Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد خروج مصر من البطولة... الخسائر تهبط على أصحاب المقاهي وباعة الأعلام

أحلام الأهالي بالانتعاش المادي تحوَّلت إلى ديون تبحث عمن يسددها

مصريون يتابعون مباريات بطولة أمم أفريقيا بأحد المقاهي (حسام علي. إندبندنت عربية)

انفضت الجموع، وانقشعت الهتافات، وانطفأت الحماسات، وسكنت الأبواق. وعادت الشيشة (النارجيلة) تكركر مع خلفية إما صامتة أو تبث مجريات فريق يحرز هنا وآخر يخفق هناك. بعد أيام قليلة من خروج مصر من دور الـ16 في بطولة الأمم الأفريقية، يبدو الفرق واضحاً بين ما كان من أجواء احتفالية وآمال إيجابية وأحلام تتويجية، وبين ما أصبح من كآبة في المتابعة، وحسرة في المشاهدة، ومحاولات مستميتة للتشبث بفرحة التأمين وإنجازات التنظيم.

"نحن حالياً نتابع التنظيم الجيد ونشجع التأمين الحلو، بعدما كنا نتابع المباريات ونشجع اللعبة الحلوة. ما زلنا نشاهد المباريات، لكن كالست اللي اتدلق طبيخها (المرأة التي سُكِب طبيخها)". بهذا التشبيه جسّد سمير فاروق، 38 عاماً، موظف، وعاشق كرة القدم كما يصف نفسه، حال الكثير عن صدمة المصريين بعد خروج منتخبهم من البطولة. وعلى الرغم من أن الخروج كان مستحقاً والاستمرار كان معجزة في زمن عزت فيه المعجزات، نظراً لتدني المستوى وشيوع المشكلات، لكن من قال إن المصريين لا يتعلقون بتلابيب المعجزات؟!

الأمل والواقع
وسط أنفاس عصبية متكررة من الشيشة يقول عبد الرحمن حامد، 47 عاماً، من موقعه في مقهاه المفضل في حي مدينة نصر (شرق القاهرة) "إنه كان حتى اللحظة الأخيرة متعلقاً بالأمل في فوز المنتخب أمام جنوب أفريقيا كما حدث في المباريات السابقة". يبتسم ابتسامة باهتة ويعترف "أن الجميع يعرف أن الشكل العام للمنتخب وأداءه والروح غير القتالية والحماسة الغائبة كلها عوامل تؤدي إلى خسارة فادحة منطقياً". يتساءل ساخراً: "لكن مساحة المنطق أصلاً غائبة في غالبية تفاصيل حياتنا. وكان لدي أمل في أن يكرمنا الله بالحصول على اللقب لأننا طيبون وغلابة".

الطيبة والغُلب أعيتا من يعتبرهما طريقاً ممهداً نحو الفوز والفلاح. صاحب المقهى نفسه محمد سليمان، 50 عاماً، يتحدث عن طيبة المصريين التي تمنّى أن تكون شفيعاً لهم من أجل النصر. لكنه يعود ويصحح مسار المنطق ويقول: "عملياً خسارتي فادحة. تكلفة الشاشات العملاقة التي اشتريتها مع اشتراك بث مباريات البطولة مع تهيئة المكان لاستقبال المشجعين تجعل عينيي تدمعان كلما بدأت مباراة منذ خروج منتخبنا، وأنظر إلى الحضور الذي انخفض عدده إلى أكثر من النصف. وعلى الرغم من أنني لم أعد أطبق مبدأ الحد الأدنى (مينيموم تشارج) للجلوس مثلما كنت أفعل قبل خروج المنتخب، فإن المشجعين قليلون جداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليت الوضع توقّف عند قلة العدد فقط، لكن الجو العام في المقهى، الذي كان خليطاً من البهجة والإثارة والترقب والحماسة والأمل تحوّل إلى أجواء تتأرجح بين الكآبة والملل. لسان حالها وأصحابها وروادها يقول "إن الجميع يبكي على لبن البطولة المسكوب".

ماجدة السنباطي، 35 عاماً، وخمس من صديقاتها دأبن على التردد على المقهى في أوقات المباريات. وعلى الرغم من أنهن لا تهوين كرة القدم، لكن الأجواء الاحتفالية والتشجيع كانت تجذبهن.

تقول، "كنا نحرص على متابعة المباريات، حتى تلك التي لم يكن المنتخب المصري يلعب فيها. لم نكن نتابع بشكل جيد محتوى المباريات، أو نعي الأخطاء أو نقدر اللعبة الحلوة بقدر ما كنا نستمتع بالأجواء. حالياً نأتي أيضاً مساءً لكن لنلتقي ونتحدث معا ونضحك دون أن نلتفت للشاشات. ويكفي أننا لم نعد نحمل علم مصر ونلوّح به وكأننا استعدنا الروح الوطنية التي نفتقدها منذ نزولنا الشوارع في 30 يونيو (حزيران) 2013".

الروح الوطنية
الروح الوطنية المتمثلة في منظومة الأعلام أثرت بشكل واضح هي الأخرى على الباعة. على ناصية شارع النزهة المؤدي إلى شارع الثورة في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة) يلاحظ الجميع اختفاء جموع الباعة وبضاعتهم من أعلام مصر ذات الأحجام المختلفة والشعر المستعار الملون بألوان العلم والأبواق المستخدمة في التشجيع، وحلت محلها تلال من ثمار التين الشوكي والعربات الخشبية. أحد محترفي بيع الأعلام هجر أعلامه ووقف مرابطاً وراء تل تين في الموقع نفسه الذي كان يبيع فيه الأعلام. يقول: "توقفت حركة البيع تماماً عقب خروج المنتخب المصري من البطولة. ليلتها بكيت، فزوجتي وأمي وأطفالي سيتأثرون سلباً بهذا الخروج. منهم لله".

انتقال البائع من الأعلام إلى التين الشوكي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتأمين ما يمكن تأمينه من دخل للأسرة لم يتأثر كثيراً بالهاشتاغ (#البطولة_ماخلصتش) الذي نجح في دخول الترند. وظهر أعلى شاشات القنوات القريبة من الدولة في محاولة لدعم الجماهير معنوياً والإبقاء على مشاعر الحماسة والتشجيع حية نسبياً.

ولم تقتصر محاولات تواصل التشجيع على مناشدة الجمهور، لكنها أيضاً تحمل علامات استفهام وتعجب عدة. فالكم المذهل من الفواصل الإعلانية لشركات تدعم المنتخب الوطني وتعلن عن منتجاتها، لا سيما المتعلقة بشركات الاتصالات تقلص إلى حد كبير. ومعها أيضاً قلَّ عدد الأغنيات الحماسية التي صنعت خصيصاً للبطولة ودعم المنتخب الوطني، والتي تسببت في حالة من الشجن والرغبة في البكاء على أطلال الحلم الضائع.

ملوك أفريقيا
"ملوك أفريقيا" و"الفراعنة جيالك" و"اتقدم يا فرعون" و"مصر نمبر وان" وغيرها من الأغنيات التي هرع فنانون وفنانات لتسجيلها لتذاع أثناء موجات التشجيع وفورات الحماسة انزوت جانباً واختفت من ساعات البث، والتي اكتفت بالاستمرار في بث الأغنيات المرحبة بالمنتخبات الأفريقية والمحتفية بالبطولة نفسها، وعلى رأسها أغنية "متجمعين" للفنان حكيم.

التجمعات المتقلصة والأمزجة المتعكرة والتذاكر غير المباعة لم تؤثر في الميول الشعبية الفطرية للسخرية. تغريدات وصور كوميدية ونكات لاذعة يتم تداولها تنبيطاً على الخروج. فمن صورة تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمنتخب قبل بدء البطولة مع حوار خيالي يدق على التعليمات المتكررة التي يعطيها الرئيس للمسؤولين مطالباً إياهم باختصار مدد تسليم المشروعات وإنهاء الأعمال. يسأل الرئيس: كم يوم تستغرق البطولة؟ فيرد المسؤول: شهر يافندم. فيعطي الرئيس توجيهاته: لا أسبوعين فقط. وكمّ آخر ضخم من الصورة الكوميدية المأخوذة من أفلام ومسرحيات لوجوه بائسة تدعي الابتسام وتتصنع الاقتناع رداً على هاشتاغ "البطولة ماخلصتش".

وكان يمكن للبؤس أن يأخذ وقته وينقشع، وهذه سنة الحياة، أو ينطلي التصنع على البعض ويصدقه، وهذا يعتمد على حنكة المتصنع، لولا إعلان الاعتذار الذي نكأ الجراح وأثار الصراخ. فقد انتشر إعلان مصور على الشبكة العنكبوتية لعدد من لاعبي المنتخب، يقول كل منهم جملة: "بصوا ممكن نديكم حجج. السنين. ممكن نقول الحكام. وأنتوا عارفين. بس أسلم حاجة نعتذر". ثم يردد الجميع "آسفين"، وتظهر عبارة "الاعتذار واجب".

وأثار الإعلان بعد دقائق من بثه موجة استياء عارمة وغيظ جارف. اعتبرها البعض إهانة للمصريين، وتربحاً من دموع الحزانى، وترويجاً للمياه الغازية الراقصة على نعش المنتخب. يقول سعيد صلاح، موظف في نادٍ رياضي، وأحد أبرز مشجعي كرة القدم "كان يمكن أن يكون الاعتذار مقبولاً لو جاء بمبادرة من اللاعبين للاعتذار للمصريين عن أدائهم السيئ وعدم تحملهم المسؤولية، لكن أن يصوروا إعلاناً لصالح شركة فهذا غير مقبول أبدًا ويضاعف من حجم الغضب والحزن".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات