Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سؤال راودني أثناء إجلاء مستشفى للأمراض النفسية في أوكرانيا

هل كانت المخاطر على الحياة التي واجهها الفريق في خيرسون تستحق هذه المجازفة؟ نعم، إن كان ذلك يعني حماية أرواح 400 شخص

في غضون دقيقتين أو ثلاث، سمعنا نحو 10 انفجارات من فرق إزالة الألغام (أ ب)

فيما عبرنا مقاطعة خيرسون بالسيارة متوجهين نحو المدينة، كشفت هذه الحرب عن وجهها بوضوح. على امتداد كيلومترات عدة، عم الدمار الشامل بعد أن سوى القصف المتواصل بلدات وقرى بالأرض- لم تبق مدرسة أو داراً أو منشأة طبية لم يطلها القصف. 

عندما وصلنا إلى مدينة خيرسون، أصبحت أصوات الانفجارات شبه متواصلة. شهدت أجزاء متفرقة من المدينة إما انهمار القذائف الروسية عليها، أو إطلاق القذائف الأوكرانية منها، أو قيام فرق إزالة الألغام بتفجير عبوات خلفتها القوات الروسية المنسحبة وراءها. في غضون دقيقتين أو ثلاث، سمعنا نحو 10 انفجارات من فرق إزالة الألغام. كان الصوت يصم الآذان، وتردد صدى كل انفجار في صدورنا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جاء طلب إجلاء مستشفى خيرسون للأمراض النفسية من وزارة الصحة الأوكرانية. وتمكن نحو 400 مريض بحاجة إلى دعم طبي على مدار الساعة من النجاة طيلة أشهر في منطقة حرب من دون الأدوية التي يحتاجونها. وبسبب انقطاع التيار الكهربائي، عجز الطاقم الطبي للمستشفى عن الاستمرار بتوفير الرعاية الأساسية أو حتى تأمين القوت المناسب لمرضاه، مع استمرار وجود المستشفى ضمن مجال نيران المدفعية.

استأجرنا باصين يمكن لكل منهما نقل 50 راكباً ووضعنا خطة لإجلاء المرضى ضمن أربع مجموعات، على أن ننقلهم إلى قطار مخصص للإجلاء الطبي في الجزء الثاني من الرحلة. كانت أوديسا وجهتنا النهائية عبر ميكولاييف. وقع الاختيار على مستشفى في أوديسا يمكنه استقبال المرضى وتقديم الرعاية المستمرة لهم. 

من موقعي كمستشار وحدة إدارة المخاطر، دائماً ما يجول في خاطري السؤال التالي: هل يستحق أثر العمل الذي نؤديه المخاطر التي نتخذها؟ كل يوم، يضطر العاملون في المجالين الطبي والإنساني في أوكرانيا (وهم غالباً من وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني المحلية) أن يتخذوا قرارات صعبة وشجاعة في معظم الأحيان من أجل مصلحة مرضاهم. بالنسبة إلى الفريق الذي نفذ عملية الإجلاء من خيرسون، كان الأمر واضحاً: فالمشقة التي تكبدوها تستحق هذه المخاطر على الحياة التي واجهوها إن كانت تعني حماية أرواح 400 شخص.

عندما وصلنا مع الباصات لإجلاء أول 100 مريض، ظهر جلياً لنا بأن الأشهر التي مضت من دون معدات طبية مناسبة والأيام التي انقطع فيها التيار الكهربائي قد خلفت أثراً كبيراً. بدا الهزال واضحاً على مرضى كثر، كانوا يمسكون أكياساً بلاستيكية فيها خبز ناشف. في غياب الأدوية الضرورية والطاقة من أجل الطهي، استبد بهم الضعف. فيما صعد الأفراد إلى الباص، واستمر سيل الانفجارات. بعض المرضى لم يكونوا قد خرجوا إلى الهواء الطلق منذ فترة طويلة، وها هم الآن يواجهون درجات حرارة متدنية للغاية وانفجارات هزت نوافذ الباص. 

مع تواصل عملية الإجلاء، كان معظم طاقم المستشفى يذرف الدموع- فهؤلاء هم مرضاهم الذين عملوا معهم لفترة طويلة جداً والآن، مع إغلاق المستشفى، قد لا يرونهم مجدداً. شاهدت مدير المستشفى وهو يتناول قلماً قديماً وأنيقاً من جيبه ويعطيه لأحد الممرضين. علمت لاحقاً بأن القلم كان ملكاً لوالد المدير، الذي أسس المستشفى. شغل المدير هذا المنصب مدة 30 عاماً، لكنه علم أنه فور مغادرته، من غير المرجح أن يعود. 

فور صعود المرضى إلى الباص- ما عاد التراجع ممكناً وكان علينا واجب رعاية جميع الموجودين على متن المركبة. كل إنسان نقلناه كانت لديه حاجات طبية خاصة، وعلى الأرجح أنه شاركنا شعورنا بالخوف. حرصاً على حسن التواصل واستمرار الرعاية، رافقنا في كل باص ثلاثة ممرضين من المستشفى- كما رافقتنا طبيبتنا الخاصة، ألبينا، لكي تعمل مع الممرضين والمرضى، حفاظاً على استمرارية الرعاية. إن التنقل عبر مناطق متنازع عليها قرب الجبهة الأمامية داخل باص مزدحم بالركاب تجربة مخيفة لأي شخص، ولا يمكنني أن أتخيل شعور مرضانا الذين عانى كثير من بينهم من حالات تقيد حركتهم.   

في الحقيقة، لم يكن أي فريق ليفعل ما فعله هذا الفريق- فمستوى الخطر كان واضحاً، لكن رغبتهم بحماية حياة الناس كانت شجاعة. سارت عملية الإجلاء بشكل آمن في الأخير، لكن ما يزال عدد كبير من الأشخاص يعيش على مقربة من الجبهة، وهم بحاجة إلى مساعدة- فعديد من بينهم مسنون، أو يعانون من أمراض مزمنة أو صعوبة في الحركة؛ وبالنسبة إلى منظمات مثل منظمتنا، لا يزال علينا فعل الكثير.

انتهت عملية الإجلاء والنقل الآمن لـ400 مريض يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2022، وفي غضون ستة أيام، قدم فريق منظمة أطباء بلا حدود في خيرسون 818 استشارة طبية. منذ تصعيد الحرب في فبراير (شباط)، نقلت أطباء بلا حدود 2538 مريضاً من مناطق قريبة من الخطوط الأمامية التي تمتد الآن على مسافة ألف كيلومتر. تستعر الحرب في أوكرانيا منذ تسع سنوات تقريباً.

جوليان بينيه هو منسق الأمن في منظمة أطباء بلا حدود

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء