Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أهدت "تويتر" وأخواتها الرئاسة لبايدن؟

من استهداف ترمب إلى دفن قصة هانتر… محطات سبقت فوز الرئيس الديمقراطي

يتهم بايدن بالتواطؤ مع وسائل الإعلام وشركات التواصل للفوز بالانتخابات (أ.ف.ب)

لم يكن أنصار دونالد ترمب وحدهم من يقرأون تغطيات الصحف الأميركية ويصوبون بحنق نحو انحيازها للديمقراطيين، بل كان الرئيس الجمهوري يقود بنفسه حملة الدفاع عن نفسه في وجه إمبراطوريات إعلامية يصمها بين الفينة والأخرى بأنها حاضنة تحيا على "الأخبار المزيفة" أو الـ"Fake News". حرب ترمب مع تلك المنابر النافذة لم تكن وليدة دخوله البيت الأبيض، بل تعود جذورها للحظة الترشح ضد هيلاري كلينتون، وما تبعها من هجمات إعلامية استغلها ترمب لتكون سمة مميزة لحملته الانتخابية التي كان يصور فيها نفسه منقذاً لما تبقى من قوة بلاده.

لم يخيب هذا النهج رجل العقارات المعتمر قبعة "إعادة أميركا العظيمة"، بل قاده إلى هزيمة الديمقراطيين في معركة الانتخابات الأولى عام 2016، إلا أن الفوز الرئاسي الذي فاجأ العالم لم يفتح باباً لهدنة ترمبية مع وسائل الإعلام في بلاده، بل جلب له مزيداً من المتاعب لدرجة أن عدد القصص السلبية التي تناولت ولايته في أول 60 يوماً فاقت ما واجهه أسلافه الثلاثة، بحسب مركز "بيو" للأبحاث. وفيما لم يتردد الرئيس الجمهوري في رد الصاع صاعين، وكي مراسلي القنوات والصحف بالتعليقات اللاذعة، كان يدرك جيداً أن "واشنطن بوست" وأخواتها لن تتوقف، وأن نقطة قوته تكمن في "تويتر"، حيث يمكنه مخاطبة أنصاره، وإثارة حنق معارضيه بتغريدة لا تتجاوز الـ280 حرفاً.

أمضى ترمب سنوات حافلة في عش "تويتر" الدافئ والمحايد، قبل أن تبدأ الشركة التي تعج بمسؤولين لا يشاركونه توجهاته في استهدافه، عندما بدأت في آخر أسابيع ولايته ملاحقة كل كلمة يقولها، ووصم تغريداته بأنها تحتوي معلومات مضللة أو غير دقيقة، إلى أن قررت رفقة زميلاتها "فيسبوك" و"يوتيوب" حظر الرئيس الجمهوري، الذي لم يجد نفسه في 2021 بطة عرجاء فحسب، بل طائراً مخنوقاً لم يعد بوسعه التغريد في منصته المفضلة.

كان حظر حساب ترمب في "تويتر" إيذاناً بتطور حربه من واحدة ضد وسائل الإعلام إلى أخرى أوسع، أطرافها عمالقة شبكات التواصل الاجتماعي، التي لا تقل نفوذاً وخطورة عن الصحف، لكن بالنسبة إلى أنصاره فإن أهم ما كشفت عنه المعارك التي خاضها ترمب مع وسائل الإعلام وشبكات التواصل ليس الانحياز ضده فحسب، بل رغبة هذه المؤسسات في إنجاح خصمه الأول جو بايدن، الذي ما إن وصل إلى البيت الأبيض حتى بدأ مراقبون يلاحظون أن وسائل الإعلام بدأت تخفف من حدة انتقادها للبيت الأبيض، وتتجاهل أو لا تركز على تغطية زلات الرئيس الديمقراطي المتزايدة.

وما إن أزاح إيلون ماسك مالك "تويتر" الجديد الستار عن "ملفات تويتر"، التي كشفت عن أن حملة بايدن كانت على تواصل منتظم مع التطبيق لإزالة تغريدات معينة، حتى جدد ترمب دعوته لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020، واصفاً فوز بايدن بأنه نتيجة لـ"عملية احتيال واسعة". وكتب الرئيس السابق في منشور على منصة "تروث سوشيال"، "مع الكشف عن خداع كبير وواسع النطاق، وخداع من خلال العمل من كثب مع شركات التكنولوجيا الكبرى والحزب الديمقراطي، هل تلغى نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ونعلن الفائز الحقيقي أم سيكون هناك انتخابات جديدة؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تساهل إعلامي مع بايدن 

وبصرف النظر عن أحاديث ترمب عن تزوير الانتخابات التي فشل في إثباتها أمام القضاء، فإن تصريحاته حول تواطؤ وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الكبرى مع الديمقراطيين ضده تدعمها الإحصاءات التي تظهر أن التغطية الإعلامية لعهده لم تكن على الدوام بريئة ونقية. وتكشف إحصاءات مركز "بيو" للأبحاث عن أن 62 في المئة من التقارير الإعلامية حول ترمب في أول شهرين من ولايته كانت سلبية، في حين بلغت نسبة الأخبار السلبية عن بايدن 19 في المئة فقط. 

وأظهرت دراسة أجراها المركز عام 2021 أن ترمب لقي نصيب الأسد من القصص السلبية مقارنة بأسلافه بارك أوباما (20 في المئة) وجورج دبليو بوش (28 في المئة) وبيل كلينتون (28 في المئة)، في حين كان نصيب بايدن مقارنة بأسلافه الأربعة الأقل عند 19 في المئة. وكشف البحث عن أن 74 في المئة من قصص وسائل الإعلام ركزت على شخصية ترمب نفسه، في حين تناولت 35 في المئة من المواد الإعلامية شخصية بايدن، وانصرف 65 في المئة منها لتسليط الضوء على أجندة سياسات الرئيس الديمقراطي.

وتبرر هذه الأرقام انتقادات المحافظين لوسائل الإعلام بأنها متساهلة مع بايدن مقارنة بالتغطية الإعلامية "العدوانية" لترمب الذي عانى ضغط الصحافيين في مقابلاته الإعلامية له وتحديهم لطرحه. ويرى الجمهوريون بأن بايدن لم يعامل بالمثل عندما كان مرشحاً واليوم كرئيس، مستشهدين بتجاهل "سي أن أن" أثناء مقابلتها مع الرئيس الديمقراطي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أزمة الحدود التي تنتقد إدارته على الفشل في احتوائها، والارتفاع غير المسبوق في معدلات الجرائم، مشيرين أيضاً إلى أن مراسل القناة جيك تابر تجنب الضغط على بايدن وتحدي إجابته التي رفض فيها تحميل إدارته مسؤولية التضخم، الذي قفز في عهده إلى مستويات لم تشهدها أميركا منذ 1982. 

وتعليقاً على مقابلة "سي أن أن" مع بايدن، تساءل ستيفن ميلر، كبير المستشارين السابقين لترمب قائلاً "كيف أمكن تابر تجنب سؤال بايدن عن أخطر وأكثر كارثة حدودية مميتة في التاريخ الأميركي أو عن موجة الجريمة غير المسبوقة التي اجتاحت مدننا". أما الكاتب المحافظ تيم يونغ فاستبق المقابلة بتغريدة قال فيها إنه متأكد أن المذيع "سيطرح على بايدن جميع الأسئلة الصعبة، مثل ما نوع الآيس كريم الذي يتناوله".

ولدعم نظرية تفاوت حدة وسائل الإعلام لدى تناولها سياسات ترمب وبايدن، يقارن مراقبون بين عنواني "واشنطن بوست" حول قرارين مشابهين اتخذهما ترمب وبايدن. بعد أن أقر ترمب خطة الإنقاذ الاقتصادية في مارس (آذار) 2020، عنونت الصحيفة "ترمب يوقع مشروع قانون فيروس كورونا بقيمة تريليوني دولار، في الوقت الذي تستعد فيه الشركات والأسر لمزيد من الآلام الاقتصادية". وبعد عام تقريباً، احتفت الصحيفة بحزمة بايدن الاقتصادية بقيمة 1.9 تريليون دولار بالعنوان التالي "حزمة بايدن التحفيزية تضخ الأموال للأميركيين، وتقلل الفقر بفاعلية، في خطوة مهمة لرئاسته".

وفي حالات أخرى، لم تكن الصحافة الأميركية متشددة تجاه ترمب فحسب، بل سقطت في فخ "فبركة" تصريحاته على نحو يدينه، كما فعلت "واشنطن بوست" العام الماضي، عندما زعمت أن ترمب ضغط على مسؤولة في ولاية جورجيا "للعثور على احتيال" في انتخابات الولاية التي خسرها بفارق ضئيل أمام جو بايدن. وقال لها إنها ستكون "بطلة قومية" إذا فعلت ذلك، إلا أن تسجيل المكالمة بينهما أظهر أنه لم يستخدم هذه الكلمات مما دفع الصحيفة إلى نشر تصحيح مطول. وأظهر تسجيل المكالمة أن ترمب حث المسؤولة على إيجاد الحقيقة، وشجعها على فحص بطاقات الاقتراع بالبريد في مقاطعة فولتون، الأكثر كثافة سكانية في الولاية. وفي حين شكر ترمب الصحيفة على اعتذارها، قال إن ما فعلته ربما أثر في انتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا التي فاز بها المرشحان الديمقراطيان.

أثناء موسم الانتخابات

لكن التساهل الإعلامي مع بايدن لم يكن وليد وصوله البيت الأبيض رئيساً، بل بدأ بحسب مراقبين عندما كان مرشحاً للرئاسة عام 2020، إذ لم تضغط وسائل الإعلام وقتها على بايدن في قضايا جدلية كتصويته المؤيد لحرب العراق، وهو القرار الذي حاول بايدن التبرؤ منه، قائلاً إنه بمجرد بدئها، أدرك أنها كانت خطأً، وأعلن معارضته لها، وهو ما اعتبره مراقبون كذبة، مشيرين إلى أن بايدن انتقد بعد بدء الغزو نقص تمويل المجهود الحربي.

 ويقول الصحافيان في "فوكس" أليكس وارد وتارا غولشان إن سجل بايدن الموثق في جلسات الاستماع في الكونغرس وخطاباته أمام مجلس الشيوخ ومقابلاته من عام 2001 إلى يوم وصوله البيت الأبيض تشير إلى أنه لم يكن مؤيداً للحرب على العراق فحسب، بل ساعد إدارة بوش على إقناع الأميركيين بأهميتها، مشيرين إلى أن بايدن روج لمخاوف إدارة بوش في شأن صدام حسين، ونظم جلسات استماع في مجلس الشيوخ بالتنسيق مع البيت الأبيض، ردد فيها حجج الإدارة حول أسلحة الدمار الشامل، وذلك قبل أشهر من التصويت على تفويض حرب العراق.

وعلى صعيد آخر، يدفع سجل بايدن (80 سنة) خلال النصف الأول من ولايته الذي بات مرصعاً بالزلات الكلامية المحرجة، والجمل غير المترابطة الصحافيين من وقت لآخر على سؤاله عما إذا كان يرى نفسه مؤهلاً للترشح لولاية ثانية. وفيما يكتفي الرئيس الديمقراطي بالإجابة قائلاً، "انظروا إليَّ واحكموا"، أصبح بعض الصحافيين عرضة للانتقاد بسبب عدم ضغطهم على بايدن في هذا الشأن عبر الإشارة إلى زلاته المتزايدة. 

التستر على "قصة هانتر"

تأبى واقعة حجب "تويتر" قصة لابتوب هانتر بايدن إلا أن تكون في قائمة راصدي انحياز المؤسسات الإعلامية لطرف بايدن، فالتحقيق الذي نشرته "نيويورك بوست" في أكتوبر 2020 بقي شاهداً على قرار الشبكة الاجتماعية الضخمة الذي عجز عن استيعابه حتى الموظفون الذين كانوا في غرفها المغلقة. وبدلاً من أن تناقش القضية التي أثارتها الصحيفة وهي استغلال هانتر بايدن نفوذ والده السياسي، توجهت الأنظار إلى "قمع تويتر" القصة قبل عامين، ليعود تداولها مجدداً هذا الأسبوع بعد أن كشف إيلون ماسك، المالك الجديد للشركة، عن وثائق ومراسلات داخلية سلطت الضوء على كواليس قرار الحجب، الذي هاجمه المحافظون واعتبروه كافياً للتأثير في نتيجة انتخابات 2020.

لكن "تويتر" لم يكن وحده الذي طعن في قصة هانتر على رغم صحة ما ورد فيها، بل حتى "نيويورك تايمز" لم تتردد في موسم الانتخابات من التشكيك في تحقيق "نيويورك بوست" الذي أشار إلى أن بايدن التقى أحد شركاء هانتر الأجانب من أوكرانيا، بل وبثت "نيويورك تايمز" رواية تخدم بايدن، عندما نقلت عن متحدث باسم حملته قوله إن "جدول أعمال بايدن الرسمي" لم يظهر أي اجتماع بينه وبين رجل الأعمال الأوكراني.

إلا أن "نيويورك تايمز" لم تضع حداً لتشكيكها في قصة لابتوب هانتر إلا بعد مضي 16 شهراً على انقضاء الانتخابات الرئاسية، أي بعد تسلم بايدن مفاتيح البيت الأبيض، إذ نشرت في مارس الماضي، تقريراً يؤكد صحة تحقيق زميلتها. ويشير إلى أن هانتر دعا شركاءه الأجانب ومنهم مستشار شركة أوكرانية إلى واشنطن للقاء بايدن، لكن اعتراف "نيويورك تايمز" بصحة القصة التي تظهر جانباً غامضاً من تعاملات بايدن وعائلته جاء متأخراً.

وتضمنت قصة "نيويورك بوست" رسائل بريدية مأخوذة من كمبيوتر هانتر تحدث فيها عن رؤيته العمل مع شركة بورسيما الأوكرانية. وأشار في إحداها إلى أنه غير قادر على التأثير في ما سيقوله ويفعله نائب الرئيس بايدن، لكنه قال "يجب أن ينظر إلى الإعلان الوشيك لرحلة نائب الرئيس بايدن إلى أوكرانيا كجزء من تفكيرنا ونصيحتنا". وأضاف أن الإعلان قد يكون مفيداً جداً، إلا أنه من المهم أن "نخفف توقعاتنا في شأن الزيارة".

وبحسب تيم مورتو، رئيس التواصل بحملة ترمب 2020، فإن التجاهل الطويل من قبل معظم وسائل الإعلام لقصة لابتوب هانتر لم ينته إلا بعد الانتخابات بشهر، وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) 2020 عندما بدأت بعض الصحف في تغطية القصة، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن أكد هانتر بنفسه أنه خاضع للتحقيق من قبل الـ"أف بي آي". وقال مورتو إن التعتيم الإعلامي أثمر في صالح بايدن، مشيراً إلى استطلاع رأي أظهر أن 36 في المئة من المصوتين لبايدن لم يعلموا عن قصة نجله، وأن 4.6 في المئة منهم قالوا إنهم سيغيرون رأيهم، لو علموا بها قبل التصويت.

دور رقابي على وسائل التواصل

أنصار ترمب يقارنون بين تعامل "تويتر" مع قصة لابتوب هانتر وقصة سجلات ترمب الضريبية، لتسليط الضوء على انحياز شبكات التواصل ووسائل الإعلام ضدهم، قائلين إن "تويتر" لم يمنع تداول قصص "نيويورك تايمز" حول سجلات ترمب الضريبية، وتجاهل إمكانية أن تكون الصحيفة قد حصلت عليها من خلال الاختراق، وحقيقة أن تسريب السجلات الضريبية يعد مخالفاً للقانون، إلا أن القصة التي نشرت في موسم الانتخابات لم تحجب، ولم تكشف الصحيفة عن الطريقة التي حازت من خلالها على بيانات ترمب للتأكد عما إذا كان نشرها قانونياً.

ويشير منتقدو بايدن إلى أن تواصل موظفيه مع شبكات التواصل الاجتماعي لم يتوقف عند قضية هانتر أيام الحملة الانتخابية، بل تطور بعد وصولهم إلى البيت الأبيض، إذ أصبحوا يمارسون دوراً رقابياً على شبكات التواصل، كما أقرت متحدثة البيت الأبيض السابقة جين ساكي، التي قالت إن زملاءها عكفوا على إبلاغ "فيسبوك" بالمنشورات "الإشكالية"، التي تروج لمعلومات خاطئة حول فيروس كورونا، مؤكدة أن البيت الأبيض على "تواصل منتظم" مع الشبكات الاجتماعية. وتزامن هذا التصريح مع دعوة الجراح الأميركي العام فيفيك مورثي شركات التواصل إلى تطهير منصاتها من المنشورات المضللة في شأن الوباء واللقاحات.

وبعد يوم من تصريحات ساكي حول التعاون مع وسائل التواصل، رد بايدن على صحافي يسأله عن الرسالة التي يوجهها في هذا الشأن لمنصات مثل "فيسبوك" وقال "إنهم يقتلون الناس. الوباء الوحيد لدينا ينتشر بين غير الملقحين. وهم يقتلون الناس"، لكن "فيسبوك" ردت قائلة إن تصريحات الرئيس مخالفة للحقائق، قبل أن يبعث شخص مجهول من الشركة رسالة بريدية إلى مورثي تشير إلى أن البيت الأبيض اجتمع مع فريق المنصة لفهم تطلعاته في مجال مكافحة المعلومات المضللة.

المزيد من تقارير