بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل خلاف مستمر، بدأ منذ تكليف ميقاتي تشكيل حكومة قبل انتهاء عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، واتهام الأخير وتياره السياسي لميقاتي بالمماطلة في التكليف لوضع اليد على موقع رئاسة الجمهورية وصلاحيات الرئيس بعد دخول البلاد في فراغ رئاسي منذ حوالى ثلاثة أشهر.
كانت جلسة مجلس الوزراء التي عقدها ميقاتي في السراي الحكومي في الخامس من الشهر الماضي، وهي الأولى لحكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي، الشرارة التي أشعلت الحرب بين الفريقين، وسط إصرار التيار الوطني الحر على رفض عقد جلسات حكومية بجدول أعمال في غياب رئيس الجمهورية، مقابل تسلح ميقاتي بالمادة الدستورية التي تسمح لحكومة تصريف الأعمال بعقد جلسات لبت الأمور الملحة والضرورية.
وكان البند المتعلق بالاعتمادات المالية الخاصة بالمستشفيات والأدوية غير المتوفرة لمرضى السرطان، إحدى هذه الأمور الملحة والضرورية، وعشية الكلام عن تحضير ميقاتي، مدعوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، لعقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء بجدول أعمال يتضمن بنوداً مصنفة تحت خانة الضرورة ولا يمكن العمل بها قبل إقرارها في مجلس الوزراء، اشتد الخلاف بين الطرفين بفصول جديدة كانت بوابتها هذه المرة وزارة الطاقة المحسوبة على التيار الوطني الحر، على خلفية سلفة مالية بقيمة 86 مليون دولار لسداد المبلغ المتوجب لباخرة الفيول الراسية منذ أيام قبالة الشاطئ اللبناني، التي طلبتها الوزارة قبل تأمين الاعتمادات اللازمة لها في الوقت الذي يصر ميقاتي على إقرار السلفة داخل مجلس الوزراء ويسعى لإدراج البند على جدول الأعمال على أمل كسر التيار الوطني الحر قرار مقاطعة الجلسات من قبل الوزراء المحسوبين عليه.
الجلسة الثانية على نار هادئة
تؤكد أوساط قريبة من رئيس حكومة تصريف الأعمال أن لا قرار بعد بعقد جلسة لمجلس الوزراء"، وتوضح أوساط ميقاتي لـ"اندبندنت عربية"، أن التشاور مع الوزراء لا يزال مستمراً منذ ما قبل الأعياد للوصول إلى تصور مشترك حول ما يمكن فعله.
وكان ميقاتي ترأس قبيل عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة اجتماعاً حضره عدد من الوزراء من بينهم المقاطعين للجلسة الحكومية الأولى، خصص للتشاور في كيفية تحديد المواضيع الضرورية من غير الضرورية والاتفاق على آلية توقيع المراسيم وإصدارها والاتفاق على جدول الأعمال.
لكن اللجنة التي شكلت من القضاة الوزراء في الحكومة لوضع تصور واضح لهذه النقاط أخفقت في الاتفاق، وكان اجتماعها الأول والأخير سلبياً وسط إصرار وزير العدل هنري خوري المحسوب على التيار الوطني الحر رفض انعقاد مجلس الوزراء تحت أي سبب، مكرراً المطالبة بتسيير الأعمال عبر المراسيم الجوالة بتوقيع 24 وزيراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تؤكد أوساط ميقاتي أنه يتريث في الدعوة إلى جلسة ثانية لمجلس الوزراء بانتظار تهيئة ظروف نجاح انعقادها، علمت "اندبندنت عربية" أن جدول أعمال الجلسة بات جاهزاً، ويتضمن حوالى 6 بنود أبرزها موضوع النفايات، وترقيات الضباط، والتجديد لتكليف عناصر البلديات بأمن البلدات، كذلك الإجازة للأجهزة الأمنية الحصول على داتا الاتصالات بعد انتهاء الترخيص نهاية هذا العام.
حرب المراسيم
كان المرسوم المتعلق بالمساعدة الاجتماعية للعسكريين باكورة حرب باتت تعرف بحرب المراسيم بين ميقاتي والتيار الوطني الحر، وصلت إلى حد اتهام الأخير لرئيس حكومة تصريف الأعمال بالتزوير والاحتيال، وذلك على خلفية إصدار رئاسة الحكومة المرسوم المتعلق بوزارة الدفاع والخاص بمساعدة اجتماعية إضافية للأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدين باعتباره موقعاً من رئيس الحكومة (مرتين الأول بصفته رئيساً للحكومة والآخر الذي عادةً ما يكون مخصصاً في الظروف الطبيعية لرئيس الجمهورية) ومن وزير المال والدفاع والداخلية، مقابل إصرار التيار الوطني الحر أن يحصل كل مرسوم على توقيع الـ 24 وزيراً.
علماً أن ميقاتي، وعلى قاعدة عدم جواز تعطيل الأمور التي تهم الناس، ارتكز على أنه أخذ توقيع وزير الدفاع وأصدر المرسوم بناء على توقيعه وتوقيع وزير المال، وفي سياق متصل، يصف الخبير الدستوري سعيد مالك ما يجري بالكباش السياسي وتصفيات الحساب بين التيار الوطني الحر الذي يسعى إلى عرقلة الحكومة "كردة إجر" لميقاتي الذي عرقل بنظرهم تشكيل الحكومة، وميقاتي من جهة أخرى الذي يريد تسيير أمور الناس والتأسيس لتولي منصب رئاسة الحكومة في العهد الجديد.
التواقيع مخالفة للدستور؟
ويوضح مالك أنه عملاً بالمادة 54 من الدستور، فإن القرار الصادر عن الحكومة يترجم بمرسوم حتى يصبح نافذاً ويوقع عليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المختصين، إضافة الى توقيع وزير المال إذا كانت للمرسوم تبعات مالية، لكن أمام حالة الخلو في سدة الرئاسة فإن الإشكال بات على توقيع رئيس الجمهورية ومن يوقع في الخانة المخصصة له على المرسوم.
ففي حين يعتبر ميقاتي أن من يوقع هو رئيس الحكومة، يعتبر التيار الوطني الحر أن من يوقع عن رئيس الجمهورية هو مجلس الوزراء مجتمعاً أي الـ24 وزيراً.
ولا يرى مالك في توقيع رئيس الحكومة في خانة رئيس الجمهورية مخالفة، مذكراً بما سبق واعتمده الرئيس ميشال عون عام 1988 عندما كان رئيساً لحكومة عسكرية مقابل حكومة يرأسها الرئيس سليم الحص، حيث عمد إلى التوقيع مرتين على كل المراسيم التي صدرت في تلك الفترة بصفته رئيس حكومة، إضافة إلى توقيعه نيابة عن رئيس الجمهورية.
أكثر من سبع مراجعات قدمت أمام مجلس شورى الدولة تطعن في صحة هذه المراسيم وكل الأحكام الصادرة عن مجلس الشورى آنذاك أقرت بأن من يوقع نيابة عن رئيس الجمهورية هو مجلس الوزراء ممثلاً برئيسه، ويذكر الخبير الدستوري بقرار صادر عن أعلى هيئة قضائية إدارية عام 1996 حمل الرقم 164/96 في دعوى مقدمة أمام مجلس الشورى من اللواء منير مرعي على وزارة الدفاع والدولة اللبنانية، وقد أقرت الهيئة القضائية حينها، أن من يوقع على القرار هو رئيس الحكومة نيابة عن رئيس الجمهورية.
في مقلب التيار
يصر التيار الوطني الحر في المقابل على قراءة مختلفة للمادة الدستورية وللإطار المحدد للوكالة التي تمنح لرئيس الحكومة في ظل الشغور الرئاسي.
ويقول الخبير الدستوري الأستاذ الجامعي عادل يمين المقرب من التيار، إن "مجلس الوزراء هو الوكيل عن رئيس الجمهورية وليس رئيس الوزراء، بالتالي يتعين في المراسيم أن يوقع بالوكالة عن رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وليس رئيس مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء يعني جميع الوزراء، كما يوقع رئيس الحكومة عن نفسه وكل من الوزراء المختصين".
ويشرح يمين عدم جواز تولي حكومة تصريف الأعمال ولا مجلس الوزراء في ظل مثل هكذا حكومة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، لأن المادّة 64 تحصر دورها بتصريف أعمالها في النطاق الضيق، ما يعني عدم جواز توليها صلاحيات موقع دستوري آخر، من جهة، ولأن حصر الأعمال في النطاق الضيق لا يشمل بطبيعة الحال صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، فضلاً عن أن اجتماعات مجلس الوزراء في ظل حكومة معتبرة مستقيلة وفي ظل الشغور الرئاسي في آن واحد غير جائز، لأن اجتماعات مجلس الوزراء في ظل حكومات تصريف الأعمال تعد اجتماعات استثنائية والمختص بالدعوة لها هو رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا يجوز للأخير الانفراد بها، فإذا كانت الرئاسة شاغرة لا يوجد مرجع مختص لتوجيه الدعوة إلى مجلس الوزراء، فضلاً عن أن التوازن يختل بين السلطات فيما لو تركت الحكومة تتوسع في أعمالها او تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة.
المراسيم الجوالة في حال واحدة
ويوضح يمين "أي طريقة تتبع في هذا السياق ستكون غير دستورية، لكن الطريقة الأقل انتهاكاً لروحية الدستور والميثاق في حالة الضرورة القصوى جداً وفي حال افترضنا جدلاً، انتفاء أي بديل لمعالجة الموضوع سواء على مستوى الوزراء في وزاراتهم والذين يتعين عليهم الاستمرار بتصريف الأعمال بالمعنى الضيق في وزاراتهم، أو على مستوى البرلمان، تتمثل باعتماد الإجماع في توقيع مراسيم جوالة، لأن هذا الإجماع يشكل محاولة لتعويض جزء من الخلل الدستوري والميثاقي الناجم عن اتخاذ الإجراء في ظل غياب رئيس للجمهورية".
ويذكر يمين بأن الرئيس نجيب ميقاتي كان أول من ابتدع طريقة بديلة وغير منصوص عليها في الدستور لاجتماعات مجلس الوزراء في ظل حكومات تصريف الأعمال، ولكن في ظل وجود رئيس للجمهورية، وهي طريقة الموافقات الاستثنائية التي كانت تقوم على توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على موافقة استثنائية بديلاً من قرار مجلس الوزراء على أن تسوى لاحقاً عندما تؤلف حكومة جديدة وتنال ثقة البرلمان، كما كان يحصل.
التيار يطعن
وفي خضم التجاذب الحاصل بين السراي الحكومي وميرنا الشالوحي، مقر التيار الوطني الحر، نفذ الوزراء المحسوبون على التيار وعودهم بتقديم طعن في المراسيم التي أقرت من جلسة مجلس الوزراء والتي حملت توقيع رئيس الحكومة في الخانة المخصصة لرئاسة الجمهورية بدلاً من إصدارها موقعة من الوزراء الممثلين لمجلس الوزراء مجتمعاً.
وتقدم وزيرا الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، والمهجرين عصام شرف الدين أمام مجلس شورى الدولة، بطلب إبطال المرسومين 10949 و10948 الصادرين بتاريخ 5/12/2022، مع طلب وقف التنفيذ لهما، وتقصد الوزيران المعنيان المحسوبان على التيار الوطني الحر اختيار مرسومين يستفيد منهما شخص واحد، فيما تجنبا طلب الطعن في المراسيم الأخرى التي تطال الناس كالزيادة للعسكريين في الخدمة والمتقاعدين أو دعم الاستشفاء وشراء الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة.
وفيما يؤكد الخبير الدستوري سعيد مالك معلقاً على الخطوة بأن لا تعليل قانونياً أو دستورياً يجيز للوزراء الـ 24 التوقيع على المرسوم، بقي السؤال حول القرار الذي سيتخذه مجلس الشورى في هذا الصدد، فهل يذهب في الاتجاه نفسه الذي اعتمده في مراجعات سابقة مماثلة، بالتالي تثبيت إمكانية توقيع رئيس الحكومة بدلاً من رئيس الجمهورية، أم يكون للسياسة دورها؟
ومعلوم أن القرار يصدر بالأكثرية ورئيس مجلس الشورى هو القاضي فادي الياس المقرب من التيار الوطني الحر، لا شك أن إبطال المرسومين مساره طويل، لكن يمكن لمجلس الشورى وقف تنفيذ هذين المرسومين لحين البت بالطعن، وفي ذلك تجميد ولو مؤقت لحكومة تصريف الأعمال.