Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشبكات الرقمية "فخ أخلاقي" لمشاركات الأهل طفولة أبنائهم

باتت كل لحظة من حياة الصغار موثقة في صفحات الوالدين على منصات الإنترنت

مشاركة الصور تتيح لنا تجميع  لحظات منتقاة من واقعنا لكنه أمر ليس سيئاً بالضرورة (آي ستوك)

هذا جاك. لقد شارك لتوه في مسرحية أقامتها الحضانة التي يرتادها لمناسبة عيد الميلاد، وهو يرتدي زي خروف من الصوف الناعم ويبدو ظريفاً جداً، وقد لون أنفه الصغير باللون الأسود. منذ فترة قريبة، رأيتموه وقد رسم ابتسامة عريضة على وجهه، بعرض حبة اليقطين الموضوعة أمامه في "عيد الهالوين". وخلال الصيف، كانت صرخاته تعلو في البحر. ومنذ سنة، كان يدهن وجهه بالكعك. حتى أنكم رأيتم الصورة التي التقطت له بالموجات فوق الصوتية حينما كان جنيناً بحجم حبة الفستق.

في الواقع، سواء تعرفتم شخصياً إلى جاك أم لا، أنتم مطلعون جيداً على مجرى حياته خلال سنواته الثلاث الأولى لأنه موجود دائماً على صفحاتكم في مواقع التواصل الاجتماعي. إجمالاً، يكون والدا الأطفال الصغار من أشخاص في منتصف الثلاثينيات من أعمارهم مما يعني أنهم كانوا في سن المراهقة حينما أطلق هاتف آيفون للمرة الأولى في 2007. وطيلة فترة حياتهم كراشدين، كانوا يحملون كاميرا في جيبهم، ولديهم القدرة على مشاركة أية لحظة مهمة بسرعة خارقة. إذاً، فلا عجب بأن 70 في المئة من الأهل في المملكة المتحدة ينشرون صور أطفالهم على الإنترنت مرة في الشهر على الأقل، وفقاً لمنصة "بيكسي" المتخصصة في حماية الصور. وكذلك تتضاعف احتمالات نشر هذه الصور في أوساط الوالدين الأصغر سناً (18-24) مقارنة بالأكبر منهم. أهلاً بكم في عصر "تربية بمشاركة المنصات الرقمية"  [بالإنجليزية، "شيراتنتغ" Sharenting بإدماج عبارة تولي الوالدين التربية  Parenting ومشاركة عبر المنصات الرقمية للتواصل الاجتماعي  Sharing]. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل من داع للقلق؟

فلنبدأ بتحذير مهم. إن حاجة الوالدين إلى عبء إضافي من الذنب تعادل حاجة العالم إلى جائحة أخرى. ويضاف القلق بشأن مبالغتنا في نشر الصور إلى لائحة لا تنتهي من الهموم، من نوع هل أعمل أكثر من المطلوب أم أقل منه؟ هل يشعر طفلي بالتعاسة في روضة الأطفال أو ينقصه التحفيز في المنزل؟ هل يتعلم كيف يهدأ وحده وينام؟ هل أصيب بصدمة نفسية ستلازمه مدى الحياة؟ هل اصطحابه إلى صف تايكواندو للأطفال مرهق أم مثر؟   

عن الحسنات  

بغية المحافظة على سلامة عقولنا، علينا أن نتذكر النقاط الإيجابية في مشاركتنا الرقمية تجربة كوننا والدين يربون أطفالاً، وهي تلك التي لا تذكرها العناوين التي تثير الذعر. تعتبر الأمومة في أحسن حالاتها تجربة مجبولة بالعزلة، ثم أضيف إليها "كوفيد". أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة طوق النجاة بالنسبة إلى كثيرين. على الصعيد الشخصي، فإن مشاركتي الصور بشكل شبه يومي على "واتساب"، تساعد ابنتي وجديها في الشعور بالتقارب، حتى فيما نسكن بلدين مختلفين، وتساعدني أيضاً في متابعة نشأة بنات إخوتي وأولادهم. وما المشكلة إذا كان حجم "أوراق بنما" يبدو هزيلاً بالمقارنة مع حجم الصور في كاميرتي؟ [تعتبر أوراق بنما أحد أضخم فضائح الوثائق المسربة، وبلغ حجمها 2.6 تيرابايت].

لا يمكنني التشديد بما فيه الكفاية على المزيج الخاص للضغوط النفسية والضجر الذي يصاحب تربية أطفال صغار العمر تماماً. كل من يتغنى بوضع الهاتف جانباً والعيش في لحظة تربية طفل، لم يقض على الأرجح وقتاً طويلاً مع طفل عمره سنتين. ليس من المفاجئ أبداً أن يلجأ الوالدان إلى مواقع التواصل الاجتماعي كي يتمتعا بلحظات الفرح في خضم بحر من العناء. إذ تتيح لنا مشاركة الصور جمع لحظات منتقاة من واقعنا، وهذا ليس دائماً أمراً سيئاً. حينما تتأملون هاتفكم قبل النوم، يخفف عنكم شعوركم السيئ تجاه الصباح الذي قضيتموه مع طفلة، وقد امتلئ بمناديل ورقية مسحتم بها المخاط، وإرهاق ونوبات صراخ بسبب عدم رضاها عن لون جزمتها. [في تلك الصور] إنها تجلس على الأرجوحة، عيناها مفتوحتان على وسعهما كأنها تصعد إلى الجنة. هذا معنى يومكم. ذكرياتنا تشكلنا.   

يعبر اتجاه "التربية بمشاركة المنصات الرقمية" ثقافة من الانفتاح، مفيدة ومضرة في آن معاً. من الأمور التي أفضلها على شبكة الإنترنت، صفحة المتسلقة المحترفة شونا كوكسي على "إنستغرام". إذ تظهر أنها استمرت بالتسلق (بشكل آمن) خلال فترة حملها، وتشارك فيديوهات لتدريباتها برفقة رضيع. تساعد تلك المنشورات الرائعة الجمال أساساً، في تحدي الصور النمطية المحيطة بالأمومة، بالتالي، فإن الحمل لا يعني الهشاشة، والتضحية بالذات ليست من المسلمات. يعتبر كثيرون من الوالدين صغار السن إن "تيك توك" يشكل مصدراً للمعلومات. إذ يستخدم 40 في المئة من الجيل "زد" Z "تيك توك" و"إنستغرام" بدلاً من "غوغل" للبحث عن المعلومات. [الجيل زد هم من ولدوا بين أواخر تسعينيات القرن الـ20 والعقد الأول من القرن الـ21].

ومن الحسابات المشهورة التي تقدم محتوى يتعلق بالتربية، يبرز حساب لورا لوف الذي يظهر لثمانية ملايين متابع تقريباً كيف يمكن ممارسة "التربية الإيجابية" عبر التواصل واللطف. تفتقد كل الكتب القديمة في العالم عن تعليم التربية، إلى قوة مشاهدة طفل حقيقي وهو يقرر ألا يعض رجل أمه. 

عن السيئات

بالطبع، ليس من الضروري أن يبحث المرء طويلاً كي يرى الجانب الآخر. إذ تكثر النصائح الجيدة في الفضاء الإلكتروني لكن ما من روادع كثيرة كي تمنع أشخاصاً لا يفقهون شيئاً وليس لديهم سوى مثل واحد أمامهم عن نشر تفاهات، بكثير من القناعة. أقل ما يقال عن التحقق من عدد الذين سجلوا إعجابهم على صور طفلكم البكر، أنه أمر بائس. ومن أكثر الأمور التي تقضي على العفوية هو أن يطلب منك الركض مجدداً بين أوراق الأشجار المتساقطة في الخريف فيما يفتح والداك شاشة الهاتف. ذهبت إلى أعياد ميلاد لا تعد ولا تحصى لا ينظر أحد فيها إلى الطفل فعلاً وهو يطفئ الشموع، إذ صرنا كلنا نحدق فيه عبر هواتفنا.   

 

لقد تكلمت مع مديرة حضانة أيدت فكرة كون ثقافة "التربية بمشاركة المنصات الرقمية" أمر متأصل. وقد ذكرت كايت أوكيف، التي تعمل في "مركز باتركبس لسنوات التعلم الأولى" في ساوثامبتون، "لاحظنا أنه كلما فعل الأطفال شيئاً، يقولون لنا 'التقطوا صورة. التقطوا صورة'. نبالغ في تصوير كل شيء في حياتهم، بالتالي فقد باتوا ينتظرون الكاميرا". (يتبع المركز سياسات صارمة بشأن استخدام الصور). 

أنا أفهم هذه النقطة. سألت ابنتي إذا كنت أبالغ في التقاط الصور، وأجابتني بشكل مؤلم "أحياناً، يمنعني ذلك من الاستمتاع". يعيد التاريخ نفسه، إلى حد ما. عندما كنت طفلة في ثمانينيات القرن الماضي، أذكر كيف كنت أضغط على أسناني أمام أبي الذي يطلب مني أن أبتسم "بشكل طبيعي" كي نلتقط صورة أثناء الأعياد. لكن في ذلك الوقت، لم يحتو الفيلم إلا 36 صورة. وحينما تفرغ الصور، يمكنك أن تتناول البوظة بسلام. لكن آخر نموذج لهاتف "آيفون" يتسع لـ35 ألف صورة. فيما يمكن تحميل أعداد لا متناهية من الصور على خدمة التخزين السحابية، "كلاود". علينا أن ندرك أين يجب أن نتوقف.

استكمالاً، علينا النظر إلى الجانب الثاني للمشاركة المتمثل في تلقي تلك المشاركة. قد يكون الانفتاح مصدر قوة، وقد يضحي مصدر ألم كذلك. في المملكة المتحدة، أكثر من حال حمل واحدة من بين كل خمسة تنتهي بالإجهاض غير الإرادي فيما يعاني زوجان من كل سبعة من صعوبات في الحمل، وفقاً لهيئة "الخدمات الصحية الوطنية". يعني ذلك أن عدداً كبيراً من الأشخاص قد يستصعبون رؤية هذا السيل من صور الأطفال. 

عن الجانب البشع

يحمل الموضوع جوانب أخلاقية مخيفة أكثر كذلك. ما معنى الخصوصية إذا بلغتم سن الرشد ووراءكم مجموعة من الفيديوهات التي توثق كل هفواتكم؟ هل تكون صور الأطفال اليوم وليمة تتغذى عليها الصور المزيفة المصنوعة بتقنية "التزييف العميق"  Deep Fake في المستقبل؟ إلى أي مدى يتمتع والداك بحق الملكية على صورك؟ كمجتمع، ما زلنا في السنوات الأولى من ثورة الهواتف الذكية ولا نملك إجابات عن تلك الأسئلة.

تتمثل النقطة الأكثر وضوحاً بأن نموذج العمل الذي تستند إليه شركات التكنولوجيا العملاقة، الذي يحول الاهتمام إلى قيمة نقدية، مملوء بالمشكلات. وبفضل التقلبات الغريبة لقانون المنافسة، فلن تستفيد كثيراً إذا حاولت تفادي "فيسبوك" فيما تشكل منصة "إنستغرام" وتطبيق "واتساب" جزءاً من شركة "ميتا" كذلك. [تملك شركة "ميتافيرس" المنصات الثلاث الآنفة الذكر]. مهما فعلت، ثمة احتمال بأن الفيديو الذي صورته لابنك وهو يقود الدراجة، يضاعف أرباح شركة جشعة للغاية كسرت قوانين الديمقراطية فعلياً. ابتسم أيها الصغير!  

في الواقع

على غرار معظم الأمور المتعلقة بعصر الإنترنت، لا تكون "التربية بمشاركة المنصات الرقمية" إما سيئة أو جيدة بطبيعتها. بل إنها الاثنين معاً. إن معظمنا عمليون، ونغير عاداتنا مع تقدم أطفالنا بالعمر. حينما يكبر صغارنا وتنمو شخصياتهم الفريدة ولا يعود شكلهم كحبات البطاطس المتشابهة الظريفة، ويبدؤون في التعبير عن آرائهم الخاصة، نتراجع عن كثرة المشاركة. من المفيد لنا جميعاً أن نبتعد عن هواتفنا ونقترب من الواقع، لكننا لا نحتاج إلى فورة ذعر أخلاقي لأننا نشارك حياتنا كوالدين عبر المنصات الرقمية.

حينما ستبلغ شخصية جاك الخيالية الواردة من الفقرة الاستهلالية سن الرشد، سيكون والداه منهمكين على الأرجح بنشر صور لا تعد ولا تحصى على الإنترنت لكلبهما أو منزلهما المتنقل. ربما ينضم جاك نفسه إلى رد الفعل السلبي على التواصل الاجتماعي ويلتقط صوراً لطفله بكاميرا "كوداك القديمة". وربما يجوب فضاء الإنترنت فيما العالم يحترق.

© The Independent

المزيد من علوم