Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزب السلام الغائب في روسيا

لماذا تعاني نخب البلاد للانفصال عن فلاديمير بوتين؟

صورة للرئيس فلاديمير بوتين بمركز احتجاز في خيرسون   (رويترز)

شكل إعلان وزارة الدفاع الروسية في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) عن الانسحاب الكامل من مدينة خيرسون علامة بارزة على وقوع كارثة من نوع خاص، حتى في حرب لم تسر على ما يرام بالنسبة إلى روسيا. فقد كانت خيرسون المدينة الرئيسة الأولى التي استولت عليها موسكو في أعقاب الغزو، كما كانت إحدى المناطق الأربع التي قامت روسيا بضمّها بشكل غير قانوني قبل مجرد خمسة أسابيع، عقب استفتاءات زائفة. وعمدت سلطات الاحتلال في المدينة في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى رفع لوحات إعلانية في شوارع المدينة تشير إلى أن روسيا ستبقى فيها "إلى الأبد"، وأبلغت موسكو المواطنين الروس أن احتلال خيرسون كان واحداً من النجاحات الرئيسة التي حققتها الحرب. ولكن، مع حلول الوقت الذي تم فيه ضم المدينة، كانت القوات الروسية سلفاً تبذل كثيراً من الجهد من أجل الحفاظ على خطوطها في وجه تقدم القوات الأوكرانية المستمر. وفي نهاية المطاف، اضطر القادة الروس إلى الانسحاب من خيرسون وتدعيم دفاعاتهم حول شبه جزيرة القرم وفي الشرق.

إن هذا التراجع المحرج الذي تم في أعقاب هجوم مضاد ناجح شنته أوكرانيا في منطقة خاركيف في سبتمبر (أيلول)، دفع عدداً من أعضاء النخب الروسية إلى التشكيك في الغزو والاعتراض عليه. وإن كثيراً من الأشخاص الذين كانوا دعموا الحرب بشكل فاعل سابقاً بيد أنهم باتوا الآن مقتنعين بأن الغزو قد تم التعامل معه بشكل سيئ منذ البداية ويريدونه سراً أن ينتهي، انضموا إلى أولئك الذين عارضوا الحرب منذ بدايتها (بيد أنهم ظلوا صامتين لكي يبقوا في أمان). ويشعر بعض هؤلاء بالقلق من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مؤهل للقيادة ومن أنه معرض لارتكاب أخطاء، كما أنه يتخذ القرارات على نحو عاطفي بشكل مفرط.

ويبدو أن الأشخاص الذين ينتمون إلى القوى السياسية الروسية البارزة "الوطنية" المؤيدة للحرب، ممن دعوا موسكو في وقت ليس بعيداً إلى الاستمرار بالقتال حتى احتلال كييف، صاروا حالياً أكثر واقعية. وكتب مراسل مجهول على قناة "تيليغرام" المسماة Obraz Buduschego (صورة المستقبل) الشعبية المؤيدة للحرب أن على موسكو أن تحاول تجميد الصراع وتنفيذ إصلاحات داخلية. وجادل يوري بارانتشيك، وهو وطني روسي بارز، على "تيليغرام" بأن الحرب الخاطفة التي شنتها موسكو فشلت وأنه يجب على روسيا الكف عن محاولة المضي إلى الأمام والعمل بدلاً من ذلك على ترسيخ مواقفها الحالية والتركيز على القضايا المحلية. أما المحلل التلفزيوني الشهير ألكسندر ميدفيديف، فرأى أخيراً أنه يتعين على روسيا الاعتراف بأن الوضع في أوكرانيا سيئ، كما أقر بأن موسكو ستواجه مزيداً من الهزائم. وجادل حتى أولئك القوميين الشرسين، مثل أليكسي جيفوف، بأن الحرب تظهر أن النظام السياسي الروسي فشل. ويصر عدد من هؤلاء المحللين على أن روسيا يجب أن تهتم بالشؤون الداخلية للتعامل مع المسائل المحلية، بما في ذلك الفساد، بدلاً من القتال في أوكرانيا.

ربما يعتقد بعضهم في الغرب أن الخلاف الداخلي المتنامي في روسيا يمثل فرصة بالنسبة إليهم، وحتى أنه ربما تكون هناك مجموعة روسية مؤثرة تريد من موسكو أن تخفف من حدة خطابها وتدخل في مفاوضات حقيقية مع كييف والغرب من أجل إنهاء الحرب. ولكن حتى لو كانت هناك مطالبة محلية متزايدة بـ"إعادة التفكير" في شأن الحرب والتركيز على المشكلات الداخلية، فهناك تعقيدات خطرة تجعل من الصعب على هؤلاء الأشخاص الواقعيين أن يتحولوا إلى صنّاع سلام. إن الواقعيين في روسيا يشعرون بالحذر حيال أي مفاوضات قد تؤدي إلى قرار مذل ربما كان من شأنه أن يهدد مستقبلهم السياسي، أو حتى سلامتهم الجسدية. والجدير بالذكر أن أحداً من أعضاء القيادة الروسية لم يؤيد علناً أي شكل من أشكال التنازلات الإقليمية، وهو أمر من شأنه أن يرقى إلى مستوى الاعتراف بهزيمة روسيا ويمكن أن يعرض صاحبه لمحاكمة جنائية. (يحظر القانون الروسي أي دعوات إلى المس بوحدة أراضي البلاد وتعتبر موسكو شطراً من أوكرانيا على أنه جزء من روسيا). وللسبب نفسه، لن تجرؤ نخب البلاد على الانقلاب على الرئيس فلاديمير بوتين. وعلى رغم كل إخفاقاته، فإن الزعيم الروسي يظل بالنسبة إليهم أفضل من يمكن الرهان عليه للحفاظ على النظام الذي يبقيهم في أمان.

وإذا أراد الغرب أن يتحول هؤلاء الواقعيون إلى طرف يسعى إلى تحقيق السلام، فعليه أن يوضح لموسكو بشكل لا لبس فيه أن السلام لن يؤدي إلى كارثة استراتيجية روسية أو إلى انهيار الدولة. وما لم يحصل ذلك، فإن السياسة الداخلية ستستمر في تفضيل مواصلة الحرب. وحتى إذا استمرت روسيا في تكبد الخسائر، لن يقترح أحد السعي إلى السلام خوفاً من الإقصاء. وبدلاً من ذلك، مع تراكم الهزائم، ستصبح موسكو أكثر اضطراباً.

لا مخرج

هناك في روسيا البوتينية طرق عدة لتعريف الهزيمة. فبالنسبة إلى قيادتها العسكرية، الهزيمة هي تراكم الانتكاسات في ميدان المعارك. أما بالنسبة إلى القوميين المتشددين، فإن الهزيمة تعني السماح لدولة أوكرانيا "المعادية لروسيا" بالوجود على الإطلاق. وهي من وجهة نظر الأجهزة الأمنية خسارة مواجهة روسية كبيرة مع الغرب. وتعني الهزيمة بالنسبة إلى النخب العادية، أي شيء يمكنه أن يهدد أمنهم الشخصي والسياسي. غير أن سحب القوات الروسية إلى خطوط سيطرتها في مرحلة ما قبل الغزو، سيفي بمعايير الأوساط كلها في روسيا، بمن فيها الواقعيون، وتعريفاتهم [للهزيمة]. ولن تكون مثل هذه الخطوة علامة تؤشر إلى نهاية النفوذ الروسي على أوكرانيا فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى وجود واقع جيوسياسي جديد مهين بالنسبة إلى موسكو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى النخب الروسية، فإن الانسحاب سيكون أكثر من مجرد إذلال، لا بل سيكون ذلك الأمر خطراً. وهم لا يعتقدون بأنهم إذا وافقوا ببساطة على الانسحاب إلى مواقع روسيا قبل 24 فبراير (شباط) والتفاوض للسيطرة على أجزاء من دونيتسك ولوغانسك، فإن ذلك سيجعل التصالح مع أوكرانيا ممكناً بالنسبة إليهم. كما أنهم لا يظنون أن بمقدور موسكو أن تضع حداً للأعمال العدائية مع أوكرانيا من دون المجازفة بخسارة شبه جزيرة القرم. وفي الواقع، إنهم يحسبون أنه إذا سحبت روسيا قواتها إلى حيث كانت في بداية عام 2022، فسوف يؤدي ذلك إلى جعلها هي نفسها عرضة للانهيار. وكما كتب دميتري ترينين، وهو المدير السابق لمؤسسة "كارنيغي موسكو (المغلقة حالياً) في مايو (أيار) أن "الهزيمة الاستراتيجية" التي "يعدها لروسيا" الغرب تعني أن "مسرح ’الحرب الهجينة‘ سينتقل ببساطة من أوكرانيا بعيداً نحو الشرق، إلى داخل حدود روسيا نفسها التي سيكون وجودها ذاته بشكلها الحالي محل تساؤل". وانطوى ما ذكره عدد من الروس على قنوات "تيليغرام" الروسية، على الإشارة إلى أن الغرب سيصر على أن يكون طرد بوتين من منصبه جزءاً لا يتجزأ من اتفاق محتمل. ويعتقد عدد من المحافظين بأنه إذا سقط بوتين نتيجة لصفقة مثل هذه، ستحل محل نظامه حكومة موالية للغرب بشكل أكبر وسيكون من شأنها أن تخون المصالح الاستراتيجية لروسيا وتسمح بتفتيت وحدة أراضيها. وببساطة، فإن النخبة الروسية لا ترى أن الحرب ضد أوكرانيا توسعية بل هي في رأيها حرب من أجل الحفاظ على الذات.

ويعتقد كثر من الروس بأن انهيار الدولة سيمهد لتحقيقات جنائية دولية تليه، وربما حتى لمحكمة جرائم حرب. ويخيف هذا الاحتمال حتى أعضاء النخب الروسية ممن لم يشاركوا في القتال. ولم يسمح نظام بوتين منذ بدء الحرب لأي عضو بارز في القطاع العام أو الخاص في روسيا بالبقاء على الهامش. ويبدو أن المسؤولين الذين حاولوا النأي بأنفسهم عن الغزو، مثل ميخائيل ميشوستين رئيس الوزراء، وإلفيرا نابيولينا حاكمة البنك المركزي، وسيرغي سوبيانين عمدة موسكو، قد تم تجنيدهم فعلياً في إطار المجهود الحربي. وكلف بوتين ميشوستين، على سبيل المثال، قيادة "مجلس التنسيق الخاص" الذي أنشأه الرئيس الروسي لجمع القادة المدنيين والعسكريين معاً من أجل تلبية حاجات الحكومة في زمن الحرب. ولكن بعيداً من تمكين التكنوقراط بحيث يستطيع أن يراجع نفوذ الأجهزة العسكرية والأمنية للتأكد منه وتحقيق توازن فيه، فقد تم دمج المجلس في أجندة الجيش وجعله يتصرف وفقاً لأولويات الجيش. يعمل ميشوستين حالياً على توفير حاجات القوات المسلحة من خلال تأمين تعبئة الاقتصاد في زمن الحرب. ولديه قليل من الوقت للمضي قدماً في تنفيذ أجندته الخاصة بوقت السلم والتركيز على تطوير اقتصاد روسيا الحديث.

تعتبر النخبة الروسية الحرب ضد أوكرانيا حرباً من أجل الحفاظ على الذات

ولقد غيرت الحرب أيضاً سيرغي كيرينكو، وهو رئيس دائرة السياسة المحلية لدى بوتين. وبدا أن كيرينكو الذي كان يوماً تكنوقراطياً، يستغل الحرب من أجل تعزيز موقعه، إذ أصبح مسؤولاً عن الدمج السياسي للأجزاء المحتلة من أوكرانيا في روسيا. ولكن في الحقيقة، كان كيرينكو غير مستعد بشكل جيد لمواجهة تحديات الاحتلال العسكري، وقد تم دفعه إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية على نحو أوثق. وعلى سبيل الاستجابة لذلك، بدأ كيرينكو تقليد الصقور من حوله، وتخلص إلى حد بعيد من سمعته السابقة كشخصية براغماتية وإن كان منافقاً.

ومرت نخب كثير أخرى كانت يوماً معتدلة في المسار نفسه. ويتبنى اليوم نظام بوتين عناصر من أسلوب عمل ديكتاتورية عسكرية. وعلى رغم الانتقادات الأخيرة الموجهة إلى استراتيجية الحرب الروسية، فإن الصقور في حال صعود، فيما دمر القمع السياسي أي معارضة حقيقية من خلال إسكات أصوات المعارضة الصريحة ضد النظام نفسه بسرعة. وأدت الحماسة المتأججة المؤيدة للحرب إلى جعل أعضاء النخب العسكرية التي كانت هامشية في السابق، مثل يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة "فاغنر" للمرتزقة، أكثر صخباً وأشد استفزازاً. ودفعت أيضاً عدداً من الشخصيات الأخرى داخل النظام إلى تبني وجهات نظر متطرفة كانوا يتجنبونها في السابق. وحتى دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي اعتبر ليبرالياً حين تولى رئاسة البلاد بين 2008 و2012، بدأ بإصدار خطابات قاسية جامحة ضد حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأوكرانيا عبر قناته على "تيلغرام". ويتألف اليوم التيار السياسي السائد من حركة صاعدة قوية وغير متسامحة ومؤيدة بشكل لا لبس فيه للحرب، يعتبر الغزو بالنسبة إليها ضرورة وجودية. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن النصر يجب أن يتأمن بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الأسلحة النووية. إنهم لا يرون أن ثمة فرصة أو مجالاً لمبادرات السلام.

وفي هذا السياق، ربما يكون صعود الواقعيين أمراً ذا أهمية حاسمة من أجل إنهاء الصراع. فهؤلاء يدركون أن المسار الحالي لروسيا انتحاري، وأن ارتكاب مزيد من الفظائع وهدر الموارد المتضائلة من شأنهما أن يفاقما وضع روسيا المتدهور سلفاً في صراع سيتعين على موسكو أن تضع حداً له في نهاية المطاف. ولكن حتى مع أنهم يريدون وقف الغزو، فإن عليهم أن يقطعوا طريقاً معقداً لبلوغ ذلك الهدف.

فرق تسد

وبالنسبة إلى النخب الروسية، فالتعبير عن الدعم للحرب، وإن لم يكن ذلك دعماً للطريقة التي يجري خوضها حالياً، هو مفتاح لبقائهم سياسياً. يعرب كثيرون بشكل متزايد عن دعمهم للتصعيد، وهو موضوع أصبح سائداً. وعلى رغم وجود مصالح مختلفة لكل منها دور تؤديه في ما يجري، فإن التكنوقراط وعملاء الأمن والقوميين المحافظين وقادة الأعمال متحدون إلى حد بعيد في الاعتقاد بأن روسيا لا يمكن أن تخسر، مخافة أن تتمخض هذه الخسارة عن انهيار النظام الذي يعتمدون عليه جميعاً.

إلا أن موسكو باتت منقسمة بشكل عميق حول كيفية تنفيذ تلك المهمة. يريد أكبر أنصار الحرب، بمن فيهم أولئك الذين يتبنون أيديولوجيا محافظة مثل نيكولاي باتروشيف والزعيم الشيشاني رمضان قديروف، إجراء تعبئة كاملة، وتجنيد جميع السكان المؤهلين للقتال في روسيا، ووضع الاقتصاد الروسي بأكمله على أهبة الاستعداد لزمن الحرب، وضرب أوكرانيا بكل ما لديهم من قوة، بما في ذلك الأسلحة النووية. (قامت روسيا أخيراً بحملة إعلامية واسعة النطاق استهدفت جعل العالم يعتقد بأن بإمكانها استخدام هذه الأسلحة وبأنها ستفعل ذلك إذا لزم الأمر). ولا يزال هؤلاء القوميون المتطرفون يتخيلون أن من الممكن لروسيا أن تنتصر انتصاراً واضحاً، وأن كييف ستسقط في نهاية الأمر في قبضة روسيا. وعلى النقيض من ذلك، أدركت الجوقة المتنامية من الواقعيين الروس أن موسكو لا تملك الموارد التي تحتاج إليها لتحقيق الفوز. وبدلاً من ذلك، باتوا يفضلون نهجاً تتجنب فيه روسيا مزيداً من الهزيمة من خلال تجميد الحرب حيث هي، وحفر خطوط دفاعية حول مواقعهم الحالية واستخدام تعزيزات لوقف تقدم أوكرانيا.

ليس هناك بين أعضاء النخبة الروسية من سيؤيد انسحاباً روسياً إلى مواقع بلاده قبل 24 فبراير. غير أنه من الممكن أن يدفع الواقعيون علناً في اتجاه تجميد الصراع عبر اتفاق موقت مع الغرب (يجري إبرامه مع أوكرانيا). لكن، أولاً، يتعين عليهم أن يتغلبوا على صقور المتطرفين المستعدين للقتال في أوكرانيا حتى النهاية المريرة والذين يظلون مهيمنين في الخطاب السياسي المحلي. ولكي يفعلوا ذلك، ينبغي عليهم إقناع بوتين بأن يعترف شخصياً بالواقع ويختار اتباع نهج أكثر واقعية حيال الصراع. ولكن حتى لو تخلى بوتين [عن هدفه الأساسي] واعترف بأن أفضل ما يمكن لروسيا أن تفعله هو تجميد الحرب، فإن ذلك لن يقلل مخاوف النخبة في شأن بقاء روسيا ووحدة أراضيها في مواجهة الغرب الذي يريد إخضاع روسيا، حتى كما يعتقد الواقعيون.

وهناك قليل مما يمكن للولايات المتحدة وأوروبا فعله لعزل الواقعيين عن التهديدات المحلية [وحمايتهم]. ولكن إذا أراد الغرب إسماع صوته بقوة أكبر في الكرملين، فعليه أن يضع اقتراحاً لإجراء محادثات سلام روسية أوكرانية يمكن أن تؤدي إلى حوار روسي أميركي متزامن حول مخاوف موسكو الاستراتيجية. وهذا الحوار سيكون مصمماً لكي يضمن بقوة لموسكو أن روسيا ستبقى دولة مستقرة تحكم نفسها بنفسها. ويمكن للولايات المتحدة أن تفعل ذلك بالموافقة على مناقشة مستقبل "ناتو". وسيتوجب على الغرب أيضاً أن يعرض على روسيا ضمانات بأن أوكرانيا لن تستخدم كجزء من مشروع غربي "مضاد لروسيا"، كما يزعم بوتين.

وبالنظر إلى كل الأشياء الفظيعة التي قامت بها روسيا، فإن هذه النتيجة لن تكون مرضية جداً بالنسبة إلى أوكرانيا أو إلى شركائها الغربيين. إلا أنه في ظل الظروف الحالية، يعتقد بوتين بأن ليس لديه خيار آخر سوى الاستمرار في قصف أوكرانيا ومهاجمتها. وخلافاً لكثر من النخب الروسية، يعتقد بوتين بأن أوكرانيا لا تزال محكومة بالفشل. إن هدف بوتين الشخصي هو تكتيكي، يتمثل في وقف هجمات كييف، وإبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، ثم الانتظار حتى تنهار الدولة الأوكرانية، وهو ما يعتقد بأنه سيحصل والمسألة مجرد مسألة وقت. وربما يلجأ بوتين إلى التصعيد عبر استعمال الأسلحة النووية. إن إقناع الواقعيين بأن السلام مع أوكرانيا لن يتسبب حتماً في انهيار روسيا هو مهمة صعبة للغاية. لكن هذا قد يكون الطريقة الوحيدة لجعل الكرملين ينهي غزوه الكارثي. وإلى ذلك الحين، ليس هناك خيار حتى للنخب الواقعية سوى الرهان على الدولة القوية والرجل القوي.

تاتيانا ستانوفايا باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وهي المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لشركة التحليل السياسي آر. بوليتيك.

"فورين أفيرز"، 18 نوفمبر 2022

اقرأ المزيد

المزيد من آراء