Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تباعد المواقف بين طرفي الأزمة الإثيوبية يهدد محادثات السلام في جنوب أفريقيا

أول محادثات مباشرة بعد عامين من الحرب بوساطة الاتحاد الأفريقي وواشنطن تدعو إلى وقف الأعمال العدائية فوراً

جانب من لقاء بلينكن مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي بأوتاوا الكندية في 28 أكتوبر الماضي (حساب بلينكن على "تويتر")

بين ليلة وضحاها اجتمع ممثلون عن الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" في جنوب أفريقيا للمرة الأولى بعد سنتين من الحرب التي شنتها قوات الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد. وجاءت تلك الانفراجة استجابة لدعوة المفاوضات التي وجهها الاتحاد الأفريقي برعاية أميركية، مما أثار تساؤلات المراقبين حول مغزى ومآلات هذا التطور اللافت في مسار الأزمة، وسط اتهامات متتالية من جانب قوى الإقليم الشمالي للاتحاد الذي يتخذ من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقراً له، بالتواطؤ مع حكومة آبي أحمد، إذ لم تأت خطوة السلام سوى بعد أن حققت هجمات القوات الإثيوبية أهدافاً ميدانية أسفرت عن أزمة إنسانية راح ضحيتها عشرات آلاف القتلى وأدت إلى نزوح ملايين المدنيين عن منازلهم، بحسب تقارير أممية، بينما قال رئيس الوزراء الإثيوبي قبيل انطلاق المحادثات إن الحرب "ستنتهي، ويعم السلام".
ومع ختام أسبوع من المحادثات الإثيوبية المباشرة في بريتوريا لإيجاد "حل سلمي ودائم" للصراع، لم تخرج إلى العلن أي نتائج عن المحادثات التي تم تمديدها، الإثنين 31 أكتوبر (تشرين الأول). وذكرت تقارير صحافية متعددة أن الاتحاد الأفريقي رفض الرد على أسئلة وسائل الإعلام، فيما أفادت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، نقلاً عن شهود عيان وعاملين بمنظمات إغاثية، بأن القتال تجدد من جانب القوات الإريترية المتحالفة مع حكومة آبي أحمد في هذه الحرب، على رغم انطلاق محادثات السلام. ولم يرد المتحدث باسم حكومة أديس أبابا ليغيسي تولو على أسئلة حول تلك المزاعم وما إذا كانت القوات الإثيوبية لديها أي سيطرة على حركة القوات الإريترية.

الاتحاد الأفريقي متهم بالتواطؤ

على رغم نجاح الاتحاد الأفريقي أخيراً في قيادة أول محادثات مباشرة بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية وسلطات إقليم تيغراي برعاية مبعوث الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو، وذلك بعد عامين على الحرب التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، يتهم نشطاء تيغراي ومراقبون أفارقة، الاتحاد بالتواطؤ مع الحكومة الإثيوبية. وفي المقابل، يقول الاتحاد الأفريقي إنه شجع تلك الخطوة بعد أن رأى التزام الطرفين بالسلام والسعي إلى حل سياسي دائم للصراع "من أجل المصلحة العليا لإثيوبيا"، بحسب بيان صادر عن الاتحاد مع انطلاق المحادثات في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

 

وتعقيباً على محادثات السلام الإثيوبية في جنوب أفريقيا برعاية الاتحاد الأفريقي، قال الناشط السياسي بإقليم تيغراي مصطفى حبشي إن "الاتحاد الأفريقي ظل صامتاً إزاء حصار إقليم تيغراي منذ تولي آبي أحمد السلطة ولمدة تزيد على ثلاثة أعوام، وسط عملية تطهير عرقي وإبادة جماعية شردت ملايين من شعب تيغراي إلى السودان وسمحت لجيش ومرتزقة دولة أجنبية، وهي إريتريا، باحتلال جزء من الإقليم"، مضيفاً أن "الاتحاد الأفريقي متواطئ مع أحمد، بينما تزعم الحكومة أنها ترفض التدخلات الخارجية، بما في ذلك تدخل الاتحاد الأفريقي ومطالب المجتمع الدولي بوقف القتال الذي يحدث تحت غطاء تعتيم إعلامي وبروباغندا رسمية لا تسمح بدخول لجان تقصي الحقائق إلى المنطقة، والأزمة في إثيوبيا لا تتوقف على جبهة تحرير تيغراي، بل هناك أزمة مع إقليمي أوروميا وبني شنقول وجبهة تحرير غامبيلا والإقليم الصومالي أيضاً، والحل يجب أن يكون مع جميع الأطراف، ونحن أكثر حاجة إلى لسلام من الحكومة الإثيوبية، ولكن ليس الاستسلام".
وذهب الباحث السياسي السوداني محمد تورشين إلى القول إن "الاتحاد الأفريقي غير مؤهل لوقف إطلاق النار بين طرفي الأزمة في إثيوبيا، ناهيك بوقف الحرب بشكل عام والصراع والاقتتال"، مشيراً إلى أن "التدخل الراهن في الأزمة من جانب الاتحاد الأفريقي جاء نتيجة الاعتقاد بتحقيق الحكومة المركزية نجاحات ميدانية عقب تجدد الاشتباكات منذ أغسطس (آب) الماضي، وربما هناك تقدم على الأرض من جانب قوات آبي أحمد، ولذلك الرهان على أن جبهة تحرير تيغراي في أضعف حالاتها، وينبغي الضغط عليها ودفعها لتقديم تنازلات".

ورأى تورشين أن "التناقضات بين جبهة تحرير تيغراي والحكومة المركزية كبيرة، لا سيما في ما يتعلق بمصير القوات الإريترية التي تدخلت في الحرب دعماً لحكومة أديس أبابا، ورغبة الأخيرة في إعادة النظر في سلاح تيغراي وتحقيق رؤيتها للفيدرالية الإثنية، ولذا هناك تباين كبير بينهما في شأن المستقبل وإعادة المدنيين إلى مناطقهم، فالجبهة تتهم الحكومة بالقيام بعملية إحلال ديموغرافي لأبناء شعب تيغراي بمواطني قومية الأمهرة، والمشهد معقد جداً".
وفي المقابل، اعتبر الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح أن الاتحاد الأفريقي قادر على التدخل لإحلال السلام، مضيفاً أنه "نظرياً، الاتحاد الأفريقي يمكن أن يكون جهة قادرة على التدخل بشكل أكثر فاعلية لإنهاء نزاع تيغراي عبر إعمال آلياته ومبادئه الخاصة بمنع النزاعات وحلها". وأضاف صالح "كما نعلم كان الاتحاد الأفريقي قد تدخل باكراً في محاولة لاحتواء النزاع في أيامه الأولى من خلال تسمية مبعوثين خاصين له، إلا أنه اصطدام بتصور الحكومة الإثيوبية حينها للنزاع باعتباره شأناً داخلياً محضاً، فآثر الاتحاد الصمت منذ ذلك الحين غير أنه اضطر تحت وقع الضغوط الدولية لتعيين ممثل أعلى للاتحاد في القرن الأفريقي، هو الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيغون أوباسانجو، في أغسطس 2021 ليتولى عدة قضايا من بينها نزاع تيغراي".

المهمة المستحيلة

وأكد مراقبون أن مهمة الاتحاد الأفريقي في إثيوبيا شاقة، معتبرين أن تدخله في الوقت الحالي جاء لأسباب موضوعية تتعلق بالسياق المواتي لبدء عملية السلام التي طال انتظارها لعامين. ولفت الباحث في الشؤون الأفريقية إلى أن "هناك عوامل عدة تضعف الآمال بالتوصل إلى حد أدنى من الاتفاق في شأن وقف العدائيات، من بينها تباعد مواقف الأطراف وتعدد الفاعلين في الصراع ممن هم خارج عملية التفاوض، خاصة في ظل ضيق الحيز الزمني لهذه الجولة (خمسة أيام) وعدم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف لوقف العدائيات قبل الدخول في عملية تفاوض رسمية". وأضاف أن "التوصل إلى حل دائم لهذا النزاع يتطلب جولات أخرى من المحادثات لبناء الثقة بين الأطراف، ومن ثم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، ولكن في الوقت ذاته يعني ذلك تصعيداً خطراً للحرب في حال فشلت الجولة الأولى الحالية".
في السياق عبر رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد عن اعتقاده أن الاتحاد الأفريقي قادر على حل هذه الأزمة إذا توفرت الإرادة السياسية لدى أطراف الصراع في التوصل إلى السلام وإنهاء الحرب في إقليم تيغراي تعزيزاً وتطبيقاً لشعار الاتحاد "حلول أفريقية لمشكلات أفريقية"، معتبراً أن "السبب في تدخل الاتحاد الأفريقي الآن بدور الوساطة يعود إلى قبول قيادات جبهة تيغراي بشروط الحكومة الإثيوبية المركزية ضمن الوساطة الأفريقية".
لكن أحمد أشار أيضاً إلى أن "هناك تبايناً كبيراً بين مطالب وشروط الطرفين، حيث ترفض الحكومة وقف إطلاق النار وتطالب بنزع سلاح جبهة تيغراي والاستمرار في استحقاقات (عملية إنفاذ القانون) في الإقليم وتقديم (الجناة) من قيادات جبهة تيغراي إلى العدالة، بينما تطالب الجبهة بوقف إطلاق فوري وخروج القوات المسلحة الإريترية من إقليم تيغراي بطلب من الحكومة الإثيوبية". وعليه، فإن مؤشرات فشل الجولة الأولى من المفاوضات أقوى من مؤشرات نجاحها بظل التباين الشاسع بين مطالب الطرفين بسبب انعدام الثقة بينهما.


ميزان التفاوض يميل للحكومة

 

وقال رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية إن "أوراق قوة موقف الحكومة التفاوضي تكمن في أن قوات الدفاع الإثيوبية المتحالفة تحقق انتصارات عسكرية وتسيطر على إقليم تيغراي سيطرة شبه كاملة وفي أي لحظة قد تسيطر على مدينة مقلي عاصمة تيغراي المحاصرة من كل الاتجاهات، بينما أوراق القوة للموقف التفاوضي لجبهة تحرير تيغراي تكمن في الضغوط الدبلوماسية التي تمارس من خلال القوى الدولية في الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي على أديس أبابا".
بدورها، رأت الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة أسماء عادل أن "هناك تحديات تواجه إتمام محادثات سلام بين الطرفين، إذ تكمن المعضلة لإتمام محادثات السلام في اختلاف الجانبين حول أجندة المفاوضات، فنجد أن الحكومة الإثيوبية تطالب جبهة تحرير تيغراي بنزع السلاح، وخضوع الإقليم لسيادة الحكومة، بينما تشترط الجبهة وقف فوري للعمليات العسكرية وإيصال المساعدات الإنسانية، وسحب القوات الإريترية التي تشارك في القتال إلى جانب القوات الحكومية الإثيوبية، وهو ما يعني أنه لا يوجد توافق بين الطرفين، مما قد يعرقل استكمال مسيرة المحادثات، ووصول جولة المفاوضات إلى طريق مسدود". وأشارت أيضاً إلى أن "هناك ضغوطاً على الحكومة الإثيوبية من جانب حلفائها (قومية الأمهرة والرئيس الإريتري أسياس أفورقي)، لعدم التوصل إلى أي توافق مع جبهة تحرير تيغراي، وأن الصراع لا بد من حسمه عسكرياً بحيث يتم القضاء على الجبهة".

وأعربت الباحثة أسماء عادل عن اعتقادها أن "تخفيف حدة الانتقادات الدولية على طرفي الصراع، ربما يدفع إلى إيجاد مخرج سلمي للأزمة في إثيوبيا، حيث إن الحل العسكري قد باء بالفشل. ونجاح طرفي الصراع في التوصل إلى حل سلمي للأزمة، سيشجع المجتمع الدولي على مكافأة الطرفين المتحاربين من خلال ضخ المساعدات الدولية لإنعاش الاقتصاد الإثيوبي الذي تدهور جراء اندلاع الحرب، حيث تعاني إثيوبيا من أزمة إنسانية جراء اندلاع الصراع، إذ أدى الصراع في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان إلى مقتل أعداد لا تحصى من الناس، مع تقارير واسعة النطاق عن الفظائع، بما في ذلك القتل الجماعي والعنف الجنسي".

ولفتت المتحدثة ذاتها إلى أنه "بحال توصل طرفي الصراع إلى إتمام المحادثات وإعلان اتفاق نهائي يوقف الصراع، من المحتمل تعزيز شرعية رئيس الوزراء آبي أحمد في الداخل الإثيوبي، وخروجه من العزلة الإقليمية والدولية، وهو مكسب في حد ذاته، ويتطلب ذلك إيجاد صيغة توافقية مع جبهة تيغراي ومنحها بعض المكاسب السياسية، والتي تتمثل في تراجع الحكومة عن تصنيفها ضمن المنظمات الإرهابية، على سبيل المثال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


موقف أميركا

وتشارك الولايات المتحدة إلى جانب منظمتي "إيغاد" والأمم المتحدة كمراقبين في عملية السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، والتي جاءت في أعقاب جولتين أجراهما مبعوث واشنطن إلى القرن الأفريقي مايك هامر الشهر الماضي، شملتا كينيا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا.
ومع انطلاق المحادثات نشرت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط تغريدة تؤكد فيها ترحيب واشنطن بإعلان انطلاق محادثات السلام بقيادة الاتحاد الأفريقي بين حكومة إثيوبيا والسلطات الإقليمية في تيغراي، وكررت دعوة الولايات المتحدة إلى "وقف الأعمال العدائية فوراً في إثيوبيا، واستئناف دخول المساعدات الإنسانية للمتضررين".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان رحب فيه بالمفاوضات، أنه "لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع، وهذه المحادثات تمثل أكثر السبل الواعدة لتحقيق سلام وازدهار دائمين لجميع الإثيوبيين".
والتقى لنكين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي في أوتاوا خلال زيارة متزامنة للرجلين إلى كندا الخميس الماضي، حيث أعرب الأخير عن أمله في أن تؤدي محادثات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي إلى وقف إطلاق النار وفتح الطريق لتقديم الدعم الإنساني لمن هم في حاجة إليه، كما ناقش الطرفان أيضاً القمة الأميركية - الأفريقية المقرر عقدها في منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل في واشنطن.
وقال بلينكن إن اجتماعه مع رئيس المفوضية جاء "في وقت مهم حيث يلعب الاتحاد الأفريقي دوراً قيادياً في محاولة إنهاء العنف والصراع في شمال إثيوبيا"، واكتسبت محادثات السلام الإثيوبية زخماً كبيراً في أعقاب دعوة فكي في منتصف أكتوبر إلى "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار واستئناف المساعدات الإنسانية" في تيغراي.
من ناحيته، قال الباحث في شؤون القرن الأفريقي بمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" بالقاهرة أحمد عسكر إن "التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين طرفي الصراع الإثيوبي مرهون بعدد من الشروط على رأسها ممارسة الاتحاد الأفريقي للضغوط على طرفي الصراع من أجل سرعة التوصل إلى اتفاق سلام وتقديم التنازلات من أجل تسوية الأزمة، وهذا يتوقف على الضغط الدولي من جانب القوى الكبرى كالولايات المتحدة لإجبار الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي على الخروج باتفاق سلام وعدم إطالة مدة المفاوضات لإنهاء الصراع وتداعياته الكارثية على الشعب الإثيوبي في الإقليم تيغراي وعلى أمن منطقة القرن الأفريقي واستقرارها"، مضيفاً أن "آبي أحمد وحلفاءه في هذه الحرب لديهم هدف ثابت منذ اندلاع الحرب يتمثل في القضاء نهائياً على جبهة تحرير تيغراي، وتجاوز هذا الموقف من جانب رئيس الوزراء قد لا ينطبق على حلفائه، لذا يظل الرهان على موقف مرن من جميع الأطراف لتحقيق تقدم في محادثات السلام في جنوب أفريقيا، إلى جانب الضغط من المجتمع الدولي من أجل الحل".

المزيد من متابعات