Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصرافون غير الشرعيين في لبنان يؤمنون "الخدمة إلى المنازل"

تطبيقات إلكترونية ومراكز على قارعة الطريق وبعد كل ارتفاع تستفيق الدولة ثم تنام

كثر من الأشخاص هجروا مهنهم الأصلية وتحولوا صرافين غير شرعيين بغية الربح السريع (رويترز)

أصدر المدعي العام التمييزي غسان عويدات في الأسبوع الماضي قراراً بملاحقة الصرافين غير الشرعيين والمضاربين على العملة الوطنية، كإجراء قانوني للحد من تقلب أسعار الدولار، خصوصاً بعد تخطيه سقف الـ 60000 ليرة لبنانية، ففي ظل الفوضى والفلتان في سوق الدولار، ألقي اللوم على الصرافين غير الشرعيين والتطبيقات المسؤولة عن التلاعب بسعر الصرف وارتفاع أسعار الدولار من دون قيود، كما أُعلنت أسماء يمكن أن تكون مسؤولة بشكل أو بآخر، ولم تستطع الدولة ضبط الأمور أو التوصل إلى حل، فهل تنجح في هذه المحاولة الجديدة للجم ارتفاع سعر الدولار؟

إجراء لم يلب التوقعات

تحت وطأة المعاناة المتتالية يظهر إلى الواجهة ما يعرف بـ "تجار الأزمات" الذين يستفيدون من حال الفوضى الحاصلة ومن عجز الدولة عن القيام بواجباتها، فهم يتوزعون في مختلف المناطق اللبنانية لتلبية حاجات المواطنين والشركات في صرف العملة مع تنسيق متواصل بينهم من خلال مجموعات عبر "واتساب"، وكثر منهم ينتشرون على الطرقات حاملين معهم رزماً من الأوراق النقدية بكل جرأة ومن دون خوف من عقاب. "حبيب" ممن اتجهوا إلى هذا المجال، بعد أن كان يعمل كمدرب رياضي قبيل الأزمة، لكن مع الانهيار في قيمة العملة اللبنانية خسر أجره الذي يتقاضاه بالليرة اللبنانية النسبة الكبرى من قيمته، فقرر الانتقال إلى مجال يمكن أن يحقق له مزيداً من الأرباح بأقل جهد ممكن، وبالفعل، هو يوقف سيارته يومياً في نقطة معينة في منطقة جبيل (شمال بيروت)، حيث يقصده المواطنون ويقفون في الطابور بهدف تحويل العملة من ساعات الصباح الأولى، وحتى ساعة متأخرة من بعد الظهر، ما من حاجة للتواصل معه عبر الهاتف لأن هذا الموقع تحول نقطة خاصة به، هو يحقق ربحاً يومياً بمعدل 400 دولار كحد أدنى، وبالطبع قد تكون أرباح "حبيب" محدودة في مقابل غيره الذين تصل أرباحهم إلى آلاف الدولارات يومياً، هذا ما حصل مع "رامي" في منطقة جونية (شمال بيروت)، الذي حقق ثروات طائلة. كان يملك متجراً صغيراً وها هو اليوم يشتري عقارات وأراضي وينوي البدء بأعمال البناء فيها، أما أحمد (اسم مستعار) بغية المنافسة مع أقرانه، يؤمن لك خدمة مجانية إلى المنزل أو المكتب، وهو يتحدى بان أسعاره تنافسية بامتياز. 

 

هدوء موقت في أعمال الصيرفة

لا يعول الخبراء على هذا الإجراء المتخذ بملاحقة الصرافين غير الشرعيين للجم ارتفاع سعر الصرف، ولا يتوقعون أن يحقق النتيجة المرجوة، لكن يبدو واضحاً أن هذه الخطوة أدت إلى انكفاء هؤلاء الشباب وتهدئتهم في الأيام الأخيرة خشية أن تطالهم الملاحقة القانونية في ظل تحركات القوى الأمنية لتتبعهم، وتبدو مخاوفهم هذه واضحة حالياً بما أن المحاولات للتواصل مع عديد منهم باءت بالفشل في الأيام السابقة، وفضلوا موقتاً الاكتفاء بالتعامل مع زبائنهم الموثوقين بشكل سري وعدم إعطاء أرقام هواتفهم لأي شخص جديد، واللافت أن الصرافين الشرعيين يفضلون عدم التحدث بهذا الشأن في الفترة الحالية واختاروا التزام الصمت.

وفي جولة على صرافي منطقة الدورة، كان الصراف "ريمون" من القلائل الذين وافقوا على التحدث بالموضوع مشيراً إلى أنه من المفترض أن يخضع الصراف الحائز ترخيصاً بمزاولة المهنة لدورة في مصرف لبنان وأن يحصل على شهادة وأن يضع رأسمال في مصرف لبنان قدره 500 ألف دولار أميركي، أما وجود الصرافين غير الشرعيين فكان له "أثر كبير في الانهيار الحاصل في قيمة العملة، خصوصاً أن المضاربين يملكون مبالغ طائلة وهم يتحكمون بالسوق"، أما الإجراءات التي تتخذها الدولة بملاحقتهم فيأمل بأن تكون لها نتيجة إيجابية وتسهم في تحسين الأوضاع، لكن ذلك يتطلب، على حد قوله، أن تكون هذه الإجراءات صارمة.

 وفي حال الرغبة بالقضاء على هؤلاء المضاربين، "من الممكن إنهاؤهم خلال يومين"، لكن تبقى التطبيقات الإلكترونية لتي لها الأثر الأكبر "وتحركها جهات من داخل البلاد وخارجها".

من جهته، فضل نقيب الصرافين طوني مارون الامتناع عن الكلام بهذا الشأن في المرحلة الحالية معتبراً أن الملاحقة القانونية للصرافين غير الشرعيين لا تعني النقابة ولا المنتسبين إليها، لذلك فضل عدم التعليق على هذا الموضوع وعدم التطرق إليه لحساسيته.

بين بيع الشيكات وتحويل العملة

بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، تعود مهنة الصيرفة بأرباح هائلة سواء للصرافين الشرعيين أو لغير الشرعيين، وفي الواقع، لا تقتصر المشكلة هنا على أعمال الصيرفة وتحويل العملة، بل أيضاً على بيع الشيكات التي راجت خلال الأزمة، وانطلاقاً من هذا الواقع، أصبح ضبط السوق السوداء في غاية الصعوبة في المرحلة الحالية لارتفاع أعدادهم بشكل يفوق التوقعات، ففي مقابل 300 صراف مرخص تقريباً، هناك أعداد هائلة وهم يعملون في شبكات في كل منها أكثر من عشرة.

 "في مختلف الأزمات، هناك أشخاص يعملون في مهن يمكن أن يجنوا منها أرباحاً ولو كانت تتطلب تراخيص لا يملكونها، هذا خير دليل على أن الدولة عاجزة عن ضبط السوق وتطبيق القوانين، إضافة إلى فشلها في تأمين حياة إجتماعية كريمة، فيلجأ المواطن إلى أي وسيلة متاحة لتأمين لقمة العيش، وهذا لا يبرر القيام بأعمال صيرفة غير مرخصة، إنما ثمة صرافين كانوا بأمس الحاجة لتأمين لقمة العيش، في مقابل الأعداد الكبرى ممن تركوا أي عمل آخر وخصصوا كامل أوقاتهم لتكديس الأرباح الهائلة التي يمكن تحقيقها فيها".

"تجارة الشيكات المصرفية" في المرحلة السابقة إضافة إلى "التجارة بالدولار" في المرحلة الحالية، أثرهما السلبي كبير في هذا الانهيار المالي.

أما ملاحقة هؤلاء الصرافين اليوم، فمسألة يشكك عجاقة بفاعليتها، فهو يعتبر أن لهؤلاء اقتناع بأن القرار لن يطبق بجدية، لذلك، "يتابعون ممارسة أنشطتهم في أعمال الصيرفة إنما بشكل خفي وليس علناً كما في السابق، وفي الواقع، اختبأوا موقتاً فقط، ويبدو هذا واضحاً من عملية انتقامهم عبر رفع سعر صرف الدولار إلى 65000 كرد فعل على هذه الملاحقة.

في المقابل، إذا استطاعت القوى الأمنية القبض على المشغلين الكبار هؤلاء، يمكن أن تضع حداً لهم بالفعل وسينخفض سعر صرف الدولار حكماً، وإلا فلن يكون هذا الإجراء مجدياً ولن نشهد انخفاضاً في سعر الصرف كما تتوقع الدولة عبر قيامها بهذه الخطوة، فغالباً ما يكون وراء هؤلاء مشغلين يوجهونهم وتعرفهم الأجهزة الأمنية جيداً، فإذا ما رغبت القوى الأمنية بتوقيهم فعلاً هي قادرة على ذلك".

للتطبيقات الإلكترونية الدور الأبرز

في مقابل أعمال الصيرفة، لعبت التطبيقات التي تتحكم بسعر الصرف الدور الأسوأ، ويعتقد عجاقة أن هذه التطبيقات صنعت لأهداف أساسية أولها خدمة أجندات سياسية، وأيضاً لتحقيق الأرباح لبعض العصابات، واستطاعت أن تحقق هذين الهدفين، وليس هناك دولة في العالم تحدد فيها تطبيقات سعر صرف للدولة فيما تعجز الدولة عن السيطرة على السوق النقدية، فالتقلبات في سعر الدولار لا تستند إلى أي منطق، ما يؤكد أن هذه التطبيقات كان لها دور كارثي في هذه الأزمة، والعلاقة بين الوضع السياسي والأحداث وتقلبات سعر الصرف أصبحت مثبتة، فيتبع أي تهدئة انخفاض في سعر الصرف والعكس صحيح عند حصول أي صراع بين أطراف معينة، "لو كانت هناك رغبة لوزارة الاتصالات بوقف هذه التطبيقات، لكان ذلك سهل عليها من دون أدنى شك، ولا دقة في أي حديث آخر أو في التبريرات التي تعطى في هذا المجال".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات