Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان الأدب الأوروبي يدعو إلى مواجهة المآسي بالسخرية

كتاب تحدثوا عن علاقة أعمالهم بالأزمات الراهنة والنزاعات وقضايا النزوح والهوية

من أجواء مهرجان الأدب الأوروبي (اندبندنت عربية)

كان من الطبيعي أن تخيم "ثيمة" أو موضوعة الحرب على مهرجان "أيام الأدب الأوروبي" في دورته الـ14، مع أنه افتتح أمسياته ولقاءاته تحت عنوان "الهزل والأزمة". وأحال الجمهور مقولة "الأزمة" إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير (شباط) هذا العام، على محاور المهرجان وندواته، على الرغم من أن مقولة "الهزل والأزمة" تم اعتمادها قبل اندلاع هذه الحرب، وفق ما قال مدير المهرجان فالتر غروند. وأضاف أن اتفاقاً تم في اجتماع اللجنة المنظمة للمهرجان، حول أن تكون هناك عناوين عريضة محددة للنقاش مع المشاركين هذا العام. وجاءت تلك العناوين التي تمت مناقشتها على مدار أربعة أيام، على الشكل الآتي: "الفكاهة والأزمة"، "شبح الفكاهة"، "مثل حلم سيئ"، "عن النبوءات الساخرة واختراع الواقع"، "عن الكوميديا السوداء وغلبة جاذبيتها".

 فبمجرد انتهاء مهرجان العام الماضي. يقول السيد غروند، تم الاتفاق على هذه المحاور، وأجريت اتصالات واتفاقات مع الكتاب المشاركين، وهم من دول مختلفة مثل أوكرانيا وأيسلندا والبرتغال وألمانيا والنمسا وسويسرا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا وبولندا وكرواتيا وإستونيا ورومانيا وسلوفينيا، قبل حدوث هذه الحرب بأسابيع، والهدف أن يتحدث كل واحد منهم "عما عاناه شخصياً أو عائلياً من خلال أزمات نشبت في بلده، ودور الفكاهة والسخرية والنكات والرسوم الكاريكاتيرية، كأسلوب واقعي، في مواجهة هذه الأزمات والكوارث"، وما هي الإمكانات الأخرى "التي يوفرها الأدب للتعامل مع الحرب والدمار"، وكذلك "الدروس التي يمكن استخلاصها من السخرية أو الفكاهة".

السخرية والحرب

 

في اليوم الأول كان اللقاء مع الكاتبة والصحافية والمترجمة الأوكرانية ناتالكا سنيادانكو (مواليد مدينة لفيف عام 1973)، التي عاشت حياتها السابقة في مسقط رأسها، بينما تعيش حالياً مع عائلتها حالة اللجوء في العاصمة الألمانية برلين. تمحور حديث ناتالكا، كما هو متوقع، عن المعاناة التي يعيشها الأوكرانيون حيال الحرب الشرسة الحالية، وحالة الدمار وتشتت الشعب الأوكراني في كل الاتجاهات بحثاً عن النجاة. وتحدثت كذلك عن "التدخلات والضغوط والتهديدات المستمرة من روسيا"، حتى في المجالات الصحافية والإبداعية، ضد بلدها أوكرانيا منذ استقلال أوكرانيا في عام 1991 من الاتحاد السوفياتي المنفرط عقده.

وروت الفائزة بجائزة جوزيف كونراد للأدب عام 2011، لحظات كثيرة من الرعب الذي عانته مع عائلتها، وكذلك عن "نادي الفكاهة" الذي اخترعه بعض الشباب الأوكرانيين لتخفيف رهبة الرعب بالفكاهة والنكات. ورأت أن هذا النادي كان مثاراً للسخرية والتساؤلات في بادئ الأمر، لكنه سرعان ما تحول إليه اهتمام الناس، وهو يعرض النكات والإسكتشات الساخرة.

شبح الفكاهة

 

الفيلسوفة والمتخصصة في التحليل النفسي السلوفينية ألينكا زوبانتشيتش (1966)، التي شاركت في ندوة مسائية في ذات اليوم، حملت مداخلتها عنوان "روح الفكاهة". وقالت إن الفكاهة لها وقعها الخاص واللاذع أكثر في وقت الرعب والكوابيس، ولكن هناك مستويات مختلفة من التفاعل، هناك "أرض خاصة لكل فكاهة"، بمعنى أن لكل شعب فكاهاته التي تدل على ثقافة ذلك الشعب وكذلك على مدى تفاعله معها، فقد لا تعني فكاهات أو نكات الشعب الأوكراني شيئاً للأفارقة، لأن أرض أو منبت تلك النكات والسخريات في أوكرانيا وليس في أفريقيا.

وأكدت ألينكا، التي عملت جنباً إلى جنب مع الفيلسوفين ملادن دولار وسلافوي جيجك، أن الفكاهة "تحدث بشكل أعمق وأوسع في أوقات الأزمات"، وأن الحرب لها "أكبر تأثير على الهوية". ونصحت بقراءة كتاب سيغموند فرويد "النكات وعلاقتها باللاوعي". وفي نهاية كلامها طرحت أسئلة عميقة من قبيل: هل يفقد الناس هوياتهم عندما يغادرون أمكنتهم ولغاتهم وحيواتهم إلى مكان آخر ولغة أخرى وحياة أخرى؟ وهل من السهل عليهم الاحتفاظ بهويتهم؟

أنغولا - ليسبوس

وكالعادة تخللت أمسيات "أيام الأدب الأوروبي" حوارات مع كاتبات وكتاب، حول أعمالهم ونظرتهم إلى الأزمات والحروب والنزاعات واللاجئين، وارتباط ذلك بمهمة الكتابة. تعرف الجمهور خلال الأيام الأربعة على كثير من التجارب الإبداعية، وآراء كتابها، مع الحصول على تواقيع الكتاب المشاركين من خلال معرض للكتب رافق المهرجان.

 

الروائية البرتغالية يارا مونتيرو (1979) تحدثت عن روايتها "جاذبية الدموع" التي تدور حول نزوح عائلة الشخصية الرئيسة أو بطلة الرواية فيكتوريا، من أنغولا إلى البرتغال (استمر استعمار أنغولا منذ أن اكتشفها المستكشف ديوغو كاو عام 1484 حتى عام 1975)، لكن الأم في الرواية أصرت على البقاء في أنغولا، والمساعدة في أي شيء، ولو صغير، لإنقاذ بلدها أو أحد أبناء البلد. وهكذا كان الخط الرئيس للعمل هو عودة فيكتوريا إلى أنغولا باحثة عن أمها.

تدور الرواية حول الأزمة الشخصية لفيكتوريا، كما بقية أبناء بلدها، في فقدان مكانها ولغتها ووالدتها ضمن الأزمة العامة التي تخص بلداً كاملاً، مما يجعل الرواية تذهب في جانب كبير منها إلى العاطفية العالية خلال السرد، وإلى الشعر والمونولوغ، وكثير من الحكايات.

وبسؤال ماريا عن بذرة هذه الرواية وعلاقتها بأنغولا، قالت الروائية البرتغالية إنها ولدت في أنغولا، لكنها غادرت مع عائلتها إلى البرتغال وهي في سن الثانية من عمرها. وصحيح أنها حصلت على الجنسية البرتغالية، وتزوجت من رجل برتغالي، ولكنها تشعر بأن "جذوراً أخرى تناديها، وحكايات من بلد آخر تريد سماعها وسردها". وقالت يارا، إن الهوية لا تعني  لها هوية ثابتة، بل هي "هوية سائلة أو متجددة"، والأهم أن تكون هوية "غير متعصبة".

وفي اليوم قبل الأخير التقى الجمهور الكاتبة والصحافية والممثلة يوانا لير (1962) حول روايتها الأحدث "غرام الجزر". وهي رواية على شكل فلاشات وريبورتاجات تناولت حياة سبعة لاجئين علقوا في مركز موريا الشهير، الواقع على جزيرة ليسبوس اليونانية، وتراوحت مدة انتظارهم بين ستة أشهر وثلاث سنوات. وهؤلاء اللاجئون كانوا من الكاميرون وإيران وأفغانستان.

"غرام الجزر" هي رواية مكثفة لحيوات مختلفة، تسرد يوميات المحتجزين، وكذلك ماضيهم، ولا شيء عن مستقبلهم. و"كأن الزمن مات في مركز الاحتجاز" على حد قول إحدى شخصيات الرواية.

جائزة التسامح

اختتم مهرجان "أيام الأدب الأوروبي" بتسليم جائزة التسامح للكاتب البوسني ميلينكو ميركوفيتش، وتبلغ قيمتها 10 آلاف يورو.

وجائزة التسامح هي جائزة سنوية يمنحها اتحاد الناشرين النمساويين إلى كاتبة أو كاتب أسهم في "نشر قيم التسامح ضد المفاهيم المتصاعدة للعنصرية أو الكراهية". وبسبب أهمية المهرجان، قرر المسؤولون عن الجائزة توزيعها في اليوم الأخير للمهرجان، وذلك منذ عام 2017. ومهرجان هذا العام هو المهرجان الرقم 14.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولد الكاتب ميلينكو ميركوفيتش في سراييفو في 28 مايو (أيار) عام 1966، وهو كاتب من البوسنة والهرسك، وكرواتيا. يكتب الشعر والرواية والمقالات السياسية والأدبية باللغة الكرواتية. بدأ ميركوفيتش حياته الأدبية مع نشر مجموعته الشعرية الأولى "مرصد وارسو" عام 1988، ونال عنها جائزتي "جوران" و"ماك ديزدار" للشعر، ثم أتبعها في عام 1990 بمجموعته الشعرية الثانية "هل يتعلم أحد ما اللغة اليابانية في هذه المدينة؟". وفي 1992 نشر مجموعته الثالثة "سماء كوماندو"، قبل أن يغادر العاصمة سراييفو في عام 1993، التي كان يحاصرها الجيش الشعبي اليوغسلافي منذ 5 أبريل (نيسان) 1992. ومنذ 1993 يقيم ميركوفيتش في زغرب، واشتهر كثيراً من خلال مجموعته القصصية "سراييفو مارلبورو"، التي صدرت عام 1994، ونال عنها جوائز محلية ودولية عديدة. أصدر بعدها عديداً من الروايات والقصص مثل "كاريفاني، فسيفساء عائلية" (1995)، "بريكو زاليدينوج موستا" (1996)، "ماما ليوني" (1999)، "فريلاندر" (2007)، "فولغا فولغا" (2009)... وصولاً إلى عمله الأخير "هرقل" (2021). نال ميركوفيتش عن أعماله السردية التي ترجمت إلى أكثر من 15 لغة جوائز كثيرة، منها جائزة الصحافة (1990) وجائزة إريش ماريا ريمارك للسلام (1995) وجائزة الأدب الإيطالي 2003، وجائزة اتحاد كتاب البوسنة والهرسك (2003) وجائزة جورج ديهيو للكتاب (2018).

وتمنح جائزة التسامح، التي نالها العام الماضي 2021 الكاتب الألماني من أصول إيرانية نافيد كيرماني، لكاتب أوروبي على قيد الحياة، تكريماً لـ"كتبه الإبداعية ومواقفه الشخصية". وقال ميركوفيتش، الذي لديه اهتمام شديد بكرة القديم. ويعلق عادة على مباريات كأس العالم لكرة القدم، إنه محظوظ في نيل هذه الجائزة التي "تدل حيثياتها على ما يعنيه الأدب خصوصاً، والكتابة بشكل عام، في خلق التواصل والتفاهم بين البشر، وترقية للقيم الإنسانية".

خلال أربعة أيام مكثفة استمع الجمهور إلى قصص وحكايات ونكات عن أزمات حدثت في دول مختلفة، مرسخة موضوعة الحرب على أجواء دورة هذا العام لـ"أيام الأدب الأوروبي"، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن وضع تلك الأزمات والكوارث والحروب قبالة النكتة والهزل والفكاهة والسخرية وقدراتها، جاء ذكياً جداً، وعادة، تكون اللجنة هي المسؤولة عن اقتراح موضوعة معينة، وغالباً ما تكون راهنة وحارة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة