Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يهدد المستشار الألماني وحدة الغرب حيال الصين؟

زيارات قادة أوروبا المرتقبة إلى بكين وواشنطن تحاول إصلاح ما أفسده شولتز 

  قدمت زيارة شولتز إلى الصين هذا الشهر كثيراً من الأسباب للقلق في صفوف القادة والباحثين الغربيين (أ ف ب)

في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، يسافر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إلى الصين، بينما يصل في اليوم نفسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن، لكن بين الزيارتين قاسم مشترك هو زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الشهر إلى بكين، التي أثارت كثيراً من الجدل والمخاوف على ضفتي الأطلسي من أن تكون خطوة شولتز وتعاونه الاقتصادي مع الرئيس شي جينبينغ، نقطة ضعف تؤدي إلى تفسخ الموقف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة إزاء الصين، فهل يمكن أن تحدث زيارة شولتز شرخاً في علاقة برلين مع واشنطن والغرب عموماً، أم أنها يمكن أن تأتي بفوائد تخفف من حدة المواقف بين الطرفين؟

العمل منفرداً

قدمت زيارة شولتز إلى الصين هذا الشهر، وهي الأولى التي يقوم بها زعيم من مجموعة السبع بعد تجديد ولاية الرئيس شي جينبينغ خلال المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، كثيراً من الأسباب للقلق في صفوف القادة والباحثين الغربيين، كون أنها عززت المصالح الأساسية لبكين، ولم تقدم سوى القليل لشولتز، في وقت بدا فيه التعامل الدبلوماسي الغربي مع الصين بالغ الأهمية بسبب العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين الطرفين.

وعلى عكس الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة الغرب الآخرين، الذين استخدموا قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا منصة للقاءات الثنائية مع الرئيس الصيني وإبداء نوع من القبضة المخملية مع بكين، سافر المستشار الألماني منفرداً إلى بكين على رأس مجموعة من رؤساء الشركات الألمانية الكبرى لتحقيق أولوياته الخاصة استناداً إلى مبدأ "ألمانيا أولاً" ضارباً بعرض الحائط السياسة الجماعية الأوروبية.

وفي حين جادل شولز بأن الوقت حان للتحدث مباشرة مع الرئيس شي جينبينغ بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب جائحة "كوفيد-19"، وأنه سعى لمواجهة القضايا الثنائية التي لا تسير كالمعتاد، وتأكيده في مقالة رأي نشرتها صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ"، أنه مع تغير الصين إلا أن نهج شولز أربك الغرب وأثار انقساماً داخل حكومته الائتلافية حول الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل مع الصين.

وتعتبر واشنطن والدول الأوروبية أن التعامل مع بكين ينبغي أن يكون من خلال جبهة موحدة، وأن القوى الديمقراطية بحاجة إلى مواءمة خطابها وسياساتها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الصين من موقع قوة، وأن قيام دولة بمفردها بالتقارب والتعاون مع الصين، بناءً على المصالح الوطنية الذاتية يمثل نقطة ضعف يمكن لبكين استغلالها.

تفضيلات بكين

في قمة مجموعة العشرين، كان تفضيل الرئيس شي جينبينغ الاستراتيجي للتعامل مع القادة على المستوى الثنائي واضحاً تماماً، إذ التقى بقادة فرنسا وإسبانيا وهولندا وإيطاليا الذين يطرحون مصالحهم والتزاماتهم الوطنية على الطاولة، بينما تجنب أي ارتباطات رسمية مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وهو بذلك تجنب لقاء القيادة المتشددة في بروكسل التي تمثل المصالح الأوروبية الجماعية.

وعلى رغم أن شولتز أثار بالفعل قضايا صعبة أثناء وجوده في بكين مثل حرب أوكرانيا والتصعيد في مضيق تايوان وحقوق الإنسان والضغوط الاقتصادية على الدول الأخرى مثل ليتوانيا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، فإن نهجه المنفرد الذي تفضله بكين، أدى إلى تعكير صفو سياسات ألمانيا والاتحاد الأوروبي في شأن الصين، إذ ترك المستشار انطباعاً قوياً بأن أولويته هي تعزيز العلاقات الاقتصادية لألمانيا مع الصين في وقت يسير فيه القادة الأوروبيون الآخرون وشركاؤه في التحالف داخل برلين في طريق عكسي.

 وقد تنظر الصين إلى ألمانيا تحت حكم شولز على أنها حلقة ضعيفة في تحالف غربي، بالتالي يمكنها أن تسعى لاستغلال ذلك.

إنجاز أم إخفاق

وسلط مراقبون الضوء على تصريحين من الرئيس الصيني على أنهما نجاحات أساسية من رحلة شولتز، فقد حذر شي جينبينغ علناً من استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا أو التهديد باستخدامها، ووافق على استخدام لقاحات "بيونتك" للمقيمين الأجانب في الصين، وهي التزامات لم تكن لتحدث لو بقي شولتز في برلين، وعلاوةً على ذلك، أوضح شولتز أن أي تغيير في الوضع الراهن لتايوان يجب أن يكون سلمياً أو بالاتفاق المتبادل، وهو ما يعكس مصلحة ألمانيا إلى جانب حلفاء وشركاء آخرين للولايات المتحدة في سلام واستقرار "مضيق تايوان" كمركز رئيس للتجارة البحرية.

وعلى رغم أنها لا توجد طريقة لمعرفة تأثير ما قاله شولتز في شأن هذه القضية، لكن كلما زاد عدد قادة دول الاتحاد الأوروبي والديمقراطيات الأخرى التي تحذر الرئيس الصيني من استخدام القوة، كان ذلك أفضل لواشنطن والغرب، لأنه سيذكر بكين بأن الولايات المتحدة ليست معزولة في قلقها في شأن الاستقرار في تايوان، وأن قرارات شي جينبينغ ستكون لها عواقب دولية حتى من أكبر شريك تجاري أوروبي للصين، حسبما تشير ليلي ماكيلوي، الخبيرة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

وتستند هذه الرؤية إلى أن الاتصال الدبلوماسي يوفر فرصة لفتح نافذة للحوار، وأن زيارات قادة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها تكون قوية بشكل خاص عندما تكشف عن الوحدة بشأن المخاوف الرئيسة المتعلقة بسلوك الصين، حتى لو لم تنفذ في انسجام تام، ويكون هذا الاتصال الدبلوماسي مفيداً أكثر عندما يساعد في تكوين فكرة أفضل عن كيفية إدراك الرئيس الصيني للبيئة الدولية ودور بكين فيها، بخاصة بعد تشديد قبضته على صنع السياسات في بلاده، وستسهل هذه المعلومات فهم سلوك الصين الدولي والتنبؤ به والرد عليه.

غير أن فيرغوس هانتر وداريا إمبيومباتو، الخبيران في المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية، اعتبرا في تحليل نشره موقع "فورين بوليسي" أن الصين لم تقدم لشولتز سوى القليل، حيث لم يذكر الرئيس شي روسيا باعتبارها القوة التي تهدد باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، كما تواصل بكين الامتناع عن إدانة الهجوم الروسي، وأن المواقف التي تصدرها على هذا النحو تجعل الصين تصور نفسها كلاعب عالمي مسؤول، بينما تفعل القليل لتحقيق السلام، وتواصل دورها التصعيدي في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي والشرقي.

الهدف الحقيقي

لكن بالنسبة إلى معظم المراقبين، يبدو أن الهدف الحقيقي من زيارة شولتز هو تعزيز النشاط التجاري لألمانيا مع الصين، فقد جاءت الرحلة بعد موافقة المستشار الألماني قسراً على استثمار عملاق الشحن الصيني "كوسكو" بحصة أقلية في ميناء هامبورغ على رغم اعتراضات ومخاوف وزراء شولتز وكبار المسؤولين الأمنيين، ووصل إلى بكين بوفد من 12 من المديرين التنفيذيين في الصناعة الألمانية، بما في ذلك الشركات ذات الوزن الثقيل مثل "فولكس فاغن" و"بي أم دبليو" و"سيمنز" و"باسف"، ما أرسل إشارة قوية نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين وألمانيا، وهو شعور ردده الدبلوماسيون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية.

ولم يلتفت شولتز لتحذيرات روبرت هابيك، وزير الشؤون الاقتصادية، ووزيرة الخارجية أنالينا بربوك وكلاهما عضو في حزب الخضر الألماني، حول كيفية التعامل مع الصين، حيث حذر هابيك من أن الشركات الألمانية المعتمدة بشدة على الصين تحتاج إلى أن تدرك أنها تخاطر بأعمالها في حال وجود رياح معاكسة جيوسياسية مع ذلك البلد، مثل صراع محتمل على تايوان، لكن بدلاً من الاستماع إلى رؤاهم جادل المستشار بأن ألمانيا وآخرين لا يمكنهم رفض التعامل مع الصين، قائلاً إن الانفصال هو "إجابة خاطئة".

غير أن الانفصال الكامل عن الصين ليس اقتراحاً مطروحاً من واشنطن أو الدول الغربية الأخرى بجدية على الطاولة في حين أن اندماج الصين مع ألمانيا والاقتصاد العالمي واسع للغاية، وسيكون تفكيكه مهمة معقدة وضارة، ولهذا فإن التعامل مع الصين بطريقة فعالة يتطلب السعي إلى تنويع الأسواق وسلاسل التوريد، لا سيما في القطاعات الحيوية في حين أن "فولكس فاغن"، على سبيل المثال، تستمد نصف أرباحها من السوق الصينية ولديها أكثر من 30 مصنعاً هناك، وهذا هو الاعتماد الاقتصادي المفرط الذي يجعل كلاً من الشركة وألمانيا معرضتين للمخاطر.
ولهذا السبب تعرض شولتز لانتقادات داخلية وخارجية ترفض السماح لعدد قليل من رجال الأعمال الأقوياء المهتمين بالربح فقط، بالتأثير بشكل غير ملائم في السياسة الخارجية لحكومته، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين الألمان لا يثقون بالصين ويعارضون استثمار شركة "كوسكو" الصينية في ميناء هامبورغ أو إعطاء أولوية للنشاط التجاري على حقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


احتواء أثر الزيارة

وفي محاولة لتصحيح المسار وتأكيد الموقف الجماعي للاتحاد الأوروبي، يسافر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إلى الصين الخميس المقبل، في محاولة للتعرف على موقف الصين من القضايا الرئيسة وسط منعطف حرج، وبعد ستة أسابيع فقط من مناقشة أجراها زعماء الاتحاد الأوروبي الـ 27 واستمرت ثلاث ساعات للتوصل إلى استراتيجية بشأن الصين، أثارها رفض بكين إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، والعجز التجاري المتزايد لصالح بكين، وإدراك أوروبا أنها تعتمد بشكل كبير على الصين في التكنولوجيا والمواد الخام والبنية التحتية، الأمر الذي يشكل مخاوف أمنية.

وبينما سيشغل الهجوم الروسي على أوكرانيا والنفوذ المحتمل للصين الجزء الأكبر من النقاش مع الرئيس شي وكبار المسؤولين الصينيين، إلا أن الرسالة الواضحة هنا، هي أن الاتحاد الأوروبي أراد التحدث مع الصينيين بصوت واحد واستراتيجية موحدة.

علاج التصدعات

وتتزامن زيارة بكين مع زيارة أخرى في السياق نفسه، ولكن إلى واشنطن، حيث يستضيف الرئيس الأميركي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويأمل الأميركيون أن تكون هذه الزيارة أكثر إيجابية من المكالمة الهاتفية الأخيرة بين بايدن وشولتز، التي لم تخف الهوة بين نظرة المؤسسة الأميركية إلى الصين باعتبارها المنافس الرئيس لها، ومصالح برلين في الحفاظ على استمرار العلاقات التجارية الكبرى، التي تعد واحدة من تصدعات عدة تتسرب إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعلى رغم أن البيت الأبيض لم يعد ينظر إلى أوروبا على أنها تستمتع بحرية الأمن الذي توفره أميركا، وتعهد إلى روسيا بإمدادات الطاقة، وأصبح الحليفان على نفس الصفحة الجيوسياسية في ما يتعلق بأوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة ترى أن الاتحاد الأوروبي لا يفعل ما يكفي، ولا يرسل دعماً عسكرياً أو مالياً كافياً إلى كييف، وليس صارماً بما يكفي لمواجهة الصين. كما أوحى الاتصال الهاتفي بين شولتز وبايدن بعد زيارة الأول إلى بكين، أن نظرة الاتحاد الأوروبي إلى الصين كشريك هي نظرة "موحلة للغاية" بالنسبة إلى واشنطن.

ولهذا تراهن فرنسا على أن تجد أرضية مشتركة مع فرنسا في ما يتعلق بالصين وبمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بخاصة أن فرنسا هي القوة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لها وجود في المنطقة، وتضم حوالى 7000 عسكري و1.5 مليون مواطن، وهي القوة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك أسلحة نووية وحاملات طائرات، وتسعى استراتيجيتها إلى استكمال استراتيجية الولايات المتحدة، حيث صرح ماكرون في سبتمبر (أيلول) الماضي، بأن فرنسا تريد مواجهة أخطار الهيمنة الإقليمية (في إشارة إلى الصين) من خلال التعاون مع الهند وأستراليا.

وفي حين أن فرنسا لا تتماشى تماماً مع الولايات المتحدة، إلا أنها تستطيع على الأقل أن تتخذ موقفاً أقرب إلى واشنطن من موقف برلين، فالصين هي الشريك التجاري الخامس لفرنسا، (87.3 مليار دولار)، لكنها الشريك الثاني لألمانيا (236 مليار دولار)، وعندما التقى ماكرون مع الرئيس شي على هامش قمة مجموعة العشرين، كان أكثر انسجاماً مع موقف بايدن من موقف شولتز، ولهذا يبدو أن باريس تمتلك أوراقاً يمكن أن تلعبها بينما يتنافس الحلفاء الأوروبيون على النفوذ، كما تقول صحيفة "واشنطن بوست"، بخاصة أن إدارة بايدن تحتاج إلى حلفاء مثل أوروبا لدفع أجندتها العالمية في مواجهة الصين.

المزيد من تقارير