Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاربة الفساد في تونس... إرادة سياسية أم تصفية حسابات؟

تباين آراء بين من يرى القضاء متخاذلاً ومن يقول إن التحقيقات باتت "حقاً يراد به باطلاً"

محكمة أريانة القريبة من العاصمة التونسية في 6 يونيو 2022 (أ ف ب)

تكاد تكون المطالبة بمحاسبة من أجرموا بحق البلاد والعباد ومحاربة الفساد في تونس التحدي الأصعب الذي مرت به كل الحكومات منذ ثورة يناير (كانون الأول) إلى يومنا هذا.

وعلى رغم بروز هذا المطلب الشعبي على السطح، منذ أن تولى الرئيس قيس سعيد زمام الحكم في تونس، واعداً شعبه بفتح كل الملفات بحسب مراقبين للشأن العام، إلا أنه تعثر وأضاع الطريق وفق تقدير بعضهم الآخر، وأصبح "حقاً يراد به باطلاً"، وورقة ضغط في يد السلطة لإخماد صوت الخصوم السياسيين.

في هذا السياق أثار منع رئيس حزب "آفاق تونس" من السفر ضجة بالأوساط الحقوقية والسياسية خلال الأيام السابقة، وكان عبدالكافي قال في تدوينة له عبر حسابه بـ"فيسبوك" قبل أيام "تم منعي منذ قليل من السفر إلى الخارج عن طريق مطار قرطاج من دون الاستناد إلى أي إذن قضائي‫ أو بناء على أي تتبع ضدي قد يبرر هذا".

حملة ممنهجة

وأكد حزب "آفاق تونس"، في بيان، أن منع رئيسه من السفر "إجراء إداري من دون سند قانوني مع ما يحمله من تعسف وخرق للحريات الأساسية والدستورية للأشخاص".

وعبر الحزب عن "تنديده الشديد لهذا الإجراء التعسفي"، الذي يتنزل وفق نص البيان "في إطار توظيف أجهزة الدولة لقمع المعارضة واستهداف الشخصيات السياسية المعارضة ووجود الأحزاب والتضييق المنهج على الحريات".

وفي إطار فضح ملفات الفساد، أثارت تدوينات لشخصيات سياسية داعمة لمسار 25 يوليو (تموز) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن اتهامات وقضايا رسمية مرفوعة ضد معارضين جدلاً واسعاً، وأهمها اتهام رئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي المعارض لمسار قيس سعيد، بالزواج على خلاف الصيغ القانونية، أي زواج عرفي.

ما جعل جمعية القضاة التونسيين تصدر بياناً للرد على ما اعتبرته "افتراءات ومغالطات ماسة بكرامة رئيس جمعية القضاة وبسمعته"، ورأت أنها "جاءت في إطار حملة ممنهجة من خلال تقاسم الأدوار بين من يصرح ويكتب من جهة ومن يتولى النشر والترويج من أخرى، وهو أسلوب يذكرنا بأساليب حقبة الاستبداد"، بحسب نص البيان.

كما اعتبرت الجمعية أن "هذه الحملة الممنهجة تستهدف بالأساس جمعية القضاة في شخص رئيسها على خلفية ثباتها على مواقفها في الدفاع عن استقلال القضاء والقضاة"، موضحة "وذلك بإخضاع القضاة بصفة مطلقة لهيمنة السلطة التنفيذية والتشريع لعزلهم مباشرة من قبلها، في غياب تام للشفافية ولقواعد المساءلة العادلة"، وفق ما جاء في البيان.

معادلة صعبة

من جانب معاكس، يرى المتحدث الرسمي للتيار الشعبي الموالي للرئيس قيس سعيد، محسن النابتي أن "لحظة 25 يوليو جاءت كرد فعل على الفساد الذي استشرى في البلاد عموماً، وعلى فساد الطبقة السياسية خصوصاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال النابتي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "المعادلة صعبة بين إرادة سياسية عازمة على الإصلاح ومحاسبة المجرمين، وبين قضاء لا يريد لعب دوره الأساسي، وفي هذه الحالة وعلى غرار عديد من البلدان تأخذ الدولة على عاتقها هذا الجانب وتحاول محاسبة الفاسدين، وهنا عادة تكون الحصيلة على السلطة ثقيلة في جانب حقوق الإنسان".

والخيار الثاني، وفق تقدير النابتي، هو أن "تتحد الإرادة السياسية مع جهاز قضائي عادل، لكن في الحالة التونسية الحقيقة ضاعت وتعثر مسار المحاسبة بين إرادة سياسية عازمة على المضي قدماً على محاربة الفساد وبين قضاء لا يريد الإصلاح ويقف عائقاً أمام استكمال هذا المطلب الشعبي".

وأضاف "من يرى أن المحاسبة جاءت اليوم لتصفية حسابات سياسية فهو يغالط نفسه ويغالط الشعب"، موضحاً "نحن أمام جرائم إرهابية واغتيالات سياسية وفساد مالي وإداري دام أكثر من عشر سنوات، كلها جرائم قائمة ومطلوب من القضاء الكشف عن الحقيقة أمام الشعب، وعلى عكس ما يقوله بعضهم فإن الملفات موجودة وليست فارغة والقرائن والأدلة موجودة وما على القضاء إلا فضح المجرمين ومحاسبتهم".

يذكر أن رئيس حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، راشد الغنوشي وقف أمام التحقيق القضائي خلال الآونة الأخيرة في ملفات لها علاقة بالفساد والإرهاب، لكن القضاء تركه في حالة سراح، واتهمت حركة النهضة الرئيس قيس سعيد بأنه وراء محاولة إطاحة زعيمها عن طريق تصفية الحسابات وتلفيق تهم لا وجود لها.

محاكمات سياسية

من جانب آخر يرى حقوقيون أن نسق مضايقة المعارضين ارتفع عبر إثارة قضايا واتهامات تندرج ضمن طائلة تصفية الحسابات السياسية.

عضو المكتب التنفيذي للجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية وحيد الفرشيشي قال إن "تونس في تقريرها الأخير أمام مجلس الأمن قالت إنها تلتزم بحقوق الإنسان بكل المجالات، بما فيها مكافحة الفساد وحماية القضاة، وتم توجيه عديد التوصيات لتونس بوجوب تطبيق القواعد الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد". وأضاف الفرشيشي أن "السياق العام بتونس يعطي الانطباع بأن محاربة الفساد لا تتم عبر إطار تكريس القوانين، بل تحت طائلة ضرب الخصوم السياسيين".

وأشار إلى أنه "منذ  14 يناير سنة 2011 إلى حدود 25 يوليو 2022 لم يحل إلا عشرة مدنيين على القضاء العسكري، بينما منذ 25 يوليو، أي عندما تولى قيس سعيد زمام الأمور وإلى 20 مارس (آذار) 2022، أي في أقل من ستة أشهر، تمت إحالة أكثر من 16 مدنياً إلى المحاكم العسكرية".

ورأى الفرشيشي "في الحقيقة أغلبها محاكمات سياسية، حتى وإن وجدت بعض ملامح الاتهامات، إلا أن الإيقافات بهذه الطريقة كمنع السفر من دون سابق إنذار، تشير إلى أنها غير عادلة وهدفها الأساسي إخماد صوت الخصوم السياسيين المعارضين للمسار الجديد".

الأصوات المختلفة

من جانبها قالت الناشطة الحقوقية والسياسية بشرى بلحاج حميدة "الأكيد أننا كلنا مع محاربة الفساد ومحاكمة ومحاسبة من أجرم في حق الشعب أو الدولة"، لكن المحاسبة "يجب أن تكون في إطار القانون واحترام المحاكمة العادلة وفي ظل وضع قضائي هادئ ومطمئن يعمل من دون ضغوط". واستدركت بلحاج، "لكن ما نراه اليوم لا يتعلق بالمحاسبة العادلة، بل هي تصفية حسابات وإسكات أصوات المعارضة، وذلك على أساس ملفات قضائية فارغة وقرائن غير موجودة"، مضيفة "والدليل أن أغلب من تم إيقافهم أو التحقيق معهم يتم إخلاء سبيلهم بسرعة".

وأشارت إلى أنه "منذ 25 يوليو 2021 شاهدنا التوقيفات التعسفية ووضع شخصيات سياسية تحت الإقامة الجبرية من دون وجود قرائن قوية تستوجب مثل هذه الإجراءات، واليوم كذلك نرى التشهير اليومي للمعارضين ونعتهم بكل النعوت وآخرها وصفهم بتجار المخدرات أو تخوين بعضهم الآخر واتهامهم بالعمالة للخارج".

ولفتت بلحاج إلى أنه "إذا أردنا المحاسبة العادلة يجب احترام القانون واستقلالية القضاء وفصل السلطات، ثم يجب احترام قرينة البراءة ونمتنع على التشهير بالناس ونترك القانون يأخذ مجراه العادي في ظل قضاء مستقل وعادل ونقبل أن تكون المعارضة قوة ضغط ونحن في حاجة إلى هذه الأصوات المختلفة لنكون بمصاف الدول المتقدمة".

المزيد من تقارير