Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل صحيح أن أميركا هي دولة الرب؟

صراع علني أحياناً وخفي دائماً بين الهوية العلمانية والهوية الدينية داخل بنى الدولة والمجتمع في الولايات المتحدة

باكورة المستكشفين للقارة الأميركية استقلت السفينة الشهيرة "ماي فلاور" عام 1620 ومن هنا بدأ الارتباط بالعهد القديم أي بالتوراة (الموسوعة البريطانية)

مرة جديدة يتجدد السؤال المثير للتفكير: هل الولايات المتحدة الأميركية دولة دينية أم علمانية أي مدنية؟

الشاهد أنه بحسب الدستور الأميركي، تبدو الولايات المتحدة كدولة ذات طبيعة مدنية علمانية، تفصل بين التيار السياسي الحاكم، أي نظام السلطة، وقضية الإيمان والمعتقد، فلا تفرض شروطاً دينية إيمانية على من يتطلع إلى شغل وظيفة ما، وما من نص قانوني أو دستوري يسمح بتلاوة صلوات مذهب خلال ممارسة الحياة العامة.

ولكن، على رغم ذلك تبدو الولايات المتحدة غارقة في الهوى الديني حتى أذنيها، الأمر الذي يطفو على سطح الأحداث في لحظات كثيرة كاشفة، بل أكثر من ذلك نقول، إنه حين تشتد الأزمات الحياتية تتجذر الهوية الدينية الأميركية، الأمر الذي عرفته أميركا خلال ستينيات القرن الماضي، ذلك أنه وفيما كانت إسرائيل تنتصر بسرعة كبيرة على العرب في حرب الأيام الستة، كانت القوات الأميركية في فيتنام تتعرض لمهانة بالغة في مستنقع كلفها الكثير، ولهذا ارتفعت الأصوات وقتها بالقول "إن أميركا فارقها روح الرب".

تالياً وفي ثمانينيات القرن الماضي سوف يظهر الصراع الهوياتي الإيماني من خلال المواجهة مع الاتحاد السوفياتي الشيوعي المنكر للإيمان والأديان، وصولاً إلى ارتفاع نبرة المسيحيين المحافظين، وظهور التيار المحافظ الجديد.

هل مشهد أميركا الإيمانية مشهد حديث أم أنه ضارب جذوره في القدم، كدولة للرب؟

دولة الرب... أصوات تعلو من جديد

في أواخر ديسمبر (كانون الثاني) الماضي ارتفعت من جديد بعض الأصوات اليمينية الأميركية تطالب بإقامة دولة الرب المسيحية، ذات الجذور اليهودية، والمثير أن هناك الآلاف الذين ينضمون إلى هذا التيار الجديد يومياً، وبشكل جماعي يؤذن بتغيرات جوهرية في العقلية الأميركية.

تتمركز الدعوة الجديدة، في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، ويقودها القس غريغ لوك، الذي ينتمي إلى ما يعرف بالكنيسة الخمسينية.

يحتاج الأمر إلى تفكيك هذا المصطلح، الكنيسة الخمسينية، وباختصار القول، هي أحد فروع التيار البروتستانتي، الذي شارك بقوة في تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن غالبية المهاجرين من أوروبا للأرض المكتشفة حديثاً كانوا ينتمون إلى هذا التيار المسيحي، القريب جداً في الفكر من اليهودية، والذي يرتكز على قبول التوراة ومفاهيمها بصورة ربما أكثر من العهد الجديد.

هنا لا يمكن اعتبار "الخمسينية" كنيسة رسولية، أي إن مؤسسها ليس من الحواريين مثل الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية حول العالم.

ينشط القس غريغ لوك محاولاً إحياء حركة التجديد الإيماني، ويعتبر أن الوقت الحالي هو الموعد المرتقب لتجديد روح أميركا المسيحية المتماسة مع اليهودية.

المثير للغاية أن حركة غريغ لوك تجد نظراء لها في ولايات أميركية أخرى، حتى وإن اختلفت الأسماء، فيما الأمر الأشد خوفاً هو إيمان تلك الجماعات بالعنف طريقاً للتغيير.

هنا ربما يجب على الذين تابعوا أحداث نهار السادس من يناير (كانون الثاني) عام 2021، أي اليوم الذي تم خلاله اقتحام الكونغرس، أن يتذكروا وجود أعلام ذات هوية مسيحية وسط تلك الغوغاء التي تبعت الرئيس ترمب، وحاولت إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية بالقوة.

تعتقد هذه الجماعات أن "الرب له خطة خاصة للولايات المتحدة"، ومن هؤلاء القس كين بيترز، وهو بدوره مشرف على جماعة أخرى تدعى "الكنيسة الوطنية" بولاية تينيسي أيضاً.

من أين يمكن للمرء أن يبدأ تأريخ تلك الجماعات اليمينية الدينية الأميركية، ثم يبقى التساؤل الأكثر أهمية: ما الذي يجعلها هذه الأيام تحديداً تعاود الظهور مرة جديدة، وعلى هذا النحو من القوة والعزم والتصميم، في محاولة لتغيير المشهد المجتمعي، فكرياً في البداية، وربما ديموغرافياً في نهاية المشهد، مما يحمل على توقع صراعات أهلية عما قريب.

أميركا وفكرة أرض الموعد الجديدة

لفهم أميركا المتدينة، دولة الرب، يتحتم علينا العودة إلى الوراء نحو أربعة قرون، حين تم اكتشاف تلك الأرض الجديدة من جانب كريستوفر كولمبوس ورحالته.

في ذلك التوقيت كانت أوروبا تعيش حالة من الصراع الديني والمذهبي، وقد لاقى البروتستانت المحتجون على السلطة الكنسية الكاثوليكية في روما عنتاً وعسفاً شديدين، الأمر الذي دعاهم إلى التفكير في الهجرة من أوروبا إلى ذلك العالم الجديد، وقد أطلقوا عليها لقب "أرض كنعان"، في تشابه مقصود بخروج الشعب العبراني من أرض مصر إلى الأرض المقدسة في فلسطين.

كانت الباكورة قد استقلت السفينة الشهيرة "ماي فلاور" عام 1620، ومن هنا بدأ الارتباط بالعهد القديم أي بالتوراة، ولهذا تجذرت العلاقة مع الشعب اليهودي قبل ظهور تيودور هيرتزل، أو الدعوة إلى تأسيس دولة إسرائيل.

أسس المهاجرون الجدد، والبعض يطلق عليهم لقب "المستعمرون البيوريتانيون"، كما الحال مع البروفيسور مايكل كوربت والبروفيسورة جوليا ميتشل كوربت في كتابهما "الدين والسياسة في الولايات المتحدة"، أسسوا مستعمرة خليج ماساتشوستس.

لقد أراد البيوريتانيون، وهم البروتستانت الذين رغبوا في تطهير كنيسة إنجلترا، الانفصال تماماً عن رئاستهم الدينية هناك، وممارسة معتقداتهم الدينية والإيمانية بحرية تامة، وقد بلغ عدد هؤلاء نحو عشرين ألف مهاجر، سوف يصبحون نواة لفكر ديني جديد على أراضي الهنود الحمر وليكتبوا قصة مثيرة للدولة الدينية التي تختبئ وراء شعارات المدنية.

ونظراً إلى المكانة البارزة التي احتلتها التجربة البيوريتانية في أعين العالم، آمن البيوريتانيون بأن الرب سينزل بالمستعمرات أشد عقاب على أي خطيئة، فقد كان العهد عبارة عن اتفاقية أبرمها جميع المستعمرين مع بعضهم بعضاً ومع الرب.

ومن ثم أصبحت هذه الاتفاقية بمثابة عقد ملزم لسائر المجتمع. وقد انعكس هذا العهد على كل من النظم الدينية والسياسية، وكان يتعين على كل من الدولة والكنيسة أن تعضد وأن تحمي كلتاهما الأخرى، على رغم من كونهما مؤسستين مستقلتين. فالجميع مطالبون بالذهاب إلى الكنيسة وتقديم الدعم المادي لها.

ما الذي يسعى إليه الإنجيليون الجدد؟

يمكن تسمية كل من هو خارج الكنائس الكبرى، لا سيما الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والتي تعد ما يفوق المليار و350 مليون نسمة موزعين حول العالم، وقرابة 200 مليون يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية، وغالبيتهم العظمى في روسيا، قرابة 120 مليوناً أو يزيد، ونحو 30 مليوناً ما بين الشرق الأوسط وبقية دول آسيا وأوروبا، نقول يمكن تسمية كل من هو خارج هؤلاء بالتيار الإنجيلي أو البروتستانتي، حتى وإن تجاوز أتباعهم 400 جماعة.

هؤلاء يمثلون حضوراً قوياً في الولايات المتحدة في حاضرات أيامنا، ويسعون إلى التمسك بهويتهم المسيحية البروتستانتية عند تعاملهم مع الناس.

يكتب البروفيسور والتر راسيل ميد، أستاذ كرسي هنري كيسنجر، عبر مجلة "فورين أفيرز" في عدد سبتمبر (أيلول)/ أكتوبر (تشرين الأول) 2006 واصفاً هذه الجماعة بأنها أكبر فاعل في إطار الحياة السياسية الأميركية، فعلى سبيل المثال لا يقبلون فكرة الإجهاض، والتي هي من قلب الأفكار التي يدور ويثور من حولها الجدل، بين ما هو مدني علماني يسمح بذلك، من خلال الحرية الفردية التي يكفلها الدستور، والتوجهات الروحية الدينية الرافضة للإجهاض، إذ يلتقون مع الكاثوليك واليهود والمسلمين في هذا الاتجاه.

يعارض هؤلاء الأفكار العلمانية غير الدينية وسيطرتها على الخطاب الاجتماعي الدولي، كما يؤمنون بوجوب معاملة الشخصيات والقيم الدينية بالاحترام في وسائل الإعلام، ويرون أنه لا يجب تعظيم دور العلاقات الجنسية العابرة في وسائل الترفيه العامة.

ولعل أكثر ما يميز تلك الجماعة هو إيمانها بأمرين: أميركا ذات القدر الواضح، والمدينة فوق جبل.

أما الأولى فتعني أن أميركا بالفعل قد تم اختيارها من القدر الإلهي لتكون القيادة الأممية للعالم، والثانية تعني أنها المدينة التي تشع بأنوارها على بقية أرجاء المسكونة.

يولي الإنجيليون الجدد مزيداً من التركيز على الاستثنائية الأميركية، أكثر مما يفضل الليبراليون. ومن الأرجح أيضاً أن يولوا اهتمامهم للجانب الأخلاقي للسياسة الخارجية أكثر مما يبتغيه معظم الواقعيين.

هل هناك أرقام تظهر طفرة التوجه الديني في الداخل الأميركي خلال العقدين المنصرمين، وبالتحديد مع وصول الرئيس جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض عام 2000؟

تكافؤ الأضداد والشعب الأكثر تديناً

من التعبيرات الأكثر شهرة التي تصف الشعب الأميركي فكرة تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة، بمعنى أنه يسعى في طريق الشيء ونقيضه مرة واحدة.

في الولايات المتحدة تعد حرية الدين حقاً دستورياً محفوظاً نصت عليه فقرات الدين في التعديل الدستوري الأول. ترتبط حرية الدين أيضاً ارتباطاً وثيقاً بمبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة، وهو مفهوم دعا إليه مؤسسو المستعمرات مثل الدكتور جون كلارك وروجر ويليامز وويليام بن والآباء المؤسسين اللاحقين مثل جيمس ماديسون وتوماس جيفرسون.

على رغم أن هذه الثوابت لم تتغير بالفعل فإن الحضور الطاغي لفكرة الدين والتدين تطل بوجهها من كل النوافذ والأبواب الأميركية.

خذ إليك على سبيل المثال ما نشرته مجلة "دير شبيغل" الألمانية بتاريخ 17 فبراير (شباط) 2003، أي بعد نحو عام وبضعة أشهر من اعتداءات سبتمبر 2001 الشهيرة، وقبل شهر واحد من غزو العراق.

هناك 95 في المئة يؤمنون بوجود الله، فيما تتقلص نسبة الملحدين إلى خمسة في المئة فقط، ومن بين هؤلاء 50 في المئة يواظبون على الذهاب إلى الكنائس، كما توجد كنيسة لكل 865 شخصاً في أميركا.

وتقول المجلة الألمانية الشهيرة إن المداخيل المالية للقادة الدينيين تفوق أحياناً عوائد السياسيين، فعلى سبيل المثال وفي عام 2000 بلغ دخل الداعية الإنجيلي الشهير الراحل بيلي غراهام نحو 126 مليون دولار من عظاته وكتبه وبرامجه المتلفزة.

من أفضل التعبيرات التي تصف المشهد الديني الأميركي القول بأن "أميركا أمة بروح كنيسة"، ونجده طي صفحات كتاب "أمة اليمين/ قوة المحافظين في أميركا"، لمؤلفيه جون ميكلثوايت وأدريان وولدريدج.

وفي الكتاب عينه بيانات مثيرة عن الحالة الدينية الداخلية للأميركيين، لا سيما فكرة الكنيسة المتنقلة عبر وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة... ماذا عن تلك الفكرة؟

جرى العرف أن يذهب الناس إلى الكنيسة، لكن في عالمنا المعاصر ومع ثورة وسائل الاتصال الحديثة ظهرت فكرة الكنيسة التي تذهب إلى الناس في منازلهم، من خلال القنوات والشبكات التلفزيونية، ففي الداخل الأميركي أكثر من 200 قناة تلفزيونية ونحو 1500 محطة راديو للبرامج المسيحية.

ولعل المتابع لجلسات افتتاح الكونغرس أو خطاب حالة الاتحاد، بل أكثر من ذلك خلال خطاب تنصيب الرئيس الأميركي، يجد دوماً بدء الفعاليات بصلاة كان يترأسها بيل غراهام، وحل ابنه مكانه من بعد رحيله.

وبتصفح كتاب العام الصادر عن "الموسوعة البريطانية" في عام 2005، على سبيل الاختيار العشوائي، نجد أن الأميركيين قد اشتروا عام 2004 كتباً دينية قيمتها 1.9 مليار دولار، وهو رقم يعزز فكرة الإيمان المتجذر في داخل العقلية الأميركية.

وبالذهاب إلى عالم الرؤى الإسكاتولوجية، أي علم قيام الساعة، نجد أن الأميركيين من أكثر شعوب الأرض إيماناً واعتناقاً لرؤى إيمانية تتعلق بأحداث الأيام الأخيرة.

في هذا الصدد نرصد توزيع سلسلة كتب القس تيم لاهاي بعنوان "المتروكون خلفاً"، أو Left Behind والتي تروي أحداث المجيء الثاني للسيد المسيح، ومعركة هرمجدون، المعركة النهائية بين الخير والشر، وقد وزعت في عام واحد 60 مليون نسخة.

هل أميركا دولة مسيحية حقاً؟

في مؤلفها الشهير "أميركا المتدينة الجديدة" تقودنا ديانا إيك، أستاذة علم المقارنة بين الديانات والدراسات الهندية في جامعة هارفرد، إلى قراءة صريحة حول تلك الإشكالية، والتي طفت على سطح الأحداث بقوة في العقود الأخيرة.

كان ذلك وبالتحديد في عام 1992، حين أثار حاكم ولاية مسيسيبي كيرك فوردير زوبعة من الغضب عندما تكلم عن أميركا بوصفها "أمة مسيحية"، مما جعله يتراجع بسرعة ويقول "طبعاً، إن الولايات المتحدة ليست دولة مسيحية بصورة رسمية وقانونية".

غير أن الرجل وعلى رغم تعرضه لحملات كلامية عنيفة بقي مصراً على أن معنى ما قاله يأتي ضمن المفهوم الثقافي: إن هذه أمة شكلتها المسيحية.

هنا يبدو من الواقعي أن كثيراً من الأميركيين يتفقون معه في هذا الرأي، آخذين في الاعتبار المنزلة المعيارية للمسيحية في أميركا، فهم عندما يتخيلون تعليق الوصايا العشر على جدران المباني العامة، وتعليم قصة الخلق كما جاءت في الكتاب المقدس في المدارس الرسمية، أو في ألعاب كرة القدم، فإن افتراضهم السابق يقضي بأن أميركا هي بلد مسيحي، فالمسيحيون هم الأكثرية ويجب أن يكون لهم طريقتهم في تشكيل الروح العامة.

من هنا يمكن القطع باستمرار قصة أميركا المسيحية في السيطرة الدائمة على الخيال الجمعي للأميركيين. فهذه القصة تنتقل عبر كل فصل من فصول تاريخ الأميركيين، وهي منغمسة بشكل عميق في صميم الوعي الأميركي، فالأميركيون يتعلقون بها تعلقاً شديداً لدرجة أنهم أصبحوا فعلاً يسلمون بصحتها، ويعتبرونها كما تقول الدراسات الدينية أسطورة.

ما الذي أعاد تأجيج هذه الروح الإنجيلية مرة أخرى هذه الأيام، مع الدعوة إلى قيام دولة الرب في الداخل الأميركي مرة جديدة؟

التغييرات الديموغرافية واليسار الأميركي

أحد أهم الذين لفتوا الانتباه إلى ما يجري في الداخل الأميركي أخيراً من تغييرات ديموغرافية، ترتبط ارتباطاً جذرياً بالحالة الذهنية الدوغمائية، يأتي عالم الاجتماع والسياسة فرنسيس فوكاياما، ففي مؤلفه "الهوية/ مطلب الكرامة وسياسات الاستياء" نجد الرجل ينذر ويحذر مما يحدث في الرحم الأميركية من ثورات وفورات.

الخوف الأول والأكبر عند فوكاياما يتصل بالتمايز الطبقي والمجتمعي، ولا يوفر هو وغيره من المراقبين للمشهد الأميركي الطفرات العرقية.

من هنا وباختصار غير مخل يمكن القطع بأن اتجاهين بعينهما باتا يدفعان الأميركيين الإنجيليين إلى صحوة جديدة، لا تقل في قوتها عما عرفته أميركا في أواخر الستينيات وأوائل الثمانينيات، أي ما بين زمني جونسون وريغان.

التوجه الأول موصول بمخاوف طغمة "الواسب"، أي الأصول البيوريتانية، من البيض الأنجلو ساكسون، أولئك الذين هاجروا منذ وقت بعيد، وحطوا رحالهم في الساحل الشرق لأميركا المكتشفة حديثاً.

هؤلاء باتوا يتخوفون من الدراسات الإحصائية التي تشير إلى أن الرجل الأبيض وبحلول عام 2040 ربما سيضحى أقلية في الداخل الأميركي، مما يعني أن المسيحيين البروتستانت سوف يتقلص عددهم، ويضحون في المدى القريب أقلية عددية، وبذلك يفقدون اليد العليا للجماعة البيوريتانية المؤسسة تاريخياً.

التوجه الثاني يتمثل في الخوف من سيطرة ثقافة اليسار المتصاعد في العقدين الأخيرين، وهؤلاء يراهم الإنجيليون خطراً محدقاً بقوة على مستقبل الحياة الدينية والإيمانية في الداخل، وأنه إذا كان هذا التيار قد خفت في الثمانينيات والتسعينيات، فإنه طفا على السطح مرة أخرى مع رئاسة باراك أوباما، واليوم هناك من يعتبر أن رئاسة جو بايدن ليست سوى امتداد أو رئاسة ثالثة لأوباما، وأن هناك أخطاراً تتهدد الإيمان المسيحي في البلاد، وقد لعبت قضايا مثل الإجهاض ودعم الديمقراطيين لحق المرأة في جسدها، ومن قبلها الحق في المثلية الجنسية، وتعليم الجنس في المدارس، أدواراً كبيرة في إشعال أوار التوجهات اليمينية المسيحية من جديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مستقبل الحضور الديني في أميركا

الحديث عن أميركا الدينية أو العلمانية يستدعي الإشارة إلى بعض الأرقام الخاصة عن سكان الولايات المتحدة وسماتهم الإيمانية من عدمها، والتي تشير إلى أن سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم نحو 340 مليون نسمة مقسمون كالتالي:

46.5 في المئة بروتستانت، و20.8 في المئة كاثوليك، 1.9 في المئة يهوداً، 1.6 في المئة مورمون، و0.9 في المئة مسيحيين آخرين، و0.9 في المئة مسلمين، و0.8 في المئة شهود يهوه، فيما 22.8 في المئة من دون هوية دينية.

ما مستقبل الحضور الديني في الداخل الأميركي؟

الجواب أيضاً من خلال الأرقام الإحصائية لمعهد "بيو" الموثوق في الولايات المتحدة، وقد قدم خبراؤه دراسة عام 2015 تتعلق بحالة العالم الدينية في 2050 نخلص منها إلى توجهات مثيرة، إذ تتغير الأرقام، فعلى سبيل المثال سوف تنخفض أعداد المسيحيين إلى ثلثي السكان بعد أن كانوا يمثلون في العالم عام 2010، 75 في المئة من سكان البلاد، كما أنه خلال 35 سنة ستحل الديانة الإسلامية كثاني أكبر ديانة في البلاد، لتتجاوز البوذية واليهودية وكثيراً من الطوائف الأخرى.

فهل، إذ ذاك، ستصبح فكرة أميركا المسيحية عبارة عن مدخل يزج البلاد في موجة صراع أهلي وطائفي؟

المزيد من تقارير