حركت الحكومة التونسية أسعار المواد البترولية بداية من فجر اليوم الخميس 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لتكون الزيادة الخامسة منذ بداية 2022، بنسبة تصل إلى سبعة في المئة بينما أبقت على أسعار بترول الإنارة وغاز البترول المنزلي.
وأرجعت الحكومة قرارها إلى تطورات السوق العالمية التي تشهد اضطراباً في الإمدادات وارتفاعاً بأسعار النفط في ظل تنامي العجز الطاقي الذي تعانيه البلاد.
وانتهجت تونس بداية من 2020 تسعير المواد البترولية عن طريق لجنة مكونة من الوزارات المعنية، وزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة التجارة وتنمية الصادرات في تونس، وأوكل إليها مهمة ضبط أسعار منتجات النفط الجاهزة الموردة والمكرر وفق الأسعار بالسوق العالمية.
وسجل سعر لتر البنزين الرفيع الخالي من الرصاص بعد القرار 2525 مليم (0.789 دولار)، ووصل سعر الغازوال من دون كبريت 2205 مليم (0.689 دولار) في حين سجل سعر الغازوال العادي 1985 مليم (0.620 دولار) أما البنزين الخالي من الرصاص فسجل 2855 مليم (0.892 دولار)، وأخيراً سجل سعر الغازوال من دون كبريت 2550 مليم (0.796 دولار).
وبدأت تونس منذ 2020 التحريك التدريجي في أسعار المواد البترولية، حتى تصل إلى الأسعار الحقيقية ورفع الدعم عن المحروقات وفقاً لمشروع الإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد الذي تنتهجه الحكومة والتزمت به تجاه الجهات المانحة، وبالتحديد صندوق النقد الدولي الذي قدم على أساسه الموافقة المبدئية لمنح تونس تمويلاً جديداً.
السعر الحقيقي
وأوضح متخصصون ومسؤولون في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" الأسباب الحقيقية التي دفعت الحكومة التونسية لاتخاذ القرار، معتبرين أن هذا الرفع في قيمة التعديل الشهري يمهد للتسريع في الوصول إلى السعر الحقيقي أو القيمة الحقيقية للمواد البترولية وسط مخاوف من الانعكاسات المباشرة لرفع الدعم عن المحروقات على أسعار السلع والمقدرة الشرائية، إذ كشفت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة عن الاتجاه نحو تنقيح مجلة المحروقات (مجلة جامعة لكل التشريعات والقوانين في مجال الاستكشاف والتنقيب والاستغلال) بهدف تحيينها لمواكبة التطورات المستجدة، علاوة على تطوير التعاون مع دول الجوار في مجالي النفط والغاز.
وأوضحت وزارتا الصناعة والمناجم والطاقة والتجارة أن "الزيادات تأتي تبعاً لما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية العام ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام البرنت، ومن المنتظر أن يبلغ مستوى 100.5 دولار للبرميل. وقالت إن "كل زيادة بقيمة دولار واحد في برميل النفط بالسوق العالمية يترتب عنها حاجات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بنحو 140 مليون دينار في (43.75 مليون دولار) سنوياً".
تحريك بنسبة 7 في المئة
وصدر بالجريدة الرسمية قرار من وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة ووزيرة المالية مؤرخ في 23 نوفمبر 2022 يتعلق بتنقيح قرار وزير الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي ووزير المالية المؤرخ في 31 مارس (آذار) 2020 المتعلق بضبط تركيبة وسير اللجنة الفنية المكلفة ضبط ومتابعة أسعار بيع منتجات النفط الجاهزة الموردة والمكررة محلياً.
وقد تقرر تحريك قيمة التعديل الشهري لسعر البيع للعموم من ثلاثة في المئة ثم خمسة في المئة سابقاً إلى نسبة سبعة في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما شرعت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة في النظر في مشروع تنقيح جزئي لمجلة المحروقات (قانون) التي صدرت سنة 1999 بالنظر إلى واقع وتحديات قطاع المحروقات في تونس الذي يتسم بتراجع في أنشطة البحث والاستكشاف بثلاث آبار استكشافية وأربع تطويرية فحسب منذ سنة 2010 إلى الآن وانخفاض طبيعي للإنتاج بالحقول وتزايد الاستهلاك، مما أدى إلى تفاقم العجز في الميزان الطاقي بنسبة تفوق 50 في المئة.
من جهتها قالت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي إن "قطاع الطاقة يعتبر مكوناً أساسياً للأمن القومي وإن تونس تواجه جملة من الرهانات الاقتصادية في ضوء التحولات التي يشهدها العالم، في ظل تداعيات الجائحة العالمية ثم الأزمة الروسية - الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط والغاز وضغوط على السوق العالمية للطاقة"، وأضافت أنه "رغم توجه كبرى الشركات الناشطة في الطاقة إلى إنتاج الطاقات المتجددة فإن قطاع إنتاج المحروقات لا يزال يسهم بدرجة أولى في تحقيق الأمن الطاقي".
النفط في مقابل السلع
وذكرت الرئيسة المديرة العامة للشركة التونسية لصناعات التكرير (حكومية) فاختة المحواشي، أن "تونس تجاوزت الاضطرابات التي طرأت منذ أسابيع في توزيع المحروقات إذ تم تسلم أربع شحنات إثر ذلك".
وأرجعت المحواشي تلك الأزمة الظرفية إلى "التطورات العالمية وبالأساس الحرب في أوكرانيا المتسببة في الاضطراب في توزيع المحروقات، إذ بعدت مسافة التزود بالنفط وخرجت عن البحر الأبيض المتوسط"، مشيرة إلى ضرورة وضع استراتيجية تساعد في تحقيق استقرار طاقي تتمثل في توقيع عقود طويلة المدى للتزود بالنفط ووضع إطار قانوني ملائم والاستثمار في الطاقة الشمسية وعقد شراكات مثمرة مع دول الجوار.
في غضون ذلك، زار وفد حكومي تونسي رفيع المستوى ليبيا يومي 16 و17 من الشهر الحالي لبحث سبل التعاون والشراكة بين تونس وليبيا في مجالات الطاقة والمناجم والصناعة والطاقات المتجددة والتجارة والنقل، إذ التقوا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي وعبدالحميد الدبيبة رئيس الوزراء وأعضاء من الحكومة الليبية.
وخلال اللقاء أبدت وزيرة الخارجية الليبية استعداد طرابلس منح الأولوية في الدعم لتونس كما عقدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة القنجي جلسة عمل وزارية مع وزير النفط والغاز الليبي محمد أحمد عون واتفقا على استعادة التعاون الثنائي بين الوزارتين في مجالي النفط والغاز وتمت برمجة زيارة عمل إلى تونس خلال الأسبوع الحالي لممثلي المؤسسات الناشطة في القطاعين وذلك للتباحث حول آليات تفعيل التبادل التجاري والتعاون التقني والفني في مجالي النفط والغاز وآفاق الشراكة المربحة للطرفين في هذين المجالين.
ولم يكشف الطرفان خلال اللقاءات عن إمكانية العودة إلى اعتماد آلية المقاصة بين البلدين، التي تعني استيراد النفط الليبي في مقابل تصدير سلع من الجانب التونسي في إطار شراكة متكافئة، توقفت مع اندلاع الحرب في ليبيا.
وضعية طاقية صعبة
وتواجه تونس عجزاً في ميزان الطاقة بلغ 3.7 مليون طن مكافئ نفط حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022 مقابل 3.4 مليون طن سنة 2021 في الفترة نفسها مع انخفاض الاستقلالية الطاقية إلى 49 في المئة، وبلغ عجز الميزان التجاري الطاقي سبعة مليارات دينار (2.18 مليار دولار) في مقابل 3.8 مليار دينار (1.18 مليار دولار) بزيادة قدرها 84 في المئة.
من جهته، اعتبر المدير العام السابق للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة (حكومية) والمستشار لدى البنك الدولي في مجال الطاقة عزالدين خلف الله، أن "تونس تواجه وضعية طاقية صعبة وتخضع طاقة تخزين النفط أو المواد البترولية المستوردة إلى عديد من الاعتبارات أهمها الطاقة المحدودة للتخزين لدى الموزعين بمن فيهم الشركة الحكومية لعدم قدرة الموزعين على الاستثمار في طاقة التخزين بسبب هامش الربح المحدود".
وحول طاقة التكرير أكد أنها "خاضعة للإنتاج المحلي وحجمه 1.7 مليون طن مكافئ نفط وهي لا تتجاوز 30 في المئة من الاستهلاك كما يتأثر التزود من السوق العالمية بمدى توفر السيولة لاقتناء الكميات اللازمة من النفط".
وحول التعاون مع دول الجوار، يرى خلف الله أنه "مثمر في حال اعتماد آلية المقاصة أو التأسيس لشركات متخصصة في الاستثمار في التخزين كذلك توقيع عقود طويلة الأمد لتفادي التزود الآني الخاضع لاضطرابات السوق وحجم السيولة".