Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السلطة في شرق أفريقيا بين الوهن ومحاولات الدعم الخارجي

تتمتع هذه المنطقة غير المستقرة من العالم بأهمية استراتيجية خاصة لطالما جذبت كل الفاعلين الدوليين

الأهمية الاستراتيجية لدول شرق أفريقيا تجعل مسألة انتقال السلطة فيها محل متابعة واعتبار (أ ب)

يشكل إقليم شرق أفريقيا أهمية استراتيجية لكل من منطقتي الخليج وشمال ووسط القارة السمراء، وذلك لارتباط المنطقة بشكل مباشر بأمن البحر الأحمر، الذي يشكل مسألة أمن قومي واقتصادي بالنسبة إلى مصر لاعتبارات خاصة بقناة السويس، وإلى الخليج العربي لاعتبارات خاصة بنقل النفط وأمنه، بينما يمثل هذا الإقليم معطى أمنياً أساسياً لليبيا ودول الساحل الأفريقي نظراً إلى عمليات التعاون المتصاعدة بين التنظيمات المتطرفة في إطار ظاهرتي الجريمة المنظمة والإرهاب.
ويمكن القول، إن مشهد المستقبل القريب للاستقرار السياسي في دول مفتاحية في إقليمي شرق أفريقيا والبحر الأحمر يبدو مقلقاً وذلك في ظل ضبابية مسألة انتقال السلطة في جيبوتي وإرتيريا نظراً إلى كبر سن قيادتيهما السياسية وتمركز صناعة القرار في دوائر ضيقة للغاية، مع ضعف للمؤسسات العسكرية في هذه الدول أو انعدامها، وذلك كله بالتوازي مع عدم وجود بدائل سياسية منظورة للمراقبين الدوليين والإقليميين معاً.
وقد يكمل هذا المشهد غير المستقر حالة السيولة السياسية الممتدة في السودان، المترتبة على عدم الوصول إلى توافق سياسي داخلي على الرغم من استمرار بلورة هذا التوافق على مدى أكثر من عام، فضلاً عن مستوى التهديدات الأمنية المتصاعد في الصومال، حيث تشكل "حركة الشباب" تحدياً حقيقياً ممتداً للسلطة السياسية أسفر عن ضعضعتها خلال أكثر من عقد.
هذه الأهمية الاستراتيجية لدول شرق أفريقيا تجعل مسألة انتقال السلطة فيها محل متابعة واعتبار من كل دول الجوار الإقليمي الأفريقي وعواصم عالمية نظراً إلى حساسية الإقليم تجاه جملة من المصالح المتشابكة المشتركة حيناً والمتناقضة أحياناً أخرى.

انتقال السلطة

في هذا السياق، حصد تحدي انتقال السلطة في دول شرق أفريقيا استجابات متنوعة من العواصم الإقليمية والعالمية، فعلى الصعيد الأميركي استقر تقدير الموقف على ضرورة الحفاظ على مؤسسة الدولة في إثيوبيا، كنقطة ارتكاز للمصالح الأميركية وسط دول مستقبلها ضبابي. من هنا شعرت واشنطن بالخطر الكبير على أديس أبابا مع الانتصارات التي حققها إقليم التيغراي في المرحلة الأولى من الحرب التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وطبيعة التحالفات العسكرية التي تمت بين القوميات الإثيوبية المتنوعة ضد مركز الدولة في أديس أبابا ثم نجاح هذه التحالفات المتعاونة مع التيغراي في الاقتراب من العاصمة الإثيوبية بعد عام تقريباً من الحرب.

مستويات التدخل الأميركي

في هذا التوقيت، تدخلت واشنطن على مستويات عدة منها ما هو جديد ومنها ما هو مرتبط باستراتيجياتها الممتدة في كل من شرق أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر.
وكان أول التدخلات الأميركية من خلال هندسة تغيير الميزان العسكري في الحرب لصالح أديس أبابا وذلك عبر دعم دول إقليمية في عمليات تسليح الجيش الفيدرالي الإثيوبي خصوصاً بالطائرات المسيرة وهو ما ضمن تفوقاً جوياً على قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، وأسهم في إضعاف قدراتها العسكرية إلى حد الخروج من المناطق التي تمت السيطرة عليها خلال العام الأول من الحرب.
أما المستوى الثاني، فهو دفع واشنطن الأطراف نحو بلورة اتفاق سلام شامل، وذلك عبر مبعوثها إلى القرن الأفريقي مايك هامر، إلا أنه على الرغم من الجهود الأميركية المكثفة لأشهر عدة، لم تستطع الوصول إلا إلى مستوى وقف عدائيات فقط.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إجراءات تنفيذ هذه الاتفاق على ضآلته، تظهر على أجندة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي أعلن، أخيراً، أنه يتابع إجراءات تنفيذ هذا الاتفاق في شمال إثيوبيا عن كثب.
أما المستوى الثالث الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة فهو المستوى العسكري أي ضمان الوجود بما يجعل جاهزية التدخل المباشر أداة فعالة لحماية مصالحها المباشرة، لا سيما من خلال قيادة الأسطول الخامس الأميركي تحالفاً أمنياً من 34 دولة في عملية يطلق عليها اسم "CMF-153"، وذلك اعتباراً من أبريل (نيسان) الماضي، وهي رابع فرقة معنية بهذه المهام، حيث تكونت الفرقة الأولى في عام 2001 وكانت مشكلة من 12 دولة.
كما أقدمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التراجع عن قرار الرئيس السابق دونالد ترمب في سحب القوات الأميركية من الصومال، ولعل ذلك ما يفسر نجاح الحكومة الصومالية أخيراً في بعض عملياتها الأمنية ضد "الشباب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


السلوك الصيني

من ناحية أخرى، أقدمت الصين في سلوك غير معهود من جانبها على تعيين مبعوث سياسي خاص لمنطقة القرن الأفريقي، للاهتمام بالمتغيرات في إقليم شرق أفريقيا ومن بينها المستقبل السياسي لهذه الدول وبالتركيز أيضاً على إثيوبيا، ولعل ذلك ما دفع بكين إلى تعيين شيويه بينغ أول مبعوث صيني خاص إلى القرن الأفريقي مطلع العام الحالي وإقدامه في منتصف العام على عقد مؤتمر للسلام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أبدى فيه "استعداد الصين لتقديم جهود وساطة للتسوية السلمية للنزاعات على أساس إرادة دول هذه المنطقة". وعلى الرغم من الفشل الصيني في تحقيق هذه الطموحات، لكن ذلك لم يمنع واشنطن من تركيز الهجوم على السياسيات الصينية بشكل عام عبر منصاتها للتأثير على النخب حول العالم. في هذا السياق، أشار أحد أهم مركز الأبحاث الأميركية إلى وجود اتجاهات لدى الصين لربط قاعدتها العسكرية في شرق أفريقيا بقاعدة أخرى على المحيط الأطلسي، حيث قال مركز أفريقيا للدرسات الاستراتيجية في تقرير صدر في أغسطس (آب) الماضي، إن "جيش التحرير الشعبي الصيني سيفتح قاعدته البحرية الثانية في أفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي". وأشار إلى أن التحالف الاقتصادي الصين المسمى "سوف" (SOF) والمملوك للدولة قد بدأ تجهيزات في هذا الشأن، وذلك تحت مظلة وجود صيني اقتصادي قوي بأفريقيا ممثلاً بـ10 آلاف شركة صينية ومليون مهاجر يعمل معظمهم في مبادرة "الحزام والطريق".

التدخل الروسي

وعلى الرغم من أن روسيا لم تنجح في الحصول على نقطة ارتكاز لها في البحر الأحمر، ولكنها حصلت على نقطة ارتكاز في أفريقيا الوسطى الدول المتاخمة لإقليم شرق أفريقيا وأحياناً تصنف ضمنه.
وطبقاً لذلك فإن الجهود الروسية لا تهدأ على المستويين الدبلوماسي والعسكري للحصول على نقطة ارتكاز جديدة على البحر الأحمر أو أي من دول شرق القارة السمراء. ولعل زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى شمال وشرق أفريقيا بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية تشير إلى الاهتمام الروسي بأفريقيا، وتحديداً شرقها، وهو اهتمام له أشكال أخرى غير معلنة. وتوجد شركة "فاغنر" الأمنية الروسية التي بدأت عملها عام 2013 في 23 دولة أفريقية، حيث توفر التدريب على الأسلحة ودعم الشرطة وأجهزة الاستخبارات المدنية وعمليات التأمين الشخصي لكبار الشخصيات السياسية. وعلى صعيد مواز، استخدمت "فاغنر" وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على اتجاهات الرأي العام الأفريقي عبر نحو مليوني حساب، وذلك ضد الاستراتيجيات الغربية المنافسة والمناوئة لها، وربما هذا ما يفسر التحديات التي تواجهها باريس حالياً في دول الساحل الأفريقي خصوصاً مالي وتشاد، حيث نجحت روسيا في التأثير على بعض النخب الحاكمة خصوصاً في مالي، حيث وصلت إلى حد إنهاء العملية العسكرية الفرنسية هناك وارتفاع مستوى العداء السياسي إلى العلن بين باريس وباماكو في تراشق سياسي غير مسبوق بين فرنسا وإحدى العواصم الأفريقية التي كانت ضمن نفوذها الاستعماري والثقافي.
وشجع نجاح تجربة "فاغنر" موسكو حالياً على استنساخ جيل ثان من الشركات الأمنية الروسية، لا سيما شركتي باتريوت (Patriot) وسيو (Sew) للخدمات الأمنية، اللتين تمارسان عملياتهما في أفريقيا منذ عام 2018.
وفي سياق عسكري مواز تنشط روسيا في مجالات التصدير للأسلحة لأفريقيا عموماً ودول شرق أفريقيا خصوصاً، حيث تستخدم أفريقيا الوسطى حيث نجحت أن ترعى اتفاقاً للسلام عام 2018 عبر "منصة الخرطوم" لتكون نموذجاً ماثلاً على النجاح الروسي في دعم النخب الحاكمة بالتالي ضمان الاستقرار السياسي أياً كانت معطياته.

الاهتمام العربي

على المستوى الإقليمي العربي، فإن اهتمام دول خليجية بوجود قواعد عسكرية في جيبوتي، وكذلك اهتمام مصر بتدشين قاعدة عسكرية في حدودها الجنوبية في البحر الأحمر، فضلاً عن وجود عسكري في محيط باب المندب والاتفاقات العسكرية التي تم إنجازها مع السودان ورواندا وتشاد، كلها سياسيات وتحركات تؤشر في التحليل النهائي إلى طبيعة التحديات التي تواجهها هذه الدول في ما يتعلق بمتطلبات تلبية شروط أمنها القومي في بيئة قلقة.
وربما يكون من الخطوات التعاونية التي تم إنجازها، أخيراً، في الإطار الإقليمي استجابة لتحدي الاستقرار السياسي في دول شرق أفريقيا، هو تكوين منتدى البحر الأحمر في الرياض بعضوية عربية أفريقية مشتركة، إضافة إلى عمل دول خليجية على الترتيبات الدولية المعنية بإنجاز توافق سياسي في السودان، فضلاً عن المناورات العسكرية السنوية المشتركة بين دول الإقليم سواء المشاطئة للبحر الأحمر أو المتاخمة له.
وفي سياق مواز قد يملك الجوار المباشر لدول شرق أفريقيا أدوات ناعمة قد لا يملكها الفاعل الدولي في تلك المنطقة ومنها المشتركات الدينية واللغوية والثقافية وهي مشتركات تيسر أحياناً آليات المكون الإقليمي العربي في محاولة تطوير حالة الاستقرار السياسي في دول شرق أفريقيا.

المزيد من تحلیل