Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب على الألوان في الجزائر

الظلام والفقر والشعوذة والمخدرات والمرض أولى بمعركة البلاد

إمطار هواتف مواطني الجزائر برسائل تحذر من خطورة الألوان  (أ ف ب)

لم أكن أعلم أن الألوان تمثل خطراً على حياة العباد وعلى أمن البلاد حتى رأيت ذلك بأم عيني في الجزائر، حيث فجأة تم إمطار المواطنين برسائل إلكترونية على هواتفهم الذكية تحذر من مغبة خطر الألوان ومطالبة الحذر والتجنيد للخروج في معركة حاسمة ضد هذا العدو المريب، الألوان!

الله أكبر!

عجباً، هناك بلدان تخوض معارك اقتصادية ضد التخلف وثانية تقود معاركها الاجتماعية ضد الفقر وثالثة تخرج نخبها في معارك فكرية ضد التطرف والإرهاب ورابعة يقودها المربون ضد الأمية وخامسة يقودها أصحاب المآزر البيضاء ضد الأمراض والأوبئة وسادسة سياسية ضد الفساد وسابعة إدارية ضد البيروقراطية وأخيرة وطنية ضد أمراض الجهوية. أما في الجزائر، ففي تصرف صبياني يدل على هروب من مواجهة المشكلات الحقيقية اليومية للمواطن، قررت جهة رسمية في البلاد قيادة حرب وحدها ضد الألوان بأسلوب غامض، وكأنما تريد أن تجعل الجزائر جزائرها، بلد الأبيض والأسود وفقط، بلد من دون ألوان!

هل الألوان تؤذي إلى هذا الحد؟

كثير من الجزائريين، كما غيرهم، ولو من باب النوستالجيا، وأنا واحد منهم، يحبون مشاهدة الأفلام بالأبيض والأسود، لكنهم أيضاً يعشقون الأفلام بالألوان الزاهية، فهذا لا يغطي على ذاك. يحبون الأفلام العتيقة لجينا لولو بريجيدا وأنطوني كوين وفاتن حمامة وإيرين باباس ومحمود مرسي وعبدالحليم حافظ وأفلام الـ"كاوبوي" وشارلي شابلن، ولكنهم يحبون أيضاً أفلام الألوان المائية والشفقية والقزحية كـ"أفاتار" و"تيتانيك" و"كرز" و"الأب" و"غلادياتور" وأفلام يوسف شاهين وأحمد راشدي والأخضر حامينا ورشيد بوشارب وعبدالكريم بهلول وجعفر قاسم وسليم إلياس ومرزاق علواش ومالك بن إسماعيل.

صحيح بعضنا بل كثيرنا، يحن بين الحين والآخر، إلى العودة للصور بالأبيض والأسود حتى لو كانت قد التقطت في "اليوم الأسود" ويرى فيها رومانسية لا تمنحها ربما الصور بألوان الطيف جميعها، فترانا بين الفينة والأخرى نخرج ألبوماتنا القديمة حيث بساطة الصورة وبساطة الناس والابتسامة البريئة والذين رحلوا والذين هاجروا والذين نسينا أسماءهم، لكن يا صاحبي الصور بالألوان مدهشة أيضاً وهي جزء منا.

فحب الأسود والأبيض لا يعادي ولا يخاصم ولا يحارب الألوان البهية، لكل دهشته وجماله وفتنته وشعريته.

يدعون إلى الخروج في حرب غريبة وغامضة ضد الألوان في حين يطعن تلميذ لم يتجاوز 15 سنة من عمره أستاذته في رحاب المؤسسة التربوية، حدث هذا منذ أسبوع في واحدة من مؤسساتنا التعليمية بولاية باتنة شرق الجزائر العاصمة.

إعلم يا صاحبي بأن حربنا ليست ضد الألوان إنما هي ضد الجريمة العابرة للأعمار التي أصبحت ثقافة أجيال متداخلة ومتعاقبة، تنتجها مدرسة معطوبة داخل مجتمع مهزوز القوام والقيم.   

حين يدق بعض المتخصصين النزهاء من علماء الاجتماع وعلماء النفس والقضاة والأطباء والمربين ناقوس خطر انتشار المخدرات بكل أنواعها الصلبة والرخوة والناعمة والمائية والبخارية والأسمنتية والتي تغلغلت في مفاصل المجتمع برمته، واقتحمت المؤسسات التربوية في المدينة كما في الأرياف لا فرق، في الأحياء الراقية والشعبية لا فرق، لتصبح من يوميات التلاميذ العادية جداً، في جميع الأطوار من الابتدائي حتى الثانوي من دون استثناء، ذكوراً وإناثاً من دون استثناء، فاعلم يا سيدي أن حربنا ليست ضد الألوان بل ضد هذا السم الذي يجيء على جيل كامل ويهدد مستقبل هذه الأمة العظيمة أمة الأمير عبدالقادر الشيخ الحداد والعربي بن مهيدي وعبان رمضان ومحمد بوضياف وسليمان عميرات وكاتب ياسين وامحمد اسياخم ومولود معمري ومفدي زكريا والطاهر جاووت وعبدالقادر علولة وأيت منغلات.

الجزائر الكبيرة والعظيمة، جزائر هؤلاء وغيرهم كثر، تحتاج إلى حرب ضد الغلاء الفاحش الذي أصبح يسحق موازنة الأسرة الفقيرة ويهدد الطبقة الوسطى، فحبة البيض الواحدة التي لونها أبيض ولا ألوان مخيفة على قشرتها يصل سعرها، بل وصل، بحسب بعض المراقبين، إلى 25 ديناراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالحرب التي يجب أن تشن وبهوادة هي حرب ضد "غلاء سعر البيضة" التي لها لون واحد في ما أعتقد لا الحرب الأيديولوجية الدونكيشوتية ضد الألوان الجميلة التي تشكلها طبيعة بلادي الجميلة والتي يحبها الأطفال والكبار.

لا خوف على الأطفال من بعبع الألوان، الخوف عليهم من حبة "البيضة غالية الثمن" ويصعب عليهم اقتناؤها.

اتركوا الأطفال في الألوان فلا خوف عليهم، الظلام والفقر والشعوذة والمخدرات والمرض وقلة المواصلات وغياب التدفئة في قاعات الدرس هي من يرعبهم.

لا تعقدوا الأطفال من الألوان.

الحرب التي يجب أن تشن، حرب غير رحيمة. هي حرب ضد المضاربين الذين يتلاعبون بالأسعار فيذيقون المواطن كل ألوان الشقاء القزحية والشفقية وما فوق المائية، كل ألوان المرارات.

الحرب التي علينا جميعاً أن نخوضها من دون تردد ولا تقصير هي الحرب ضد التحرش بالنساء، حرب ضد العنف وألوان القتل التي تتعرض لها النساء والفتيات Féminicide  بحيث أصبح هذا السلوك الإجرامي من متفرقات الجرائد الصفراء، أخباراً للتسلية!

نعم نريد معركة ضد الألوان، لكن أية ألوان؟ نريد خوض حرب ضد ألوان العذاب القزحية والغبشية والطيفية والبنفسجية وما فوق البنفسجية التي تتذوقها الأم والبنت والأخت والزوجة كلما وضعت قدمها في الشارع أو في وسيلة نقل عمومية لا حرباً ضد الألوان التي وهبها الله لطبيعة الجزائر بكل جمالها البديع.

نعم نريد حرباً ثقافية وفكرية وفلسفية ضد كل الرموز والعلامات والرايات التي ترمز إلى الإرهاب والعنصرية والعنف وتشويه القيم الإنسانية مهما كان لونها، لأنها رموز تشكل تخريباً على مخيال الأطفال والمراهقين.

لكن اتركوا الأطفال في مصالحة بريئة مع الألوان الجميلة فهي متعة وهبتها الطبيعة لهم فلا تشككوا فيها فتلوثوها فتخلقوا فيهم أمراضاً نفسية جديدة.

معارك الجزائر التي نريدها أن تنافس بلدان الخليج في حركتها الاقتصادية والعمرانية المدهشة وتنافس بلدان الشمال في نهضتها التكنولوجية والحضارية هي معارك ضد المضاربة والفساد والفوارق الاجتماعية والخواء الثقافي.   

اقرأ المزيد

المزيد من آراء