Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام من الفراغ الدستوري والتردي الاقتصادي في السودان

2022 شهد المطالبة الشعبية الأطول بالحكم المدني وكان حافلاً بالنزاعات والارتباك السياسي

من الاحتجاجات المطالبة بإنهاء الانقلاب العسكري في السودان (اندبندنت عربية- حسن حامد)

لم يكن عام 2022، الذي يلوح بإشارات الوداع، مألوفاً في تاريخ السودان، وكأنه سقط سهواً من ذاكرة مسيرة الوطن، أمضته البلاد من دون رئيس وزراء بحكومته الدستورية، في ظاهرة غير مسبوقة منذ الاستقلال في 1956.

ليؤرخ 2022 لنفسه عاماً من الفراغ المؤسسي، وما تبعه من كوارث ودماء النزاعات والتدهور الاقتصادي بسبب الارتباك والصراع السياسي، الذي استنزف موارد البلاد وأغرقها في حال من الاضطراب الواسع والشامل.

استفحال وبريق وأمل

يجمع معظم المراقبين والمحللين على أنه كان عاماً طويلاً مرهقاً وقاسياً، أنهك قدرات البلاد البشرية والمادية واستنزف طاقتها في الصراع والاضطراب السياسي، وهي نفسها المشكلات الموروثة امتداداً من العام السابق، انتقلت بكل تعقيداتها حاملة معها شبح الانهيار الأمني والاقتصادي ومخاوف تفكك البلاد.

شكلت الأزمة السياسية المستفحلة بين المكونين العسكري والمدني، وما تبعها من تداعيات وتوترات اجتماعية، حجر الرحى والفاعل الأكبر الذي ضم في جوفه سلسلة من الأزمات، التي أثرت سلباً في حياة كل السودانيين وحولتهم إلى ضحايا دفعوا ثمن تلك الأزمات في بلد يمتلك كل قدرات النجاح.

وسط تلك العتمة جاء توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وعدد من الأحزاب والتنظيمات والتجمعات المهنية والحركات المسلحة في خواتيم هذا العام، الإثنين الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المحتدة، والاتحاد الأفريقي والإيغاد)، ليكون الحدث الأبرز وبارقة الأمل في استكماله باتفاق نهائي يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية ليطوي السودانيون به مع نهاية هذا العام أزماتهم المتناسلة بعودة مسار الانتقال والحكم المدني.

أطول المواجهات

فرضت الاحتجاجات والتظاهرات نفسها طوال 2022 كأكبر حدث ممتد يقف شاهداً على أطول تصعيد وحراك جماهيري متصل بتاريخ البلاد، في مواجهة شعبية شبه يومية ضد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

فمنذ لحظة وقوع الانقلاب وفرملته لمسيرة الانتقال الديمقراطي، ظلت الاحتجاجات تتصاعد على رغم القمع الذي واجهته بها السلطات وسقوط نحو 122 قتيلاً وما يربو على 7000 جريح، وسلسلة من الاعتقالات التي ترصدت قادة سياسيين وشباباً من لجان المقاومة والمتظاهرين.

منذ تعليق العمل بأهم مواد الوثيقة الدستورية 2019، وحل مؤسسات الفترة الانتقالية ومجلسي السيادة والوزراء في 25 أكتوبر 2021، لا تزال البلاد تعيش حالاً من الفراغ الدستوري والتنفيذي ممتدة حتى اليوم، نتيجة الفشل في تشكيل حكومة جديدة، خلفاً للحكومة الانتقالية المطاح بها، التي كان آخر رئيس وزراء لها عبدالله حمدوك.

ضمن مشهد الارتباك، تم خلال هذا العام فك وتجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل للمرة الثالثة على التوالي، فبعد تجميدها في أكتوبر 2021، وإعادة المحكمة القومية نشاطها مجدداً، أصدر الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قراراً في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بتجميدها مرة أخرى وتشكيل لجنة لمراجعة أرصدة وحسابات هذه الاتحادات داخل البلاد وخارجها.

كوارث ونزاعات

كان للسودان نصيب مقدر في 2022 من الكوارث الطبيعية العالمية المرتبطة بالتغير المناخي، إذ شهدت معظم ولايات البلاد أمطاراً وسيولاً عارمة اجتاحت معظم مناطق الشمال والوسط والغرب، وتسببت في موت 146 شخصاً، وتضرر 151277 منزلاً و674 مرفقاً خدمياً بالانهيار الكلي والجزئي، إضافة إلى تأثر مئات الأفدنة الزراعية وجرف طرق عدة قومية رئيسة تربط أطراف البلاد بالعاصمة الخرطوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحت وقع الكارثة وتقاطعها مع الأزمة الاقتصادية تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص يمثلون ثلث السكان، بحسب تحذيرات كل من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي.

ضمن فاتورة السيول الفيضانات اجتاح وباء حمى الضنك أكثر من تسع ولايات وتجاوز عدد حالات الملاريا معدلات الحد الأدنى في 12 ولاية بحلول أكتوبر 2022، على رغم جهود وزارة الصحة والمنظمات الإنسانية في التصدي لتفشي الوباء مع حالات من مرض الحصبة والتهاب الكبد الوبائي بمناطق عدة.

في سياق الأحداث المتلاحقة خلال 2022، شهدت البلاد انفلاتاً أمنياً ملحوظاً، كان السمة الأبرز له في الارتفاع الملحوظ لمعدلات الجريمة، وتصاعد حدة النزاعات والاقتتال الأهلي في كل من دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، أحدثها العنف القبلي الذي شهدته بعض المناطق المحلية أبو زبد بغرب كردفان، الذي خلف نحو 24 قتيلاً وتم احتواؤه بواسطة القوات المشتركة.

كما أدى تجدد النزاعات القبلية والعنف في دارفور وجنوب وغرب كردفان، وفق المنظمة الدولية للهجرة، إلى مقتل نحو 500 شخص ونزوح أكثر من 83 ألف شخص في ولايات وسط وشمال وغرب دارفور إلى جانب نزوح آلاف الآخرين.

في النيل الأزرق الملتهب جنوب شرقي البلاد، تجاوز عدد ضحايا موجة العنف والاقتتال الأهلي وتكرر المواجهات الدامية بين قبائل الفونج والهوسا نحو 400 قتيل، ونزوح أكثر من 97 ألف شخص من الولاية وإليها منذ يوليو (حزيران) 2022، بحسب المنظمات الإنسانية.

كذلك لم يخل العام من توترات مع الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، كادت تعصف بوقف إطلاق النار والعداء المعلن بين الحكومة وحركتي عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان، وعبدالواحد محمد نور بدارفور بعد اتهامات متبادلة بينهما.

عودة غودفري والميرغني

من الأحداث اللافتة التي شهدتها عام 2022، وفي خطوة تعكس اهتمام أميركا ورغبتها في مستوى أرفع من التمثيل الدبلوماسي مع السودان، إعادة واشنطن التمثيل الكامل مع الخرطوم ووصول السفير جون غودفري إلى البلاد لتسلم مهماته بعد ربع قرن من خفض تمثيلها إلى القائم بالأعمال، الذي كان له دور فاعل في التمهيد لحلحلة الأزمة السياسية السودانية من خلال لجنة الآلية الرباعية التي تضم سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.

كذلك كانت عودة المرشد الروحي لطائفة الختمية وزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، بعد أكثر من عشرة أعوام قضاها في منفاه الاختياري بين القاهرة ولندن، وسط استقبال كبير من مريديه ومؤيدي الحزب، غير أنه مع عودته تفاقم الشرخ داخل الحزب من خلال التنازع بين ولديه جعفر ومحمد الحسن الميرغني على منصب نائب رئيس الحزب على رغم حسم الميرغني الكبير للأمر لصالح ابنه جعفر.

وسط ركام الأزمات تطل بعض الإشراقات عبر نجاح فريق طبي سوداني في عمليتي فصل توأمين سياميين عمرهما 20 يوماً خلال عام 2022.

كما دشن السودان رئاسته للاجتماع الوزاري 48 للهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والدورة 114 لاجتماع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية للتكامل بين الدول العربية الغنية والفقيرة تحت شعار "نحو تعاون أوثق لاستدامة الأمن الغذائي العربي".

تكاثر الصعوبات

تركت تداعيات الأزمة وما تبعها من انقسامات واعتصامات وإغلاقات للطرق والموانئ بصماتها القاتمة على الوضع الاقتصادي المتضعضع الذي تعرقلت جهود إصلاحه بتوقف مليارات من المساعدات الدولية فقدتها موازنة البلاد الحالية.

واعتبر الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد الناير 2022 عاماً حافلاً بالصعوبات الجمة، إذ يوشك على الانتهاء والبلاد بلا حكومة لمدة ما يزيد على عام كامل.

وقال الناير إن العام اتسم برفع شعار الاعتماد على الذات بدلاً عن الموارد الأجنبية الخارجية، بعد توقف الدعم الأجنبي، لكن الفهم للاعتماد على الموارد الذاتية كان خاطئاً ومغلوطاً، كونه لا يتم بزيادات الرسوم والضرائب والجمارك وأسعار الخدمات للمواطنين، بل بتحريك وتوظيف الموارد والثروات المعدنية وظاهر وباطن الأرض.

وأشار إلى أن ذلك كان انصياعاً كاملاً لروشتة صندوق النقد الدولي، وبلا مقابل ومن دون أن يحصل السودان على أي قروض أو منح أو مساعدات، لكنه فقط فاقم من حال الشظف والغلاء والفقر وسط المواطنين.

ولفت إلى أنه وللمرة الأولى في تاريخ السودان تجاز الموازنة بعد دخول العام الجديد في يناير (كانون الثاني) 2022، بينما الصحيح والقانوني أن يتم ذلك قبل 31 ديسمبر (كانون الأول)، وفي إجراء شكلي تم بواسطة مجلس وكلاء مكلفين بمهمات الوزراء لغرض استيفاء الشكل القانوني لإجازة الموازنة قبل عرضها على الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء.

من يصنع القرار؟

واستطرد الناير "إضافة إلى تحدي عدم وجد حكومة لمدة عام كامل شهدت السنة المالية، بموجب قرارات مكتبية، زيادات كبيرة في الرسوم والخدمات وغيرها، لتكون بذلك أول موازنة في تاريخ البلاد تشهد زيادات أثناء العام، علماً أن الموازنة العامة للدولة بمثابة قانون أو خطة قصيرة المدى يفترض ألا يتم المساس بها أو تعديلها إلا بموجب قانون، بخلاف الطريقة التي تمت بها التعديلات التي خضعت لها الميزانية الحالية على غير العادة والعرف القانوني".

وأضاف "المدهش حقاً هو أن تلك القرارات التي عدلت بموجبها الموازنة تبرأت منها كل الجهات، مما يثير استفهاماً محيراً حول من يصنع القرار الاقتصادي في السودان؟ بعد إعلان الجميع عدم صلته بتلك القرارات التي نفذت فوراً".

وأشار المحلل الاقتصادي إلى تنامي ظاهرة الإضرابات المطالبة بزيادة الأجور وسط العاملين بالقطاع العام، بسبب التآكل المريع الذي تعرضت له الرواتب على رغم الزيادات الطفيفة التي تمت، وهو تحد سيتفاقم بشكل أكبر خلال 2023.

ويرى أن "إجراءات تثبيت سعر الصرف كانت ميزة نسبية، لكن للأسف عمقت حال الركود التي ضربت الاقتصاد والقطاع الخاص على وجه الخصوص، مما تسبب في ركود تضخمي أضعف حركة التجارة بكل آثاره السالبة في موارد الدولة والعواقب الوخيمة له في العام الجديد".

ويعيش السودان أزمتين سياسية واقتصادية متفاقمتين منذ انقلاب قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر الذي أطاح الشراكة في السلطة مع المكون المدني، منهياً مسيرة الفترة الانتقالية بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير في 2019.

المزيد من تقارير