Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الإيرانية - الأذربيجانية...أكبر من سفارة وأصغر من حرب (2-2)

تصعيد باكو ضد طهران قد يعقد المشهد أمام رؤوس نظامها وربما يضر بفرص امتداد نفوذها في أوراسيا المركزية

وزير خارجية طهران حسين عبد اللهيان وسفير أذربيجان لدى إيران علي علي زادة في مؤتمر صحافي  (رويترز)

تشكل العلاقة التي تجمع بين أذربيجان وتركيا واستعادة الرئيس التركي الحديث عن "أمة واحدة في بلدين" مصدر قلق للنظام الإيراني، الذي بدأ يتخوف من الطموحات التركية لبناء منظومة مصالح تمتد من القوقاز إلى آسيا الوسطى بناء على المتحد القومي التركي، إضافة إلى التوظيف الذي تقوم به أنقرة في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا الذي يدفع باتجاه إحداث تغييرات في التقسيمات الجيوسياسية في هذه المنطقة، بحيث تسيطر تركيا على أجزاء من المناطق المتنازع عليها تسمح لها بالتحكم في المصالح الإيرانية باتجاه القوقاز وأوروبا وتهديدها.

طهران لمست هذا الخطر التركي من خلال الدور الذي لعبته أنقرة في تغيير موازين القوى خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 44 يوماً في سبتمبر (أيلول) 2020 بين الطرفين لصالح باكو. وهي تهديدات إذا اجتمعت مع المصالح والتهديدات الإسرائيلية فإنها ستشكل أزمة حقيقية ومعتقدة لطهران التي تتخوف من أن تتحول هذه المنطقة إلى ورقة ضغط إضافية في سياسة محاصرتها وفرض العقوبات الاقتصادية عليها.

وعلى رغم جدلية العلاقة بين طهران وأنقرة، أو بين النظام الإيراني وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، التي وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى مراحل متقدمة من التوتر على خلفية المساعي التركية لاستبعاد إيران عن المسار التفاوضي الذي بدأته مع النظام السوري برعاية روسية. فإن طهران في المقابل تعتقد أن الأزمات التي تعانيها وتواجهها حكومة أردوغان والهزائم والفشل المتكرر الذي لحق بها في منطقة غرب آسيا وتبخر حلم إحياء الإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى وضع اقتصادي مأزوم وصل التضخم فيه إلى حدود 80 في المئة، والمخاطر التي تهدد الاستثمارات الخارجية، مما يجعل مستقبل أردوغان في السلطة مزعزعاً، وقد تفقده حظوظ الانتصار والفوز في الانتخابات المبكرة المقبلة، لذلك فإنه ومن خلال فتح جبهات جديدة والقيام بتحركات متقلبة، يحاول اللعب على العصب القومي وإحياء القومية التركية وتوظيفها في معركة عودته إلى السلطة.

حاولت إيران وفي فترات الهدوء والتهدئة إلى بناء نظام مصالح مشتركة يضم معها كلاً من روسيا وأذربيجان انطلاقاً من رؤية استراتيجية إيرانية لهذه المنطقة الحيوية، الذي من الممكن أن يساعد في بناء أرضية لتعاون إقليمي جديد، بخاصة في ظل رغبة إيران في تطوير علاقاتها مع باكو بناء على قراءة واقعية على رغم وجود مسائل خلافية بينهما، والعمل على تعزيز هذا التعاون في إطار المصالح القومية لكلا البلدين.

وإزاء المساعي الإيرانية للتعاون مع باكو لإنشاء ممر نقل بري من الشمال إلى الجنوب، فإن الأخيرة سعت ومن خلال حربها مع أرمينيا 2020 إلى فرض سيطرتها وشروطها على المعبر البري الذي تستخدمه طهران للوصول إلى أرمينيا وأوروبا عبر جورجيا "معبر زنكزور - لاتشين" بحيث يسمح لها التحكم بالخط أو الممر البري الذي يربط الجنوب بالشمال ويشكل عصباً مهماً في الاقتصاد الإيراني مع الخارج. الأمر الذي رفضته إيران ودفعها إلى حدود الدخول في حرب عسكرية مع باكو في نوفمبر (تشرين الأول) الماضي 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد شكل التنافس على هذا المعبر أرضية لدخول لاعبين جدد على معادلات منطقة القوقاز الجنوبي، إذ أعلنت باكستان تضامنها ودعمها للحرب الأذربيجانية على أرمينيا ومساندة مطالبها في استعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها، في حين وقفت الهند إلى جانب أرمينيا، لما في ذلك من تعزيز لدورها الاقتصادي واستثماراتها في تطوير خطوط الربط البري بين الجنوب والشمال عبر الأراضي الإيرانية باتجاه أوروبا وروسيا.

غياب الإرادة السياسية لدى القيادة الأذربيجانية شكل، بحسب التقدير الإيراني، في المضي بعملية تنمية وتطوير العلاقة الثنائية بينهما، وجعلها خاضعة للتأثيرات السلبية لبعض الأطراف التي لا تريد لهذه العلاقة أن تستمر. ولم تستطع المشتركات الثقافية والدينية والمذهبية والتاريخية والعلاقات الاجتماعية والتداخل القومي بين البلدين في التأسيس لمسار من التعاون والتنسيق الإيجابي، إذ لعبت المؤثرات الخارجية دوراً سلبياً في تعميق وتجذير الاختلافات السطحية وتحويلها إلى عوائق أمام خلق منظومة مصالح مشترك، من خلال التركيز على الهوية القومية وتضخميها بحيث تترك آثاراً سلبية، وقد برزت هذه التباينات أكثر ما يكون في السياسة الخارجية الأذربيجانية.

وفي مجال العلاقات الخارجية الأذرية، يعقتد النظام في طهران أن العلاقة مع إسرائيل تؤثر سلباً في دائرة المصالح والأمن الإقليميين لإيران وتخلق لها تحديات هي في غنى عنها، وهي علاقة مبنية في الأساس كرد فعل على العلاقة الإيرانية مع أرمينيا وعدم دعم المصالح الأذرية باستعادة 20 في المئة من أراضيها المحتلة من قبل إيران، في حين تعتقد طهران أن بإمكان باكو تعميق علاقتها معها وتوظيفها في عملية التفاوض مع أرمينيا، خصوصاً أن كل الأطراف يعترفون بالنفوذ والدور الإيراني في المحيط السياسي والأمني لمنطقة القوقاز الجنوبي وأيضاً في مجال السياسة الخارجية لباكو.

حاولت طهران التوصل إلى نقاط تفاهم وسطية مع باكو تقوم على المصالح المشتركة، إذ إن أي تعاون استراتيجي بينهما سيسهم في تعزيز القدرات الجيوسياسية وتكاملها، وتوظيف ذلك في مجالات مثل تطوير طرق النقل والمواصلات البرية وترنزيت الطاقة والاستثمارات وتنمية المناطق التجارية الحرة، إضافة إلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن التطور الأخير الذي تعرضت له السفارة الأذربيجانية في طهران والمواقف التصعيدية للرئيس الهام علييف وعدد من المسؤولين الأذريين، ورفض الرواية الإيرانية حول الدوافع الشخصية، قد يعقد المشهد أمام النظام في طهران، ويفرض عليه الذهاب إلى تفسيرات مختلفة والبحث عن الجهات المستفيدة من تخريب العلاقة بين طهران وباكو وضرب مساعي التقارب بينهما وتعزيز المصالح المشتركة. خصوصاً أن إيران تنظر إلى منطقة "أوراسيا المركزية"، أي آسيا الوسطى والقوقاز، باعتبارها امتداداً للجيوسياسيا الإيرانية، مما يفرض على الدبلوماسية الإيرانية تفعيل جهودها وابتداع آليات للحفاظ والدفاع عن هذا المجال الجيوسياسي الحيوي، وعدم السماح للخصوم الاستفادة منه، بحيث تساعد هذه الدبلوماسية في منع تحويل هذه المنطقة إلى نفوذ جيواستراتيجي للخصوم والمنافسين للدور والنفوذ الإيراني.

المزيد من تحلیل