Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفكيك لغز الدخول الأول لفيروس الجدري إلى أجساد البشر

نجح العلم في استئصال ذلك الوباء لكن بداياته ظلت مبهمة باستمرار

أطلقت منظمة الصحة العالمية حملة مكثفة للاستئصال الجدري عام 1967 وأعلنت في ديسمبر 1979 استئصاله بصورة نهائية (موقع منظمة الصحة العالمية)

على مدار تاريخ طويل شكل الجدري أحد أكثر الأمراض الأشد فتكاً بالبشرية، وقد صنع الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر في العام 1796 مصلاً مضاداً له، فكان أول لقاح يصنعه العلم ويستعمله في مكافحة الأوبئة، وفي العام 1967 أطلقت "منظمة الصحة العالمية" حملة مكثفة للقضاء على ذلك الوباء ونجحت في إزالته من أميركا اللاتينية في 1971، وقضت على آخر بؤرة آسيوية في 1975.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 1979 أعلنت لجنة دولية مؤلفة من خبراء ينتمون إلى 19 دولة استئصال وباء الجدري، وفي السنة التالية ثبتت "منظمة الصحة العالمية" ذلك الإنجاز الذي لم يتحقق مثيل له حتى الآن.  

في المقابل بقي الغموض يلف تاريخ انتقاله إلى أجساد البشر للمرة الأولى، ولكن الآن كشفت دراسة صدرت نتائجها حديثاً أن الفيروس يعود في الزمن لـ 2000 عام، أبعد مما ورد في تقديرات العلماء، فلمدة طويلة ساد اعتقاد بأن هذه العدوى ظهرت مع شعوب الـ "فايكنغ" قبل 1400 عام، بحسب وكالة "ساوث ويست نيوز سيرفيس" SWNS في تقرير نشرته في هذا الشأن. وفي المقابل تبين أن الفيروس استهل انتقاله إلى البشر قبل ما يزيد على 3800 سنة في زمن الحضارة الفرعونية.

وتذكيراً يعرف الجدري Smallpox طبياً باسم "فيروس فيرولا" variola virus، ويعتبر المرض البشري المعدي الوحيد الذي انتصر عليه البشر بعد حملة تلقيح عالمية.

أشيد بلقاح الجدري بوصفه أهم إنجاز في الصحة العامة على مستوى العالم، وقد أرسى الأساس لبرامج التطعيم الشاملة في مرحلة الطفولة.

طوال آلاف السنين قتل الجدري مئات الملايين من الناس من دون أن يميز بين غني أو فقير، طفل أو مسن، إذ أودى بحياة شخص واحد على أقل تقدير من كل ثلاثة مصابين، وغالباً ما ظهر في أشد الأشكال خطورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الأعراض فكانت مروعة وشملت الارتفاع في درجة حرارة الجسم والقيء وبقعاً حمراء صغيرة في الفم يعقبها نتوءات مملوءة بالسوائل تغزو الجسم برمته.

وفي غياب اللقاح المضاد لا ينتظر الموت كثيراً قبل أن يطيح بالمصابين، تقريباً في غضون أسبوعين من العدوى، أما الناجون فيغادرهم المرض تاركاً لهم أضراراً صحية دائمة مثل العمى والعقم، وعلامات على البشرة من بين تشوهات أخرى، مثل فقدان الشفتين والأنف وأنسجة الأذن.

وإذ تشير "ساوث ويست نيوز سيرفيس" إلى أشهر الناجين من الجدري تذكر إليزابيث الأولى ملكة إنكلترا، والكاتبة الإنجليزية ماري شيلي والمؤلفان الموسيقيان موزارت وبيتهوفن وأول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن والرئيس الـ 16 أبراهام لينكولن.

واستطراداً لم يحل القضاء على ذلك الفيروس من دون استمرار التحقيق في أصوله ونبش أسرارها بغية المساعدة في مكافحة الجوائح التي ربما تضرب مجتمعاتنا في المستقبل، لا سيما أن معظم المنشور من الآراء العلمية تشير إلى أنها ستصبح أكثر تكراراً.

واستطراداً نقلت "ساوث ويست نيوز سيرفيس" عن الباحث الأول في الدراسة الدكتور دييغو فورني من "معهد أوجينيو ميديا العلمي" أن "فيروس فيرولا" ربما يكون أقدم كثيراً مما كنا نعتقد".

وخلال البحث عقد فريق العلماء الإيطالي مقارنة بين جينومات السلالات الحديثة ونظيرتها القديمة من الفيروس، وفي النتيجة وجدوا من طريق إحدى المعادلات الحسابية أن الفيروس بدأ في الظهور قبل ما يربو على 3800 عام.

واللافت أن هذه النتيجة تؤكد تقديرات سابقة وضعها علماء في شأن الجدري مع اكتشاف حالات منه عند تحليل مومياوات مصرية.

وحتى ثمانينيات القرن الـ 20 شكل الجدري أحد أبرز أسباب الوفيات بين البشر، إذ تخطت أعداد ضحاياه الـ 300 مليون شخص في القرن الـ 20 وهو ما يعادل عدد سكان الولايات المتحدة تقريباً. وتنتقل عدوى الجدري من شخص إلى آخر عبر العطس والسعال واستنشاق هواء ملوث بجسيمات من الفيروس أو الاحتكاك المباشر بشخص مصاب أو مشاركة الملابس الملوثة أو السرير، وكذلك ملامسة أي سوائل جسدية.

ومنذ عهد قريب نسبياً لم تتوافر أدلة عن إصابات قديمة بالجدري سوى ما احتوته هياكل عظمية وأسنان باقية من أفراد شعب الـ "فايكنغ" عاشوا قبل 1400 سنة. وفي العام 2020 جرى التعرف على التراكيب الجينية لسلالات الجدري التي ضمتها تلك البقايا البشرية.

واستكمالاً أدى وجود تندبات على مومياء الفرعون رمسيس الخامس الذي توفي عام 1157 قبل الميلاد إلى تفكير بعض العلماء بأن نشأة الفيروس تعود لـ 3000 عام مضت في أقل تقدير.

وبحسب باحثين شاركو في الدراسة التي نشرت في مجلة "ميكروبيال جينومكس" Microbial Genomics، فإن تلك التندبات تشكل "القطعة المفقودة من الأحجية".

ووفق المعطيات المتراكمة لدى العلماء فثمة سلالات مختلفة من الفيروس لكنها تتحدر من سلف واحد مشترك، وقد استطاع جزء صغير من المكونات الجينية للفيروس، تماثل تلك التي وجدت في بقايا من شعب الـ "فايكنغ" الاستمرار في البقاء حتى القرن الـ 18.

ومع المعطيات التي توافرت عبر فحص التندبات في المؤمياء الفرعوني بات من المأمول أن تنهي النتائج جدالاً طال أمده، وتقدم نظرة ثاقبة جديدة إلى تاريخ أحد أكثر الأمراض فتكاً بالبشرية.

في رأي الدكتور فورني تكتسي فإن هذه النتائج أهمية كبيرة لأنها "تؤكد الفرضية التاريخية التي تقول إن الجدري ظهر في المجتمعات الغابرة في القدم، ولكن عند النهوض بدراسات من هذا النوع لا بد من أن نأخذ بعض الجوانب في تطور الفيروسات بعين الاعتبار"، وفق الدكتور فورني.

المزيد من صحة