Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الخريج"... طريقة عصر زيت الزيتون البدائية

موروث شعبي لدى السوريين لكنه يواجه كثيراً من التحذيرات الطبية

لزيت الزيتون السوري شهرة عالمية نظراً لجودته العالية وإنتاجه الوفير (اندبندنت عربية)

على رغم شهرة زيت الزيتون السوري عالمياً نظراً إلى جودته العالية وإنتاجه الوفير إذ إن عدد أشجاره يقارب 100 مليون، إلا أن "الخريج" يظل أحد الأنواع الفريدة التي تختلف عن الزيت العادي وتتميز بلذة المذاق وطريقة عصر خاصة تكاد تتجه إلى الاندثار.

ومع اقتراب انتهاء موسم "الذهب الأخضر"، كما ينعت السوريون زيوتهم، ما زالت تتقاطر مركبات تحمل أكياساً مكدسة بكميات كبيرة إلى المعاصر الحديثة المنتشرة على امتداد الأرياف، إذ يبقى فريق من المزارعين على قناعة بأمل البركة التي تحملها "المطرة الأولى" إيذاناً ببدء الشتاء ومسيرة قطاف ثمار الجهد والتعب.

يقدر مكتب الزيتون في وزارة الزراعة كمية الإنتاج من الموسم الحالي بنحو 820 ألف طن تقريباً، منها 15 في المئة زيتون مائدة وتنتج هذه الكمية حوالى 125 ألف طن زيت زيتون.

وأثار قرار التصدير ارتفاعاً في الأسعار بالمقارنة مع الموسم الماضي، ووفق المعلومات الأولية يجهز 80 ألف طن من الزيت للأسواق المحلية والفائض 45 ألف طن معد للتصدير الخارجي.


طقس عائلي في كل عام

أيام قليلة وستغلق هذه المعاصر أبوابها، لكن ثمة معاصر صغيرة الحجم وبدائية توزعت في عدد قليل من ريف الساحل غرب سوريا، تعصر الزيتون بطريقة "الخريج" المميز بلونه الأسود الغامق، ويحرص كل أفراد العائلة على مواكبة هذه العملية في منازلهم ويتفرغون لأداء المهمة في كل موسم عبر تقديم إجازات من وظائفهم.

 

 

فوق مرتفع شاهق تتموضع قرية بيت ياشوط في ريف جبلة باللاذقية بعلو يصل إلى 500 متر عن سطح البحر، أنهت معصرة صغيرة لرجل مسن يدعى أبو حكمت عصر الحبات الخضراء لأهل بلدته، وفي وصف مجازي يفتخر بأن طعم الزيت يشبه "العسل" لشدة إعجاب الناس بمذاق هذا النوع.

ينفث الدخان من سيجارته "اللف العربي" سحابة بيضاء تشبه تلك الغيمة التي تظلل المكان وتعانق جبال مكسوة بالخضراوات، وينظر بعينين متعبتين إلى الأواني ذات الأحجام الكبيرة التي تسمى "الحلل" وإلى كومة كبيرة مما تبقى من بقايا الزيتون "التفل" يعكف على صناعة أقراص منه يمكن استخدامها للتدفئة، في حين يسرد لنا قصة صناعة أشهر زيت بمنطقته، بل الأول بين الزيوت بلا منازع على الموائد حتى إنه الأغلى ثمناً.

تعد عملية قطاف الزيتون بداية النهاية بالنسبة إلى رحلة عمل المزارعين التي دامت موسماً من الرعاية والاهتمام، فما عليهم سوى جلب المحصول إلى المعاصر واستخراج الزيت وتعبئته بالأواني المخصصة، لكن لإنتاج الخريج نكهة خاصة فيها تكاتف عائلي.

وبحسب العم أبو حكمت بعد قطاف الزيتون يسلق لدرجة غليان تصل إلى 90 درجة مئوية، وبعدها يضع الأهالي الحبات المسلوقة ويفردونها على الأسطح النظيفة ويجعلونها تتخمر من خمسة إلى 10 أيام إلى أن تنشف ومن ثم تؤخذ إلى المعصرة وهناك معاصر آلية وأخرى على الطراز القديم.

"الطابوس" آلة تقاعدت عن العمل

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في بيت ياشوط القرية الوديعة ما زالت بيوت قديمة عدة تحتفظ بقطع حجرية مجوفة يطلق عليها "الطابوس" توقفت عن العمل نهائياً واستعاض الناس عنها منذ عقود بجلب حبات الزيتون المسلوقة إلى معاصر آلية توفيراً للجهد، ومن جهة ثانية لزيادة كمية العصير المستخلصة من الزيتون.

ويشرح محسن محمد، موظف متقاعد من أهالي القرية عن تلك الآلة الحجرية بقوله، "هو مكسر حجري كبير مجوف ومحفور، في داخله حفرة وبقلبه عمود مدحلة مع الحجر ومتحورة على المحور لخارج الحوض من اليمين واليسار يربطونه مع الدابة ويغطون عينيها كي لا تشعر بالدوار أثناء الدوران ومهمته كسر الزيتون ومن ثم يضعونه لعصر حبات الزيتون والطابوس توقف عن العمل وبات من التراث القديم قبل أعوام".

لا غنى عنه على المائدة

إزاء ذلك لا تخلو موائد بيوت الساحل غرب البلاد من لذة حضور "الخريج"، لا سيما مع مأكولات شعبية اشتهرت بها كأن يوضع في "المجدرة" و"الشنغليش" وغيرهما، مما يكسبها طعماً مختلفاً.

فاطر بنود صاحب إحدى المعاصر قال إن المعاصر البدائية تطورت بشكل متسارع عبر استخدام قطعتين من الحجر الثقيل تعملان بطريقة دائرية، مضيفاً "يحب الريفيون هذا النوع، فطعمه لا يضاهى ولا يفارق وجباتهم اليومية، صحيح أن إنتاجه انخفض، لكن لا بد من صناعة زيت الخريج في كل موسم".

 

 

لقد وصل سعر صفيحة الزيت العادي المعصور بالطريقة التقليدية (الباردة) إلى ما يقارب 250 ألف ليرة (50 دولاراً)، أما عبوة زيت "الخريج" المصنوع بالطريقة الساخنة المغلي، فبلغ سعرها 350 ألفاً (70 دولاراً) وسط تسويق ينحصر في منطقة الساحل، إذ لم تسجل أية عمليات توزيع كثيفة لهذه المادة.

السلامة والصحة

في غضون ذلك، حذرت مديرة مكتب الزيتون بوزارة الزراعة عبير جوهر من زيت "الخريج" وأضرار على الصحة، إذ رأت أن الحرارة المرتفعة وتخمره لمرات عدة سيؤديان إلى احتوائه نسبة عالية من الحموضة، مفضلة تناول المستهلكين الزيت المعصور بالطريقة الطبيعية.

تصريح المسؤولة الزراعية أثار زوبعة من التعليقات والجدل حول صحة هذه المعلومات من عدمها، في حين يخفف الشاب قاسم زين الدين من قيمتها ويعتقد بأن الأجداد على مدى آلاف السنين تناولوا "الخريج" وأبدانهم أفضل من اليوم.

من جانبه، قال الأكاديمي في الإنتاج الزراعي جميل نوفل إن الزيت الأسود "الخريج" موروث شعبي متجذر في القرى وهو جزء لا يتجزأ من ثقافة المطبخ، لكن طبيعة الحياة اختلفت ولعل الاستماع لصوت العلم لا بد منه حتى نتعرف إلى القيم المفيدة في هذا المنتج أو الضارة.

وأضاف "بحسب الدراسات المخبرية تبين أن نواتج الأكسدة تتجمع في الجسم التي بدورها تقلل نسبة الأوكسجين، ومن الممكن أن تترك تأثيرات في القلب وخلايا الجسم، ولا بد من الاعتدال بتناوله لدرء المشكلات الصحية".

ومع كل ذلك، يبقى الجمهور الذواق لزيت "الخريج بمنأى" عن كل التصريحات والدراسات المخبرية التي تحظره، متمسكين به كموروث شعبي يواظبون على إنتاجه كل عام، فهو ليس سماً قاتلاً باعتقادهم، لكن الفرق الطبية والصحية والعلمية ترى أن أثره التراكمي قد يترك تأثيرات سلبية في الإنسان وصحته في المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات