Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الكهرباء في لبنان تدخل "الثقب الأسود"

المصرف المركزي لا يملك التمويل الكافي والمواطنون يستغلون النهار للتدفئة بأشعة الشمس

مشكلة القطاع الكهربائي غياب الحوكمة وسوء الإدارة (أ ف ب)

لا تزال أزمة الكهرباء قائمة في غياب الحوكمة والتمويل بلبنان، فكل الآمال التي تبنى بين فينة وأخرى يأتي الواقع ليبددها.

وخلال الأسبوع الماضي تراجعت الوعود من تأمين 10 ساعات يومياً إلى 4 أربع ساعات بسبب عدم قدرة مصرف لبنان على تأمين الضمانات الكافية لتمويل عقود توريد الـ "غاز أويل" والفيول بنوعيه "أ" و "ب".

وكانت المناقصة التي جرت بإشراف هيئة الشراء العام رست في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على شركتي "كورال إينيرجي" و"فيتول البحرين"، على أن يكون السداد لتلك الشركات مؤجلاً.

ووعد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض بعودة تدريجية للتيار الكهربائي، مؤكداً خلال مقابلة صحافية أن تأمين التمويل لشراء الفيول يؤدي إلى تحسن في التغذية.

ونوه بأن مصرف لبنان وافق على ضمان 300 مليون دولار من أصل 600 مليون دولار، يمكن أن تؤمن ثمان ساعات تغذية كهربائية في اليوم الواحد.

تأخر البرد القارس رحمة

وعلى خلاف الماضي، ينظر اللبناني حالياً إلى تأخر موسم البرد القارس باعتباره رحمة بالعباد، إذ يعجز معظم المواطنين عن تأمين تدفئة منتظمة في ظل انقطاع التيار الكهربائي العمومي، لا بل انعدامه إذا ما أردنا تقديم توصيف دقيق.

ويضطر كثير من اللبنانيين إلى استغلال ساعات النهار لقضاء ما أمكن من وقتهم تحت أشعة الشمس، أو حتى السير في الطرقات للحصول على بعض الدفء.

وباتت المدفأة الكهربائية قطعة أكسسوار في معظم البيوت من الطبقتين الوسطى والفقيرة، فمن جهة فالكهرباء العمومية غائبة، ومن أخرى فإن الاشتراك في المولد الخاص لا يحتمل تشغيل الأدوات ذات الاستهلاك المرتفع من الطاقة، ناهيك عن التقنين الذي يمارسه هؤلاء خلال أوقات النهار، واستغلالهم غياب الخدمات العامة والرقابة لفرض فاتورتهم التي تتجاوز أجر العامل.

وتؤكد إحدى السيدات المتقدمة في العمر أنها "تتمنى أن تأتي الكهرباء لبعض ساعات من أجل الحصول على قسط من الدفء"، متحسرة على ما آلت إليه الأمور في لبنان، إذ "حرموا الناس من كل شيء، وتركوا البلاد مشرعة لكل أشكال الذل، فقد عاد المواطن لعصر الغسيل اليدوي وتسخين ماء الاستحمام على الغاز، والوضوء بالماء المثلج، إلى أين لا أحد يعلم؟".

كما لا يجد اللبناني بداً أمام انقطاع الكهرباء إلا البحث عن ملابس صوفية سميكة أو الاستعانة بـ "الحرامات" من أجل الدفء، وأمام هذا الواقع الصعب يستقبل أي خبر عن تحسن التغذية الكهرباء بالسرور والترحيب، لكنه سرعان ما يصطدم بالغياب المستمر للتيار الذي يستمر لأسابيع عن البيوت، وتتواصل المعاناة بصورة متكررة.

لا كهرباء من دون حوكمة

ويمكن وصف مشكلة الكهرباء في لبنان بأنها "مركبة"، ففي طياتها تجتمع مجموعة كبيرة من الأزمات، وتأتي التعقيدات السياسية والمالية التي تشهدها البلاد لتجعل منها معادلة مستعصية الحل.

الخبيرة في مجال الطاقة جيسيكا عبيد تشكك في وجود خطة فعلية لحل مشكلة الكهرباء في لبنان، معللة موقفها "بعدم امتلاك المصرف المركزي القدرة الكافية لتمويل شركة الكهرباء، كما أن الأموال التي صرفت على القطاع خلال العقود الثلاث الماضية ذهبت هباء منثوراً".

وتجزم عبيد أن "ما كان يصرف خلال عام على الكهرباء كان كافياً لحل 70 في المئة من المشكلة القطاعية"، وتؤكد أن "مشكلة القطاع هي مشكلة حوكمة وسوء إدارة، إضافة إلى الهدر والفساد، وهو ما أوصلنا إلى أزمة مالية ضخمة، ولم يعد لدى مصرف لبنان والدولة احتياط بالنقد الأجنبي لشراء الفيول"، ناهيك عن المشكلات التقنية لم يتم حلها على مر السنين، ولم يتوصل لبنان إلى قدرة إنتاجية كافية لتأمين الكهرباء لكل المواطنين.

المواطن ضحية رفع التعرفة

وتنبه عبيد إلى أن المواطنين لا يمكنهم تحمل الكلفة العالية لأزمة الكهرباء، فقد قررت الحكومة أخيراً رفع تسعيرة الكيلوواط كهرباء إلى 27 سنتاً، وهو رقم مرتفع جداً مقارنة بالتسعيرة السابقة 118 ليرة، وبالتالي سترتفع الفاتورة على كاهل اللبناني بفعل وجود رسوم ثابتة، وإن استمر التيار الكهرباء بالانقطاع، مما يقود إلى التأكيد أن إصلاح قطاع الكهرباء هو في قائمة الشروط الإصلاحية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتلفت عبيد إلى أن "البنك الدولي يطالب بضمانات لقاء القرض البالغة قيمته 300 مليون دولار لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، فهو سيتحول إلى دائن للبنان ويحرص على تأمين رده له عند استحقاقه، وعليه ففي غياب الإصلاحات الفعلية ستعجز الدولة اللبنانية عن رده"، موضحة أن "استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن ستبلغ كلفته 400 مليون دولار، لذلك على الدولة اللبنانية تأمين الباقي بعد الحصول على قرض البنك الدولي وهو 100 مليون دولار إضافية".

وتأسف عبيد أن "الإصلاح تأخر لثلاثة عقود، وعندما وصلنا إلى لحظة الحقيقة رفعت الدولة الدعم وكذلك التعرفة، واعتمدت معياراً لها سعر برميل نفط هو أقل مما هو عليه حالياً".

وترى أن "المشكلة الأساس هي إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان للطاقة بالفيول عالي الكلفة اقتصادياً وبيئياً بسبب انبعاثاته الغازية السامة، وكذلك الهدر على الشبكة والمحطات الإنتاجية المهترئة"، مشيرة إلى أن 27 سنتاً تتضمن كلفة الإنتاج والتعويض عن الهدر والخسائر على الشبكة، مما يعني أن "المواطن الذي يلتزم بالدفع المنتظم سيكون عليه سداد فاتورة السارق والمتخلف عن الدفع".

مشكلات بالجملة وخطط مكبلة

ويتضح أن أزمة الكهرباء أعقد مما هي عليه ظاهرياً، وفي معرض توصيفه للمشكلة يؤكد المدير العام للاستثمار والصيانة في كهرباء لبنان سابقاً المهندس غسان بيضون، "أننا أمام خطط عشوائية ومرتجلة، لأن عودة التيار مشروطة بالتمويل وهو أمر متعثر بفعل اشتراط مصرف لبنان إعادة المبالغ إليه".

ويستبعد بيضون التوصل إلى حل للمشكلة، لأن "الهدر والسرقة قبل الأزمة المالية والاقتصادية كان يتراوح بين 60 و70 في المئة، فكيف الحال اليوم في ظل ارتفاع مستويات الفقر والحاجة"؟

وقال "لن يتمكن من يتقاضى مليوني ليرة لبنانية من دفع الفاتورة، وكذلك المؤسسات الخاصة التي تجهد للاستمرار، لذلك فإن الاستمداد غير المشروع للطاقة سيستمر وربما سيزداد، وستذهب الأموال هباء".

وأشار بيضون إلى حال الإفلاس التي تعيشها كهرباء لبنان بسبب الأموال المتراكمة عليها في شكل ديون أو متأخرات، فمن ناحية هناك الموظفون المضربون بسبب عدم دفع الأجور والمستحقات، ومن جهة أخرى هناك مطالبات موردي الخدمات من شركات الصيانة والقطع والسفن وغيرها.

ويرى أن أصدق توصيف لحال المؤسسة هو عدم قدرتها على ترميم المبنى المدمر منذ انفجار مرفأ بيروت، فالموظفون والإداريون يمارسون أعمالهم من "كونتينر" أسفل المؤسسة، كما أنه لم يتم ترميم وإصلاح مركز التحكم بالشبكة وهو الجزء الأساس لمراقبة الشبكة والتوزيع واكتشاف حجم الاستهلاك ومنع سقوطها وتعطل المحطات المربوطة بها.

الحاجة أكبر من الإنتاج

ويعتمد لبنان بصورة أساس على معملي دير عمار والزهراني في إنتاج الكهرباء، وتصل قدرتهما الإنتاجية إلى 900 ميغاواط كان يفترض أن تنتج من الغاز لكنها حولت إلى الفيول، وتتكاتف مع باقي المعامل لتصل إلى 1800 ميغاواط، فيما الحاجة الفعلية هي 3 آلاف ميغاواط، وعليه فإن حلم الكهرباء على مدار الساعة غير ممكن التحقق في الظروف الراهنة، وبالتالي فتأمين التمويل للفيول سيؤدي إلى تحسين التغذية مع بقاء محاذير ارتفاع كلفة الإنتاج والهدر والسرقة التي تتطلب رقابة شديدة وقمعاً للمخالفات.

لذلك يضع غسان بيضون الإصلاح في خانة "الشروط التعجيزية" في ظل غياب الإرادة السياسية والنية الحقيقية للإصلاح، ويرى أن ما يحصل من تشكيل الهيئة الناظمة أو وضع بعض الخطط غير المنظمة التي لا تؤمن الاستقرار بمثابة "الإيحاء إلى البنك الدولي بأننا نقوم بخطوات إصلاحية".

وشدد بيضون على ضرورة اعتماد العدادات والمحولات الذكية التي تمكن المؤسسة من معرفة حجم استهلاك كل حي، على غرار ما يحصل في زحلة، وفي حال تجاوز الحدود عندها يتم اكتشاف مصادر السرقة.

ويخلص إلى أن "كوكتيل الخطط" لن يؤمن كهرباء مستمرة ومستقرة، و"كان يمكن تأمين الديمومة من خلال الاتفاق مع ’سوناطراك الجزائرية‘ لو لا شبهات طاولت الاتفاق".   

المزيد من تقارير