Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رأس السنة الأمازيغية... احتفال تاريخي من أجل الحياة

رغم إعلانها عيداً وطنياً في الجزائر لا تزال حكومات المغرب وتونس وليبيا مترددة في اتخاذ الخطوة    

اعتمدت الجزائر للمرة الأولى رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية عام 2018 (اندبندنت عربية)

يوحد الاحتفال الشعبي والثقافي برأس السنة الأمازيغية 2973 شعوب شمال أفريقيا، بخاصة في المغرب والجزائر وكذلك تونس وليبيا وإن بدرجة أقل، بينما لا تزال هناك تباينات بين دول المنطقة في شأن المكتسبات المتحققة من ترسيم اللغة الأمازيغية أو اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً رسمياً.

وإذا كانت الجزائر على سبيل المثال اعتمدت للمرة الأولى رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية عام 2018، فإن المغرب لا تزال مترددة في الإعلان الرسمي عن اعتماد مماثل، بينما تبقى الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية في تونس وليبيا "محتشمة ومحدودة" في مجملها.

يعتمد الأمازيغ في البلدان المغاربية هذا التقويم تحديداً احتفالاً بالأرض والزراعة والتفاؤل بمحاصيل وفيرة، لكن هناك من يرجع اعتماد تقويم السنة الأمازيغية (2973) إلى ذكرى هزيمة الملك الأمازيغي شيشناق لفرعون مصر رمسيس الثاني.

ترسيم الأمازيغية

في المغرب يظل ملف ترسيم الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة محط سجالات ونقاشات، فبينما تؤكد الحكومة أنها تسير قدماً في طريق تنزيل ترسيم الأمازيغية في المجتمع والإدارة، فإن هيئات وجمعيات أمازيغية تتمسك بضرورة الترسيم الكامل والفعلي.

وقبل رأس السنة الأمازيغية في المغرب، اختارت الحكومة، أمس الأول الثلاثاء، أن تعمد إلى التوقيع الرسمي على عدد من الاتفاقات بين قطاعات وزارية معنية بهدف تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الحياة العامة، خصوصاً في الإدارات العمومية.

وفق الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش، وهو رجل أعمال أمازيغي، فإن تنزيل ترسيم الأمازيغية يتعلق بالإدارة والخدمات العمومية والتعليم والعدل والثقافة والإعلام السمعي البصري، بحيث سيتم توظيف مستخدمين لإرشاد المواطنين داخل الإدارات بمختلف اللهجات الأمازيغية وتسهيل تواصلهم في المحاكم والمستشفيات.

الحكومة تؤكد أنها اعتمدت بهدف تنزيل ترسيم الأمازيغية في الإدارات العمومية غطاء مالياً يبلغ 300 مليون درهم (29.36 مليون دولار) برسم قانون المالية لعام 2023، مقابل 200 مليون درهم (19.58 مليون دولار) عام 2022، وسيتم رفع قيمة التمويل تدريجاً خلال السنوات المقبلة ليصل إلى مليار درهم (نحو 98 مليون دولار) في 2025.

مقابل هذه الطموحات الحكومية يرى نشطاء وجمعيات أمازيغية أن هذه الخطوات على رغم أنها مهمة فإنها غير كافية أبداً لترسيم اللغة الأمازيغية في مناحي الحياة العامة للمغاربة، معتبرين أن الترسيم يحتاج إلى إرادة سياسية أكبر، بخاصة أن مجرد إعلان رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية ما زال مطلباً لم يجد الموافقة الحكومية بعد.

شعبي ورسمي

يأخذ الأمازيغ المغاربة على الحكومة ترددها في إعلان قرار بتخصيص رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة رسمية، على رغم تجدد هذا المطلب الذي يوصف بأنه "تاريخي" للحركة الأمازيغية، في حين تتعهد الحكومة كل مرة بقرب إعلان القرار.

يطلب النشطاء المغاربة اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً رسمياً مثل ما حدث في الجزائر، خصوصاً بعد ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور البلاد منذ 2011 وصدور القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في كل قطاعات الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهتها تقول الحكومة إنه لا أحد يمنع احتفال الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية وإن الاحتفال على مستوى الحكومة يتم من خلال عقد مهرجانات أمازيغية في الأدب والغناء وتنظيم مسابقات أدبية من قبيل جائزة الدراسات الأمازيغية وجائزة الإبداع الأمازيغي وغيرها من المبادرات والأنشطة.

وأمام هذا الأخذ والرد بين الحكومة والجمعيات والنشطاء الأمازيغ بخصوص "الاحتفال الرسمي" برأس السنة الأمازيغية، فإن الاحتفالات الشعبية تظل هي السائدة من خلال تحضير الأمازيغ أطباقاً خاصة بهذه المناسبة، لعل أشهرها طبق "تاكلا" الذي يتناوله الأمازيغ في المغرب خلال هذه المناسبة الاحتفالية.

وأكلة "تاكلا" تصنع من دقيق الشعير في الغالب وكميات من الماء وبعض زيت الزيتون أو زيت أركان الشهير، وتقدم في إناء خشبي أو طيني، ووسط الأكلة يتم حفر حفرة صغيرة يوضع فيها السمن مذاباً مع الزعتر أو زيت الزيتون قبل تقديمها ساخنة لأفراد الأسرة.

في عدد من المناطق الأمازيغية يتناول أفراد الأسرة أو القبيلة الأمازيغية أكلة "تاكلا" خلال رأس السنة وسط أجواء من الفرح والاحتفال بالرقص على إيقاعات المجموعات والفرق الأمازيغية المحلية.

اعتراف وآمال

إذا كان نشطاء المغرب يلحون في طلب اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً، فإن الجزائر سبق لها الاعتماد الرسمي لرأس السنة في 12 يناير عطلة رسمية مدفوعة الأجر عام 2018، كما يتم الاحتفال بهذه المناسبة رسمياً وشعبياً في أرجاء عدة من البلاد.

واهتمت الجزائر باللغة الأمازيغية من خلال جعلها لغة وطنية في الدستور المعدل عام 2001، ولغة رسمية في دستور 2016، كما أنها خصصت مؤسسة حكومية لمتابعة تعزيز الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال مؤسسة "المحافظة السامية للأمازيغية".

في سياق الجهود المبذولة رسمياً لدعم الأمازيغية في مناحي الحياة العامة بالجزائر، تعتزم المؤسسات الإدارية والمصرفية المعنية تدوين اللغة الأمازيغية في النقود والوثائق الرسمية، وهو ما سبق أن كشف عنه الهاشمي عصاد الأمين العام لـ"المحافظة السامية".

ومن مظاهر تطور مسار الأمازيغية في الجزائر أيضاً إصدار نسخة من الدستور باللغة الأمازيغية بحرف "تيفيناغ" برفقة النص الأصلي مكتوباً بالعربية، فضلاً عن ترجمة وثائق سياسية تاريخية إلى الأمازيغية وتوثيق أغان وأهازيج من فترة الاستعمار الفرنسي باللغة ذاتها.

وفي وقت يرى كثر من النشطاء الأمازيغ أن مثل هذه الخطوات أساسية وضرورية لتعبيد الطريق نحو الترسيم الكامل للأمازيغية في البلاد، فإنهم يعتبرون من جهة أخرى أن هناك نوعاً من التوجس المشوب بحساسية مفرطة حيال هذا الملف.

احتفالات ولكن

ووفق نشطاء أمازيغ في الجزائر، تظهر أحياناً تصريحات أو قرارات تنسف كل الجهود المبذولة لتطوير الأمازيغية منها على سبيل المثال منع رفع العلم الأمازيغي في الاحتجاجات الشعبية، علاوة على تصريحات سلبية لمسؤولين أو برلمانيين مثل دعوة وجهتها برلمانية قبل بضع سنوات إلى عدم الزواج من الأمازيغ.

ولأن الدولة أقرت رسمياً رأس السنة الأمازيغية منذ 2018، فإن هناك احتفالات ثقافية لا تكاد تخلو منها مناطق عدة في الجزائر، ففي رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2973 تعمد هيئات ومؤسسات ثقافية حكومية إلى تنظيم معارض وندوات للاحتفاء بهذه المناسبة.

على سبيل المثال انطلقت عروض المسرح الأمازيغي بداية من الإثنين 10 يناير إلى الأحد المقبل، وتتضمن مسرحيات يعرضها ممثلون باللهجات الأمازيغية المنتشرة في البلاد، إضافة إلى تنظيم معارض للصناعات التقليدية والفنون التشكيلية وعروض موسيقية وفنية تراثية من الثقافة الأمازيغية.

وللسينما الجزائرية الأمازيغية حضور في هذه المناسبة أيضاً من خلال بث المركز الجزائري للسينماتوغرافيا (مؤسسة عمومية) عدداً من الأفلام ذات الصلة من قبيل "جبل باية" و"ميموزران" و"ماشاهو" وأفلام أخرى، كما يتم الاحتفال بالباحثين في مجال الأدب الأمازيغي من خلال تسليم جائزة الدولة للغة الأمازيغية.

أما الاحتفالات الشعبية برأس السنة الأمازيغية في الجزائر، فيمكن ملاحظتها من خلال تعبيرات التهنئة المتداولة بين الأمازيغ وأيضاً الملابس ووجبات الطعام التي تعدها النساء في هذه الليلة الخاصة عند ملايين الأمازيغ في البلاد.

وتختلف الوجبات والأطباق التي يتم تحضيرها بمناسبة رأس السنة الأمازيغية من طبق "الكسكس" الشهير الذي لا تخلو منه أيضاً الموائد المغربية، وطبق "الشخشوخة" الشهير في مناطق الشرق، خصوصاً في باتنة وعنابة وسطيف وغيرها من المحافظات، وهو الطبق الشعبي الذي يصفه بعض الناس بأنه من صنع الفقراء لمواجهة الأغنياء.

صراع البقاء

بخلاف المغرب والجزائر اللذين قطعا أشواطاً في طريق المطالب الحقوقية والشعبية للأمازيغ والعناية بلغتهم وثقافتهم، يرى كثيرون أن الأمازيغية في تونس وليبيا لا تزال تصارع من أجل البقاء.

ففي تونس وعلى رغم بعض الآمال التي ظهرت خافتة بعد "ثورة الياسمين" عام 2011 لمنح حقوق أكبر لفئة الأمازيغ في البلاد، لم يتحقق شيء بارز على الصعيد الرسمي، وفق عدد من النشطاء الأمازيغ الذين تخفت أصواتهم أمام التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لا تزال تعصف بالبلد.

ويهتم النشطاء التونسيون بشكل أكبر بدعوة السلطات إلى اعتماد تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس بهدف ضمان استمرارية هذه اللغة من جيل إلى آخر، كما يطالبون بالاعتراف الرسمي الكامل بالأمازيغ مثل بقية مكونات وروافد المجتمع التونسي.

على رغم غياب إشعاع رأس السنة الأمازيغية في تونس وخفوت المطالب الحقوقية في هذه المناسبة، فإن جمعيات وهيئات مدنية تحاول أن تستدرك هذا النقص من قبيل الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية التي تنشط بشكل بارز في هذا الصدد.

ورتبت الجمعية المذكورة عدداً من الأنشطة الثقافية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، منها عرض شريط "تامورثيو أزرو" (ذاكرة القادم) للمخرج الصديق شاهين وعرض مسرحي للأطفال بالأمازيغية وتنظيم ورشات حروف "تيفيناغ" والوشم على الطريقة الأمازيغية.

أما في ليبيا، فحال الأمازيغية ليست أفضل من حال جارتها تونس، إذ إن الأمازيغ المنتشرين، خصوصاً في الجبل الغربي، أو جبل نفوسة، بالمنطقة الشمالية الغربية للبلاد، يحاولون الاحتفال بالمناسبة عبر تحضير أطباق وولائم خاصة.

تفيد بعض المصادر بأنه في رأس السنة الأمازيغية في ليبيا تعمد النساء إلى تفادي الطهي وإيقاد النار في البيوت، كما يجمعن أعشاباً بعينها ويقمن بتعليقها على جدران المناول تيمناً وتفاؤلاً بموسم زراعي خصب.

المزيد من تقارير