Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كل شيء "مربوط" بمعركة الرئاسة في لبنان

تقدم حظوظ قائد الجيش تصعد الحملة ضده وباسيل يلوح بترشحه رغم استحالة فرصه

متظاهرون لبنانيون يتظاهون دعما لنواب مستقلين ينظمون اعتصاما من أجل انتخاب رئيس جديد 20 يناير 2023 (أ ف ب)

فور خروج الخلاف بين وزير الدفاع اللبناني موريس سليم، المحسوب على الرئيس السابق ميشال عون و"التيار الوطني الحر"، وبين قائد الجيش العماد جوزيف عون حول ملء الفراغات في منصبي مدير الإدارة والمفتشية العامة في الجيش اللذين شغرا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أخذ الأمر طابعاً سياسياً متصلاً بمعركة رئاسة الجمهورية على الصعيدين الإعلامي والسياسي، فاسم قائد الجيش مطروح على أنه مرشح جدي للرئاسة.

كل شيء في لبنان بات يتم ربطه بمعركة رئاسة الجمهورية وسط المنافسات بين القوى السياسية المسيحية وفي ظل عجز الفرقاء جميعاً عن الاتفاق على إنهاء الشغور الرئاسي، فيوم أمس السبت، هاجم باسيل قائد الجيش متهماً إياه بأنه "يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع ويتصرف على هواه بالملايين في صندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش".

كما واصل باسيل حملته على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، متهماً إياه بأنه "يصدر قرارات غير قانونية وآخرها وضع مديرين عامين بالتصرف"، وجاء حديثه في كلمة تم بثها تلفزيونياً، كشف خلالها عن أنه يفكر "جدياً بالترشح لرئاسة الجمهورية من أجل الحفاظ على مبدأ صحة التمثيل" وأشار إلى أنه "على المسيحيين مسؤولية أن يتفقوا لأن باتفاقهم يمكنهم في هذا النظام أن يحققوا خيارهم طالما خيارهم وطني".

مرشح جدي

الأوساط السياسية اللبنانية تتعاطى مع ترشيح جوزيف عون على أن الخيار سيكون بينه ورئيس تيار "المردة" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية عندما تسمح الظروف السياسية بملء الفراغ الرئاسي.

ترجيح كفة جوزيف عون تواجه صعوبة إضافية قياساً إلى فرنجية، إذ إن انتخابه يحتاج إلى تعديل دستوري يعلق المادة التي تنص على أن موظفي الفئة الأولى الذين يتم ترشيحهم للرئاسة يجب أن يستقيلوا من مناصبهم قبل سنتين من الاستحقاق الرئاسي، في وقت جرى تجاوز هذه المادة الدستورية عام 2008 بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً من دون تعديل دستوري بحجة اجتهاد استند إليه رئيس البرلمان نبيه بري في حينها.

وقال الاجتهاد إن حصول الفراغ الرئاسي في ذلك الوقت أسقط كل المهل ومنها استقالة سليمان من قيادة الجيش وإن هذا الاجتهاد ينطبق على القائد الحالي لأن مهلة انتخاب الرئيس انقضت طالما لم ينتخب رئيس في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق.

خلاف على الصلاحيات

وقع الخلاف بين قائد الجيش والوزير سليم على أسماء الضابطين اللذين يفترض أن يحلا مكان الضابطين المتقاعدين "لتسيير الأعمال"، وهو من صلاحيات وزير الدفاع الذي اختار للمنصبين ضابطين من المديريتين المعنيتين (من دون استشارة عون) بالتكليف لأن تعيين الأصيلين يتم في مجلس الوزراء، فيما الحكومة مستقيلة، ويرفض "التيار الحر" اجتماعها في ظل الشغور الرئاسي لأنها في وضعية تصريف الأعمال.

من وقع عليهما خيار العماد عون لتولي مهمة "تسيير الأعمال" هما الضابطان الأعلى رتبة والأكثر أقدمية، فاستبق الأمر وأصدر قراراً بفرز من اختارهما الوزير إلى وضعية "بتصرف قيادة الجيش"، الأمر الذي أثار سليم لأنه قرار يحرمه تولي من يفضلهما المنصبين الشاغرين في انتظار ظروف تعيين رسمي وثابت للبديلين.

وجاء الخلاف على ملء الشغور في الموقعين بعد خلاف سابق بين الوزير سليم والعماد عون على استدراك إحالة رئيس الأركان إلى التقاعد، إذ اقترح قائد الجيش اجتهاداً قانونياً يقضي بـ"تأخير تسريح" رئيس الأركان باعتبار أنه يصعب تعديل بديل عنه في مجلس الوزراء.

لكن الوزير سليم رفض ذلك مفضلاً ترك المنصب شاغراً وهو منصب حساس في القيادة العسكرية لأن رئيس الأركان، إضافة إلى صلاحياته، ينوب عن قائد الجيش حال غيابه ومدير الإدارة معني بكل ما يتعلق بلوجستيات الوحدات العسكرية وبالمناقصات لشراء حاجات المؤسسة.

"خذلان وسلاح"

أخذ الخلاف بعداً سياسياً بصرف النظر عن الجوانب التقنية والقانونية وصنفته الأوساط السياسية في سياق حملة "التيار الحر" الذي يحتسب الوزير سليم على حصته في الحكومة الحالية ضد ترشيح قائد الجيش الذي قيل إن بعض الدول المعنية بلبنان تفضله على فرنجية وغيره من الأسماء الوسطية التي تطرح بهدف الخروج من دوامة تعطيل ملء الفراغ، نظراً إلى علاقته الجيدة بالولايات المتحدة الأميركية.

تتعدد التسريبات في شأن موقف "حزب الله" حيال ترشح قائد الجيش فمنها ما يقول إن "لا فيتو عليه"، خصوصاً أنه تعايش مع الحزب خلال الأعوام الأخيرة ومنها ما يرى أن الحزب لا يفضل المواقف الرمادية تجاه سلاحه وأنه لا يرتاح إلى علاقته بالأميركيين بحجة تقديمهم مساعدات كبيرة إلى الجيش، إن بالتسليح والعتاد، أو في الأيام الماضية بالمال الذي قدمته واشنطن لمساعدة جنوده وضباطه (وكذلك قوى الأمن الداخلي) بقيمة 72 مليون دولار لمواجهة تدني قيمة رواتبهم بفعل انهيار الليرة اللبنانية لمدة ستة أشهر في سابقة تقدم عليها الولايات المتحدة.

لكن الفريق الذي من مصلحته خوض معارك مع العماد جوزيف عون هو "التيار الحر"، نظراً إلى أن رئيسه النائب جبران باسيل أعلن رفضه لترشيحه للرئاسة علناً، أسوة برفضه فرنجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت يلزم قائد الجش الصمت، سواء إزاء مسألة ترشيحه للرئاسة وحول الخلاف مع الوزير سليم، فإن الرئيس السابق ميشال عون لم يخف غضبه منه منذ ثورة 17 تشرين الأول 2019 حين رفض تنفيذ أوامر بقمع الانتفاضة الشبابية الشعبية ضد انفجار الأزمة المالية الاقتصادية في البلد، واكتفى بعض الأحيان بمنع المتظاهرين من إقفال الطرقات، وفي بعض الحالات حمى المحتجين من محاولات قوى أخرى في السلطة منع تحركاتهم باستخدام القوة ضدهم.

وتشير مصادر مطلعة على أوضاع المؤسسة العسكرية إلى أن إخراج الخلاف بين الوزير سليم والعماد جوزيف عون من التداول الإعلامي سيجد طريقه القانوني، لكنه خلاف أقرب إلى تصفية حسابات معه من جانب "التيار الحر".

الرئيس عون يعتبر أن قائد الجيش خذله وتخلى عنه، على رغم أنه هو من سعى إلى تعيينه في منصبه، كما يأخذ "التيار الحر" عليه رفضه مراعاة مطالبه في شأن بعض الحوادث الأمنية بمنطقة الجبل مع أنصار رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط عام 2018، داعياً إلى معالجتها سياسياً، فيما "التيار الحر" أصر على المعالجة الأمنية.

ولا تخفي أوساط باسيل أن الخلاف مع قائد الجيش "بعد شهر على تعيينه" (كما تنسب إليه مصادر مقربة منه) في مارس (آذار) 2017 على تعيينات وتشكيلات لبعض الضباط الموالين لـ"التيار".

يعتبر خصوم التيار العوني أن تولي قائد الجيش الرئاسة سيأخذ من شعبية باسيل، نظراً إلى أن زعامة الرئيس السابق انطلقت من الجيش عام 1989، أي من المنبع نفسه، بالتالي فإن جزءاً من الجمهور الذي يواليه، خصوصاً أهالي العسكريين والضباط سيستديرون نحو موالاة جوزيف عون بدلاً من الوريث السياسي للرئيس ميشال عون النائب باسيل، وهذا ما يخشى منه الأخير في رفضه لترشيح قائد الجيش ومعارضته مسبقاً أي تصويت في البرلمان من أجل تعديل الدستور لتمكينه من تبوؤ الرئاسة.

حديث الإقالة

بلغ الخلاف ذروته مع تسريبات لإعلام موال لـ"التيار الحر" و"حزب الله" في الوقت نفسه (جريدة الأخبار) نسبت إلى الوزير سليم قوله إنه "في حال استمر قائد الجيش جوزيف عون بالتسلط وتعدي حدوده، سأتوجه إلى مجلس الوزراء للمطالبة بإقالته".

بعد يومين نفى سليم الذي اتهمته أوساط سياسية وإعلامية بأنه صعد الخلاف بطلب من باسيل والرئيس عون، أثناء زيارته البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، قائلاً "لا يمكن أن يكون الكلام عن إقالة قائد الجيش صدر عني، ولم ولن يصدر عني ولا أتخذ قراراتي إلا وفقاً للقوانين ولا أعمل بأي أجندة سياسية".

فسليم ضابط سابق ومطلع على أصول التعيينات ويدرك استحالة إقالة القائد قانونياً لأن صلاحيات الوزير محصورة بطلب الإقالة وإحالته إلى مجلس الوزراء ولأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، فضلاً عن أن الأمر يحتاج إلى أكثرية ثلثي الحكومة، وهذا غير متوافر لقرار من هذا النوع، إضافة إلى أن سليم من الوزراء الذين يقاطعون اجتماع مجلس الوزراء حين يدعو ميقاتي إلى عقده لبت مسائل ضرورية.

تصعيد الخلاف

مع افتراض صحة الانطباع بأن هذا الخلاف استعر بسبب معركة رئاسة الجمهورية، فإن معطيات مختلفة تزامنت مع خروجه إلى العلن تداولتها الأوساط السياسية منها أن المعارضين لخيار قائد الجيش تخوفوا من تقدم حظوظه بسبب وقائع عدة ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين، بدءاً بفشل اجتماع قيادة "حزب الله" مع النائب باسيل في 23 يناير بإقناع الأخير بخيار فرنجية الذي تسبب بخلاف بين الحليفين منذ أكثر من شهرين وبات يهدد هذا التحالف، على رغم أن لا أدلة واضحة على أن "حزب الله" ربما ينتقل إلى خيار قائد الجيش، لكن هذه الخشية، إضافة إلى إعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعج قبل شهرين عدم ممانعته في رئاسة جوزيف عون، دفعا باسيل إلى العودة للتلويح بترشيح نفسه "بصرف النظر عن حساب الربح والخسارة"، مع علمه المسبق بانتفاء حظوظه، لكن من أجل معاكسة خياري عون وفرنجية، لا سيما بعدما أبدى الأخير موافقته على أن ينتخب بأكثرية النصف زائداً واحداً، أي من دون أصوات كتلتي حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الحر" النيابيتين.

ويتمثل العامل الثاني في أن وليد جنبلاط اقترح على "حزب الله" خلال لقاء وفد قيادي به في 19 يناير اسم قائد الجيش من ضمن ثلاثة أسماء بينها الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين بعدما قدم عرضاً لأسباب تعثر خيار فرنجية.

واعتبرت بعض الأوساط ومنها قيادة "التيار الحر" أن جنبلاط يبدي مرونة حيال قائد الجيش بعدما كان قبل أشهر أخذ موقفاً مبدئياً ضد العودة لخيار رئاسة عسكري، نظراً إلى أن الدورات الرئاسية الثلاث الأخيرة أدت إلى تبوؤ قائد سابق للجيش المنصب، إميل لحود وميشال سليمان وميشال عون.

وأوضحت أوساط جنبلاط أنه طرح الأسماء الثلاث على "حزب الله" ليس باعتبارها خياره، بل من أجل استمزاج رأيه بها لأن همه إنهاء الفراغ الرئاسي ولم يعلق عليها الحزب واكتفى بالقول إن خيار العماد عون يتطلب تعديلاً دستورياً.

استعداد فرنجية

أما العامل الثالث الذي تعتقد أوساط مراقبة بأنه أسهم في حملة "التيار الحر" على قائد الجيش، فيتمثل في أن فرنجية عقد في الآونة الأخيرة اجتماعات بعيدة من الأضواء وأخرى علنية مثل زيارته للبطريرك الراعي في 26 يناير غداة زيارة قام بها باسيل إليه.

ويعتقد مراقبون أن فرنجية أيضاً أبدى خشية من تقدم حظوظ جوزيف عون ولذلك قال إنه لا يملك برنامجاً رئاسياً اقتصادياً.

كما أن المصادر المتصلة بالبطريركية المارونية نقل عنها قولها إنها ترى مسألة تعديل الدستور التي تتطلب ثلثي أعضاء البرلمان عقبة أمام القائد، فيما ذكرت مصادر قيادية مسيحية حيادية أن الراعي طلب لقاء باسيل في إطار مسعى من أجل دفع القيادات المسيحية الرئيسة إلى حد أدنى من التوافق على اختيار اسم الرئيس بحيث تنتفي حجة قادة الطوائف الأخرى بأن التنافس بين القادة المسيحيين هو الذي يحول دون إنهاء الشغور الرئاسي.

وتردد أنه اقترح لقاء بين باسيل وفرنجية، لكن الأول رفض ذلك، مما شجع الثاني على الاستغناء عن أكثرية الأصوات المسيحية واكتفائه بأصوات حلفائه وحلفاء "حزب الله" من الطوائف الأخرى.

تنتهي معظم الأوساط المتابعة للحراك من أجل الرئاسة إلى القول إن كل ما يحصل يبقى محصوراً في إطار المناورات لأن ظروف انتخاب رئيس للبنان لم تنضج بعد.

المزيد من تحلیل