Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تقوض الفترات الرئاسية المهيمنة مسار الديمقراطية في أفريقيا؟

من لا يزالون يتشبثون بالسلطة قاموا بممارسات عدة منها تعديل الدستور لإقامة انتخابات صورية أو ليضمن لهم البقاء في الحكم مدى الحياة

يحكم تيودورو أوبيانغ نغويما أطول الرؤساء حكماً في أفريقيا غينيا الاستوائية منذ عام 1979 (غيتي)

خلال السنوات الـ 10 الماضية، شهدت الفترات الرئاسية الطويلة في أفريقيا هزة عنيفة متأثرة بالأزمة المالية العالمية عام 2008، التي اتخذت بعداً سياسياً رئيساً، ثم أحداث "الربيع العربي" التي أزاحت عروش رئاسات كانت مهيمنة على السلطة منذ عقود طويلة. ففي عام 2011 وحده أزاحت الانتفاضة في شمال أفريقيا، زين العابدين بن علي من على حكم تونس الذي تسلم السلطة فيها منذ عام 1987، ثم محمد حسني مبارك الذي كان يحكم منذ 1981، والعقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا منذ 1969. وفي أوقات لاحقة تغيرت رئاسات أخرى فأُسقطت حكومة عمر البشير الذي استولى على السلطة في السودان منذ عام 1989، على إثر ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأطاحت به في 11 أبريل (نيسان) 2019، أما إدريس ديبي الذي حكم تشاد منذ 1990 فقد قتل في اشتباكات مع المتمردين شمال البلاد في 20 أبريل 2021.

 

ومن لا يزالون يتشبثون بالسلطة، قاموا بممارسات عدة منها تعديل الدستور لإقامة انتخابات صورية، أو ليضمن لهم البقاء في الحكم مدى الحياة. ومن هؤلاء رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما الذي يحكم بلاده منذ عام 1979، وهو أطول الرؤساء حكماً في أفريقيا، والرئيس الكاميروني بول بيا الذي وصل إلى السلطة في عام 1982، ويوويري موسيفيني الذي يحكم أوغندا منذ عام 1986، ويحكم أسياس أفورقي إريتريا منذ الانفصال عن إثيوبيا يوم 24 مايو (أيار) 1993، وديني ساسو نغيسو يحكم جمهورية الكونغو منذ عام 1997، وإسماعيل عمر جيلي ثاني رئيس لجمهورية جيبوتي منذ استقلالها وهو يحكم منذ 1999، وبول كاغامي الذي تولى الرئاسة في رواندا منذ عام 2000، كما تولى فور غناسينغبي إياديما رئاسة توغو منذ عام  2005، ورئيس الغابون علي بن بونغو أونديمبا الذي تولى رئاسة بلاده عام 2009 خلفاً لوالده عمر بونغو، الذي كان رئيساً للغابون منذ عام 1967 حتى وفاته في عام 2009. وهناك أيضاً رئيس ساحل العاج الحسن واتارا الذي تولى منصب الرئاسة في بلاده عام 2010 ورئيس السنغال ماكي سال الذي تولى منصبه منذ عام 2012، وهؤلاء وغيرهم فرضوا تغييرات في دساتير بلادهم لتمديد فتراتهم الرئاسية.

 

قاعدة دستورية

إذا كانت الفترة الرئاسية هي القاعدة الدستورية التي تقيّد عدد الفترات التي قد يشغلها رئيس دولة معينة لتعزيز المنافسة الحزبية، والتناوب على السلطة ووضع حدّ يمنع تجاوزها خشية إساءة استخدامها، لكن في أفريقيا تحاول الحكومات حديثة الديمقراطية التحايل على الفترة الرئاسية ما يجعلها أداة غير فعالة لحسم تولي رئيس ما المنصب مرات عدة. ولذلك كثيراً ما تنشأ توترات ناتجة من تمديد الفترة الرئاسية، فضلاً عن ارتباطها بزيادة نسبة الفساد وانخفاض الحريات المدنية وارتفاع معدلات الصراع.

وعلى رغم أن تحديد عدد فترات الرئاسة يرتبط بالحكم الديمقراطي، إلا أنها قد تكون موجودة أيضاً في الدساتير الاستبدادية. ويمكن ملاحظة ذلك في أفريقيا، إذ يتم تضمين أنواع القواعد ومسارات الإصلاح الخاصة بها في ما يتعلق بتحديد الفترة وتشملها عشرات الدساتير الأفريقية، ولكن معظمها يضع شروطاً إضافية، أو يعدل الدستور ليزيد عدد الفترات التي يُسمح للرئيس بشغلها إذ إن من هؤلاء الرؤساء من عدّل الدستور لمدة زمنية طويلة، والتي تعني ضمنياً الحكم مدى الحياة. وهذا يحدث غالباً في وقت لا تتورع فيه السلطة الحاكمة من تقويض سيادة القانون وإضعاف المؤسسات الديمقراطية، وحتى عندما توضع فترة رئاسية واحدة من دون أي إمكانية لإعادة الانتخاب، يعود الرئيس للتحايل عليها ويتم تمديدها.

 

وكثير من تجارب الحكم في الدول الأفريقية التي يحكمها زعيم طويل الأمد، قدم هؤلاء حدوداً لفتراتهم الرئاسية كخطوة استراتيجية، وهم على ثقة بأنها لا تشكل تهديداً لسلطاتهم. وفي بعض الأحيان، تتعرض هذه الحكومات لضغوط خارجية لإكمال عملية المشاورات الدستورية بموجب ميثاق انتقالي بعد أن يتمادوا في الحكم. وعندما يرضخون لهذه الضغوط يتبنون دساتير تحدد الفترة الرئاسية بإعادة العمل بالحد الأقصى للفترة الانتخابية من أجل تسهيل دوران الانتخابات. وهذه الخطوة تمنح الرئيس الذي يكون قد حكم بالفعل مدة طويلة، مزيداً من الامتيازات، أولاً، أن الفترة لا تُحتسب بأثر رجعي، وثانياً، يسمح له بالترشح لفترتين رئاسيتين أخريين.

كما أن هناك حكومات ورؤساء دول استخدموا جائحة كورونا كذريعة للتلاعب بالدساتير للعمل لمصلحتهم بإطالة فترات مكوثهم من دون إجراء انتخابات، بالتالي تجاهل الأطر التي وضعت لحماية مبادئ الحكم الرشيد وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

قيود زمنية

وفي مؤتمر عن الحد الزمني للفترة الرئاسية الذي أقامته "مؤسسة كوفي أنان" بالشراكة مع "المعهد الديمقراطي الوطني" ومشاركة مجموعة من القادة السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، الذي عقد في عام 2020، في جنوب أفريقيا، ذكر أنه "منذ أبريل 2000 إلى يوليو (تموز) 2018، تم تغيير حدود الفترات الرئاسية 47 مرة في 28 دولة، مع ست محاولات تغيير فاشلة على الأقل".

ومن الحقائق التي أوردتها أوراق المؤتمر أنه "في 23 حالة في أفريقيا موزعة على 19 دولة، عززت التغييرات حدود الفترة الرئاسية من خلال إدخال أو فرض حدود زمنية أكثر صرامة على التفويضات الرئاسية، ولكن في 24 حالة في 18 دولة، تمت إزالة القيود الزمنية المفروضة على تولي منصب رئاسي أو تخفيفها". وأكدت النتائج "أولاً، تم تنفيذ التغييرات في حدود الفترة الرئاسية بأربع طرق مختلفة تشمل، التعديلات التي وسعت مدة الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات في بعض الدول، ومن خمس إلى ست سنوات في دول أخرى. كما تم تمديد فترات الرئاسة في حالات الصراع ومشكلات القدرات عندما تم تأجيل الانتخابات في بعضها. ثانياً، أدت التغييرات إلى زيادة عدد الفترات التي يجوز لأي شخص شغل منصب رئاسي فيها، من فترتين إلى ثلاث فترات. ثالثاً، تم إجراء تغييرات لإعادة ضبط الفترة، حيث وصل شاغلو المناصب إلى حدود ولايتهم المطلقة، ولكن يمكنهم المجادلة أن دستوراً جديداً أو معدلاً مكّنهم من البدء بتفويضات جديدة غير مقيدة بالقيود الدستورية السابقة".

توزيع السلطة

وفي ثنايا القواعد الدستورية خصوصاً الفترة الرئاسية ترتكز العلاقة بين المدنيين والعسكريين على التوزيع النسبي للسلطة بين الحكومة والقوات المسلحة في الدولة. وهذا الوضع في البلدان الديمقراطية، يعتبر دور الجيش وقدراته من العناصر الحاسمة للدولة الحديثة في الديمقراطيات الوظيفية، إذ يتم تعيين الحدود المؤسسية للجيش بإحكام ما يستبعده من الساحة السياسية. وعوضاً عن ذلك يكون الجيش مجهزاً بالموارد الكافية للاضطلاع بفعالية بمهمته المتمثلة في حماية البلاد من التهديدات الخارجية والداخلية. أما في أفريقيا حيث غالبية الدول لها تاريخ حكم استبدادي أو خارجة لتوها من حروب أهلية، لا تستطيع جعل مؤسساتها العسكرية بمنأى عن السلطة، وهنا يختل التوازن بين الحاجة للجيش لتحقيق الأمن الداخلي والحفاظ على حدود البلاد وغيرها من المهام، وبين تدخلاته في الحكم ما يخلق توتراً يصعب معه إقصاؤه إلا بكلفة كبيرة. واتسعت رقعة الاحتجاجات الشعبية في عدد من الدول الأفريقية للدفاع عن تحديد فترات رئاسية، ولكن غالباً ما تواجه برد فعل عنيف، وتستمر الاعتداءات التي تؤدي غالباً إلى تركيز السلطة عند فئات معينة، وإضافة إلى الصراعات السياسية الحزبية، هناك الصراعات المجتمعية والنزاعات الإثنية والقبلية بدعوى التهميش.

موجات انقلابية

وفي المقابل، نجد فترات رئاسية قصيرة، إما بسبب التقلب بين الديمقراطية والانقلابات العسكرية التي سرعان ما تعقبها فترة انتقالية ثم فترة ديمقراطية، وهكذا، وإما حكومات عسكرية طويلة قابضة على السلطة تعقبها فترات ديمقراطية قصيرة وهذه كمثال لها السودان وليبيا. وإما فترات غير عسكرية وغير ديمقراطية ولكنها متشبهة بالديمقراطية وتقيم انتخابات شكلية يفوز فيها الرئيس الحاكم نفسه، ولهذا أصبح التنوع في حدود الولاية الرئاسية وتداعياتها المختلفة واضحاً خلال العمليات الانتخابية إذ يسعى الرؤساء الحاليون لإعادة انتخابهم، باحتفاظ الحزب الحاكم بالرئاسة لفترة أخرى، ومع ذلك لم يحقق أي منهم ما كانوا يبحثون عنه، إذ إن العواقب تكون وخيمة في النهاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وغالبية الشعوب الأفريقية كانت لديها ثقة عامة كبيرة في جيوشها كحالة وطنية أعقبت فترة ما بعد الاستقلال، ولكن اختلط الخوف والشكوك بشأن مقدرة الجيش ومعداته ومهنيته باحترام حقوق المواطنين، بدعوات إقصائه من الحكم بعد تكرار حالات الانقلابات العديدة، مع التركيز على دوره في حماية البلاد من التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية.

وتعودت أفريقيا على أن تدفع أحداثها بالجيش إلى دائرة الضوء، فبعضها شهد تدخلاً عسكرياً علنياً منذ الاستقلال، وبعضها تناوب العسكر على الحكم مع المدنيين من خلال الانقلابات العسكرية ثم تليها انتفاضات وثورات تؤدي إلى حكومات مدنية، لا تلبث أن تصمد أمام موجات انقلابية أخرى. وهناك دول أفريقية ينفي الجيش فيها أنه يتولى السلطة، وبعضها يدخل في نزاع مطول مع الرئيس الذي تطول مدته وتحدث انقسامات في الجيش. وعادة ما يحدث التوسع في الدور العسكري ليشمل المجال السياسي المدني في سياق جيش مرتبط تاريخياً وعضوياً بالحزب الحاكم، والأمثلة كثيرة منها "الاتحاد الوطني الأفريقي" وهو الحزب الحاكم في زيمبابوي واستعان به الجيش لحماية الرئيس السابق روبرت موغابي خلال فترة حكمه الطويل، و"حزب المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان الذي ارتبط به الجيش لحماية الرئيس السوداني السابق عمر البشير، إذ تأسس بديلاً للجبهة الإسلامية بعد المفاصلة الشهيرة مع حسن الترابي عراب النظام.

تلاعب دستوري

وهناك ثلاث سمات تشير إلى التلاعب الدستوري في أفريقيا، أولاً، عدم الاستقرار نتيجة لأحداث العنف وحملات القمع التي تشنها السلطة على الاحتجاجات، والعنف المضاد خلال الاحتجاجات الشعبية وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة، وهجمات الميليشيات التابعة للأحزاب السياسية، ورفض التغيير الدستوري. وربما من الأمثلة البارزة تلك الحالة التي صاحبت "الوثيقة الدستورية" في السودان، التي تم إقرارها في 2019، ليحكم على أساسها المدنيون والعسكريون في فترة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، وعندما ألغاها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ضمن إجراءات 25 ديسمبر 2021، أثارت مشكلات أعمق من تلك التي كانت موجودة. ثانياً، اقتران التغيير الدستوري بانتهاكات القوانين التي تحمي الحقوق الأساسية، وعندها تتقوض العملية الديمقراطية، وعادة ما تكون الانتهاكات هي ديدن الفترات الرئاسية الطويلة، فتتفشى انتهاكات حرية التعبير وحظر الاحتجاجات بقانون الطوارئ، وغيرها. ثالثاً، الإقرار بعدم الشرعية، إذ تظل السلطة تمارس العنف، ويصحب ذلك تجاهل القانون بما يقوض شرعية العملية الديمقراطية، نتيجة للممارسات الإقصائية، أو الافتقار إلى المصداقية وغياب الشفافية.

ومن هنا نجد أن الحاجة تنبع إلى تحديد فترات الرئاسة في أفريقيا لدعم مبادئ الحكم الرشيد، وضمان استمرار التغيير السياسي، وقد لا يعني ظهور جيل جديد من القادة أن القارة السمراء تمضي في طريق الديمقراطية، فقد يكون التغيير عن طريق الانقلابات بواسطة زعماء شباب، يمكن أن يستمروا في الحكم فترات طويلة أيضاً. ففي بوركينا فاسو كمثال، نفذ النقيب إبراهيم تراوري، البالغ من العمر 35 سنة، انقلاباً على بول هنري سانداوغو داميبا، البالغ من العمر 42 سنة، في 30 سبتمبر (أيلول) العام الماضي. وكان داميبا الذي يرأس "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة" قد قام بانقلاب على روش مارك كريستيان كابوري في 24 يناير (كانون الثاني) 2022. وعليه، فإن تحديد فترات الرئاسة يتطلب جهوداً تعاونية من مختلف منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والحركات المؤيدة للديمقراطية. وفي صميم هذا، ينبغي أيضاً أن يكون الاستعداد السياسي لرؤساء الدول للالتزام بدساتير بلادهم والتمسك بها مع احترام سيادة القانون والمؤسسات التي تدافع عنها. وعلى رغم حاجة الدول للاعتراف بالدور المهم الذي يلعبه الشباب في السياسة الأفريقية، إلا أن واقع القارة ربما يحول هؤلاء الشباب إلى مشاريع قادة ديكتاتوريين في العديد من الدول الأفريقية.

المزيد من تحلیل