية بالتيار عبر إضافة ما يصل إلى 700 ميغاواط إلى شبكة لبنان من الاتفاقين.
أفق الظلام
لكن تلك الاتفاقات لم تترجم عملياً حتى الآن بسبب عراقيل عدة، أبرزها ما يتعلق بشروط صندوق النقد الدولي التي لم ينجزها لبنان و"قانون قيصر" الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على النظام في سوريا.
وفي هذا السياق يؤكد مصدر في وزارة الطاقة اللبنانية سبق أن التقى رئيس وفد الصندوق أرنستو راميرز خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان أن صندوق النقد كان مستعداً لتمويل المشروعين وقد أنجز كل التحضيرات الإدارية والمالية لذلك، لكنهم "كانوا واضحين في شأن استحالة انطلاق الدعم قبل القيام بالإصلاحات المطلوبة، وهي رفع سعر التعرفة وتخفيف الهدر الفني وإزالة التعديات على الشبكة الكهربائية وتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء".
ولفت إلى أن التوقيع على الاتفاق التمويلي النهائي كان متوقعاً بداية الصيف الماضي، لافتاً إلى أن مسؤولين في الصندوق عبروا له عن صدمتهم من عدم قيام السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يلزم من الإصلاحات، علماً بأن هذه الإصلاحات تُعتبر في رأيهم من البديهيات ومن دونها فلا إمكان لنهضة هذا القطاع.
وكشف المصدر أن من أكثر الأمور التي كانت صادمة بالنسبة إلى وفد صندوق النقد هو عجز الدولة اللبنانية عن إزالة التعديات عن الشبكة الكهربائية ووضع آلية متطورة وشفافة للجباية، مشيراً إلى أن وزير الطاقة وزير فياض صرح في أحد اللقاءات مع الصندوق، بأن وزارته لا تستطيع تنفيذ هكذا إجراء لأن الأمر يتطلب توافقاً سياسياً في البلاد، مؤكداً أن فياض صارح الوفد بأنه لا يستطيع اتخاذ قرار قطع التغذية عن مناطق لا تسدد الفواتير.
عقدة قيصر
وفي محاولة لإحياء الاتفاقات الموقعة بين لبنان والأردن ومصر، وإمكان تذليل العقبات التي تواجه تمويل المشروعين من خلال قرض من البنك الدولي، زار السفير الفرنسي المكلف تنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان البلاد، لكنه اشتكى من البطء الشديد في تنفيذ الإصلاحات، محملاً مسؤولية التأخر في تنفيذ الاتفاقات للسلطات اللبنانية، ومشدداً على أنه سيزور الولايات المتحدة الأميركية خلال أسبوعين للبحث مع المسؤولين الأميركيين عن سبل تحييد ملف الكهرباء عن "قانون قيصر" بما يتيح مساعدة لبنان في حل أزمة الطاقة.
وحول دعم الصندوق الدولي للبنان يقول دوكان إن "مبلغ 3 مليارات دولار من الصندوق مبلغ صغير، وستضاف مبالغ بنحو 6 إلى 7 مليارات على الأقل خلال مدة تنفيذ البرنامج في حال سارت الإصلاحات المطلوبة".
وأشار دوكان إلى أن زيارته جاءت بناء على طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإجراء تقييم حقيقي حول الكهرباء، لافتاً إلى أن نتيجة استماعه للآراء تبين أن كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، والأطراف هي لبنان والأردن ومصر والولايات المتحدة والبنك الدولي، ومع ذلك أكد أنه وجد لدى مصر والأردن استعداداً تقنياً كاملاً وفق الشروط التعاقدية التجارية التي وقعت، لكن هناك أسئلة حول "قانون قيصر" وماهية الاستثناءات، فضلاً عن القرض الذي سيخصص لذلك من البنك الدولي، موضحاً أن "مصر والأردن يريدان وضوحاً تاماً بحيث لا يقعان تحت طائلة العقوبات، وتستطيع فرنسا القيام بهذا الدور لإيجاد حل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف عن أنه "في مصر والأردن ولبنان دخلت مناقشاته في التفاصيل، لا سيما حول القرض ومدته وكيفية تمويل الاستجرار بشكل مباشر، إضافة إلى مسألة الشفافية المطلوبة والمرتبطة بالتدقيق في حسابات شركة كهرباء لبنان"، لافتاً إلى أن "هذا التدقيق يجب أن يبدأ فهو غير مكلف، ويفترض أنه سهل ويمكن إنجازه خلال أشهر قليلة"، ومشدداً على ضرورة إتمام باقي الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي في قطاع الكهرباء لتسهيل مهمته.
عجز مالي
ووفق إحصاءات وزارة المال فقد بلغت التحويلات من مصرف لبنان لتغطية عجز الكهرباء في الفترة ما بين الأعوام 2010 وحتى مارس (آذار) 2021 نحو 17 مليار دولار، علماً بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أشار إلى أن المصرف أنفق 24 مليار دولار على مؤسسة كهرباء لبنان منذ عام 2010 من دون احتساب آخر أربعة سلف، وكذلك إيرادات المؤسسة.
وعليه فإن العجز في مؤسسة كهرباء لبنان سيبلغ 40 مليار دولار، بحسب المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، فعناصر عدة أسهمت في هذا العجز ومن بينها سُلف الخزانة والمساهمات وكلفة مشاريع الكهرباء والاستملاك وكلفة الاستشاريين والمستشارين وكلفة دعاوى التحكيم.
وبعكس التفاؤل النسبي لدوكان أعلن نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بوصعب أن البنك الدولي أبلغه تجميد قرض تمويل استقدام الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان، وأنه حالياً ليس مدرجاً على جدول أعماله، وأشار إلى أن البنك الدولي عزا الأمر إلى عدم إنجاز لبنان كل الإصلاحات المطلوبة للكهرباء من دون أن يربطوا ذلك بعقوبات "قانون قيصر".
وقال "سنضع هذا الموضوع بيد الحكومة وتحديداً رئيسها نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض"، داعياً إلى مصارحة اللبنانيين بهذا الواقع المستجد.
ورداً على كلام بوصعب نفى مصدر في وزارة الطاقة وجود قرار بتجميد القرض، موضحاً أنه مشروط بالإصلاحات، وحالياً فإن الحكومة والبرلمان "مجمدان" بسبب الشغور الرئاسي، منتقداً محاولات بعض النواب الالتفاف على وزارة الطاقة والتواصل مع البنك الدولي، علماً بأن دورهم تشريع القوانين الإصلاحية.
ضغوط سياسية
وفي السياق يرفض المحلل السياسي المقرب من "حزب الله" فادي أبو ديا الأعذار المقدمة من صندوق النقد الدولي بأن تأخر لبنان بإقرار الإصلاحات هو السبب في تجميد قرض التمويل، معتبراً أن "هناك قراراً أميركياً بحصار لبنان وإخضاع الشعب اللبناني من أجل كسر المقاومة" على حد قوله.
ورأى أن "البنك الدولي وصندوق النقد يأتمران بالقرارات الأميركية، وأن الأمور التقنية والمطالب الإجرائية ليست سوى لإخفاء القرار الحقيقي الذي تقوده أميركا"، مؤكداً أن "قانون قيصر الذي قالت الإدارة الأميركية حين إقراره إنه لمعاقبة النظام السوري، كان هدفه الحقيقي محاصرة الشعبين اللبناني والسوري".
وتوقع أن تتشدد الإدارة الأميركية تجاه مصر والأردن لعرقلة تنفيذ اتفاقات استجرار الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر سوريا بهدف الحصول على تنازلات إقليمية من "حزب الله"، مؤكداً أن الكونغرس الأميركي يناقش ما يسمى "قيصر-2"، وهو تعديل على "قانون قيصر"، بإضافة تعريف لما سمي مصطلح "الصفقة الكبرى" والمتعلقة بالطاقة، أي الغاز والنفط والكهرباء، إذ يتم تحديد التعاملات التي توفر الدعم المادي أو غير ذلك والتي قد تستفيد منها الحكومة السورية، ورصد الأرقام التي تحدد قيمة الصفقة بدلاً من تركها مبهمة.