Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البلدات المنسية: داخل أكثر مناطق إنجلترا تضررا من التضخم وأزمة كلف المعيشة

تسلط "اندبندنت" الضوء على التحديات التي تواجه المملكة المتحدة وتتحدث مع شركات وسكان محليين

قالت الحكومة إن مقاطعة لانكشاير بصدد الاستفادة من أكثر من 167 مليون جنيه استرليني لتحسين قطاع النقل فيها وتنشيط مراكز المدن وتحسين مرافق التعليم والتدريب (أ ف ب/ غيتي)

نبهت مؤسسة خيرية بريطانية إلى أنه في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة ومواصلة التضخم منحاه التصاعدي في المملكة المتحدة، فإن ثلاث بلدات شمال إنجلترا قد لحق بها الضرر أكثر من معظم مناطق البلاد.

وتؤكد أبحاث أجراها "مركز المدن" Centre for Cities (وحدة أبحاث تعنى بسياسات مدن المملكة المتحدة والنمو الاقتصادي والتغيير الذي يحدث فيها) أن بيرنلي وبلاكبول وبلاكبيرن كانت البلدات الأكثر تضرراً في إنجلترا، وتقع جميعها في ممر مقاطعة لانكشاير. ويقول أبناؤها من السكان المحليين إن هذا الجزء من البلاد "تم نسيانه"، مع فشل الحكومة في الوفاء بوعودها لجهة "تحسين أوضاعه ورفع مستواه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولمعرفة مزيد عن الأوضاع التي تعيشها هذه المناطق، تحدثت "اندبندنت" مع رجال أعمال ومقيمين وسياسيين محليين شاركوا المعاناة التي تواجهها تلك الأنحاء.

هانا غرينوود، صاحبة متجر كعك الحلوى قالت "إنه ليس خياراً أرغب في اتخاذه. فأنا لا أرغب أبداً في بيع حلوياتي بكلفة عالية، لكن لا بد لي من أن أسدد كلفتي".

هذه الشابة البالغة من العمر 27 سنة حاولت لأطول مدة ممكنة إرجاء زيادة أسعار منتجاتها، حتى مع تحليق أسعار كلفة المكونات المصنعة منها، وحرمت نفسها من تقاضي راتب لأشهر عدة، لكن في النهاية، كان محتماً عليها أن تجد حلاً. فأقل كعكة كلفة تعدها وفق الطلب، كان سعرها في حدود 40 جنيهاً استرلينياً (49 دولاراً أميركياً)، لكن الآن بات يبلغ 70 جنيهاً.

 

وتقول في هذا الصدد "نحن نحاول إيجاد مخارج عملية، لكنني لم أعد أستطيع في الواقع أن أرى نوراً في نهاية هذا النفق المظلم".

ربة العمل هذه، شأنها شأن آخرين في مختلف أنحاء البلاد، تأثرت بارتفاع تكاليف المعيشة. فالتضخم قفز مرة أخرى إلى أعلى معدلاته منذ أربعة عقود في إنجلترا، بحيث بلغ 11.1 في المئة الشهر الماضي.

إلا أن الوضع يختلف في جميع أنحاء بريطانيا، كما تقول مؤسسة "مركز المدن"، مقارنة ببلدات بيرنلي وبلاكبيرن وبلاكبول، التي تعد الأكثر تضرراً من الغلاء.

مركز الأبحاث يعمل على تتبع هذا التضخم في كل بلدة كبيرة ومدينة في المملكة المتحدة، ويضع تقديراته لأنماط الإنفاق والأجور فيها، من خلال الاعتماد على البيانات. وفي هذا الإطار سجلت بيرنلي أعلى معدل تضخم من أي مكان آخر في البلاد، وقد بلغ فيها بحسب آخر تقييم لشهر أكتوبر (تشرين الأول) عتبة 13 في المئة.

 

أما بلاكبول التي تبعد نحو 40 ميلاً فقط (64 كيلومتراً)، فسجلت ثاني أعلى رقم، تشاركته مع مدينة غلاسكو الاسكتلندية، وهو في حدود 12.6 في المئة، ثم أتت بلاكبيرن، الواقعة جغرافياً بين الاثنتين، والتي حلت في المركز الرابع بنسبة 12.4 في المئة مع مدينة داندي الساحلية في اسكتلندا، بعد برادفورد بنسبة 0.1 نقطة مئوية.

واستناداً إلى تحليل "مؤسسة "مركز المدن"، فإن مثلث بلدات مقاطعة لانكشاير هذا، ظل طيلة السنة الحالية عند أعلى قمة معدلات التضخم. وفي فصل الصيف، كانت بيرنلي ما زالت ترزح تحت أسوأ موجة تضخم على الإطلاق، تليها جارتاها.

وقد بحث تقرير فصل الصيف الذي أعده "مركز المدن"، في سبب تأثر البلدات الشمالية أكثر من غيرها بأزمة التضخم. ووجد أن له تفسيرين: عدم كفاءة البيوت من ناحية العزل الحراري [بالتالي تسريب الحرارة وارتفاع فواتير الطاقة بالمقابل]، واضطرار السكان إلى الانتقال بسياراتهم مما جعلهم عرضة لارتفاع أسعار الطاقة والوقود.

أفراسياب أنور، رئيس المجلس المحلي لبلدة بيرنلي، قال لـ"اندبندنت" إن بلدته تنطبق عليها هذه المعايير. وأوضح أن المنازل هي "غير معزولة بشكل جيد"، ويعتمد السكان على سياراتهم في التنقل بسبب النقص في وسائل النقل العام. ونتيجة لذلك، يشعر السكان المحليون بضغط الكلف المرتفعة للأسعار في هذه المناطق.

ويضيف المسؤول الذي يقود المجلس المحلي "العمالي": "هل تم تأمين الاستثمار الذي نحتاج إليه للإنفاق على هذه الخدمات؟ ليجيب: "كلا، لم يحصل ذلك، فقد اضطررنا مرة تلو الأخرى إلى اعتماد سياسة التقشف في الموازنة، فيما سحب منا التمويل".

 

ويوجد في الواقع تفسير آخر لذلك يتمثل في مستويات الحرمان. فالأسر الفقيرة تميل نحو إنفاق القسم الأكبر من دخلها على الضرورات كالطاقة والغذاء التي ترتفع أسعارها، مما يعني أنها ستشهد زيادة تناسبية أكبر في الكلف المستحقة لتسديد الرسوم المالية المعتادة (التي يتعين إنفاقها كل شهر على سبيل المثال لدفع الإيجار أو الفواتير) من الأسر الأكثر يسراً.

ويرى تحليل "مركز المدن" أن مستويات الحرمان يمكن أن تفسر أيضاً سبب تأثر بعض المدن بالتضخم أكثر من غيرها، كما يؤكد صحة ما ذكر سلفاً عن ميل الإنفاق لدى الأسر الفقيرة وتأثر ذلك بارتفاع الأسعار. وكان تحليل حكومي صدر في عام 2019، قد حدد بيرنلي وبلاكبيرن وبلاكبول على أنها من أكثر المدن حرماناً في إنجلترا.

سكان البلدات الثلاث أكدوا لـ"اندبندنت" أنهم يشعرون بالضيق مع تفاقم أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، إذ أشارت إلى يندا مارشال، مقدمة الرعاية الصحية والموظفة المتقاعدة من "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS، أنها توقفت عن تناول الطعام خارج المنزل تماماً. وتضيف المرأة البالغة من العمر 60 سنة وهي من بيرنلي: "لم يعد في إمكاني الآن تحمل كلفة وجبة بسيطة كالسمك والبطاطا".

وتشير مارشال إلى أن عائلتها لم تكن أبداً ميسورة الحال، ولكنها كانت على الدوام تعمل. الآن بات أفرادها يستعدون لمواجهة "الأسوأ" مع تضييق أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة الخناق عليهم.

 

نائب رئيس المجلس المحلي في بلاكبول أيفان تايلور لفت إلى أن "موجة عارمة من القلق تطغى على الناس في شأن مصيرهم نتيجة هذا التضخم". وقال: "نحن من أكثر المناطق حرماناً في البلاد، لذلك سنكون على تماس مباشر مع هذه الأزمة".

أما زبير ديساي وهو مستشار الطاقة لدى مؤسسة "آيمو" IMO الخيرية (تقوم بأنشطة مصممة لتعزيز قدرات الشباب وفرصهم في الحياة)، فأشار إلى أن الناس يعانون مصاعب في المناطق "المحرومة للغاية" في بلاكبيرن.

وأضاف، "لفتني أحد المنازل التي قمت بزيارتها على وجه الخصوص، حيث تعيش سيدة مسنة بمفردها. لم يكن لديها ورق حمام، ولا غاز، فيما تعتمد على "قرض الطوارئ" لتسديد فاتورة الكهرباء Emergency Credit (قيمته 10 جنيهات استرلينية، يمكن للمشترك تنشيطه لدى الشركة المزودة بالطاقة عند نفاد رصيده العادي، ولا يكون في مستطاعه إعادة تعبئة هذا الرصيد)، بالتالي لم تكن تشعل أي ضوء في المنزل. وهذه للأسف مجرد حالة من حالات كثيرة في بلاكبيرن في الوقت الراهن".

 

الجدير بالذكر أن الحكومة البريطانية أطلقت صندوقاً لتعزيز الاستثمار في المناطق الأكثر فقراً لتحسين أوضاعها، على رغم رفض كل الطلبات التي كانت قد تقدمت بها بلاكبول في السابق.

مايكل غوف كشف أيضاً في فبراير (شباط) الماضي، من موقعه كوزير لتحسين أوضاع المناطق والإسكان، عن خطط للحد من التفاوتات الإقليمية في مستويات المعيشة، تضمنت أهدافاً لتعزيز ربط الخطوط في قطاع النقل، وتحسين الأجور، ودعم التعليم من بين أمور أخرى، لكن منتقدي تلك الخطط يشعرون بخيبة أمل من هذا التقاعس عن الاستثمار في تلك المناطق.

المسؤول في المجلس المحلي لبيرنلي أفراسياب أنور، أكد أن معظم أنحاء مقاطعة لانكشاير هي في حاجة إلى المساعدة من أجل تحسين أوضاعها، إلا أن شيئاً لم يتحقق. وأشار إلى أنه بات على المدن التنافس في ما بينها للحصول على الدعم الذي تحتاج إليه. وقال: "ما يثير استيائي هو أن الحكومة لم تكف عن المناداة بشعار "تحسين مستوى المناطق والارتقاء بها" وتكراره مرة تلو الأخرى. وكان لديها 12 عاماً للقيام بذلك".

وأضاف في كلامه عن بلدات بيرنلي وبلاكبول وبلاكبيرن: "نعم، لقد كانت منسية، هذا الإهمال لم يبدأ منذ عام 2019 فحسب، بل من عام 2010 - أي منذ تولي هذه الحكومة (حزب المحافظين) مقاليد السلطة".

لكن بول ماينارد النائب في حزب "المحافظين" عن دائرة "بلاكبول نورث أند كليفيليز"، لا يعتقد أن برلمان ويستمنستر قد نسي مدينته، فقد حازت 40 مليون جنيه استرليني من "صندوق المدن" Towns Fund في إطار مخطط تحسين أوضاع المناطق، وكان لبوريس جونسون "دور دائم" في هذا الشأن خلال فترة رئاسته للوزراء في حينه، على حد تعبيره.

وأضاف ماينارد لـ"اندبندنت": "لا أعتقد أنه يمكن حتى لأشد منتقدي الحكومة القول إننا لا نعير بلدة بلاكبول الاهتمام الكافي".

 

مؤسسة "مركز المدن" رأت أن بحثها كشف عن "جغرافية واضحة" لأزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي "تعمق التفاوتات في مختلف أنحاء بريطانيا، وتؤدي إلى تفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب". ويقول مركز الأبحاث: "تعاني المدن خارج الجنوب الإنجليزي معدلات تضخم أعلى، وتواجه ضائقة مالية أشد حدة في تسديد فواتيرها واحتياجاتها المنزلية".

متحدث باسم وزارة تحسين أوضاع المناطق والإسكان والمجتمعات المحلية قال: "إننا نعمل على رفع المستوى المعيشي ونشر فرص العمل وتعزيز الاستثمار في أماكن مثل بيرنلي وبلاكبول وبلاكبيرن، حيث تم إنفاق أكثر من 230 مليون جنيه استرليني حتى الآن، على الشمال الغربي من خلال الدعم الذي يقدمه "صندوق تحسين أوضاع المناطق" Levelling Up Fund".

وخلص إلى القول إن "مقاطعة لانكشاير هي في صدد الاستفادة من أكثر من 167 مليون جنيه استرليني لتحسين قطاع النقل فيها، وتنشيط مراكز المدن، وتحسين مرافق التعليم والتدريب. ومن شأن هذا الاستثمار أن يسهم في تجديد شارع "كيركهام هاي ستريت"، وتوسيع "حرم بيرنلي الجامعي" وإقامة منشآت رياضية رفيعة المستوى في بلدة بلاكبيرن".

© The Independent