Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قصة من الشرق" تستعيد "روميو وجولييت" بنكهة سورية

المخرج والمؤلف رعد خلف يقدم فن الميوزيكل في استعراض شعبي

"قصة من الشرق" ميوزيكال سوري مسرحي (خدمة الفرقة)

لا يبدو برنامج دار الأوبرا السورية متأثراً بما تشهده البلاد من حالة معيشية صعبة، فقد افتتحت أولى حفلات موسمها لهذا العام بعرض ميوزيكال من العيار الإنتاجي الثقيل، وجاء بعنوان "قصة من الشرق" لمخرجه ومؤلفه الموسيقي الفنان العراقي المقيم في دمشق رعد خلف، وقام الكريوغراف معتز ملاطية لي بتصميم الرقصات للعرض، وكتب محمود إدريس قصته وأشعاره.

يروي عرض "قصة من الشرق" حكاية جاد (مصطفى الشهابي) وشغف (آية الشاعر) اللذين يضطران- بحكم العادات والتقاليد- إلى عقد قرانهما قبل أن يسافرا معاً للدراسة في جامعات باريس في ستينيات القرن الماضي. ومع عودتهما إلى البلاد يصر كل من ذوي الشابين على طلاقهما، وتزويج شغف من ابن عمها، لكن الزوجين بعد سنوات الغربة التي عاشاها معاً، لم تعد علاقتهما رهناً بسلطة الأمر الواقع والظرف الاجتماعي القائم، فقد عايشا عن قرب ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968، فتشربا أفكارها وقيمها، وتعاهدا ألا يرضخا إلا لنداء الحرية. ولعل هذا ما راح يؤجج خلافاً بين والد العروس أبو الورد (مجدي أبو العصفور) مختار الحي وزعيمه التقليدي، وبين والدة العريس السيدة غالية (غزل يوسف) رئيسة الجمعية النسائية في البلدة، والمرأة المستميتة في الدفاع عن حقوق النساء وحريتهن في تقرير مصائرهن.

صدام أهلي

ومع هذا الصدام الكاريكاتيري بين أهل العريس وأهل العروس يفترق الحبيبان ويصطدمان بالواقع مرة أخرى، وينقسم أهالي الحي بين مؤيد ومعارض، في إسقاط ساخر على المأساة السورية. تلقي قصة جاد وشغف بظلالها على عشاق آخرين في الحي نفسه، فتتكاثر حفلات الطلاق، ويهيم العشاق في طلب حب مستحيل، فيما يقف الآباء سداً منيعاً أمام تحقيق رغبات الأبناء بالصلح والاجتماع على قلب رجل واحد.

يقع ذلك وفق قالب كوميدي مرح، حاول مخرج العرض ومؤلفه الموسيقي أن يقوما بتجزئة فصوله الأربعة، ما بين الحوارية الشعرية والمغناة الراقصة والحبكة الموسيقية، تبعاً للشروط الفنية لعرض الميوزيكال. عمل رعد خلف على تحضيره وتجميع عناصره الفنية لأكثر من ثمانية أشهر متواصلة، مكملاً ما كان قد بدأه بين عامي 2005 و2007 بتقديم عرضي ميوزيكال من توقيعه أيضاً هما: "سفر النرجس" و"آخر حكاية".

ومع طرافة القصة التي طورها القائمون على مسرحة العرض واستشاراته الفنية (سعد القاسم- سامر خلف)، إلا أنها لم تكن سوى ذريعة فنية لتقديم كوميديا موسيقية معاصرة، ابتعد فيها هؤلاء عن الحبكات الدرامية المركبة، ليكون التعويض عنها من خلال توليف عناصر استعراضية من رقص وأغنيات وموسيقى وإضاءة (عمار الحامض). هكذا تضافرت جهود أكثر من 50 مؤدياً ومؤدية على المسرح الرئيس لدار الأوبرا السورية، لنطل عبر سينوغرافيا (نزار بلال) على مستويات متعددة أسهمت قطع الديكور الضخمة، في تجسيدها كبلدة، بحرية متخيلة بأبنية بيضاء ذات نوافذ وأبواب زرقاء، بينما تعلوها شاشة عرض عملاقة يشرف منها قمر فضي على ليالي البلدة وسهرات قاطنيها وخلافاتهم المضحكة.

مغامرة فنية

بهذا المعنى استطاع مخرج العرض استقطاب كادر كبير من ممثلين وراقصين شباب من خريجي– وخريجات- المعهدين العاليين للموسيقى والفنون المسرحية، إذ إن معظمهم خاض تجربة الوقوف على المسرح للمرة الأولى، كما أتاح "قصة من الشرق" الفرصة لفرق هواة شبابية من مثل فرقة "شوارعنا" السورية لتقديم فقرة استعراضية راقصة ضمن باركور (رياضة فنية) قوامها رقص بلهواني على إيقاع وموسيقى (الريغي راب)، في حين تمكن مصمم الرقصات معتز ملاطية ليه من دمج هذه الفقرات مع رقصات السوينغ والتوكسيدو والدبكات الشعبية السورية، جنباً إلى جنب مع الرقص المعاصر، ووفقاً لإيقاعات موسيقى الجاز والسالسا البرازيلية.

على مستوى آخر تضافرت 12 أغنية وثماني رقصات في تقديم محتوى فني متنوع، وصولاً إلى ساعة وربع الساعة، زمن العرض الذي ينتهي باتفاق أهالي الحي على إنهاء خصومة أهل العروسين، فيقومون صباحاً بوضع رايات زرقاء وزهرية اللون على النوافذ والأبواب في بيوت الحي وممراته، في إشارة لما يشبه اتفاقية سلام بين رجولة تقليدية متزمتة تمثلت في شخصية (والد العروس) وأنوثة ثورية جسدتها شخصية (والدة العريس)، مما يؤدي في النهاية إلى إذعان الأبوين لمطالب ولديهما، وعودة المياه إلى مجاريها بين العائلتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بهذا الشكل نمت حبكة درامية مبسطة لم تدع ما ليس لها من تعقيدات وذرى درامية واضحة، كما هي الحال في المسرح الدرامي أو عروض الأوبرا والمسرح الغنائي، بل انحازت إلى مسرح المنوعات الاستعراضي، واضعة التأليف الموسيقي في الواجهة، ومنتصرة للإبهار البصري والتلوين في أنماط الرقصات والأزياء (ريم الشمالي) والمكياج (منور عقاد). وأسهم كل ذلك في عكس حقبة الستينيات السورية ببدلات رجالها البيضاء والملونة وفساتين نسائها الزاهية، وتسريحات شعورهن المرسلة، مما عزز الشخصية اللونية للعرض، وابتعد عن الرماديات لصالح غنى بصري ساندته الإضاءة في كثير من مفاصل العرض، فأعطته نكهة جمالية اتفقت مع مضمونه الفكاهي المرح.

وكما هي الحال في عروض الميوزيكال برز أداء الممثلين للشخصيات النمطية، وذلك لما يوفره هذا النوع من الأداء من إضفاء للطرافة والمفارقات والقفشات الضاحكة على أحداث المسرحية الموسيقية، وهذا ما كان واضحاً مع شخصيات مثل عجوز الحي المتصابية (رولا طهماز)، والبائع المتجول درويش (غيث الأدهمي) ورفيقه المهرج صابر (محمد صقور)، إضافة لكاريكاتير المرأة النمامة سلاسل (مي حاطوم) والفتاة الرياضية نسمة (ميرنا المير). أصر مخرج العرض على البطولة الجماعية، سواء على صعيد التمثيل أو حتى على مستوى الغناء، فقدم عرض "قصة من الشرق" أصواتاً غنائية واعدة من مثل هبة فاهمة، ومايا زين الدين، وفادي زرقة، مما وأعطى تنويعاً مقصوداً في التوجه العام للأداء، وإبراز خامات صوتية ومواهب شابة لا تجد عادة مساحة كافية للتعبير عن طاقاتها الفعلية في الأعمال التلفزيونية وشارات مسلسلاتها.

هذه المواءمة بين الشكل الاحتفالي وعناصره الفنية المختلفة لم تكن ليتبلور في صيغتها النهائية، لولا القدرة على استيراد أنواع متعددة من رقص وموسيقى الشعوب، ودمجهما مع قوالب غنائية راقصة ذات صيغة محلية، ليكون الجمهور مع موعد مع قصة أقرب إلى روميو وجولييت سوريين، لكن بنهاية سعيدة لا ينتحر فيها العاشقان الأبديان كما بات معروفاً في المسرحية الشكسبيرية، بل يتوجان تمردهما على العادات والتقاليد البالية بإعلاء نداء الحرية، والانعتاق من سلطة العائلة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة