Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فهرس النجوم" أو العثور على أقدم خريطة للسماء

أنجزه الفلكي اليوناني هيبارخوس وظهر على مخطوطة من دير سانت كاترين بعد أن ظل مفقوداً لعدة عصور

كان استخدام المخطوطة والكتابة عليها لأكثر من مرة أمراً شائعاً في هذا العصر لقيمة المخطوطات وندرة وجودها (دورية تاريخ الفلك)

كشفت دراسة علمية أجريت على مخطوطة تعود إلى العصور الوسطى عن أمر مذهل، إذ جرى العثور على فهرس النجوم لعالم الفلك اليوناني هيبارخوس، والذي يعتقد أنه كان المحاولة الأولى لرسم خريطة للسماء بكاملها، كتالوج هيبارخوس ظل مفقوداً لعدة قرون، ومثل العثور عليه أهمية كبرى لكل العلماء المهتمين بدراسة الفلك باعتباره المحاولة الأولى لرسم تصور كامل عن السماء.

المخطوطة التي تمت دراستها مأخوذة من دير سانت كاترين بمصر، لكن معظم أوراقها الـ146 توجد الآن بمتحف الكتاب المقدس بواشنطن، وتحتوي على نصوص مكتوبة في فترة القرن العاشر أو القرن الحادي عشر الميلاديين.

أشار كثير من المصادر القديمة والمخطوطات إلى أن أول من عمل على تقديم خريطة للسماء بها قياسات للنجوم هو هيبارخوس في الفترة ما بين 190 إلى 120 قبل الميلاد، إلا أن هذه المخطوطة التي رسمها هيبارخوس كانت مفقودة على مدى عصور طويلة، ولم يستدل عليها إلى أن كشفت عنها الدراسة الأخيرة بالعثور على أجزاء منها على مخطوطة دير سانت كاترين بسيناء.

الدراسة التي نشرت أخيراً في واحدة من أهم الدوريات العلمية التي تعنى بهذا الشأن وهي مجلة "تاريخ علم الفلك" بدأت في عام 2017، إذ كشف التصوير المتعدد الأطياف للوثيقة عن تسع صفحات تحتوي على نص تمت الكتابة فوقه، وكان هذا مألوفاً وشائعاً خلال هذه الفترة، باعتبار أن المخطوطات كانت سلعة ثمينة وغير متوافرة بكثافة، ولهذا كان يعاد استخدامها للكتابة أكثر من مرة، وأثناء دراسة النتائج لوحظ بعض الأرقام في الطبقة السفلية التي تم اكتشافها وتمت الكتابة فوقها، ليثير هذا فضول العلماء للتعرف إلى طبيعة هذه المادة المكتوبة، لعلها تحوي شيئاً ذا أهمية تاريخية.

شارك في البحث لاحقاً المؤرخ فيكتور جيمسبرج من المركز الوطني للبحوث العلمية في باريس في محاولة لفك شيفرة الكتابات القديمة، ليشير بعد الدراسة إلى أن ما تم العثور عليه هو إحداثيات نجوم، ليتم إخضاع المخطوطة للفحص حتى تم إثبات أن الكتابات والرسوم تمثل جزءاً من فهرس النجوم المفقود لعالم الفلك اليوناني الأشهر هيبارخوس.

وقد صرح جيمس إيفانز مؤرخ علم الفلك بجامعة بوجيت ساوند في تاكوما بواشنطن بأن هذا الاكتشاف نادر، وبأن هذه المخطوطة تثبت أن هيبارخوس الذي كان يمكن اعتباره أعظم علماء الفلك في اليونان خلال هذا العصر حاول رسم خريطة لا تعتمد فقط على الوصف، وإنما على القياس والإحداثيات وذلك قبل قرون من محاولات أخرى قام بها علماء في عصور لاحقة.

وجدير بالذكر أن دقة القياسات التي كتبت بها المخطوطة ساعدت الفريق البحثي على تحديد التوقيت الذي كتبت فيه، إذ توجد ظاهرة تعرف بالاستباقية، مفادها أن الأرض تتذبذب ببطء على محورها بمقدار درجة واحدة تقريباً كل 72 عاماً، مما يعني أن موقع النجوم الثابتة يتغير ببطء في السماء، استخدم الفريق البحثي هذا الأمر للتحقق من الوقت الذي من المحتمل أن تكون كتبت فيه المخطوطة، ليجدوا أن الإحداثيات تناسب نحو 129 قبل الميلاد، وهو يتطابق مع الفترة التي عاش فيها هيبارخوس مما مثل دليلاً إضافياً على صحة المخطوطة.

 

وحتى الآن، كما أشار إيفانز فإن فهرس النجوم الوحيد الذي نجا من العصور القديمة هو الخاص بعالم الفلك كلوديوس بطليموس في الإسكندرية في القرن الثاني الميلادي، وهي من أهم المخطوطات العلمية، وقدم فيها نموذجاً رياضياً للكون مع وجود الأرض في مركزه، وقدم إحداثيات لأكثر من 1000 نجم، وتم قبوله لفترة امتدت إلى نحو 1200 سنة.

تجربة مماثلة

تضم مكتبة دير سانت كاترين التي تعود إليها المخطوطة موضع الدراسة عديداً من المخطوطات ذات الأهمية الكبرى على المستوى الديني والعلمي على السواء ومن بينها كثير من مخطوطات مشابهة، يمكن إذا خضعت للبحث والدراسة أن يسفر ذلك عن اكتشافات علمية مثيرة مثل هذا الاكتشاف.

وعن هذا الأمر يقول عبدالرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة التاريخ والآثار لـ"اندبندنت عربية"، "كان هناك تجربة مماثلة قام بها دير سانت كاترين عام 2017 لقراءة أقدم نسخة معروفة للإنجيل باللغة السريانية (بالمبسست) تعود لأواخر القرن الخامس أو بداية القرن السادس الميلاديين، ويظن أنها مترجمة عن أصل يوناني في القرن الثاني الميلادي، ومصطلح (بالمبسست) يقصد به المخطوطة التي تتكون من طبقتين أو أكثر من الكتابة، الأولى هي التي تم محوها وهي الأقدم، وعادة ما تكون باهتة ومن الصعب قراءتها، وكثيراً ما تقدم معلومات مهمة عن تاريخ الدير أثناء العصور الوسطى أو نصوصاً قديمة لم تتم دراستها، والطبقة الثانية تنتمي كتابتها إلى تاريخ أحدث، وقد استخدم فريق البحث بمكتبة دير سانت كاترين تكنولوجيا التصوير المتعدد الأطياف المستخدم على نطاق واسع في أوروبا وأميركا الشمالية من أجل استعادة النصوص الممحية من مخطوطات الـ(بالمبسست)، إضافة إلى استعادة نصوص مخطوطات أصابها الضرر نتيجة النيران أو المياه".

ويضيف "التصوير متعدد الأطياف يتم بإضاءة صفحة المخطوطة بأطوال موجية مختلفة أو ألوان الضوء بما تتضمنه من أطوال موجية مرئية وأطوال موجية غير مرئية (فوق البنفسجية وتحت الحمراء) إذ يتم تسجيل صورة منفصلة عن كل طول موجي أو لون للضوء ثم تطبق حسابات معقدة للحصول على صور معالجة تعظم القدرة على قراءة النص الممسوح".

 

ويشير ريحان إلى أن الدراسة التي أجريت في الدير باستخدام التصوير المتعدد الأطياف نتج عنها الكشف عن صفحتين من المخطوطة ذواتي لون برتقالي، بهما رسم لأحد الأعشاب الطبية من وصفة يونانية قديمة يعود تاريخها إلى القرن الخامس أو القرن السادس الميلاديين، وكذلك أجزاء من نصوص طبية يونانية قديمة يعود تاريخها إلى الحقبة نفسها، وهذه النصوص تتضمن أجزاء من بحث الطبيب العظيم (هيبوقراط)، إضافة إلى ثلاثة نصوص طبية لكاتب مجهول تم اكتشافها للمرة الأولى في هذه المخطوطة.

مشروع لدراسة وثائق دير سانت كاترين

الاهتمام بدراسة وثائق دير سانت كاترين بدأ عام 1950 حين قامت بعثة علمية مشتركة من كلية الآداب بالإسكندرية ومكتبة الكونغرس الأميركية بتصوير أهم المخطوطات والوثائق، وقامت البعثة بعمل صور ميكروفيلم لأهم هذه الأيقونات، وفي عام 1963 قامت بعثة جامعة الإسكندرية بعمل فهارس كاملة مع دراسة تحليلية للمخطوطات العربية بالدير، وتم تصوير مليون ورقة مأخوذة من خمسة آلاف مخطوطة ووثيقة مكتوبة بـ12 لغة، وقد احتفظت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ومكتبة الكونغرس بواشنطن بنسخ من صور الميكروفيلم.

الثانية بعد مكتبة الفاتيكان

صنفت مكتبة دير سانت كاترين بأنها الثانية على العالم بعد الفاتيكان من حيث أهمية مخطوطاتها وقيمتها الدينية والعلمية والتاريخية، والكشف الأخير لفهرس النجوم المفقود لهيبارخوس على واحدة من مخطوطات دير سانت كاترين سوف يفتح المجال لدراسات مستقبلية على مخطوطات المكتبة لعل ذلك يقود إلى اكتشافات أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن أهمية مكتبة دير سانت كاترين يقول ريحان "تحوي المكتبة 4500 مخطوطة، منها 600 مخطوطة عربية عدا اللفائف المخطوطة باللغة العربية وعددها ألف لفافة، ومن المخطوطات 2319 مخطوطة يونانية، و284 مخطوطة لاتينية، و86 مخطوطة جورجية، إضافة إلى المخطوطات السريانية والقبطية والحبشية والسلافية الأمهرية والأرمينية والإنجليزية والفرنسية والبولندية، وهي مخطوطات دينية وتاريخية وجغرافية وفلسفية، وأقدم هذه المخطوطات يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وبعض هذه المخطوطات كتب في سيناء وبعضها من فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا، وبعضها يحمل أسماء الناسخين من دون الإشارة إلى مكان مثل سليمان الشماس وجورج ونيكولاس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وبالمكتبة ألف وثيقة في شكل لفائف تحمل تطور الخط العربي الديواني بين القرنين الثاني عشر والتاسع عشر الميلاديين".

وينوه ريحان بأن "مكتبة دير سانت كاترين بمخطوطاتها تمثل مجمعاً للأديان بما تحويه من أهم ثلاث مخطوطات في العالم التوراة والإنجيل والعهدة النبوية، وأقدم مخطوطة بالمكتبة هي التوراة اليونانية المعروفة باسم كودكس سيناتيكوس، وهي نسخة خطية غير تامة من التوراة اليونانية كتبها أسبيوس أسقف قيصرية عام 331م، تنفيذاً لأمر الإمبراطور قسطنطين، ثم أهداها جستنيان إلى الدير عام 560م، كما تضم المكتبة الإنجيل السرياني وهو أقدم نسخة معروفة للإنجيل باللغة السريانية".

بالمكتبة أيضاً العهدة النبوية، وهو كتاب العهد الذي كتب للدير في عهد النبي محمد، وكان الأصل محفوظاً في الدير إلى أن دخل السلطان سليم الأول مصر سنة 1517م فأخذ الأصل وأعطاهم نسخاً معتمدة منه مع ترجمتها بالتركية، وهو العهد الذي يؤمن فيه رسول الله أهل الكتاب على أموالهم وأنفسهم وممتلكاتهم.

المزيد من علوم