Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دلالات ورسائل القمة الصينية - العربية في السعودية؟

بكين تعيد بلورة رؤيتها تجاه المنطقة العربية بما يضع الطرفين في قلب خريطة عالم جديد متعدد الأقطاب

قمة عربية شعارها الشراكة ومغزاها الندية تستضيفها السعودية خلال أول زيارة دولة بدأها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى الرياض عقب فوزه "التاريخي" بولاية ثالثة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما عده مراقبون "علامة فارقة" في مسيرة الصين نحو تأكيد مكانتها العالمية في عالم يتجه منذ سنوات بخطى حثيثة نحو نظام دولي متعددة الأقطاب، يسعى فيه العرب إلى لعب دور فاعل في معادلة التوازنات الدولية بعيداً من الاستقطاب.

السعودية التي تستضيف خلال زيارة الرئيس الصيني ثلاث قمم هي (السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية) بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، حظيت باهتمام مراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية العالمية والإقليمية، التي أنتجت قراءات متباينة في شأن دلالات القمم التي تنعقد مع الجانب الصيني.

لكن، الإجماع بين تلك التقديرات يشير إلى ما تعكسه المنهجية الاستباقية للقيادة السعودية في التعاطي مع التحولات العالمية منذ جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا. الأزمتان الدوليتان اللتان برهنتا على محورية الدور السعودي في تحقيق أمن الطاقة العالمي وتوفير إمداداته، والأهم تحويل المحن إلى منح وفرص لزيادة فعالية النظام الدولي وتوازنه، وترقية تأثير الحضور العربي وفعاليته في المشهد الدولي والإقليمي المعقد.

وبعد أسابيع قليلة من القمة العربية الدورية في الجزائر، يتوجه القادة العرب إلى الرياض من أجل المشاركة في قمتهم مع الجانب الصيني، الذي أبدى خلال السنوات الماضية حرصه على تقديم دور مغاير وصياغة مختلفة لحضوره في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، عن السمات التقليدية للدور الغربي والأميركي في المنطقة، والحضور الروسي المتأرجح في تلك البلدان.

وتحرص بكين على التفاعل مع المنطقة العربية تحت مظلة واحدة، وهو ما تؤكده منتديات التعاون الصينية - العربية، لكن ذلك لا يمنع أولوية دول غرب آسيا، بخاصة دول الخليج العربية ومجلس التعاون الخليجي في الاستراتيجية الكبرى للصين، بوصفها المنطقة الأكثر قدرة على توفير الوقود الآمن إلى الصين "مصنع العالم" والسوق المفتوحة ذات القوة الشرائة المرتفعة، فضلاً عما تمثله ممراتها البحرية وموقع تلك المنطقة الاستراتيجية من مزايا جيوسياسية تضعها في قلب مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، لا سيما طريق الحرير البحري الذي يتمثل في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر، وصولاً إلى قناة السويس المصرية، درباً متفرداً لتحقيق الترابط المستقر بين شرق وغرب هذا العالم.

رسائل القمة

تبعث القمة العربية - الصينية الأولى من نوعها برسالة فارقة في مسار التعاون التاريخي بين العرب والصينيين، كونها تعكس عزم الجانبين على تطوير علاقاتهما الممتدة منذ قرون، فضلاً عن تمتين الشراكة الاستراتيجية والوصول بها إلى نقلة نوعية تؤسس لمرحلة متطورة من التعاون والتكامل الاقتصادي والتنسيق الدبلوماسي في عالم ما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.

يرى الباحث جعفر كرار، أحمد المتخصصين في الدراسات الصينية بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أنه رغم أجواء مكافحة وباء كورونا المعقدة، عقدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي - الصيني في يوليو (تموز) عام 2020. وكان من أهم مخرجاتها اتخاذها قراراً مهماً بعقد القمة العربية - الصينية الأولى في الرياض إيذاناً بدخول العلاقات مرحلة جديدة أكثر تطوراً تدفع باتجاه "بناء مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك في العصر الجديد".

وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن زيارة الرئيس الصيني تأتي بناء على دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، و"تعزيزاً للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية المميزة التي تجمع السعودية بالصين".

ولفت كرار في تحليل نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، الثلاثاء السادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى أن انعقاد القمة في حد ذاته يعكس المستوى الرفيع الذي وصلت إليه العلاقات العربية - الصينية، كما يعكس نوعاً من التضامن حتمته طبيعة الأوضاع الدولية الراهنة، إلا أنهم يرون أيضاً أن المسيرة الطويلة نحو قمة الرياض مرت بمحطات عديدة وطويلة مستندة إلى إرث وتراث طويل وهائل من التبادلات والتعاون الفعال والصبور على طول هذا الطريق.

وعشية وصول الرئيس الصيني إلى السعودية عد تقرير نشره موقع "المونيتور" الأميركي زيارة شي عاملاً يزيد من توتر العلاقات الأميركية، مع ما يمكن أن تشهده قمتان مع قادة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي من اتفاقات تكنولوجية متطورة.

ولفت التقرير إلى كثافة الاجتماعات البارزة بين القادة الصينيين والسعوديين في السنوات الأخيرة، حينما زار شي السعودية في عام 2016، بينما زار الملك سلمان بكين بعد عام، وفي عام 2019، سافر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الصين، حيث وقع صفقة بتروكيماويات بقيمة 10 مليارات دولار.

ويعلق تحليل "المونيتور" بأن الزيارة تشكل تحدياً لواشنطن والرئيس جو بايدن، الذي يتزايد ضجره من نفوذ الصين في المنطقة، لافتاً إلى تصريح بايدن في زيارته للسعودية في يوليو (تموز) الماضي "لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران".

النتائج المرتقبة

ويرتقب أن تخرج القمة بقرارات تنفيذية نحو مزيد من خطوات تحقيق مبادرة الصين التجارية العالمية "الحزام والطريق"، وتفعيل مكانة المنطقة العربية في تلك المبادرة بصورة ترفع من مستوى التبادل التجاري، وتوفر فرص الاستثمارات المشتركة بين الجانبين العربي والصيني.

وأعلنت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن القمة الخليجية - الصينية ستعقد يوم الجمعة المقبل التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وشدد الأمين العام للمجلس نايف الحجرف في بيان، على "أهمية العلاقات الخليجية - الصينية، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسيتم توقيع أكثر من 20 اتفاقاً أولياً بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال (نحو 29 مليار دولار)، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين، وخطة المواءمة بين رؤية السعودية 2030، ومبادرة الحزام والطريق، كما سيعلن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين، وفق ما أعلنت الرياض.

وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أيضاً أن الصين والسعودية قد توقعان اتفاقاً للتكنولوجيا والطاقة النووية خلال زيارة شي.

ورأى عماد الأزرق، الباحث المتخصص في الشأن الصيني ومدير مركز التحرير للدراسات والبحوث في القاهرة، أن القمة يتوقع الخروج منها بنتائج إيجابية في بلورة الشراكة الاستراتيجية العربية - الصينية على نحو متكامل، سواء على المستوى العربي الجماعي أو المواءمة التنسيقية بين الرؤى التنموية الوطنية للدول العربية، من بينها رؤية السعودية 2030.

وأوضح الأزرق لـ"اندبندنت عربية" أن نتائج قمة الرياض العربية - الصينية ستتبلور في صورة وثائق تاريخية للتعاون، مضيفاً "سيصدر عن القمة ثلاث وثائق رسمية، الأولى إعلان الرياض، والثانية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، والثالثة في شأن آليات تفعيل التعاون المشترك في كل المجالات، وستتناول كل أوجه التعاون في مختلف أشكالها، ومستقبل العلاقات بين الدول العربية والصين، بخاصة في المجالات التنموية والتكنولوجية".

تحالفات المصالح

وتعتقد الباحثة المتخصصة في الشؤون الصينية هدير سعيد، أن التوجه التعاوني العربي - الصيني في المرحلة الراهنة يركز على "تعزيز المصالح المشتركة بين الجانبين" مع حاجة كل طرف إلى الآخر. موضحة "بكين بحاجة إلى موارد المنطقة وسوقها القريبة، مما يؤسس لمعادلة جديدة من الشراكة الاقتصادية جوهرها (النفط في مقابل التكنولوجيا)".

وتشير سعيد إلى توافق الرؤى بين الجانبين حول مختلف القضايا البارزة، من بينها القضية الفلسطينية والأمن الغذائي وتحديات التغير المناخي، بينما الصين بحاجة إلى استمرار علاقاتها الاقتصادية والتجارية المميزة مع العرب "للحفاظ على معدل النمو الاقتصادي الصيني المتأثر سلبياً بتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا".

ويركز تحليل نشره المجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية أميركية غير حزبية) عقب قرارات "أوبك بلس" بخفض الإنتاج النفطي، إلى صورة المباراة التي تتنافس فيها الصين مع الولايات المتحدة على المسرح الدولي، بخاصة في الشرق الأوسط، إذ يصف التقرير السعودية بأنها "الزعيمة الفعلية لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة محقة في إظهار إحباطها من القرار النفطي، "لأن المسؤولين في واشنطن لا يرون فقط أن الصراع مع روسيا في أوكرانيا لحظة حاسمة ستشكل مستقبل النظام العالمي، لكنها أيضاً ترى أن الهيمنة الأميركية على الحلفاء والشركاء التاريخيين تتضاءل لصالح منافسين شرسين مثل الصين وروسيا".

وأعربت سعيد عن قناعتها بأن انعقاد القمة يمثل "إعادة بلورة لرؤية الصين تجاه المنطقة العربية"، التي تركزت في السنوات الماضية على منتديات الشراكة وآليات الحوار، لتصل في الرياض إلى قمة أولى على مستوى القادة، لتحقيق نقلة نوعية في تاريخ العلاقات بين الجانبين ترتكز إلى المصالح المشتركة قبل كل شيء.

"المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين واضحة"، هكذا علقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية على زيارة الرئيس شي، موضحة أن "الصين هي الشريك التجاري الأكبر للسعودية"، في حين أن الرياض هي واحدة من أكبر موردي النفط للصين. والشركات الصينية منخرطة بعمق في السعودية، فهي تبني مشاريع عملاقة، وتنشئ بنية تحتية للجيل الخامس، وتطور طائرات عسكرية من دون طيار".

ويذكر تقرير "نيويورك تايمز" أنه بينما السعودية حليف وثيق للولايات المتحدة لأكثر من نصف قرن، فإن القادة السعوديين سعوا "منذ فترة طويلة إلى تقوية التحالفات الأخرى للاستعداد لما يرون أنه عالم ناشئ متعدد الأقطاب، بخاصة مع الصين كقوة عظمى رئيسة".

ووسط ترحيب بتوسيع عضوية تجمع "بريكس" بما يسمح بدخول السعودية إلى الحلف الاقتصادي الذي يضم قوى صاعدة منذ نشأته عام 2006 هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تتصاعد أهمية التكتل بالنظر إلى منافسته للتجمعات الاقتصادية والسياسية التي تهيمن عليها الدول الغربية، على رأسها مجموعة السبع الصناعية الكبرى.

عالم ما بعد القمة

وتكشف وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية، عن مدى تحسب الإدارة الأميركية للتحركات الصينية على المسرح العالمي خلال العامين المتبقين من ولاية الرئيس جو بايدن، لا سيما مع تعطيل أجندته السياسية نسبياً بفوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب الأميركي في الانتخابات النصفية للكونغرس التي جرت الشهر الماضي.

وتقول هدير سعيد، لـ"اندبندنت عربية" إن التوجه الصيني نحو المنطقة العربية يعكس تعويلها على أهمية المنطقة العربية في عالم متعدد الأقطاب، وفي المقابل تعكس خصائص السياسة السعودية الخارجية المتوازنة في بناء علاقاتها الخارجية مع القوى الكبرى، وتمسك الطرفين العربي والصيني بمبدأ "تنويع الشراكات الاستراتيجية، والتوافق السياسي ورفض الهيمنة والأحادية القطبية والاستقطاب الدولي، بخاصة في ظل الأزمات الدولية الراهنة".

وتجنبت الولايات المتحدة إظهار خصومتها للصين وانزعاجها من المنافسة الاستراتيجية لمكانتها على قمة هرم النظام الدولي خلال الأشهر الماضية، رغم التصريحات المتكررة من جانب مسؤولي الاستخبارات والبنتاغون ومستشاري الأمن القومي الأميركي، لا سيما أن قمة مجموعة الـ20 الأخيرة في بالي شهدت لقاء بين الرئيسين الأميركي والصيني عده بعضهم انفراجة في مسار التوتر بين الجانبين.

وبينما وضعت استراتيجية الأمن القومي الأميركي لإدارة بايدن التي أعلنها البيت الأبيض قبل أسابيع، الصين على رأس خصوم الولايات المتحدة، في اعتراف ضمني بمكانتها الدولية كحقيقة في ميزان القوى العالمي الراهن والمستقبلي، تقول مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن واشنطن التي تستضيف هذا الشهر قمة أميركية - أفريقية هي الأولى من نوعها، باتت "تتجاهل الصين بعناية".

وذكرت المجلة في تقرير حصري أنه منذ أن تولى الرئيس بايدن منصبه للمرة الأولى، كانت إدارته تدق ناقوس الخطر بشأن النفوذ الجيوسياسي المتزايد للصين، وتعهدت "بالتغلب عليها" على المسرح العالمي، بما في ذلك في أفريقيا.

ومع ذلك في القمة المقبلة للزعماء الأفارقة في واشنطن هذا الشهر، بالكاد تدخل الصين في جدول الأعمال، إن وجدت، وفقاً لمقابلات أجرتها "فورين بوليسي" مع عديد من مسؤولي الإدارة وبإطلاعها على وثائق التخطيط الداخلية للقمة.

ويذكر مسؤولو الإدارة الأميركية أن تجنب الصين عن قصد هدفه "تجنب وضع البلدان الأفريقية كبيادق في حرب باردة جديدة مع بكين. هدفنا ليس تركيز حديثنا على المنافسة أو التنافس مع هذه البلدان الأخرى، هذه ليست أفضل طريقة لتعزيز مصالح الولايات المتحدة وأهدافنا المشتركة مع أفريقيا"، ويوضح مسؤول آخر أن هدف واشنطن ليس تنفير الشركاء الأفارقة، ولا مخاطبة الصين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير