Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرضى السرطان في مخيمات "مأرب" معاناة بعضها فوق بعض

قصة "رشا" وعائلتها تستجير من الرمضاء بالنار في ظل غياب الدواء

لا يعاني النازحون من داء السرطان وحسب ثمة معاناة أخرى يواجهها اليمنيين تتمثل بالنزوح المستمر  (أ ف ب)

على بوابة المخيم لوحات معدنية لعشرات الجهات الإغاثية وعندما تبدأ الولوج والتجول في المخيم تبدأ المأساة تتكشف لك، خيام مهترئة، ومساكن بعضها من "الكرفانات" وأخرى من أكوام الحجارة قد تحولت مع مأساة النزوح المستمرة إلى مساكن ومأوى للنازحين.

ظلام دامس في المساء وشمس محرقة في الصباح وبين الظهيرة والصباح موجات من العواصف الترابية.

أطفال غير برد الشتاء وغبار المخيم ملامح وجوههم وملابسهم، يذهبون كل صباح إلى المدارس ومنهم من يضل الطريق إليها وفي الظهيرة يعودون إلى خيامهم بتعب وإرهاق من طول المسافة.

وبين الخيام المهترئة يلمح الزائر فرقاً نسائية تتجول من حين لآخر لتنفيذ حملة توعوية تقدمها إحدى منظمات الإغاثة، وقد وضعت لها لافتة إشهارية على بوابة المخيم الممتلئ بآلاف النازحين الذين غير النزوح ملامحهم وأثقل طول انتظار العودة للديار كواهلهم، وثمة نسوة ومسنون مرضى لا يجدون جرعة علاج أو مركزاً صحياً يقدم خدماته في المخيم.

جرعات الكيماوي 

بصوت منخفض ومتقطع وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة حاولت النازحة رشا يحيى في مخيم السويداء في محافظة مأرب اليمنية، تشرح لنا رحلة نزوحها مع أسرتها من مسقط رأسها محافظة عمران إلى محافظة الجوف، والنجاة من بطش الحوثيين وكيف أن السرطان فتك بآمالها وغاب عنها الدواء لتلجأ إلى التداوي بالرقية الشرعية، ثم تتقبل قضاء الله وقدره بعد عام من إخبارها من أحد المستشفيات في حضرموت أنها مثابة بالداء الخبيث بعد أخذ العينات وإرسالها إلى صنعاء وترددها لاحقاً إلى حضرموت مرة أخرى لأخذ الجرعات الكيماوية التي أوقفت الورم من التمدد في بقية وجهها، وعن عوزها وعدم وجود ما يعينها على العودة ومتابعة الجرعات العلاجية واستسلامها للورم والبقاء داخل خيمتها في انتظار الفرج، لكن ألم ووجع الورم جعلا رشا تخرج من خيمتها وتطرق باب أحد جيرانها كنداء استغاثة لإنقاذها.

تقول رشا في حديثها "بدأت إصابتي قبل ثلاث سنوات، كان الورم عندما كنت صغيرة وبدأت أستخدم أدوية، وأنا لا أعلم ما هي، وبعد ثلاث سنين كبرت وعرفت نوع المرض، وهنا في مأرب لا يوجد مركز أورام، لذلك تم تحويلي إلى أحد المستشفيات في مديرية سيئون بمحافظة حضرموت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف "في سيئون تلقيت أربع جرعات كيماوية أوقفت الورم من التمدد، لكن لم ينته الألم أو يتوقف المرض، فتم تحويلي إلى الخارج للعلاج، ولكن ليس بأيدينا ما يمكننا من السفر للعلاج خارج البلاد ولا حتى داخلها، لا نعلم الآن ماذا نفعل بعد أن بلغ بنا اليأس مبلغه، ولم يكن أمامي سوى المكوث في بيتي وانتظار الموت والحمد لله على كل حال".

صنعاء أرحم من وجع الورم

لا يختلف حال رشا عن حال المئات من مرضى السرطان في محافظة مأرب الذين يضطرون للذهاب إلى حضرموت أو إلى صنعاء للعلاج لعدم توفر مركز للأورم في المحافظة المكتظة بملايين النازحين.
ومع أن صنعاء عند المرضى قد تبدو أرحم من أوجاع الورم، إلا أن أعداداً من الأطفال مرضى السرطان ذهبوا قبل نحو شهر فقط ضحية الإهمال، إثر بيع أدوية منتهية الصلاحية لذويهم، مما شكل إحدى فضائح الميليشيا الحوثية المتزايدة.

وفي حديث لـ"اندبندنت عربية " قال الدكتور جمال عبدالحميد مدير المركز الوطني للأورام في عدن (مركز حكومي)، إن التقديرات السنوية الرسمية للحالات الجديدة تقدر بـ16 ألف إصابة بورم السرطان، وإن أكثر الأمراض السرطانية هي سرطان الثدي، والدم، والغدد الليمفاوية، والرأس والرقبة، والقولون، وإن نسبة الوفيات من مرضى السرطان تقدر بنحو 12 ألف وفاة سنوياً، لافتاً إلى أن  السرطان مشكلة صحية تتطلب تضافر الجهود لوضع استراتيجية وطنية لمكافحته في البلاد.

وقال مدير مركز الأورام إن وزارة الصحة في الحكومة الشرعية تقدم الدعم في التشخيص والعلاج لجميع المرضى حسب الإمكانات.

أسباب التفشي لا علاقة لها بالحرب

وعن العوامل التي تساعد في ارتفاع وتفشي نسبة الإصابة بالسرطان، يقول المسؤول الصحي "إن الأسباب متعددة مثل" التدخين، إذ على رغم إقرار قانون التدخين فإن العمل به لم ينفذ ويستخدم التبغ بأشكال مختلفة في اليمن، سيجارة مع الشمة و الزردة والمعسل، وهذا ما لاحظناه في ارتفاع نسبة سرطانات الرأس والرقبة وبالتحديد اللسان وتجويف الفم، إضافة إلى الاستخدام غير المرشد للأسمدة والمواد الكيماوية للخضار والفواكه والقات، حسب ما لوحظ في سرطانات الجهاز الهضمي وسرطانات الدم والغدد الليمفاوية".

وأوضح أن ارتفاع نسبة الإصابة بفيروس الكبد وفيروس الورم الحليمي والهليكوبكتر بيلوري، دفع إلى ارتفاع نسب الإصابة بسرطانات الكبد والرحم والمعدة كذلك، كما أن الاستخدام العشوائي للمواد البلاستيكية واستخدام الفحم الحجري في صناعة الكهرباء تعد من العوامل التي لا تخضع لرقابة وطنية.

صعوبة يمنية خالصة

يرى الدكتور جمال أن الصعوبات تكمن في تحدي توفير بعض أدوية "قائمة العلاج البيولوجي، والبنية التحتية لبناء مراكز حديثة"، مفيداً بأنه تحدث إلى الرابطة العربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث موضوع مراكز الطب النووي في اليمن والسماح باستيراد المواد المشعة الخاصة بمراكز الطب النووي والتخفيف من معاناة السفر إلى مصر والأردن بخاصة لمرضى سرطان الغدد الليمفاوية وعمل PET CT scan.

وأضاف أنه تم الاتفاق مع الجانب السعودي لبناء مركزي أورام في حضرموت وتعز.

مئات المرضى ينتظرون الموت

محمد عمر مريض في أحد مراكز السرطان بالعاصمة اليمنية صنعاء قال إن السلطات الصحية الحوثية منعت عن المرضى استخدام أي جرعات كيماوية للمرضى منذ حادثة وفاة أطفال مرضى السرطان بالأدوية المهربة والمنتهية في المركز نفسه في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى اللحظة دون ذكر أي أسباب تذكر.

وفي تواصل مع مدير مركز أورام السرطان في مستشفى الكويت في صنعاء عبدالرحمن الهادي رفض الرد على استفساراتنا حول الأسباب التي أدت إلى امتناعهم عن استخدام أي أدوية لمرضى السرطان.

وتتزايد حالات مرضى السرطان مع الصعوبات التي يعانيها المصابون بسبب غياب اهتمام سلطات الأمر الواقع خصوصاً في صنعاء واستخدامها مرض السرطان في سياق سياسي لتحقيق مكاسب سياسية، الأمر الذي ضاعف معاناة هذه الشريحة من المرضى.

وتنفي الجماعة التهم الموجهة إليها في هذا السياق واعتبرت حادثة أطفال السرطان خطأ طبياً غير مقصود، مؤكدة عزمها القيام بالتحقيق في المأساة.

المزيد من تقارير