Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء المونديال... كرنفال الشغف والدهشة والفرح والإحباط

الفتيات يتنافسن على حضور المباريات ويناقشن أداء الفرق ومتخصصون: "استقلالية"

لم تعد ظاهرة اهتمام النساء والفتيات بكرة القدم فردية بل صارت أمراً شائعاً ومعتاداً (أ ف ب)

لا تزعجي زوجك أثناء انغماسه في مشاهدة مباريات كأس العالم، ولا ترهقيه بالطلبات في حال خسارة فريقه المفضل، ولا تتذمري حينما يأخذه الحماس أثناء التشجيع، ثم هيئي له الأجواء وابتعدي عن المحيط الذي يجلس فيه ليتابع المسابقة الرياضية الأبرز.

لم يمل الناس من تلك النصائح التي تجعل النساء خارج دائرة الاهتمام بكرة القدم على رغم إقبال عدد أكبر من العائلات على إدراج بناتهن الصغار في فرق كرة القدم النسائية، والاهتمام الملحوظ من الفتيات والسيدات بفنيات اللعبة ومعرفتهن بقوانينها وتعليقاتهن المستمرة على سير المباريات، بل ومشاركتهن المتوالية عقب وأثناء كل مواجهة بالنقاش وتبادل "الكوميكس" المرحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا بعض مما يمكن ملاحظته بسهولة عقب أسبوع تقريباً من انطلاق مباريات مونديال 2022 الذي يقام في قطر.

كون كأس العالم لكرة القدم تقام للمرة الأولى على أرض عربية، فإن تلك التغييرات تبدو ملموسة بصورة أكبر، حيث التوحد ظاهر تماماً خلف الفرق العربية المشاركة سواء من الجماهير التي تحضر المباريات في الاستاد أو ممن يكتفون بالمتابعة عبر الشاشات، وفي الحالين يبقى العنصر النسائي حاضراً بكرنفال من الألوان التي تزين الوجوه والملابس، وكذلك نظرات الترقب والدهشة والسعادة والإحباط والإخلاص.

على الأرض وأمام الشاشة

الميزة والعيب الأكبر في جماهير كرة القدم أنها غير نظامية بالمرة، عدد ضخم من البشر يتحركون من دون سيطرة ويحملون توجهاتهم وأعصابهم وهم يهتفون ويرتجلون الشعارات، وعلى رغم وجود سمات عامة معتادة بينهم فإنهم كتلة كبيرة لا يمكن التنبؤ بسلوكها إذا ما حدث طارئ ما، تماماً مثلما لا يمكن التنبؤ بمن ستختاره الكرة لتدنو له في كل مباراة، حيث تحبس الجماهير أنفاسها وكلها أمل، ولكن الأمل قد يظل عنيداً وبعيداً، والكاميرات تسجل الأنفاس اللاهثة والعيون التي تكاد تنفجر منها الدموع والقلق الذي تنطق به الملامح، وهي أمور تشترك فيها النساء جنباً إلى جنب مع الرجال والأطفال حيث تمتلئ المدرجات بألوان المشجعين.

من أوائل الدروس التي سطرتها تصرفات الجماهيرية التلقائية في المونديال الذي يقام للمرة الأولى على أرض عربية، أن التجربة على الأرض أفضل من عشرات الخطب، فمثلاً على رغم أن المنتخب المصري لم يتأهل للمشاركة في البطولة، فإن الجماهير المصرية كانت حاضرة في المدرجات ومن خلف شاشات الهواتف تشجع بحماس وتطلق النكات وتفتح الساحة لـ"كوميكس" لا ينتهي احتفاء بأداء المنتخبات العربية، أو سخرية من تصرفات حكم في مباراة، أو تندراً من تشكيل فريق.

وكانت الأفلام والمسلسلات المصرية طرفاً أساسياً في المعادلة، وتحديداً تلك التي يتصدى لبطولتها نجوم حاضرون في كل مناسبة بتعبيراتهم ومشاهدهم شديدة الكوميديا والتراجيديا في بعض الأوقات، ومن بينهم بالطبع عادل إمام وعبلة كاملة وأحمد مكي، فالدراما المصرية كانت شفرة يفهمها الجميع وتسهم في التواصل بين جماهير الكرة الذين يتحدثون لغة الضاد.

نساء المدرجات

على ذكر عبلة كامل، فقد قدمت عام 2005 واحداً من أشهر أدوارها في السينما من خلال شخصية الأم حنيفة في فيلم "سيد العاطفي" لتامر حسني، من تأليف بلال فضل وإخراج علي رجب، حيث كانت الأم التي تعول ابنها الشاب بكل إخلاص فيما هي مهووسة بمتابعة مباريات كرة القدم وعلى دراية بكل تفاصيل وقوانين اللعبة، بل وتحفظ أسماء اللاعبين والمدربين وتواريخ المباريات الحاسمة ولا تغفر أخطاء الملاعب أيضاً، لكنها تؤازر فريقها على الدوام حيث كانت تشجع فريق "الأهلي" المصري ولا تفوت مباراة له إلا وتحضرها في الاستاد.

إنها نموذج للمرأة البسيطة التي على رغم معاناتها الشديدة فإنها لا تزال تحافظ على شغفها، وقد كانت الشخصية درامية تماماً بالتالي استحقت أن تكون محوراً لفيلم استقبل بشكل جيد وحقق حين عرض قبل 17 عاماً إيرادات بلغت 10 ملايين جنيه (ما يعادل 400 ألف دولار بسعر الصرف الحالي)، وحينها كان المبلغ يساوي أكثر ما يقرب من مليون و700 ألف دولار أميركي، حيث كان الدولار يباع بما يقرب من ستة جنيهات مصرية، وهو رقم جيد للغاية مقارنة بعمل محدود الميزانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففكرة تشجيع النساء العربيات وهوسهن بكرة القدم كانت حدثاً نادراً بالتالي استحقت تسليط الضوء عليها في عمل تمثيلي، والآن لم يعد التشجيع النسائي لكرة القدم حدثاً، بل على العكس فهناك كثير من الفتيات يضربن المواعيد في المقاهي والمنازل لمتابعة مباريات فرقهن المفضلة في مونديال هذا العام، كما أن كثيرات منهن يخالفن شركاء حياتهن في ما يتعلق بتشجيع الفرق.

عن هذا التحول يقول أحمد عصمت استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي إن النساء لهن رأي وتوجه ويتمتعن بالاستقلالية، وليس شرطاً أن يتبعن الزوج في اختيار الفريق المفضل، وقد يتحمسن للمنتخب الذي يشجعونه بناءً على أمور أخرى بعضها يتعلق بالمهارة وبعضها الآخر بما يمثله هذا الفريق وبلده من توجهات ثقافية معينة، فيتخذن قرارهن على هذا الأساس، كما أن بعضهن يحرص على الحضور والاستفادة من الحدث لرفع لافتات وشعارات مؤيدة لقضايا إنسانية معينة، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق النساء في العالم.

ويشير عصمت إلى أنه لا يمكن إنكار أن الشكل الاحتفالي والكرنفالي الذي يصاحب الحدث الضخم يمثل كذلك عامل جذب، مشدداً على أهمية القوة الشرائية للنساء باعتبارهن كتلة عددية كبيرة في العالم، بالتالي فمن مصلحة جميع الجهات المسؤولة استهدافهن في الأحداث الرياضية الكبيرة.

اهتمام وترويج

لم تعد ظاهرة اهتمام النساء والفتيات بكرة القدم فردية، بل صارت أمراً شائعاً ومعتاداً داخل تجمعات الأصدقاء، وتظهر بصورة واضحة أكثر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تبادل القفشات والنقاشات التي تقطع بأن هذا الاهتمام ليس عابراً أو سطحياً.

ولم تمنع المتابعة الكروية النساء بالطبع من التعليق على الأجواء الكرنفالية للاحتفال، سواء في ما تعلق بالأغنيات أو حتى بالأناقة خلال الفعاليات، وكذلك تتبع أخبار نجوم الكرة المفضلين وصديقاتهم وزوجاتهم، وهي اهتمامات ترفيهية قد تكون مدخلاً لبعضهن للاهتمام بعالم الساحرة المستديرة.

 

عن دور زوجات اللاعبين في الترويج لهذا الحدث. يتابع استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي "زوجات اللاعبين أسهمن بشكل لا يمكن إنكاره في زيادة المتابعة النسائية لكرة القدم، وبخاصة الشهيرات منهن، حيث يتم التركيز على تصرفاتهن وردود أفعالهن على ما يجري في الملعب، فهن منحى أساسي في هذا التحول".

وهذا الأمر يقود بالضرورة إلى مساهمة النجمات في الترويج للحدث وجعله يصل إلى فئات أخرى بصورة أكبر، فمثلاً شاهدنا في المدرجات هذا العام ياسمين صبري وميساء مغربي والمطربة وعد والإعلامية مهيرة عبدالعزيز وغيرهن كثيرات.

وعلى رغم أنه لا توجد دراسة تعرض بشكل دقيق نسب اندماج النساء في عالم كرة القدم سواء بالتشجيع أو بالممارسة، فإن الظواهر من حولنا تفيد أن هناك تغييرات كبيرة وجذرية، فبحسب تقرير لـ"بي بي سي" فقد تم رفع الحظر عن لعب النساء كرة القدم في إنجلترا أوائل سبعينيات القرن الماضي، ثم انطلق الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد عقد كامل من الألفية الثالثة، كما شهدت أوائل التسعينيات انطلاق أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم للسيدات ونظمها الاتحاد الدولي "فيفا"، الذي أكد بيع نحو مليون تذكرة للمشجعين في النسخة التي أقيمت عام 2019 بفرنسا.

تحول في توجه العائلات

تدريجاً باتت كرة القدم لعبة شعبية بين أوساط الفتيات، إذ تتحمس كثير من العائلات لإدماج بناتهن في فرق كرة القدم بالنوادي المجاورة، معتبرين أنها رياضة يمكن للنساء التميز فيها ولم تعد حكراً على الرجال.

مايا تدرس بالصف السادس الابتدائي ولديها ولع خاص بكرة القدم، تشير إلى أنها تحاول بصعوبة التوفيق بين دراستها ومواعيد تدريباتها القاسية، بحسب وصفها، تحضيراً للمباريات التي تخوضها مع فرق النوادي الأخرى، لافتة إلى أن والدتها هي من شجعتها على اختيار تلك اللعبة.

وتشير مايا إلى أن الكرة هي الرياضة الأكثر متعة بالنسبة إليها، كما أنها لا تفوت مشاهدة مباريات فرقها المفضلة سواء أكانت نسائية أو رجالية، وتجتهد كثيراً في التمرين لتحقق أحلامها وتحترف اللعبة.

تعتز مايا كثيراً ببعض المواجهات التي خاضتها مع بعض زملائها الصبية في المدرسة، مؤكدة أنها تفوقت على عدد منهم لأن التدريب الجدي هو الأساس وليس النوع.

من جهته، يرى الباحث أحمد عصمت أن "بطولة كأس العالم بالفعل لم تعد رجالية منذ فترة ليست بالقصيرة، فبعيداً من انتشار اللعبة كرياضة مفضلة لدى الفتيات فإن النساء مهتمات للغاية بهذا العالم"، مضيفاً "هي تظاهرة ليست كروية فقط، بل حدث ضخم تشارك به منظمات عالمية عدة، وله أجواء تجارية وسياسية، بل ويسهم في توجيه دفة الانتخابات في (فيفا)".

ويشير عصمت إلى أنه في ما يتعلق بالمشاركة النسائية في المونديال، فقد كانت بدايتها عن طريق التعامل مع الحضور النسائي، وهو ما ظهر في الصور المتداولة والمقاطع المصورة للمشجعات في المدرجات، والحديث على سبيل المثال عن جمالهن أو أناقتهن أو علاقتهن العاطفية ببعض اللاعبين، مضيفاً "التركيز على تلك التفاصيل أسهم في جذب بعض النساء بشكل أكبر للمشاركة في تلك الأحداث، حيث تظهر المشجعات بأبهى حلة في المونديال من خلال تقاليع المكياج والإطلالات التي تكون معبرة عن توجهاتهن الكروية، وهو أمر من النادر أن نراه في بطولات كرة القدم بعيداً من ملاعب كأس العالم".

المزيد من رياضة